تفسير سورة العنكبوت من الآية ( 46 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (200 )

تفسير سورة العنكبوت من الآية ( 46 ) إلى ( آخر السورة ) الدرس (200 )

مشاهدات: 494

بسم الله الرحمن الرحيم

[ تفسير سورة العنكبوت]

من الآية (46) إلى الآية (67)- الدرس (201)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد:

فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل: ﴿وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم وَقولوا آمَنّا بِالَّذي أُنزِلَ إِلَينا وَأُنزِلَ إِلَيكُم وَإِلهُنا وَإِلهُكُم واحِدٌ وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٦]

{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

هنا نهى الله عز وجل المؤمنين أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وذلك حتى تُستمال قلوبهم إلى الحق، وهذه هي الطريقة الصحيحة في الدعوة إلى الله عز وجل قال تعالى:

 {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: 125]]

ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}

يعني من ظلمكم منهم بقول أو فعل، فإنه لا يجادل بالتي هي أحسن، بل يُتخذ عليه الأسلوب الذي يناسبه من زجرٍ أو تأديب أو نحو ذلك وهذا أصح من قول من يقول:

 {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

 يعني من آمن من أهل الكتاب

 {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} يعني إلا الذين كفروا، لكن القول الأول هو الأظهر من حيث السياق، ولأن من آمن من أهل الكتاب، فإنه يكون تبعًا لهذه الأمة. فقال عز وجل:

{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وهو القرآن

{وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} وهي الكتب التي أُنزلت عليكم من التوراة والإنجيل

{ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أما أنتم فإنكم إن بقيتم على ما أنتم عليه فلستم بمسلمين، ولذا قال عز وجل كما مر معنا في سورة البقرة

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}[البقرة: 139]

 فقال الله عز وجل: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}

 

 

 ﴿وَكَذلِكَ أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ فَالَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يُؤمِنونَ بِهِ وَمِن هؤُلاءِ مَن يُؤمِنُ بِهِ وَما يَجحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الكافِرونَ﴾ [العنكبوت: ٤٧]

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} إن مِثْل هذا الإنزال وهو إنزال الكتب السابقة أنزلنا إليك يا محمد هذا القرآن فلست ببدَعٍ من الرسل

 {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}

كعبد الله بن سلام

{فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ} يعني من العرب

 {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} يعني من أسلم وآمن بهذا القرآن

{وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} والجحود يدل على النكران {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}

 فهذا هو شأن الكافرين ومن وقع في الكفر.

 

 

 

 ﴿وَما كُنتَ تَتلو مِن قَبلِهِ مِن كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ إِذًا لَارتابَ المُبطِلونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} هذا رد عليهم لما قالوا  {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: 5]،

فقال الله عز وجل: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} يعني أنك أمِّي لا تقرأ ولا تكتب ولذلك قال: {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وهذا من باب التأكيد ومر معنا في سورة البقرة بيان أنواع الأمي.

 والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أميًا {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ} يعني من قبل هذا القرآن {مِنْ كِتَابٍ} وأكد ذلك على أنك لم تتلو أي كتاب

 {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} إذًا لو كان كذلك {إِذًا لارْتَابَ} أي لشك

 {الْمُبْطِلُونَ} وهم هؤلاء ووصفهم بأنهم مبطلون لأن ما وصفوا به القرآن إنما هو من أباطيلهم.

 

 

 

 ﴿بَل هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ وَما يَجحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظّالِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٩]

{بَلْ هُوَ} يعني القرآن {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} واضحات لكن في قلب من؟ من وفقه الله {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وفي هذا شرف لأهل العلم، فإن هذا القرآن مدحهم هنا وهذا يدل على أن طالب العلم عليه أن يشكر الله عز وجل على هذه النعمة فهي أعظم وأجل النعم نعمة العلم إذا وفق للعمل به فقال عز وجل {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} {أُوتُوا الْعِلْمَ} فضل من الله عز وجل لم يؤتوا هذا العلم بوقتهم ولا بحولهم ولا بذكائهم، فمن أعطي هذا العلم فهو توفيق من الله عز وجل

 {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} وكررها مرة أخرى لأن من يجحد بآيات الله فقد جمع مع الكفر جمع مع ذلك الظلم

 {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}

 

 

﴿وَقالوا لَولا أُنزِلَ عَلَيهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُل إِنَّمَا الآياتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنا نَذيرٌ مُبينٌ﴾ [العنكبوت: ٥٠]

 {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} انظر فإنهم طلبوا ماذا؟ آيات اقترحوها كما أنزلت على الأنبياء السابقين كناقة صالح، وكعصا موسى وما شابه ذلك {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ} يا محمد {إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ}

 هي عند الله ويُنزِّلها متى شاء

 ولذلك في سورة يونس {وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ}[يونس: 20] فهي غيب عند الله

 {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} {نَذِيرٌ} ينذركم ويخوفكم من عذاب الله ونذارتي واضحة وبينة

{وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}

 

 

 ﴿أَوَلَم يَكفِهِم أَنّا أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ يُتلى عَلَيهِم إِنَّ في ذلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرى لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ هذا القرآن فهو أعظم المعجزات

 {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} ويسمعون هذا القرآن منك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً} يعني في هذا القرآن لرحمة لمن تعرض لرحمة الله عز وجل وعمل بهذا القرآن

{وَذِكْرَى} يتذكر المؤمن ويتذكر الإنسان، فيقبل على الله عز وجل {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى} لكن لمن؟ { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

 لأنهم هم المنتفعون به {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

 

 

 

﴿قُل كَفى بِاللَّهِ بَيني وَبَينَكُم شَهيدًا يَعلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالَّذينَ آمَنوا بِالباطِلِ وَكَفَروا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾ [العنكبوت: ٥٢]

{ قُلْ} يا محمد لهؤلاء {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا}

 فهو الذي يشهد لي بهذه الرسالة وقد مر معنا في أواخر سورة الرعد ما يتعلق بهذه الآية والله عز وجل شهد له بالرسالة والواقع يشهد بذلك فإنه لو لم يكن رسولًا من رب العالمين، لما تركه رب العالمين يقتل من يشاء ويسبي من يشاء ويفعل ما يشاء فدل على أنه رسول من رب العالمين

 {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}

فهو يعلم حالي وحالكم وهو عالم بما في السماوات وبما في الأرض ويعلم حالي وحالكم

 {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} والذين آمنوا بالباطل من عبادة الأصنام وما شابه ذلك {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}

 أولئك الذين خسروا دينهم ودنياهم، ويوم القيامة خسروا أنفسهم وخسروا أهليهم إذا كان أهلوهم في الجنة وهم في النار.

 

 

 ﴿وَيَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ وَلَولا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ وَلَيَأتِيَنَّهُم بَغتَةً وَهُم لا يَشعُرونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣]

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} اعوذ بالله يعني مع تلك الآيات والدلائل وتلك المجادلة التي هي بالتي هي أحسن، ومع ذلك من الطغيان {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} كما مر معنا في آيات كثيرة ،﴿وَيَقولونَ مَتى هذَا الوَعدُ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ [يونس: ٤٨]،……..

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يا محمد {بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} حدده الله عز وجل وقدره لا على حسب أهوائهم، ولذلك ماذا قال تعالى؟﴿وَيَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ وَلَن يُخلِفَ اللَّهُ وَعدَهُ وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [الحج: ٤٧]

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} بغتة: على حين غرة من حيث لا يشعرون

 {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} حال نزول هذا العذاب.

 

 

 ﴿يَستَعجِلونَكَ بِالعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَةٌ بِالكافِرينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤]{يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} وكرر ذلك وهناك ما هو أعظم من العذاب الذي ينتظرونه في هذه الدنيا، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} قد أحاطت بهم من كل جانب ولذا قال بعدها مبينًا أن العذاب يحيط بهم

 

 

 ﴿يَومَ يَغشاهُمُ العَذابُ مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم وَيَقولُ ذوقوا ما كُنتُم تَعمَلونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥]

{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} يعني يغطيهم

 {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}

 كما قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}[الأعراف: 41]،

فقال هنا {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}

ومن باب التبكيت والتحقير لهم ويقول الله لهم

 {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وما ظلمهم الله عز وجل

 {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

 

 

﴿يا عِبادِيَ الَّذينَ آمَنوا إِنَّ أَرضي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعبُدونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦]

{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} هنا لما جرى ما جرى من تضييق كفار قريش على المستضعفين من المسلمين أمروا بالهجرة فقال الله عز وجل

 {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} أضافهم إضافة تكريم وتشريف

 {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} يعني ليس الأمر محصورًا فيما يتعلق بالعبادة في مكان دون مكان

 {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} فعليكم أن تهاجروا وهذا يدل على ماذا؟ على أن المسلم متى ما لم يتمكن من إقامة شعائر الدين ولم يتمكن من إقامة دينه في بلد؛ فإنه يجب أن يهاجر منه والشعائر مثل: صلاة العيد، وصلاة الجمعة وما شابه ذلك وهذا واجب ولذا قال بعض العلماء من أنه إن مكث في أرض العدو وهو يتمكن من إقامة الشعائر فلا إشكال في ذلك لأنه جاء في الحديث الذي حسنه الهيثمي رحمه الله- من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله رجل عن الهجرة فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما دمت تقيم الإسلام فلا جناح عليك أو في نحو ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال الله عز وجل: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} وهذا يدل على ماذا؟ على أنه في أي زمن متى ما ضُيِّق على أهل الإسلام، فإنه لن تخلو الأرض من بلد بها تقام شعائر الدين ولا أدل من هذه الآية:

 {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} ولذلك في الصحيح قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

 «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله»

 {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}

 

 

﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ ثُمَّ إِلَينا تُرجَعونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧]

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} متم في بلدتكم، في ذلك المكان، في ذلك المكان،

 أهم شيء أن تقيموا الدين لأن الموت آت هنا أو هناك

 {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} مرجع الجميع إلى الله عز وجل ولن يبقى أحد على هذه الأرض

 ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ – وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾[الرحمن: ٢٦- ٢٧]

﴿كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلّا وَجهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}

وفي الآية الأخرى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: 35]

 {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران: 185]،

 فقال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}

 

 

 

﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِنَ الجَنَّةِ غُرَفًا تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها نِعمَ أَجرُ العامِلينَ﴾ [العنكبوت: ٥٨]

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} :

بعد الرجوع إلى الله عز وجل ما حال أهل الإيمان؟

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} لننزلنهم {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}

تلك الغرف العظيمة في الجنة {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} تجري من تحت هذه الغرف {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} مدْحٌ لأجر وثواب العاملين من؟ المذكورون في هذه الآية ولذلك في أول السورة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} هنا {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ما صفتهم؟

 

{﴿الَّذينَ صَبَروا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ﴾ [العنكبوت: ٥٩]

إذًا إذا ألمت بك الأمور فعليك أن تستعين بالله عز وجل وأن تصبر وأن توَكِّلَ أمرك إلى ربك عز وجل، فمع الصبر تتوكل على الله عز وجل {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}

 

﴿وَكَأَيِّن مِن دابَّةٍ لا تَحمِلُ رِزقَهَا اللَّهُ يَرزُقُها وَإِيّاكُم وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ [العنكبوت: ٦٠]

{وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} سبحان الله لما ذكر ما يتعلق بالهجرة؛ هم سيخرجون من بلادهم ومن أوطانهم ومن أموالهم فكيف يخرجون من بلدٍ بها رزقهم إلى بلدٍ لا يدرون ما حالهم بعد الخروج منها فقال الله عز وجل:  {وَكَأَيِّن} للتكثير {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ} سبحان الله {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} بعض الدواب ما تذهب ولا تحمل رزقها؛ الله عز وجل يرزقها {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}

يعني قدَّم رزقها على رزقكم لم؟ لأنها ما تتحرك ومع ذلك يأتيها رزقها

أفلا يأتي رزقكم إليكم وأنتم تسعون؟

 {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

السميع لكل الأقوال العليم بكل جميع الأحوال وسميع لكلامكم عالم بأحوالكم {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

 

 

 ﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ لَيَقولُنَّ اللَّهُ فَأَنّى يُؤفَكونَ﴾ [العنكبوت: ٦١]

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} كفار قريش مع ذلك كله يأتون بما يأتون به من معارضة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم يقرون بتوحيد الربوبية لكنه لم ينفعهم لأنهم لم يعبدوا الله لم يوحدوا الله توحيد الألوهية

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} من خلقها؟

 { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ذلل الشمس والقمر

  {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: 40]

 {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}

فكيف يصرفون عن الحق بما أنكم أقررتم بتوحيد الربوبية، فكيف تصرفون عن توحيد ماذا؟ الألوهية إنما هو هذا الإفك والافتراء {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}

 

 

 

﴿اللَّهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [العنكبوت: ٦٢]

{ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ}

 يعني الرزق ليس بيد أحد، في بلدكم أو في غير ذلك

 {اللَّهُ يَبْسُطُ} يعني يوسع الرزق

 {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ}

{وَيَقْدِرُ} يعني أنه يقتر عليه بمعنى أن بسط الرزق يكون لأشخاص والتضييق على أشخاص وأحيانًا، بل هذا هو الواقع أيضًا أن بسط الرزق والتضييق في الرزق يكون على الشخص الواحد؛ في حالة يكون في ضيق رزق ثم السعة أو العكس كان في سعة ثم يكون في ضيق سبحان الله قال هنا: {وَيَقْدِرُ لَهُ} في بعض السور لم يقل له، هنا قال {وَيَقْدِرُ لَهُ}

يدل هذا على ماذا؟ على أنه إذا ضُيِّق عليك؛ هذا التضييق لك لا عليك لم؟ لأن هذا التضييق إذا صبرت فلك الثواب العظيم من الله عز وجل.

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

{بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ومن ذلك يعلم من يصلحه الرزق، يعلم من يصلحه الغنى، يعلم من يصلحه الفقر، يعلم بحالك في شؤونك، في فقرك، في غناك.

 فإذا كنت موقنًا بهذا {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

 فالتجيء إلى الله عز وجل فإن الله سيرزقك {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

 

﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحيا بِهِ الأَرضَ مِن بَعدِ مَوتِها لَيَقولُنَّ اللَّهُ قُلِ الحَمدُ لِلَّهِ بَل أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ﴾ [العنكبوت: ٦٣]

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} سألهم مرة أخرى

 {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا}

 {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ

 وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج: 5]

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت: 39]

 فقال هنا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} اعترفوا

 { قُلِ} يا محمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الحمد لله، له الحمد كله لم؟ لأنهم اعترفوا بهذا الأمر وقامت عليهم الحجة

 {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} فإنهم لو تعقلوا وفهموا وتدبروا فإنهم سيعترفون بأن الله عز وجل هو المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو عز وجل

 

 

 

 ﴿وَما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤]

{وَمَا هَذِهِ} أشار إليها هنا{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} ولذلك في سورة الأنعام {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ }[الأنعام: 32]

 لم؟ لأنه قبلها ذكر الدنيا وذمَّهَا {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}[الأنعام: 31]

فهنا ذكر {هَذِهِ} من باب التأكيد {وَمَا هَذِهِ} لأنه لم يسبق ذكر الدنيا هنا

 {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}

 في سورة الأنعام {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}[الأنعام: 32]

قدم اللعب؛ قال بعض المفسرين: لأنه لما لم يأت باسم الإشارة أتى بكلمة لعب لأن اللعب أقل جدوى وفائدة من اللهو يعني اللعب أعظم ضياعًا من اللهو، لكن هنا لما كان اسم الإشارة موجودًا فقدم ماذا؟ اللهو على اللعب قلت والعلم عند الله من أن هذا فيما يتعلق باللهو واللعب يكون هذا والعلم عند الله إما واحد من أمرين: إما من أجل التنويع في الأسلوب، بحيث يعلم بأن الدنيا هي بين حالتين؛ إما لهو، وإما لعب فكلاهما لا فائدة منه

 أو أنه ذكر ما يتعلق باللعب في سورة الأنعام لم؟ لأن اللعب أسبق من اللهو ولذلك الأطفال يلعبون مع اللعب يحصل لهو، لكن الكبار ما الذي يحصل لهم؟ اللهو قبل اللعب، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله اللعب يتعلق بالجوارح واللهو يتعلق بالقلوب {أَلْهَاكُمُ} قال ألهاكم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[التكاثر: 1]

 {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}

 الحياة الحقيقية لكن لماذا قال الحيوان؟

 هي على وزن فعلان،

 الأصل في اللغة العربية أن ما كان على وزن فعلان يدل على الحركة الشديدة، فدل هذا والعلم عند الله على أنه لما قال {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}

 يدل على أن حياتهم في الآخرة حياة كاملة لا نقص بها بوجه من الوجوه، ولذلك لا يمرضون ولا يموتون وما شابه ذلك مما جاءت به الأحاديث

 {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أن هذه الدنيا إنما هي متاع وهي زائلة وكذا،

 لو كانوا يعملون ذلك لما كفروا بالله وما ألهتهم الدنيا عن توحيد الله عز وجل

لكن حال هؤلاء ماذا قال بعدها؟

 

 

 ﴿فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥]

{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} يعني في السفينة

 {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} من أنهم في حال الشدة يتضرعون إلى الله هذا توحيدهم على زعمهم حال الشدة

 {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} عادوا إلى ما كانوا عليه وهذا ليس بتوحيد

 {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} ولذلك ماذا قال تعالى؟

 {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأنعام: 63]، فقال هنا: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}

 العاقبة والنهاية من أجل ماذا والعاقبة؟

 

👋🏻

 

﴿لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم وَلِيَتَمَتَّعوا فَسَوفَ يَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ٦٦]

{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} بما أعطيناهم، فنِعَمٌ تتصبب عليهم

{وَلِيَتَمَتَّعُوا} وليتمتعوا بهذه المتع التي عندهم في هذه الدنيا

ولذلك ماذا قال تعالى؟ {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[النار: 8]، فقال الله عز وجل: {وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

فسوف يعلمون: هذا كلام يحمل التهديد فسوف يعلمون ماذا؟

عقاب الله عز وجل {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

 

 

 

 ﴿أَوَلَم يَرَوا أَنّا جَعَلنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَولِهِم أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَةِ اللَّهِ يَكفُرونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧]

{أَوَلَمْ يَرَوْا} هذه من النعم العظيمة التي أعطاها الله عز وجل لهؤلاء

 {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} وهم يسكنون فيه

 {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} التخطف هو الأخذ بقوة

 {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ومر معنا تفصيل لذلك أكثر في قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون}[القصص: 57]

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} استفهام إنكاري

 {أَفَبِالْبَاطِلِ} بالشرك وبالأوثان

{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} كفروا نعمة الله لما أتاهم هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما نزل عليهم هذا الكتاب  وكفروا نعمة الله إذ جعل هذا البيت حرمًا وجعله آمنًا ولذلك ماذا قال تعالى مما يدل على أنهم كفروا بالنعمة ماذا قال تعالى؟

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل: 112]

ولذلك ماذا قال تعالى؟ {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ}[المؤمنون: 67]

 يعني مستكبرين بالحرم {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون: 67]، يعني تقولون الأقوال الباطلة فما يتعلق بهذا القرآن، أهذا هو شكر النعمة! {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}

 

 

  ﴿وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُ أَلَيسَ في جَهَنَّمَ مَثوًى لِلكافِرينَ﴾ [العنكبوت: ٦٨]

{وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهام للنفي يعني لا أحد أظلم

 {وَمَنْ أَظْلَمُ} كحال كفار قريش

 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} افترى على الله الكذب وكذب بالحق لما جاءه؛ جاءهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجاءهم هذا القرآن

 {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} بلى والله

 {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} يثون ويؤوون إليها وبئس المصير

 {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}

 

﴿وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} جاهدوا في الله ومن أجل الله ومن أجل دين الله

 {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

 هذه شاملة وتشمل كل أمر يتعلق بالمجاهدة: من جاهد أعداء الدين

 {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} النصر

 من جاهد نفسه -حتى نصَّ بعض أهل العلم على ذلك- من جاهد نفسه

 في العلم الشرعي فالله عز وجل سيهديه وسيوفقه للحفظ وللفهم وما شابه ذلك ويوفقه للعمل بهذا

 من جاهد أعداء الدين وأهل البدع فإن الله سينصره؛ فهي شاملة

 {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} وعد من الله { لَنَهْدِيَنَّهُمْ} بل يتضمن القسم

 {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

ولم يقل سبيلنا { سُبُلَنَا} قد مر معنا توضيح ذلك في سورة المائدة وفي سورة الأنعام فجمعها هنا باعتبار ماذا؟ باعتبار -ومن أراد التوسع فليرجع إلى السورتين السابقتين- {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} دل هذا على أن سبيل الله واحد

 ولكن هذا السبيل بها شُعَب من الخير وطُرق الخير

 {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} معية خاصة؛ معية تقتضي التأييد والنصرة والرزق والعطاء والخير لكن مع من؟ مع المحسنين من أتقن؛

 من أتقن واجتهد فيما يتعلق بعبادته من صلاة أو نحوها فالله عز وجل معه ومن كان الله معه فهو الموفق المسدد

 من جاهد وأحسن فيما يتعلق بطلبه العلم الشرعي؟ الله معه

 تدل هذه الجملة على ماذا؟ تدل على أن العبد يطمئن متى ما أحسن

 فمن أحسن في طاعة الله ومن أحسن مع خلق الله فإن الله عز وجل معه

 وبهذا ينتهي تفسير سورة العنكبوت.