تفسير سورة الزمر من الآية ( 22 ) إلى ( 44 ) الدرس (220 )

تفسير سورة الزمر من الآية ( 22 ) إلى ( 44 ) الدرس (220 )

مشاهدات: 436

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الزمر من آية (22) إلى (44) الدرس (220)

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

___________________________________

 

﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (22) ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ (23) أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجۡهِهِۦ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَقِيلَ لِلظَّٰلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ (24)

﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ﴾ فيه شيء محذوف هنا: كمن ليس كذلك؟ ولذلك دل عليها ما بعدها -كمن ليس كذلك- دلالتها: ﴿فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ﴾ وهذه الآية كالآية التي مرت معنا في سورة الأنعام: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ ﴾ [الأنعام: ١٢٥]

﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ﴾ شرح الله صدره فقَبِل نور الله ﴿فَهُوَ عَلى نورٍ مِن رَبِّهِ﴾ يعني حركاته وأقواله على نور من الله كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ نورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشكاةٍ فيها مِصباحٌ﴾ إلى أن قال: ﴿نورٌ عَلى نورٍ يَهدِي اللَّهُ لِنورِهِ مَن يَشاءُ﴾ [النور: ٣٥]

﴿فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ﴾ فويل: وعيد شديد لمن قسى قلبه عن ذكر الله

فأعرض عن ذكر الله ﴿أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ ضلال مبين: واضح، لأن من أعرض عن هذا القرآن قسى قلبه فأصبح ﴿في ضَلالٍ﴾ وأي ضلال؟ ﴿ضَلالٍ مُبينٍ﴾.

 

﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ﴾ هذا هو مصدر الحياة وهو القرآن ﴿اللَّهُ نَزَّلَ﴾ وذكر اسمه في ابتداء الأمر من باب التعظيم لهذا القرآن ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ﴾ أحسن الحديث ﴿فَليَأتوا بِحَديثٍ مِثلِهِ إِن كانوا صادِقينَ﴾ [الطور: ٣٤]

﴿كِتابًا مُتَشابِهًا﴾ متشابهاً: يشبه بعضه بعضًا في الحسن، في الإتقان ومرَّ ذلك معنا في أول سورة آل عمران.

﴿مَثانِيَ﴾ تُثنى قراءته وتُكرر ولذلك نقرأه كثيرًا ونتأمله كثيرًا ومع ذلك نجد أن القلوب تزداد إيمانًا كلما قرئ وكلما تُدُبِّر بل العلم يزداد.

﴿تَقشَعِرُّ مِنهُ﴾ تنقبض ﴿تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلودُ الَّذينَ يَخشَونَ رَبَّهُم﴾ حينما يأتي وعيد الله وتخويف الله ﴿ثُمَّ تَلينُ جُلودُهُم﴾ تلين وتخضع ﴿ثُمَّ تَلينُ جُلودُهُم وَقُلوبُهُم إِلى ذِكرِ اللَّهِ﴾ هذا عند ذكر الوعد والثواب يعني هم بين الرجاء والخوف؛ عند الوعيد تقشعر الجلود، عند الوعد والترغيب والثواب تلين.

﴿ذلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾ فالقرآن هدى وبه الهدى ومن أخذ به اهتدى ﴿يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ﴾ ليس من حولك ولا من قوَّتك ﴿يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ﴾ تفضُّلًا منه ﷻ، لكن على المسلم أن يتعرض لثواب الله ﴿وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ مهما عَظُم هذا الـ﴿هادٍ﴾ ومهما كثروا.

 

﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ﴾ يعني من أعرض عن هذا القرآن وأضله الله ﷻ، ما حاله في يوم القيامة؟ ﴿يَتَّقي بِوَجهِهِ﴾ الوجه أشرف الأعضاء ومع ذلك يريد أن يدفع النار بوجهه ﴿ سوءَ العَذابِ﴾ العذاب السيء ﴿سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾

 ما ظلمكم الله وإنما هذا بسبب أعمالكم.

 

﴿كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلۡخِزۡيَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (26) وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِي عِوَجٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (28)﴾

 

﴿كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم ﴾ من قبل كفار قريش ﴿فَأَتاهُمُ العَذابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرونَ﴾ أتاهم بغتة من حيث لا يعرفون أو من حيث لا يشعرون أفلا يتَّعِظون.

﴿فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الخِزيَ فِي الحَياةِ الدُّنيا﴾ الخزي والهوان والعذاب ﴿وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَكبَرُ﴾ أكبر من هذا الذي نزل بهم في الدنيا.

﴿لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ لو كانوا يعلمون حقيقة الأمر ما أقدموا على تكذيب الرسل وما أقدم كفار قريش على تكذيب محمد ﷺ.

﴿وَلَقَد ضَرَبنا لِلنّاسِ في هذَا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ من كل مثل يُعتبر به، من وعد ووعيد وذكر قصص الأنبياء وما شابه ذلك لكن أين العبرة ﴿لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ﴾ سبيل للتذكر

ثم قال مبينًا عِظَم هذا القرآن:

حالة كونه: ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا﴾ ليس بلغة أعجمية ﴿غَيرَ ذي عِوَجٍ﴾ ليس فيه اعوجاج وإنما به الاستقامة ولا تناقض فيه ﴿وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ [النساء: ٨٢]

﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي أَنزَلَ عَلى عَبدِهِ الكِتابَ وَلَم يَجعَل لَهُ عِوَجًا – قَيِّمًا..﴾ [الكهف: ١-٢]

 لعلهم يتقون.

 

﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٞ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)

 ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ (31)﴾

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾ هنا مثل لمن يعبد الله ﷻ ومن يعبد غير الله ما حاله؟ كحال عبد عند سيد؛ ذلكم السيد به رفيق -يعني به رِفْق وبه رحمة به- وهذا مثل لمن يعبد الله، أما الآخر فهو عبدٌ يملكه شركاء ﴿مُتَشاكِسونَ﴾ ليسوا على رأيٍ واحد؛ هذا يأمره وهذا يأمره فما هو حالُهُ؟

حالُهُ: في حيرة وفي عذاب مستمر، هذا هو حال المشرك في عذاب مستمر في هذه الحياة الدنيا فكيف بعذاب الآخرة.

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ﴾ مختلفون ومتخاصمون لا يثبتون على رأي هذا يأمره وهذا يأمره، ما حاله؟ حاله في عَنَت وتعب ومشقة، هذا هو حال من أشرك بالله

﴿وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: ١٢٤]

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾ يعني رجل وهو العبد يملكه سيد واحد ﴿هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا﴾ الجواب: لا يستويان، هذا في راحة لأن من يأمره واحد وهو رحيم ورفيق به ﴿هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا﴾ الجواب: لا

﴿الحَمدُ لِلَّهِ﴾ حَمِد الله؛ لأن الحجة واضحة وظَهَرت ﴿بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمونَ﴾ فهم جهلة، وأنَّى للعلم أن يأتيهم وهم معرضون عن مصدر العلم وهو هذا القرآن.

 

﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾ يقولون: محمد سيموت وينتهي أمره، وينتهي هذا الدين أيضًا ولذلك قال تعالى: ﴿وَما جَعَلنا لِبَشَرٍ مِن قَبلِكَ الخُلدَ أَفَإِن مِتَّ فَهُمُ الخالِدونَ – كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ﴾ [الأنبياء:٣٤ – ٣٥] فقال هنا: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ﴾ يا محمد ﴿وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾ فهو ميِّت من حيث الجسم لكن في قبره له حياة برزخية الله أعلم بها، ولذلك الصوفية وأشباههم يقولون نحن نأتي فيشفع لنا النبي ﷺ لأنه حي!

فنقول: القرآن نصَّ نصَّا صريحًا واضحًا أن النبي ﷺ ميِّت ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾ أما حياته البرزخية فالله أعلم بها فلا مُتعلَّق لكم بهذا الأمر بل حجتكم داحضة ومدفوعة، وفِعلكم هذا مناقضٌ للتوحيد.

﴿ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيامَةِ عِندَ رَبِّكُم تَختَصِمونَ﴾ يختصم أهل الإيمان وأهل الكفر فالله ﷻ يحكم لأهل الإيمان بالجنة ولأهل الكفر بالنار.

 

﴿۞فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدۡقِ إِذۡ جَآءَهُۥٓۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡكَٰفِرِينَ (32) وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ(35)﴾

﴿فَمَن أَظلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدقِ إِذ جاءَهُ﴾ كَذَبَ على الله إذ قال على الله بلا علم وأيضًا كذَّبَ بالصدق الذي جاءه ﴿أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلكافِرينَ﴾ يعني مأوى ومقر للكافرين؟ الجواب: بلى، فحُكْمُ هؤلاء: كَفَرَة.

﴿أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلكافِرينَ﴾ هؤلاء كَذَّبوا لكن الصنف الطيب:

﴿وَالَّذي جاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ من الذي جاء بالصدق؟ محمد ﷺ، وَصَدَّقَ أيضًا به: محمد ﷺ ولما بلَّغه إلى المؤمنين، ومن بينهم أبو بكر رضي الله عنه فقد صدقوا به، ولذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ” حدثنا الصادق المصدوق ” كما في الصحيحين يعني النبي ﷺ

﴿وَالَّذي جاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ﴾ ﴿قُل يا عِبادِ الَّذينَ آمَنُوا اتَّقوا رَبَّكُم ﴾ [الزمر: ١٠]  كيف يتحقق التقوى؟

 

﴿لَهُم ما يَشاءونَ عِندَ رَبِّهِم﴾ من النعيم ﴿ذلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ﴾ المحسن: من صدَّق بما مضى

 

﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنهُم أَسوَأَ الَّذي عَمِلوا﴾ فإذا كفَّر الله عنهم أسوأ الأعمال؛ إذًا ما دون ذلك من باب أولى، فهو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى أنه إذا كفَّر الأسوأ؛ يُكفِّر السيء.

﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنهُم أَسوَأَ الَّذي عَمِلوا﴾ زوال المكروه ﴿وَيَجزِيَهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ الَّذي كانوا يَعمَلونَ﴾ هذا النعيم: ﴿بِأَحسَنِ الَّذي كانوا يَعمَلونَ﴾ نعيم الجنة.

 

﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ (36) وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي ٱنتِقَامٖ (37) وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (39) مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ (40) إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ (41)﴾

﴿أَلَيسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبدَهُ﴾ بلى والله، الله يكفي العبد: ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] لأنهم قالوا انتبه يا محمد فلربما أن آلهتنا تُصيبك بشيء.

﴿وَيُخَوِّفونَكَ بِالَّذينَ مِن دونِهِ﴾ يقولون احذر أن تمسَّكَ الأصنام بسوء، وهذا يدل على أن الخوف -خوف السر- الخوف من غير الله خوف السِّر: كفر وشرك بالله كما ورد هنا، كمن يقول لإنسان مثلًا: انتبه من الولي الفلاني أن يضرك، إذا نهيت عن دعائه أو الاستغاثة به؛ هذا خوف السر: كفر بالله عز وجل.

﴿وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ لا أحد يستطيع أن يهديه.

﴿وَمَن يَهدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُضِلٍّ﴾ لو اجتمع من اجتمع لن يضلوا هذا الذي هداه الله ﴿أَلَيسَ اللَّهُ بِعَزيزٍ ذِي انتِقامٍ﴾ بلى والله ﴿أَلَيسَ اللَّهُ بِعَزيزٍ﴾ يعني بقوي وغالب ﴿ذِي انتِقامٍ﴾ ينتقم من أعدائه فسينتقم من هؤلاء.

﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم﴾ وهذا من باب التعجب من هؤلاء، سبحان الله! يقرُّون بهذه الأشياء

ولكنهم لا يعترفون بأن الله هو الذي يستحق العبودية وحده فقال الله ﷻ عن هؤلاء ﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ لَيَقولُنَّ اللَّهُ قُل﴾ يا محمد لهؤلاء ﴿أَفَرَأَيتُم﴾ يعني أخبروني ﴿ما تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ﴾ من هذه الأصنام ﴿إِن أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ وهنا نسَبَ الضُّر إليه لأن المقام هنا مقام تحدي فظهر هذا الأمر ونُسِب إليه من باب التحدي كما قال تعالى: ﴿قُل مَن ذَا الَّذي يَعصِمُكُم مِنَ اللَّهِ إِن أَرادَ بِكُم سوءًا أَو أَرادَ بِكُم رَحمَةً﴾ [الأحزاب: ١٧] وكقوله تعالى: ﴿وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ﴾ [الأنعام: ١٧]

﴿ قُل أَفَرَأَيتُم ما تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ إِن أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ من فقر أو ما شابه ذلك من مرض ﴿هَل هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ﴾ الجواب: لا ﴿أَو أَرادَني بِرَحمَةٍ﴾ من رزق وغنى وصحة ﴿هَل هُنَّ مُمسِكاتُ رَحمَتِهِ﴾ لا ﴿ما يَفتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحمَةٍ فَلا مُمسِكَ لَها وَما يُمسِك فَلا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِهِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [فاطر: ٢].

ولذلك قال ﷻ ﴿قُل﴾ يا محمد ﴿حَسبِيَ اللَّهُ﴾ يعني أتوكل على الله عز وجل؛ وهذا يدل على أن من قال حسبي الله وكررها من أجل أن يُدفع عنه ضُر أو من أجل أن يحصل له نفع فإن ذلك يتحقق له بإذن الله تعالى، لأنه قال: ﴿إِن أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَل هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ﴾ هذا في جانب الضُّر ﴿أَو أَرادَني بِرَحمَةٍ هَل هُنَّ مُمسِكاتُ رَحمَتِهِ قُل حَسبِيَ اللَّهُ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلونَ﴾ عليه: يعني يلزم إن كان متوكلًا على الله حق التوكل، يتوكل على الله وحده.

﴿قُل يا قَومِ اعمَلوا عَلى مَكانَتِكُم﴾ قل يا محمد لهؤلاء اعملوا على مكانتكم أي: على تمكنكم من عبادتكم ومن عقيدتكم ﴿إِنّي عامِلٌ﴾ على عقيدتي: عقيدة الإسلام ﴿ فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾

﴿مَن يَأتيهِ﴾ يعني الذي يأتيه؛ فسوف تعلمون من الذي يأتيه ﴿مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ﴾ يعني يُهينه ﴿وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ﴾ أي يحل عليه ويجب عليه ويستقر به ﴿ عَذابٌ مُقيمٌ﴾ مستمر.

 

﴿إِنّا أَنزَلنا عَلَيكَ﴾ يا محمد، سبحان الله جاء في أول السورة ﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ ﴾ [الزمر: ٢]

  وهنا ﴿إِنّا أَنزَلنا عَلَيكَ﴾ لأن الخطاب في أول السورة من باب الخطاب للنبي ﷺ ﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ ﴾ تشريف له ﷺ ولذلك قال له بعدها ﴿ فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ﴾ [الزمر: ٢].

أما هنا ﴿إِنّا أَنزَلنا عَلَيكَ﴾ هو تشريف للنبي ﷺ ولكن ﴿أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ﴾ من أجل هداية الناس ﴿إِنّا أَنزَلنا﴾ ولذلك اختلف اللفظان والعلم عند الله ﴿إِنّا أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ﴾ لمن؟ ﴿ لِلنّاسِ﴾ من أجل هدايتهم ﴿ بِالحَقِّ﴾ يعني أنزل عليك الكتاب ونزوله متلبساً بالحق ليس بالباطل

﴿ فَمَنِ اهتَدى فَلِنَفسِهِ﴾ نفعُهُ لنفسه ﴿ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها﴾ ضلاله عليه

﴿ وَما أَنتَ عَلَيهِم بِوَكيلٍ﴾ لست وكيلًا عليهم حتى تتولى أمورهم وحتى تهدي من تشاء، فالأمر كله بيد الله.

 

﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ (43) قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (44)﴾

﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها﴾ دلائل على قدرة الله عز وجل

على إحيائهم من قبورهم ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها﴾ وجمعنا بين هذه الآية وبين قوله:

﴿قُل يَتَوَفّاكُم مَلَكُ المَوتِ﴾ [السجدة: ١١] وفي آية أخرى: ﴿ تَوَفَّتهُ رُسُلُنا وَهُم لا يُفَرِّطونَ﴾ [الأنعام: ٦١] كيف نُسِب مرة إلى الله ومرة إلى ملك الموت ومرة إلى الملائكة ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها﴾ يعني الوفاة الكبرى؛ من انقضى أجله توفاه الله ﷻ.

﴿وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها﴾ يعني يتوفى النائم وفاة صغرى ولذلك قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذي يَتَوَفّاكُم بِاللَّيلِ وَيَعلَمُ ما جَرَحتُم بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبعَثُكُم فيهِ لِيُقضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيهِ مَرجِعُكُم ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾ [الأنعام: ٦٠].

﴿فَيُمسِكُ الَّتي قَضى عَلَيهَا المَوتَ﴾ أي من ماتت من قبل وانتهى أجلها، وأيضًا من نام في وفاته الصغرى في النوم وكتب الله عليه أن يموت في هذا النوم، أمسك الله نفسه ولذا نرى أن أُناسًا يوقَظون بعد أن يناموا فلا يستيقظون؛ أماتهم الله.

﴿وَيُرسِلُ الأُخرى﴾ التي توفاها وفاة صغرى في النوم يرسلها إلى أجسادها إلى أن ينقضي أجلها في هذه الدنيا، ولذلك نحن إذا أردنا النوم كما ثبت في الحديث الصحيح:

 “فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا” يعني في هذا النوم “وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ سبحان الله.

ولذلك أخذ العلماء من هذا: أنه في الوفاة الصغرى -النوم- والوفاة الكبرى أن أرواح النائمين تتلاقى مع أرواح الموتى، وهذا شيء مشاهد في المنام ولذلك نرى أو يرى بعضنا ميتًا في منامه، تتلاقى الأرواح إذا أراد الله ذلك في نوم الإنسان ثم بعد ذلك يُرسل من شاء الله أن يرسله إلى أن ينقضي أجله في هذه الدنيا.

﴿وَيُرسِلُ الأُخرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ إلى أن ينتهي أجلها  ﴿ إِنَّ في ذلِكَ ﴾ فيما مضى ﴿ لَآياتٍ ﴾ علامات ﴿ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ ﴾ عندهم تفكر وتعقل وتفهم، فالذي قَدِرَ على هذا الأمر قادر على أن يخرجكم من قبوركم.

 

﴿أَمِ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ شُفَعاءَ﴾ استفهام به إنكار؛ بل اتخذوا من دون الله شفعاء؟ ولذلك جاء في أول السورة ﴿وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى﴾ [الزمر: ٣]

 ما معنى الزلفى؟ هنا: ﴿أَمِ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ شُفَعاءَ﴾ يعني وسطاء يتوسطون لهم في جلب المنافع ودفع المضار ﴿قُل﴾ يا محمد ﴿أَوَلَو كانوا لا يَملِكونَ شَيئًا وَلا يَعقِلونَ﴾ يعني أتتخذونهم شفعاء وهم لا يملكون شيئًا ولا يعقلون؟

 

﴿قُل﴾ يا محمد ﴿قُل لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَميعًا﴾ الشفاعة كلها لله ﷻ بجميع أنواعها فلا أحد يستطيع أن يشفع إلا بإذن منه ﷻ وبرضاه عن المشفوع له ﴿قُل لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَميعًا لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا كحال هؤلاء: ﴿قُل أَوَلَو كانوا لا يَملِكونَ شَيئًا﴾ [الزمر: ٤٣]

﴿ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ فيجازي كل إنسان بعمله.