تفسير سورة الشعراء من الآية (176 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (193 )

تفسير سورة الشعراء من الآية (176 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (193 )

مشاهدات: 513

[ تفسير سورة الشعراء]

من الآية (176) إلى آخر السورة الدرس (192)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كبيرًا إلى يوم الدين أما بعد..

 

﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)}

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} الأيكة هو: الشجر الملتف الغليظ.

 {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} فدل هذا على أن شعيبًا عليه السلام أُرسل إلى هؤلاء، ومن ثَم قال بعض العلماء: إن أصحاب الأيكة هم قومٌ أرسل عز وجل إليهم شعيبًا وهم يختلفون عن أهل مدين، لأنه لم يقل هنا (أخوهم) وكذلك كما قالوا: العذاب الذي نزل على أهل مدين الرجفة وكذلك الصيحة، فدل هذا على أن هؤلاء أصيبوا بعذاب يوم الظُّلَّة كما في الآيات الآتيات.

 وقال بعض أهل العلم: أصحاب الأيكة هم أصحاب مدين، ولا اختلاف بينهما، فالعذاب الذي نزل بأولئك أضيف إليهم يعني أصحاب مدين أضيف إليهم عذاب يوم الظلة، وإنما لم يذكر أنه (أخوهم) في هذه القصة باعتبار أن هؤلاء نُسبوا إلى أصحاب الأيكة، فلذا لم يذكر شعيبٌ بوصف الأخوة.

 وعلى كل حال سواء قيل بهذا أو بهذا فكلا القولين لهما قوة، لكن دل هذا على أن الإنسان يأخذ العبرة مما حدث لهؤلاء.

{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)

  وهذه الآيات مر بيانُها في قصةِ نوحٍ عليه السلام، ثم قال شعيبٌ عليه السلام:

 

{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(191)﴾

 {أَوْفُوا الْكَيْلَ} أوفوا الكيل بالتمام {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} الذين يأخذون من الناس حقوقَهم، ولذا من قال: “أصحاب الأيكة هم أصحاب مدين: قال: لأن ما وقعت فيه أصحاب الأيكة هو نفس ما وقع فيه أصحاب مدين.

{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} القسطاس قيل: الوزن المستقيم: يعني ؛ ولعله أرجح من قول من يقول: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ} يعني بالعدل المستقيم هنا وصفٌ آخر فيه تكرار.

 {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} لما نهاهم عن تطفيف الكيل والميزان، نهاهم عن أخذ أموال الناس عن طريق الكيل أو الوزن أو غير ذلك. {وَلا تَعْثَوْا} يعني لا تفسدوا وهو أشد الإفساد، وكُرر هنا مع أن المعنى واحد لاختلاف اللفظين للنهي عن الإفساد.

 {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} يعني واتقوا الله الذي خلقكم وأيضًا خلق الجبلة وهم الخلق الأولين، ولذا قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] ؛ {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} يعني أصيب بسحر فصرف عقلَه فقال هذا القول.

 {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} في قصة صالح: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ – مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 153-154]، ولم يأتِ بـ (الواو) من باب التأكيد على أنه بشرٌ أصيب بالسحر، وهنا مع أن كلتا الجملتين تدلان على أنهما يعني هؤلاء وأولئك وهم قوم صالح، نَسبوه إلى أنه أصيبَ بالسحر وهو بشر لكن في قصة أصحاب الأيكة هنا لما قال {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} يعني السبب الذي منعنا من ذلك هو أمران، يعني أنت من المسحرين وأيضًا أنت كسببٍ ثانٍ وآخَر:{وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ثم لطغيانهم {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} يعني أنت تكذب على الله ؛ ثم لطغيانهم استعجلوا العذاب:

 {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي قطعا من العذاب {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

 {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} هو عالمٌ بما تعلمونه وهو الذي يُحدد الوقت الذي يريده من إنزال العذاب عليكم، ولذلك هذا هو شأنُ الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا طلبت أقوامُهم منهم نزول العذاب فإنهم يقولون مثل هذا القول، ولذلك قوم نوح قالوا: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ – قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [هود:32-33].

 

 فقال هنا: {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ – فَكَذَّبُوهُ} فما الذي جرى بعد ذلك مباشرة لأن الفاء للتعقيب {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} قال المفسرون: أصابهم حرٌّ شديد فخرجوا من بيوتهم فرأوا سحابة قد أظلتهم فظنوا أن بها البراد وظنوا أن بها ما يزيل هذا الحر فإذا بها عذابٌ يتساقط وينزل عليهم {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ}

{فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} {إِنَّهُ} من باب التأكيد على عِظَمِه

 {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} عَظُمَ اليوم باعتبار نزول العذاب العظيم فيه.

 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} عبرة وعظة {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} ما آمن الكثيرُ من أصحابِ الأيكة، فتسلَّ يا محمد ﷺ بما حصل من قومِك من تكذيب.

 {وَإِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الذي أعز اولياءه ورحمهم، وقهر أعداءه.

 

﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سبحان الله لما ذكر تلك القَصص التي بها تسلية للنبي ﷺ، أتى السياقُ إلى حالِه ﷺ مع قومه وإنه يعني القرآن: {وَإِنَّهُ} لدلالة ما بعده {لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ} يعني هو من الله

كلامُ الله مُنَزَّل غير مخلوق، وجبريل عليه السلام مُبَلِّغ عن الله عز وجل، ومحمدٌ ﷺ لما أتاه جبريل يبلغ رسالةَ ربِّه ولذا قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ – ذي قوّةٍ} هذا السياق لجبريل عليه السلام

 وفيما يتعلق بالنبي ﷺ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ – وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} هذا السياق للنبي ﷺ.

 

  {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} سبحان الله، يعني: نزل به جبريل {الروح} لأن ما يأتي به من هذا الوحي هو روح {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:15]

وقال تعالى: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]

 {الأَمِينُ} فهو أمين على ما أمر عز وجل به من هذا الوحي.

 

 {عَلَى قَلْبِكَ} معلوم أنه كان يقرأ جبريل فيقرأ النبي ﷺ بعده:

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 18-19]، لكن لماذا قال {عَلَى قَلْبِكَ}؟

 لأن القلب محل التلقّي والبقاء، وأيضًا به دلالة على أن قلبَ النبي ﷺ صالحٌ لهذا القرآن ولهذا العلم ولهذا الوحي ولذلك قال ﷺ كما في الصحيحين:

 “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”

 

{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} من أجل ماذا؟

{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} ينذرون الناسَ ويخوفونهم من عذاب الله.

 {بِلِسَانٍ} يعني بلغة {بعَرَبِيٍّ مُبِينٍ} واضح بيّن. {وَإِنَّهُ} يعني هذا القرآن

 {ولَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} لفي كتب الأولين، في الكتب السابقة مذكور في التوراة والإنجيل.

 

{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ(203)﴾

  {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} يعني: -فيما يتعلق بهذا الشأن- ألا يكونُ لكفار قريش آية وعلامة على صدقِ هذا القرآن، من أنهم لو سألوا علماء بني إسرائيل الذين آمنوا كعبد الله بن سلام؟ لوجدوا أنه حق

 {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} يعني يعلم علماء بني إسرائيل أن هذا القرآن صدق، وأن محمدًا ﷺ صدق مذكورٌ في كتبهم، لكنَّ هؤلاء كفار قريش أعرضوا.

 {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} هذه كافية

 {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ}: لأنهم يقولون كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل: 103]، فكيف تقول هو يتعلم من الأعاجم!؟

 يعني: لو نزل هذا القرآن {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ} يعني: على كفار قريش

{مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} لم؟ لأنهم سيقولون ليس بلغتنا، ولذا قال تعالى:

 {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]

 ثم أيضًا إذا لم يؤمنوا بك يا محمد فكيف يؤمنون بإنسانٍ أعجمي، فإن عندهم أنَفَة وعندهم كِبر وطُغيان

 

 

 {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ}  {كَذَلِكَ}: ما هو؟ قال بعض المفسرين: {كذلك} يعني ذلكم التكذيب الذي حصل من الأقوام السابقة لأنبيائهم كذلك هذا التكذيب وقع في قلوب كفار قريش.

 أو كما قال بعض المفسرين: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} يعني: القرآن، سلكناه في قلوبهم لكن قلوبهم لا ترعَوي لذلك، أدخلنا هذا القرآن في قلوبِهِم يعني سمعوه فقط، لكنهم أعرضوا عنه، وكما قال عز وجل:

 {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 64]، وإن كان الأول هو الأظهر من حيثُ السياق، وعلى كل حال: حالُهم مع القرآن الإعراض.

 

 {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} يعني أدخلناه { فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} وقلت إنه هو الأقرب باعتبار أن هؤلاء لم يفتحوا قلوبَهم للقرآن، لكن على كل حال دلَّ هذا على أن له القدرة عز وجل من أنه أدخله في قلوبهم لكنهم أعرضوا عنه.

 {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} فإذا رأوا العذاب الأليم آمنوا به، لكن لا ينفع

 {ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس:97] ولذلك في سورة الحجر قال:

 {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الحجر: 13].

 

فقال هنا: {فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} يعني العذاب على حين غِرَّة من حيث لا يشعرون {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يأتيهم فُجاءَة وهم لا يشعرون إما بليل وهم نائمون، وإما بنهار وهم يلعبون:

 {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 97-98] {فَيَقُولُوا} حين نزول العذاب {هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} هل نُمهَل حتى نتوب.

 

﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}

قال تعالى هنا: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)}، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53]، فقال هنا: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} كيف يستعجل هؤلاء عذاب عز وجل

 {أَفَبِعَذَابِنَا} استفهام إنكاري {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} يعني لو لم ننزل عليهم العذاب الآن، بل مددنا وأمهلنا لهؤلاء فجلسوا سنين طوال يتمتعون في هذه الدنيا

 {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} من العذاب {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} تلك المَتع لا تغنيهم كأنها لم تمر بهم لأن عذاب عز وجل عظيم:

 {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 46]

 فالنبي ﷺ قال كما عند مسلم: “يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ”

 

 {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} أمهلناهم وأعطيناهم المال {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} من العذاب

 {مَا أَغْنَى} أي لا يغني {ما أغنى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}

{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} كما قال عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] {إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} ينذرهم، تأتي الرسل تنذرهم {ذِكْرَى} يعني أرسلنا الرسل من أجل أن يتذكروا {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} لكمال عدله عز وجل، ومر معنا ما يتعلق بأهل الفترة في أواخر سورة النساء.

 

{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(212)﴾

 {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} لأنهم يقولون عن القرآن كِهانة: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة: 42]، فيقول اللهُ عزوجل: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} الشياطين ما تتنزل بهذا القرآن

 {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} لأن الشياطين تدعو إلى الفساد والفسق وهذا القرآن يدعو إلى الخير والصلاح والتوحيد {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} أصلا وما يستطيعون ذلك

 {إِنَّهُمْ} يعني الشياطين{عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} عن سماع ما يكونُ بين الملائكة، وهذا يدل على حفظ الوحي كما قال عز وجل عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8] وأما استراق السمع من بعضهم أحيانًا ليس فيما يتعلق بالوحي، وإنما يتعلق بالأمور التي قدرها الله فيما يقع بين الناس في هذا الكون،

لكنَّ الوحي محفوظٌ حالَ نزوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} وبعد نزوله:

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]، {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}[الإسراء: 105]،

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(220)﴾

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}

 يعني حال هؤلاء ليبقوا على ما هم عليه من الكفر والعِناد ، وهو ﷺ حاشاه أن يفعلَ ذلك، لكن هذا إذا كان الخطابُ موجهًا له إذن غيرُه من باب أولى، فالخطاب لغيرِه

{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} {وَأَنذِرْ} يا محمد خوّف، مَن؟ {عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} العشيرة التي هي قريبة من الإنسان، وهم أقرباؤه والأقرب منهم فالأقرب، مع أنه رسول لجميع الخلق الإنس والجن:

 {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، من باب ماذا؟ من باب أن أولى من يوجه إلى الخير والمنع من الشر هم أقرباؤك، وأيضًا لا محاباة مع القريب.

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} ألِن جانِبَك {لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} معلوم أن من اتبعهم المؤمنون، لكن هنا من باب التأكيد لأن المتبع لكم المؤمنون أصلا، ما يتبعك إلا أهل الإيمان، ولذلك قال عز وجل في أواخر سورة الحجر: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88].

 

{فَإِنْ عَصَوْكَ } يعني كفار قريش وكذلك يدخل فيه لو أن أحدًا من المؤمنين عصى الله وعصى النبي ﷺ، فإنه لا يعني من أن قوله {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أن من يفعل معصية أنه يغض الطرف عنه لا {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} من هذه الذنوب التي تعملوها.

 {فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} وقومه كثر وأصحاب قوة ومال وما شابه ذلك وتوعدوه وخوفوه، لكن {وَتَوَكَّلْ} دل هذا على أن أعظم ما يتوكل العبد على عز وجل يتوكل فيما يتعلق بأموره الدينية والدنيوية لكن فيما يتعلق بدينه، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}

سبحان الله قال العزيز الرحيم لأنه لما مرت قَصص الأنبياء كرر {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}

 فكما أعز أولياءه وأنبياءه ورحِمَهَم وأهلك بقوته وعزته أعداءه، توكل على الله عز وجل {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} قال بعض المفسرين: حين تقوم إلى صلاتك

 والذي يظهر/ أنه شامل كما قال بعض المفسرين: حين تقوم من فراشك، إلى صلاتك، إلى أيِّ أمرٍ من أمورِك {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} فهو يراك ويتولى أمرَك فتوكل عليه.

 {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} يعني وتقلبك مع المصلين، ولذلك ذكر السجود هنا لأن السجود أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فالسجود ركن من أركان الصلاة

{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} يعني ممن يصلي من ركوع إلى سجود، من سجود إلى قيام، ولذلك لعل من قال الذي يراك حين تقوم: من باب ذكر القيام في الصلاة، وعلى كل حال هذا يدل على أن عز وجل يراك وهذا توجيهٌ لنا جميعًا يرى الإنسان فيما يتعلق بشئونه الدينية والدنيوية في صلاته وفي غير صلاته

 {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لكل الأقوال {الْعَلِيمُ} بكل الأحوال، ومن ذلك يسمع ما يقوله قومُك عنك وعن هذا القرآن، وعليمٌ بحالك وبحالهم.

 

﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} هل أخبركم، لأنهم قالوا إن القرآن كهانة فماذا قال عز وجل في الآيات السابقات قال:

 {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ذكر هنا مبينًا أن الشياطين تنزل على مَن؟

{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أفاك كثير الكذاب عظيم الكذب، أثيم صاحب إثم وهم السحرة والكهنة

ما تتنزل على محمد ﷺ

 {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} من هم الذين يلقون السمع؟

قال بعض المفسرين: يلقون السمع يعني أن الشياطين تسترق السمع من الملائكة وتكذب فيه وتزيد فيه كذبًا كما قال عز وجل {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]، {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18]، فيكذبون يعني: يكذب الجن؛ وقال بعض المفسرين: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} يعني أن السحرة والكهنة يلقون السمع إلى هؤلاء الكهنة فيأخذون الكلمة فيكذبون معها الكذب الكثير.

 ولا تعارض بين القولين، فالجن يلقون السمع ويكذبون، وهؤلاء كما قال ﷺ فيأتي الجن فيقول كلمة الحق التي سمعها من الملائكة، يقولها في الساحر أو الكاهن “فيكذب معها مائة كذبة” وفي رواية: “أكثر من مائة كذبة” فقال هنا: {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} قال {وأكثرهم} أليس الكل كاذبين؟

بلى قال بعض العلماء: {وأكثرهم كاذبون} الأكثرية هنا بمعنى الكل لأن الأكثرية ترد بمعنى الكل،

 والذي يظهر أيضًا: أنه يحتمل احتمال آخر {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} ليس راجعا إلى السحرة ولا إلى الجن، وإنما راجع إلى ما يقولونه {وأكثرهم كاذبون} يعني: أكثر ما يقولونه الكذب لأنهم يأخذون شيئًا من الحق الذي سمعوه فيكذبون معه مائة كذبة.

 

 

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)﴾

{وَالشُّعَرَاءُ} سبحان الله ذكر الشعر بعد الكِهانة لأنهم يقولون هذا القرآن شعر ويقولون عن النبي ﷺ شاعر {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 41]، فقال هنا مبينًا من أن هذا القرآن ليس بشعر {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} {الْغَاوُونَ} الذين يهيمون فلا يميزون بين الخطأ والصواب والحق والباطل، فقد أضلهم الشعراء، والشعراء مَن الذي يتبعهم؟ يتبعهم الغاوون.

 {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ} الشعراء {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} الهِيام: يقولون “الإنسان هام على وجهه” يعني: لا يعرف الطريق، ما يدري أين يذهب مثل الإبل الهيام، ولذلك قال عز وجل عن شجرة الزقوم:

 {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ- لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ- فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ -فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ -فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة: 51-55]، يعني الإبل الهائمة على وجهها، فإذا أتت إلى الماء فهي بها العطش تشرب شربًا عظيمًا، فدل هذا على أن الشعراء {فِي كُلِّ وَادٍ} في كل وادٍ من أودية الكذب، كل واد من أودية المدح، {يَهِيمُونَ} يعني أنهم لا يستقر لهم حال، فيجعلون الصدق كذبًا والحق باطلًا والباطلَ حقًا ويجعلون الشخص الذي يمدحونه وإن كان من أسوأ الناس، كأنه من أفضل الناس، فهم لا يثبتون على حال لأنهم يبحثون عن مصالحهم.

 {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} يفتخرون نحن الكرماء، نحن الأعزاء، نحن الشجعان، نحن كذا، نحن كذا، ولكن عند الفعل {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ إِلَّا} ليس الجميع

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} يعني أن ذِكرَ الله أكثر من شعرهم مع إيمانهم كحسان بن ثابت، وكعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك شعراء، ولذلك النبي ﷺ كان يسمع لشعرهم

 

 فقال عز وجل {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} ولذلك ﷺ كما في الصحيح قال: “فوالله لأن يمتلئ جوفُ أحدِكم قيحًا خيرٌ له من أن يمتلئ شِعرًا” فدل هذا على أن الشعر إذا كان فيه صدق وخير وصلاح وفيه حث على مكارم الأخلاق وفيه أيضًا نُصرة لدين الله كما قال ﷺ لحسان “اهجُهُم وروح القدس معك” ولم يكن أكثر وقته في الشعر وإنما بعض الأحيان، والأكثر هو ذكر الله على لسانه هنا يكون محمودًا

{وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} يعني شاعر ظُلِمَ فانتصرَ ممن ظَلَمَه بشعره كحال حسان لما انتصر بشعره على كفار قريش، قال ﷺ: “اهجُهُم وروح القدس معك”

 

{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} يعني: سيعلم الذين ظلموا أيَّ مرجع سيرجعون إليه يوم القيامة ودل هذا على أن هذا الشأن ليس خاصًا بالشعراء، أيُّ ظالم سيتبين له بعد حين حقيقة ما ينقلبُ إليه بسبب ظلمه مما يكونُ له من العذاب عند الله عز وجل.

 وبهذا ينتهي تفسير سورة الشعراء.