تفسير سورة الفاتحة ـ الدرس العاشر
تفسير قوله تعالى : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (2 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرضنا بالأمس بعض الآيات التي ذكرها الله عن حمده
لو نظرنا إلى ما جاء في سورة الأنعام التي ذكرنا ها هذه الليلة لوجدنا أنها مفتتحة بالحمد :
قال تعالى :
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }الأنعام1
{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } : يعني خلق الظلمات التي هي الليل
{ وَالنُّورَ } أي النهار
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : يقول إن الله افتتح الخلق بالحمد وختمه بالحمد
افتتاح الخلق بالحمد كما في قوله تعالى في أول سورة الأنعام :
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }الأنعام1
وختم الخلق بالحمد في قوله تعالى في آخر آية من سورة الزمر:
{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
يقول كعب الأحبار : ” إن أول آية في التوراة :
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }الأنعام1
وإن آخر آية في التوراة :
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }
سبحان الله!
الخلق فعل من أفعاله فحمد عليه كما في هذه السورة
وأين مكمن الحمد ؟
لا يمكن أن يطيق الذهن والعقل حصر تلك الفوائد والثمرات التي منها خلق الله عز وجل السموات والأرض والليل والنهار
حُمد عز وجل على هذا
لم ؟
لأن من أعظم نعم الله على البشر أن خلق السموات والأرض
لم ؟
اسمع إلى ما قاله عز وجل : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
لكل من يتأمل ؟
لكن من يتأمل ؟
لو سافرت مثلا عن طريق البر وأمعنت النظر في هذه الأرض ونظرت ببصرك إلى السماء لزادك هذا إيمانا وتقى
وهذه من النعمة التي يستحق عليها سبحانه الحمد :
{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ }
يعني :من تشقق أو خلل في هذه السموات
{ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ }
أعد النظر مرة تلو الأخرى
{ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ }
يعني منقطع لن يصل إلى خلل أو إلى عيب في خلق الله
هذه عبر
لكن من وفق إلى أن يحضر قلبه عند رؤية هذه الأرض أو عند إبصاره هذه الجبال أو عند نظره إلى السماء
فليعلم :
أنه من أولي الألباب وأنه من العقلاء :
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }
لأنه لن يصل لمثل هذه القيم والمثل إلا من وصف بعد ذلك :
{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا }
ما خلقه عبثا
هذه علامات ودلالات :
على أن هناك إلها معبودا وربا يحمد ويثنى عليه ويجل ويعظم باللسان وبالقلب وبالجوارح :
{ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ }
الليل والنهار : هذا له ثمرة
ليل نهار
ليل نهار
ليل نهار
وهلم جرا
إلى متى ؟
إلى أن يقال : قف يا ابن آدم جاء أجلك
{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً }
يخلف أحدهما الآخر ك
{ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }
من كان عنده تقصير : يذكر
من لم يكن عنده تقصير وعنده إيمان مسبق وتفكير مسبق فهذه نعمة تستحق الشكر
{ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }
ما الذي بعده ؟
وصفٌ لمن عرف علة وحكمة خلق الليل والنهار
وصفٌ لمن ؟
لعباد الرحمن { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ }
إلى آخر ما وصفهم الله
هذه نعمة منة كرم فضل يستحق عليها الحمد
ولذا حمد الله نفسه :
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }
لكن هناك من طمس الله على بصيرته مع هذه الدلائل والبراهين الساطعة
{ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } الأنعام1
يعني : يشركون
جعلوا له عدلا وندا
ولذا : قال بعدها :
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } تمضونه في هذه الدنيا
{ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ }
إلى آخر ما ذكر
دلائل
هذه آية من كتاب الله عز وجل
فيها ذكر الحمد لو نظرنا الى ما جاء في ثنايا هذه السورة
ماذا قال عز وجل ؟
يحمد نفسه
وفي هذا الحمد فائدة :
قال عز وجل :
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ }
استدراج
وإذا فتحت أبواب الرزق فرح ابن آدم
ولذا قال : { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }
يعني : يائسون
منقطعون عن كل خير
{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا }
ختام الآية :
{ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
حمد عز وجل نفسه على هلاك الظالمين
لم ؟
لتعليمنا شكره وحمده عز وجل إذ نجَّى المؤمنين ونصرهم على أعدائهم وأباد أعداءهم
ومثل هذا الفعل وأفعاله كلها يحمد عليها حتى ولو كانت لا تلائم بعض البشر
لتعلم أن الله لم يفعل فعلا لمحض الشر
كل أفعاله عدل وخير
أعطاك صحة
هذا خير تحمد الله عليها
أنزل بك مرضا
هو شر بالنسبة لك لأنه لا يلائمك
لكن فعله خير إما لك وإما لغيرك
فإن كنت من الصالحين :
فإن هذه المرض خير لك ترفع به درجاتك وتكفر سيئاتك
وإن كان غير صالح :
فنزلت به بلية فإن فيها خيرا لغيره فإن أمثاله ممن تكبر وطغى الذي له من المال ماله ومن الجاه ماله إذا علم أن ذلك الرجل العظيم قد أصبح ضعيفا وكان مثله في الصفة عله أن يتعظ وأن ينزجر.
بل ربما أن البلية على هذا المتكبر المتغطرس فيه خير له ولو لم يكن صالحا
لم ؟
لأنه قد يفيق ويتعظ
لأن الإنسان إلا من رحم ربي كلما ازداد غنى في الغالب أنه يطغى ويتكبر
{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى }
لم ؟
{ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى }
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ }
لم ؟
{ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ }
{ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) }
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }
فحمد الله نفسه لما اهلك الظالمين ففيه خير ونعمة على المؤمنين إذ أزال عنهم أعداءهم فيحمد على ذلك
هل في هذا الفعل من الهلاك للظالمين
هل فيه خير لهم ؟
نعم لأن الله لم يمهلهم حتى يزدادوا شرا
فقضى على آجالهم حتى لا يزدادوا شرا فيضاعف عليهم العذاب
حتى لو كانوا مشركين
لأن المشرك يضعف عليه العذاب الذي هو موجب كفره بسبب ذنوب أخرى :
{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ }
فهذا من رحمة الله بهم
ولذا قال عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام :{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
العالم : كل ما سوى الله عز وجل
فالرسول عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين
هو رحمة للمؤمنين
لكن كيف يكون رحمة للكافرين مع أنه قاتلهم وجاهدهم ؟
إن أسلموا فهذه رحمة
إن قاتلهم لو بقوا على الكفر فهذه رحمة لهم إذ أراحهم حتى لا يزدادوا عذابا على عذاب
{ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ }
إذًا في تلك الحالتين هو عز وجل يحمد
وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى