تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 1 ]

تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 1 ]

مشاهدات: 415

 تفسير  سورة الفاتحة

فوائد تحت سورة الفاتحة (1 )

اشتقاق اسم السورة

فضيلة الشيخ  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرع بعون من الله في تفسير سورة الفاتحة

قبل ان نتحدث عن هذه السورة يجدر بنا أن نتحدث عن اشتقاق كلمة السورة

السورة : يقول أهل اللغة مأخوذة من السور

والسور : هو المكان المرتفع فناسب أن تسمى السورة بهذا الاشتقاق

لأن السورة في علو وارتفاع

 

وأدلة ذلك من كاتب الله كثيرة لا تحصى من بينها

قوله تعالى :

{ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)  } الذين هم الملائكة

قال تعالى :

{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)  } الذين تطهروا من الذنوب  ومن الدنائس وهم الملائكة

 

قال تعالى في بيان أن هذا القرآن في  علو عنده جل وعلا وفي  علو عند المؤمنين

قال فيما يتعلق بعلو القرآن عنده :

{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ }

أم الكتاب : اللوح المحفوظ

{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }

يعني :  في علو

ومن صور علوه :

أن اليد لا تناله بسوء

مضت عليه سنون من عصر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يستطع أحد أن يغيره أو يبدله

وهذا يدل على علوه

فإن الشيء العالي لا يتمكن أحد من أن يصل إليه أو أن يمسه بسوء

فالشيء العالي لا يستطيع أحد أن يناله بسوء

ولذا قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9

والذكر هنا : هو القرآن وهو محفوظ

أين ؟

عنده جل وعلا

وعند المؤمنين يتلونه  آناء  الليل  وأطراف النهار

وهذا القرآن المحفوظ هو في لوح محفوظ

 

واللوح المحفوظ كما أخبر ابن عباس عند الطبراني بإسناد حسن كما قال بعض العلماء :

(( أنه من درة بيضاء دفتاه ))

لأن هذا الكتاب الآن له دفتان

((دفتاه من ياقوتة حمراء عرضه كما بين السماء  والأرض ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في كل نظرة يحيي ويميت ، يرزق  ويعطي جل وعلا ))

 

هذا اللوح محفوظ قال تعالى :

{ بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) }

فهذا اللوح المحفوظ في هذه الآية هو أم الكتاب الذي أخبر عنه جل وعلا في آيات متعددة

ولذا قال تعالى عن حفظه لهذا الكتاب :

قال :

 { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)  }

قال بعض العلماء : إن الباطل هو إبليس  فلا يستطيع إبليس أن يصل إليه أو يغيره أو يحرفه

وقال بعض المفسرين : إنه لا يأتي  كتاب بعده يبطله ولم يأت  كتاب قبله يبطله

وكلا المعنيين صحيحان

فالسورة قال بعض أهل اللغة مشتقة من العلو والارتفاع

وذلك بمثابة السور

 

وقال  بعض أهل اللغة : إن السورة سميت بهذا الاسم لأن قارئها يرتفع بها

ولا شك في ذلك

من قرأ كتاب  الله فإنه سيرتفع في دنياه وفي قبره وفي أخراه

وتكون له المنزلة العالية

ومما ذكر في ذلك :

قوله عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي :

(( من قرأ حرفا من كتاب الله ))

أليس هذا علوا بالقارئ ؟

بلى وربي

ولذا وصف الله القرآن بأنه كريم ؟

كيف يكون القرآن كريما ؟

{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)}

فمن كرمه : أن قارئه يحصل له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها

قال عليه الصلاة والسلام :

(( لا أقول الم حرف ولكن ألف  حرف ولام حرف  وميم حرف ))

قارئ  القرآن أو قارئ السورة من القرآن :

أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه يرتفع درجات في الجنة

وهذا يدل على أن قارئ  السورة يرتفع بها

قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود :

(( يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ ورتل  وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرءوها  ))

النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ))

وهذا يدل على أن قارئ السورة من القرآن يعلو بهذه القراءة

وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال :

(( اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان تظلان صاحبها ))

قال النبي  عليه الصلاة والسلام :

(( من جعل هذا القرآن أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ))

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا

وهذا مما يرتفع به قارئ  القرآن في الآخرة

أما في القبر

فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كماعند الترمذي :

(( إن سورة من القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها وهي سورة تبارك ))

ولذا سماها النبي عليه الصلاة والسلام بالمانعة من عذاب القبر

أليس هذا شرفا وعلوا لقارئ  القرآن ؟

بلى وربي

ولذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان:

(( أن الصلاة تأتي عند رأس الميت في قبره والزكاة عن يمينه وسائر الأعمال عن يساره ))

 

ومن بين سائر الأعمال :

تلاوة القرآن

فإذا جاء الملكان تقول الصلاة : ما قبلي مدخل

فإذا جاء الملكان عن طريق الزكاة قالت الزكاة : ما قبلي  مدخل

وإذا جاءا عن سائر الأعمال قالت سائر الأعمال : ما قبلي  مدخل

هذا مما يتشرف به قارئ  القرآن في قبره

 

أما في دنياه فخذ من الأحاديث الكثيرة التي ثبتت عنه عليه الصلاة والسلام :

من بينها :

كما في صحيح مسلم :

أنه عليه الصلاة والسلام قال :

(( إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ))

أليس هذا علوا وانتصارا أن تحارب شيطانك وأن تدحر عدوك بهذه القراءة ؟

 

ولذا قال عليه الصلاة والسلام :

كما في صحيح مسلم :

(( اقرءوا البقرة فإن في  أخذها بركة وفي تركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ))

يعني : لا تستطيعها السحرة

 

النبي عليه الصلاة والسلام قال عن آية الكرسي كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة معلقا بصيغة الجزم :

قال عليه الصلاة والسلام – في قصة أبي  هريرة مع الشيطان لما حصل ما حصل من أن النبي  عليه الصلاة والسلام وكَّل أبا هريرة لحفظ زكاة الفطر فجاء الشيطان في صورة فقير فقال : إني رجل  مسكين ،  وقد أتى الشيطان من غير الباب الذي ينبغي أن يأتي  منه جاء  في  خفية ودخل وأخذ من الطعام ما أخذ فأمسك به أبو هريرة وقال : لأرفعنَّك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فادعى أنه فقير وأنه محتاج وأنه ذو عيال وأطلقه

فلما أتى أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام

قال عليه الصلاة والسلام : ما فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة ؟

قال : ادَّعى أنه فقير وأنه محتاج وانه ذو عيال

فقال عليه الصلاة والسلام : إنه كذوب  وسيعود

فأعاد في المرة الثانية وادعى الحاجة والفقر

ثم أتى في المرة الثالثة وقال : لا أدعنك حتى أرفعك إلى النبي  عليه الصلاة والسلام

فقال : إني أعلمك حاجة اقرأ آية الكرسي  عند منامك إذا أتيت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لا يقربك شيطان حتى تصبح

فلما أتى أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال عليه الصلاة والسلام :  (( صدقك وهو كذوب ))

الأصل فيه الكذب لكنه صدق في هذا الأمر

فانظر إلى آية واحدة من كتاب الله تحفظ العبد المسلم إذا تلاها

 

وقال بعض  العلماء بعض العلماء اللغة :

إن السورة مأخوذة من السؤر :

وهو سؤر الطعام

يعني :  بقية الطعام

وناسب أن تكون السورة بهذا الاسم لأنها مقتطعة من القرآن

ولذا كل  سورة منفصلة عن السورة  الأخرى :

سورة البقرة

سورة آل عمران

سورة النساء

وهكذا

ولذا كل سورة يفصل بينها وبين التي  قبلها والتي بعدها  بالبسملة إلا سورة الأنفال والتوبة

 

ولماذا لم توضع البسملة بين سورة الأنفال وبين سورة التوبة ؟

جاء في السنن أن ابن عباس قال لعثمان لأن عثمان هو الذي جمع المصاحف فجمع الناس  على قراءة قريش

فقال ابن عباس : ما الذي حملكم على أن تدعو سورة الأنفال وسورة التوبة من غير بسملة ؟

فقال عثمان رضي الله عنه : إن النبي عليه الصلاة والسلام إذا نزلت آية قال : اجعلوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا

وإن هاتين السورتين تحدثتا عن شيء  واحد وهو الجهاد وبيان حال المنافقين

ولم يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أنهما سورتان أو أنهما سورة واحدة ففصلنا بينهما ولم نجعل بينهم البسملة

 

وهذا قول بعض أهل اللغة أن السورة مشتقة من السؤر وهو بقية الطعام لأن السورة مقتطعة من القرآن

 

ولذا فإن الإنسان يقول عن السورة :

هذه سورة البقرة

هذه سورة آل عمران

هذه سورة الفلق

هذه سورة الناس

هذا هو الاشتقاق لمعنى السورة

 

سورة الفاتحة :

هذا يدل على أن من بين أسماء هذه السورة الفاتحة

ولهذه السورة أسماء دلت الأحاديث والآثار عليها

نتحدث  عنها في  الدرس القادم إن شاء  الله تعالى