تفسير سورة الزمر من الآية ( 45 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (221 )

تفسير سورة الزمر من الآية ( 45 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (221 )

مشاهدات: 542

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الزمر

من الآية (45) إلى ( آخر السورة ) الدرس ( 221)

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد.

﴿وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ (45) قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ (46) وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (48)﴾

فكنا قد توفقنا عند قول الله ﷻ ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ هذا هو حال كفار قريش، فإذا ذُكِر الله ﷻ في هذا القرآن اشمأزت وانقبضت قلوبهم كرهاً، ولذلك قال الله ﷻ ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء:46] وقال تعالى:

 ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾[الحج:72].

﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ فإذا ذُكِرت آلهتهم إذا هم يفرحون ويستبشرون بذلك وهذا يدل على انتكاس العقول والفطر.

 ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ﴾ قل يا محمد داعياً الله ﷻ ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ﴾ يعني يا فاطر ﴿فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ أي أنه خلقهما وأنه مبدعهما على غير مثال سابق ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ يعني عالم ما غاب عن الخلق وعالم ﷻ بما يشاهدونه ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ فأنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، فتنصر أهل الحق و،تعذب وتهلك أهل الباطل، ولذا فإن النبي ﷺ أُمِر أن يدعو الله ﷻ أن يهديه إلى طريق الحق ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ معنى ذلك: اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، ولذلك في صحيح مسلم في دعاء النبي ﷺ في دعاء الاستفتاح في قيام الليل يقول: “اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ، اهدِني لما اختُلِفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ”.

 

﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

يعني: لو ملكوا هذا الشيء ومثله معه من أجل أن يفتدوا من عذاب الله ﷻ الذي هو عذاب سيء ما تقبل منهم فقال الله ﷻ ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ أي: ما كانوا يظنون أن هذا الأمر سيرونه في يوم القيامة، ولذلك قال تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام:28]، ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ من أفعالهم وأقوالهم الباطلة، وأيضًا يشمل أن الإنسان يخاف من الله ﷻ، ولذلك بعض السلف لما قرأ هذه الآية قال: إني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب في يوم القيامة.

﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ أي ظهر لهم عاقبة تلك الأعمال السيئة فرأوا عذاب الله ﷻ ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ أي أحاط بهم ما كانوا يستهزئون به في الدنيا من آيات الله ﷻ.

 

﴿فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (49) قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْۚ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ هَٰٓؤُلَآءِ سَيُصِيبُهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ (51) أَوَ لَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ (52)﴾

 

﴿فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا﴾ فهذا يدل على أن جنس الإنسان إذا مسه ضر فإنه يدعو الله ﷻ، لكن شأن الكفار إذا أعطاهم الله ﷻ النعمة انصرفوا، ولذلك قال ﷻ في أول السورة: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [الزمر:8] فقال الله ﷻ ﴿فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا﴾ يعني أعطيناه نعمة منا ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ يعني علم مني بوجوه المكاسب وبطريقة كسب الأرباح أو بذكائي أو بعقلي! ﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ أي ذلكم القول وتلكم النعمة فتنة واختبار له ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ فالأكثر منهم لا يعلمون باعتبار أن مصدر التعلم وهو القرآن أعرضوا عنه.

﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ قد قال هذه المقولة قارون ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِيَ﴾ [القصص:78]، ﴿فما أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ولذلك ماذا صنع الله بقارون؟

 ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ [القصص:81].

﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ أصابهم عاقبة تلك الأعمال السيئة من عقوبة الله ﷻ فأصابهم سيئات ما كسبوا يعني ممن مضى من الأمم السابقة ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ﴾ يعني من قومك يا محمد ﴿سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ أي سيصيبهم سيئات وعاقبة ما كسبوا ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ يعني أنهم لن يفوتوننا ولن يفوتوا عذاب الله.

﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ هنا قال ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا} في الآية الأخرى قال:

 ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الروم:37] الاختلاف والعلم عند الله باعتبار أنه لما ذكر هنا في هذه السورة نفي العلم في أكثر من موطن ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:9] كما قال هنا عن هؤلاء ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الزمر:49] لما تكرر ذكر العلم لعله من باب هذا الأمر ذكر العلم هنا ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يوسع الرزق لمن يشاء ويقدر، يوسع على هذا ويقتر على هذا، أو أن الإنسان في نفسه مرة يوسع الله عليه لحكمة ومرة يضيق عليه والعكس، ومِن ثَم فإنما قالوه لما أعطاهم الله تلك النعمة ليس لأن لهم قدر عند الله وإنما هي فتنة ولذلك قال ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يعني من يؤمن ويتأمل فإذا به يعلم أن توسعة الرزق على شخص لا تدل على قربه ولا تدل على محبة الله ﷻ له.

 

﴿۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ (56) أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (57) أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (59) وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ(61)﴾

 

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ هنا سبحان الله لما جرى ما جرى من ذكر صدود هؤلاء الله ﷻ أمر النبي ﷺ أن يبين لهم أن باب التوبة مفتوح لكل مذنب ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾ وأضاف العبودية هنا إليه ليعلموا أن الله قريب منهم ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ يعني تجاوزا الأمر في الإسراف في الذنوب ﴿لا تَقْنَطُوا مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ ﴾ يعني لا تيأسوا من رحمة الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ جميع الذنوب ثم أكد ذلك بقوله جميعًا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وأكد ذلك بهذين الاسمين العظيمين.

﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ الإنابة والإسلام هما بمعنى واحد، لكن إذا اجتمعا فيكون للإنابة معنى وللإسلام معنى ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ أي بأعمالكم والإنابة هي إقبال القلب إقبالًا تامًا على طاعة الله وهنا قال: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ يدل على الإخلاص ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ الإنابة تدل على الأعمال الباطنة، والإسلام يدل على الأعمال الظاهرة، يعني لتكن إنابتكم وإسلامكم لله ﷻ وحده سبحان الله قال ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ لأنه قال في نفس السورة: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ [الزمر:8] لكن الإنابة ليست لله ﷻ بها ما بها من الشرك، ولذلك قال ﷻ: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم:33]،

هنا الإنابة تكون لله ﷻ وحده ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ وأنيبوا إلى ربكم بأعمالكم وبقلوبكم وأسلموا له أي بأعمالكم الظاهرة.

﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ دل هذا على أن السلامة من العذاب تكون بالإنابة والإسلام ﴿ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ أي: لا أحد ينصركم.

﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أمرهم بأن يتبعوا هذا القرآن الذي به الفلاح ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وذلك بأن تأخذوا ما هو أفضل وأعظم من العبادات، كأن يكون واجبًا ومستحبًا فليأخذ الإنسان بالواجب مع المستحب، ولا يدل على أن شيئا من كلام الله ﷻ ليس بحسن حاشا لله، وإنما قال ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ بمعنى أنهم يأخذون من العبادات أفضلها ولذلك قال ﷻ في ثنايا السورة لما مدح أولئك ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ ولذلك قال بعض العلماء ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أحسن هنا بمعنى حسن، يعني كل ما في القرآن هو حسن ولا شك في ذلك.

﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً﴾ أي على حين غرة من حيث لا تشعرون ﴿وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ أي في حالة عدم شعوركم وعلمكم، وهذا يؤكد أيضًا أن اتباع القرآن يسلم العبد من عذاب الله ﷻ.

﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ أي لئلا تقول نفس حينما ينزل العذاب، هنا اتبعوا من أجل أن تقول نفس- أي لئلا تقول نفس أي نفس- ولعله كما قال بعض المفسرين النفس هنا النفس المقصرة ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا﴾ ندم وحسرة ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ في طاعة الله ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ يعني ممن يستهزأ بدين الله ﷻ.

﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ وهنا لا يدل على أن لله جنباً، فإنه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله لم يعرف عن السلف طائفة ولم يعرف عن أحد من الأئمة ممن يقول بأن لله جنبًا، فليس هنا إثبات صفة الجنب لله ﷻ لأن الآية لا تدل على ذلك لأنه قال ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ والتفريط إنما يكون بترك أو بفعل والترك والفعل لا يقع على صفات الله ﷻ.

فقوله ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ يدل على الطاعة لأن التفريط إنما يكون في جانب الطاعة، قلت فهناك من العلماء من يقال له (الطلمنكي) أثبت الجنب لله ﷻ، وعلى كل حال سواء ما نسب إلى (الطلمنكي) أنه صحيح أو أنه غير صحيح فإن الآية تدل على أنه لا يثبت لله ﷻ جنب لأن الآية لا تدل على ذلك ودلالتها واضحة، فالتفريط لا يقع في صفة من صفات الله إنما يقع في طاعة الله ﷻ.

 

﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ لو أن الله هداني في الدنيا لكنت من المتقين، ومِن ثَم أفوز كما فاز المتقون في هذا اليوم ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً﴾ يعني رجعة ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ لو كانت لي رجعة إلى الدنيا أصبحت من المحسنين ليس من المتقين فقط، بل من المحسنين الذين بلغوا أعلى مراتب الدين وهو الإحسان ولكن كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام:28]، فيُرد عليه ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي﴾ جاءتك الآيات لكنك أعرضت عن ذلك ﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾ كذبت بها من حيث الأخبار لم تصدق الأخبار ﴿وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ عن العمل بها ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ الذين كفروا بها.

﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ من كذب على الله في يوم القيامة يكون وجهه قد اسود ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران:106] ولذلك جاء في ثنايا السورة ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ فقال هنا مبيناً أن وجوههم مسودة في الآية التي في ثنايا السورة ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ وهذا يشمل أيضًا: أن من أفتى من غير علم فقد كذب على الله،

 من أتى بالبدع وخالف دين الله ﷻ وأتى بخرافات من عنده فقد افترى على الله الكذب.

﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ مقر ﴿لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ بلى، هي مقر ومثوى للمتكبرين ولاسيما هنا ماذا قال ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ في الآية الأخرى قال ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ يعني هم كفرة وأيضًا عندهم كفر استكبار، وأيضًا يدخل في ذلك أن من أتى بالبدع أو أفتى من غير علم إنما أراد بذلك أن يعلو وأن تكون له منزلة رفيعة عند الناس، فهنا كان العقاب له وإن كان هؤلاء ممن يفتي من غير علم وليس بكافر يُعذب على قدر ذنبه إن شاء الله رحمه وإن شاء الله عذبه بقدر ذنبه، ثم يكون المرد إلى الجنة ما لم تكن بدعته مكفرة.

﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ لأنه كما مر في الآيات السابقات ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ هنا قال عن المتقين ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ بسبب فوزهم بهذا النعيم

﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء:103]، ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء:102]، فقال هنا ﴿لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي من هذا العذاب ولا يسوؤهم قول أو فعل، ولا هم يحزنون على ما تركوه في دنياهم.

 

﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ (62) لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (63) قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ (64) وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (65) بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ (67)﴾

 

﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ هذا دليل على أنكم تقرون بأن الله هو الخالق ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان:25]، كما في ثنايا السورة، إذًا: أقروا أنه هو المعبود ﷻ الذي يجب أن تفرد العبودية له فقال هنا ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ يعني هو خلق كل شيء وأيضًا هو وكيل يتولى أمور كل شيء، فيتولى أمورك يا محمد عليه الصلاة والسلام وهو يحفظ على هؤلاء أعمالهم وسيجازيهم على أعمالهم، وأيضاً يتضمن أن الإنسان إذا أراد نعمة من الله فعليه أن يلجأ إلى الوكيل ﷻ الذي يعطي ﷻ ويتولى أمور عباده.

﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ أي مفاتح وخزائن السموات والأرض لله ﷻ، فمن طلبها من غير الله ﷻ فقد ضل ضلالاً مبينًا ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ مقاليد يعني مفاتيح، مفاتيح الكنوز في السموات وفي الأرض ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21].

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ بآيات الله الكونية بآيات الله الشرعية من القرآن هم الخاسرون ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ قل يا محمد لهؤلاء لأنهم يقولون لو عبدت آلهتنا سنة فإننا نعبد إلهك ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم:9]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [الكافرون: 1-2]، فالله ﷻ هنا أمر نبيه ﷺ ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ دل هذا على أن من عبد غير الله فهو جاهل، هذا فيه إنكار لهؤلاء كيف تأمرونني أن أعبد غير الله ولذلك جاء في ثنايا السورة: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وقال في ثنايا السورة ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ فهنا إنكار عليهم، ودل هذا على أن من عبد غير الله فهو من أجهل الجاهلين.

﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ ولقد أوحي إليك يا محمد ﴿وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ والجملة الشرطية لا يلزم منها وقوع الشرط، ولذلك قال هنا ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ ليكون عملك باطلاً ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وحاشاه ﷺ، ولكن إذا وُجه الخطاب له مع بعده ﷺ عن هذا الأمر فغيره من باب أولى، فلْيحذر المسلم من الشرك.

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ قدم اسم الله وهو منصوب بالفعل الذي بعده، وهنا قدمه من باب الاختصاص يعني لا تعبد إلا الله ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ دل هذا على أن من عبد الله ووحد الله فهو من أعظم الشاكرين لله ﷻ ولذلك قال ﷻ ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة:172].

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ما عظموا الله حق تعظيمه، لو عظموا الله حق تعظيمه ما اتخذوا معه هذه الآلهة ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فهي في قبضته ﷻ ولذلك في الحديث الذي عند مسلم:

 فيأخذ الأرض بشماله، والشمال هنا لا تدل على نقص كما هي بالنسبة للمخلوق، ولذلك في جاء الحديث الصحيح “ وكِلتا يَديهِ يَمِينٌ هذه اللفظة عند مسلم منهم من ضعفها ومنهم من أثبتها، ومن أثبتها فهذا هو توجهيها وكلتا يديه يمين.

﴿وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ﴾ تلك الأرض العظيمة في قبضة الجبار ﷻ ولذلك يقول كما في الحديث الصحيح: “ يَطوي اللهُ عزَّ وجلَّ السَّمَواتِ يومَ القِيامةِ، ثم يأخُذُهنَّ بيدِه اليُمنى، ثم يَقولُ: أنا الملكُ! أَينَ الجَبَّارونَ؟ أينَ المُتكبِّرونَ؟ ثم يَطوي الْأَرَضينَ بشِمالِه”.

﴿وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ مطوية بسهولة هذا الأمر عليه مطويات بيمينه ولذلك في الحديث الصحيح “ ويَطوي السَّماءَ بيَمِينِه ” ولذلك مر معنا ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء:104]، وهنا إثبات صفة اليد لله ﷻ ﴿وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ أما من يقول أن السموات مطويات بيمينه ليس المقصود أنه يطويها طوياً حسياً، وإنما هذا تمثيل لسهولة تصرفه ﷻ، وسهولة الأمر لديه ففي هذا نفي لهذه الصفة، بل فيها إثبات صفة اليد لله ﷻ.

﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه الله ﷻ نفسه عما لا يليق به من صنيع هؤلاء ﴿وَتَعَالَى﴾ تعالى عما يقولونه من تلك الأقوال الباطلة ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فنزه نفسه وبين أنه تعالى عما يشركون به ﷻ من الأقوال والأفعال.

 

﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ (68) وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ (70)﴾

 

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ يعني: نفخ إسرافيل في الصور، ولذلك قال ﷺ كما ثبت عنه عند الترمذي:

 “كيف أنعَمُ وصاحِبُ القَرنِ قد التقَمَ القَرنَ وحَنى جَبهتَه، وأصغى السَّمعَ متى يُؤمَرُ”

فقال الله ﷻ ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ النفخة الأولى

 ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ ﴿فَصَعِقَ} إما بمعنى الفزع، وإما بمعنى الموت، يعني موت معه فزع، ولذا مر معنا: هل هما نفختان أو ثلاث؟ وبيّنَّا أن الصحيح أنهما نفختان، وبينا ذلك موضحاً في قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل:87]، قال هنا ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ دل هذا على أن هناك أشياء كتب الله ﷻ عليها الدوام فلا تفنى لا عند النفخة ولا بعد البعث والنشور.

ولذلك الإمام أحمد رحمه الله كما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح قال:

من استدل في هذه الآية وهي قوله تعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص:88]، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن:26] استدل على أن الجنة تفنى أو أن الحور العين تفنى فإن هذا الاستدلال من مبتدع، قال: لأنه قوله تعالى ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ يدخل في ذلك من كتب الله له البقاء ولم يكتب عليه الفناء، مثل الجنة وما فيها فالحور العين لا تفنى ولا تموت، يقول رحمه الله الإمام أحمد لا عند النفخة ولا بعد البعث والنشور.

﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ وقد اختلف العلماء في هؤلاء ومر بيانه في قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل:87].

﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾ نفخة البعث حينما تموت الخلائق كلها في السماوات وفي الأرض إلا من شاء الله، ينفخ نفخة أخرى فيحيا الجميع ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ قيام من قبورهم ينظرون إلى ما أُعِد لهم من النعيم للمؤمنين والعذاب للكفار.

﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ لأن الشمس والقمر كما ثبت في ذلك في الحديث الصحيح تكوران في النار ﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ فالأرض في يوم القيامة تشرق بنور الله ﷻ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَاب﴾ يعني: وُضِع كتاب أعمال الخلق فمنهم من هو آخذ كتابه بيمينه وآخر يأخذ كتابه بشماله ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ ولذلك قال تعالى ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف:49].

﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ ليشهدوا على أممهم ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ يشمل شهداء من الملائكة، ويشهد أمة محمد ﷺ على الأمم السابقة أن أنبياءها قد بلغوا الرسالة.

﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ بالعدل كما قال ﷻ ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر:17]، ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ لكمال عدله ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ كل نفس توفى وتجازى ما عملت ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ كل ما عملوه فهو عالم بذلك مع كثرة عددهم وأنواعهم وأصنافهم وشتاتهم في هذه الدنيا إلا وهو ﷻ عالم بكل شيء قال تعالى:

 ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6]

 

﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (71) قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ (73) وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ (74) وَتَرَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ(75)﴾

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ في يوم القيامة يساق الذين كفروا سوقاً بغلظة وبشدة، ودل هذا على أنهم يساقون قسراً وقهرًا ﴿زُمَرًا﴾ يعني جماعات جماعات،

 كل منهم يكون مع جماعته التي تشاكله في ذنبه وفي ظلمه وفي جرمه، من باب أن يتحسر كل منهم على حاله وأن يلعن بعضهم بعضاً.

﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ ودل هذا على أنها كانت مغلقة، فإذا جاؤوا فإنهم يجدونها مغلقة ثم تفتح لهم الأبواب فيأتيهم من جحيمها وعذابها وآلامها فقال الله ﷻ ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ وأبوابها سبعة قال ﷻ ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ [الحجر:43-44]، ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ أي أن هذا السَّوْق بقوة وعنف يستمر إلى أن يأتوا إلى النار ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ دل هذا على أنها كانت مغلقة فيأتيهم من عذابها وآلامها إذا فتحت ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾  الملائكة هم خزنة النار، ولذلك قال تعالى مبيناً أن أعظم هؤلاء مالك ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف:77]، ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ من القرآن والكتب المنزلة ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ﴾ يعني يخوفونكم ﴿لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى﴾ أقروا على أنفسهم لكن لا ينفع ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وجبت كلمة العذاب من رب العالمين على الكافرين، هم أقروا وقالوا إن العذاب حق على من كفر من باب أنهم يتوسلون بهذا القول لكن لا ينفع، ولذلك قال تعالى في ثنايا السورة ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾.

﴿قِيلَ ادْخُلُوا﴾ حتى لو اعترفتم ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ والأمر هنا أن يدخلوا الأبواب، لأن الأبواب بها من الآلام ما بها فكيف إذا وقعوا في قعر جهنم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ وماكثين فيها لا فناء لها ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ ذم لمثواهم، النار قرار الكفار.

 

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ سَوْق برفق ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ﴾ كما قال تعالى في أول السورة ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ و قال هنا ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ يعني جماعات جماعات، كل مع جماعته التي تناسبه، من حيث أعماله الطيبة زمرا، لأن بعضهم إذا اجتمعوا اجتمعوا وهم يفرحون، ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه قال: “ أوَّلُ زُمرَةٍ تدخلُ الجنَّةَ علَى صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ” وفي حديث آخر :مُتَماسِكِينَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ ببَعْضٍ” دل هذا على التكريم.

﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ قال هنا وفتحت أتى بالواو ولم يقل فتحت أبوابها بعض المفسرين قال: هي واو الثمانية، لأن أبواب الجنة ثمانية، وقيل: هي واو حالية يعني أنهم إذا أتوا إلى الجنة فإن الأبواب تفتح لهم مباشرة، لكن هذين القولين ضعيفان، فالصحيح: أن الواو عاطفة حتى إذا جاؤوها {وَفُتِحَتْ} يعني الواو معطوفة على {جَاءُوهَا} وجواب الشرط معروف، لأنه ليُعلم أن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة أفواجًا فإنهم يأتون إلى الجنة، والجنة قد أُغلقت أبوابها، لأنها لا تفتح إلا بشفاعة محمد ﷺ ولذلك قال: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ ولذلك يطرق النبي ﷺ باب الجنة فيقول الخازن من أنت؟ فيقول: أنا محمد فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك، وهي شفاعة خاصة بالنبي ﷺ ما تفتح الجنة إلا بشفاعته ﷺ.

﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ يعني خزنة الجنة، وهم الملائكة خزنة الجنة ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ مسلم عليكم وتسلمون من الآثام والذنوب طبتم، لأنكم طبتم في دنياكم بالأعمال الصالحة وحينما قبضت أرواحكم ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل:97]، ﴿طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ ولذلك لم يقل فادخلوا أبواب الجنة كالسابق، لأن السابق به بيان إذا دخلوا الأبواب بها من الآلام فكيف إذا دخلوا في قعر جهنم، هكذا أفاد ابن القيم رحمه الله كما في حادي الأرواح.

﴿ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ يعني أنكم ماكثون فادخلوها خالدين ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ حمدوا الله ﷻ على أنهم دخلوا الجنة ولذلك قال تعالى ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر:34]، قال هنا ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ في ثنايا السورة قال:

 ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾.

قال هنا عن هؤلاء ﴿وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ﴾ يعني أرض الجنة ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 10-11] ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:43].

﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ يعني ننزل من الجنة حيث نشاء، يدل على التمتع وعلى أنهم لا حجر لهم ولا منع لهم ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ الثواب الذي يثنى عليه أجر العاملين وهم السابقون المذكورون هنا.

 

﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ من جوانب عرش الرحمن ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ [الحاقة:17]، ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ هؤلاء يحفون بالعرش وهناك من يحمل العرش الذين يحملون العرش ومن حوله فقال الله ﷻ هنا ﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ ينزهون الله ﷻ عما لا يليق به ويثبتون له المحامد وما له من الصفات والأسماء العظيمة.

﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ قضي بين أهل الإيمان وأهل الكفر بالحق، فأهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فحمد الخلق كلهم الله ﷻ، حتى إن الكفار إذا دخلوا النار يحمدون الله لأنهم يعلمون أن الله ﷻ ما عاقبهم إلا بسبب ذنوبهم، ولذلك يعترفون ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.

وبهذا ينتهي تفسير سورة الزمر.