تفسير سورة الفاتحة الدرس [15 ]

تفسير سورة الفاتحة الدرس [15 ]

مشاهدات: 980

تفسير سورة الفاتحة ــ الدرس الخامس عشر

تفسير قوله تعالى :

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول الله :

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }

معنى هذه الآيات الكريمات  :

{ اهْدِنَا } : وفقنا وأرشدنا

{ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } :

هو طريق الحق والعدل الذي لا اعوجاج فيه فيدخل في ذلك : طريق الإسلام وطريقة النبي عليه الصلاة والسلام وطريقة الصحابة الكرام

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }

يعني : غير صراط المغضوب عليهم

{ وَلَا الضَّالِّينَ } : لا هنا بمعنى غير وغير صراط الضالين

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

أي وفقنا وأرشدنا إلى طريق الحق والعدل الذي لا اعوجاج فيه

ما هو هذا الصراط ؟

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }

يعني : غير صراط المغضوب عليهم وغير صراط الضالين

 

من فوائد هذه الآيات الكريمات :

أن هذه الآيات إذا قرأها العبد قال الله : (( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ))

كما جاء في صحيح مسلم .

 

من الفوائد :

أن هذه الآيات الكريمات هي دعاء

وما الذي سبق الدعاء ؟

سبقه حمد : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

سبقه ثناء : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }

سبقه تمجيد : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

إذًا : مما يستحب للداعي في دعائه لله عز وجل أن يقدم ثناء الله وحمده وتمجيده

ولذا النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى رجلا يصلي قال :

(( عجل هذا ، إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه وليصل على النبي عليه الصلاة والسلام ))

 

من الفوائد تحت هذه الآيات :

أن هؤلاء يقولون : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

ولا شك أن من قال هذه الدعوات لاشك هو على صراط مستقيم

فلماذا يقول : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

لأن هداية الله لا تتناهى ولا تنقطع

فنحن بحاجة إلى هداية الله عز وجل في كل وقت وفي كل حين وفي كل مكان أحوج من حاجتنا الى الطعام والشراب

لأننا ما نعلمه أقل مما نجهل يعني ما نجهله أكثر مما نعلمه فنحن بحاجة ماسة إلى أن ندعو الله بهذا الدعاء

ولذا يدخل ضمن هذه الفائدة :

مع طلب الهداية في كل حين ونحن محتاجون إلى هداية الله أحوج من حاجتنا إلى الطعام والشراب يدخل فيها أننا نسأل الله الثبات على هذا الصراط المستقيم

ومن ثم أوجب الشرع أوجب أن نقرأ الفاتحة في كل ركعة ؟

لم ؟

لأننا بحاجة إلى هذا الدعاء .

 

ومن الفوائد :

أن صراط الله واحد

سبيله واحد : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

ولم يقل : اهدنا الصُّرط أو الطرق

لأن الطريق إلى الله واحد

وإذا كان الطريق مستقيما يلزم منه كما قال ابن القيم أن يكو ن واسعا لأن سالكيه سيكثرون ويلزم منه أن يكون قريبا

لأن الذي لا اعوجاج فيه قريب

أما الطريق المعوج يتأخر السالك فيه

ولذا قال تعالى :

{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

 

ومن الفوائد تحت هذه الآيات :

أن أعظم ما يفسر به القرآن هو القرآن :

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

هنا إجمال ما الذي فسره ؟

ما الذي بعده ؟

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }

نريد أن نفسره أيضا بالقرآن

من هم ؟

هم الأنبياء والصالحون والشهداء والصديقون

{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }

أي : حَسُنَ أن يكون الإنسان رفيقا لهؤلاء وأن يكونوا رفقاءه

 

ومن الفوائد تحت هذه الآيات :

أنه قال : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }

أضاف الصراط إلى سالكيه

من الذي سلكه ؟

من أنعم الله عليهم

وفي آية أخرى قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا }

أضاف الصراط إليه : لأنه هو الذي نصبه وشرعه

وأضافه إلى الخلق لأنهم هم السالكون له كما في  هذه الآية

 

ومن الفوائد تحت هذه الآيات الكريمة :

أن أعظم النعم التي ينعم الله بها على الخلق  نعمة الدين

ولذا قال : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }

ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في  السنن قال :

(( ما أعطي أحد بعد اليقين ـ  يعني بعد الدين – بعد اليقين خيرا من العافية ))

أفضل النعم : اليقين الذي هو الدين

وبعده : العافية أن تكون معافى

فهذه أعظم نعمة نعمة الدين

 

ومن الفوائد تحت هذه الآيات الكريمات :

أن في هذه الآيات الكريمات إثبات وجود الرسل والكتب والملائكة واليوم الآخر ومن باب أولى وجود الله عز وجل والقدر

أركان الإيمان الستة :

أن تؤمن بالله

وملائكته

وكتبه

ورسله

واليوم الآخر

وأن تؤمن بالقدر خيره وشره

كيف ؟

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

كيف نهدى ؟

كيف نرشد؟

كيف نعلم ؟

إلا بوجود رسل عليهم الصلاة والسلام

هؤلاء الرسل أرسلوا ومعهم الكتب

من الذي أرسل الرسل ؟

الله

من هو الواسطة ؟

جبريل

هذه الهداية التي أمرنا أن نسلكها  ، نسكلها وينتهي أمرها بموت الإنسان ؟

لا

لأن الله عدل

فما أمرك بسلوك هذا الطريق إلا وأن هناك حسابا

إثُبات القدر إننا ندعو الله : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }

فلو كانت الأمور تجري باختيارنا لما كان لهذا الدعاء محل  ، لكن لما دعونا الله دل على أن هناك أمرا قدره الله سيكون  لك : إما أن تهدى وهذا هو طريق من أنعم الله عليه

وإما أن تضل – نسأل الله العافية – فتقع في الطائفتين اللتين ذكرتا : المغضوب عليهم والضالون

 

ومن الفوائد :

(( أن النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند الترمذي-  فسر المغضوب عليهم أنهم هم اليهود  ، وأن الضالين هم النصارى ))

كما قال تعالى :

{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ }

هذه في سياق اليهود

{ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ }

وفي سياق النصارى :

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ }

 

ومن الفوائد :

أن سعادة ابن آدم لا تكمن إلا في أمرين :

العلم

والعمل

ولذا من هدي إلى الصراط المستقيم ممن أنعم الله عليه فإنه علم وعمل

نأتي إلى المغضوب عليهم وهم اليهود :

لماذا غضب عليهم ؟

هم علماء لكن ليس  هناك عمل

النصارى يعملون : { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ }

لكن : عبدوا الله على جهل فأصبحوا في ضلال

ولتعلم :

كما أن اليهود مع أنه مغضوب عليهم ، وأن النصارى كما أنهم ضالون فإنه من باب دلالة اللزوم : أن من غضب الله عليه فهو ضال

ومن ضل فهو مغضوب عليه

لكن :

الغضب وقع على اليهود أكثر من النصارى

والضلال في  حق النصارى أكثر منه في حق اليهود

 

ومن الفوائد :

إثبات صفة الغضب لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته

فإن المخلوق يغضب ولكن غضبه هو إرادة الانتقام

ثم إن غضب المخلوق له آثار سيئة :

قد يقتل

قد يزني

قد يضرب

لكن الله غضبه غضب كمال تثبت هذه الصفة من غير أن تحرف  ومن غير أن تمثل بصفة المخلوق :

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }

 

ختاما :

يكون هناك تنبيه :

ما هو :

كلمة ( آمين  ) ليست من القرآن وليست آية

ولذا لو لم يأت بها الإنسان فلا جناح عليه

لكن السنة أن يأتي بها :

لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ { وَلَا الضَّالِّينَ } رفع بها صوته يمد بها صوته

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (( إذا أمن الإمام فأمنوا ))

وفيه لفتة هنا :

أن البعض هنا قد يؤمن قبل أن يفرغ الإمام من كلمة : { وَلَا الضَّالِّينَ }

وهذا يكون قد سبق إمامه فيجب عليه أن يتنبه لمثل هذا الأمر

يقول عليه الصلاة والسلام في فضل آمين :

(( إذا أمَّن الإمام فامِّنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ))

ولذلك جاء في الرواية الأخرى :

قال : (( فإن الإمام إذا قال : { وَلَا الضَّالِّينَ }قالت الملائكة : آمين ))

فهنا يتوافق تامين الإمام وتأمين الملائكة وتأمين المصلي فيغفر الذنب المتقدم بإذن الله عز وجل

فهي وهي كلمة ” آمين “ عند أهل اللغة : اسم فعل أمر

بمعنى : اللهم استجب

لماذا نقول آمين ؟

لأن هناك دعاء

ما هو ؟

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }

ولذا :

استحب بعض العلماء : أن يسكت القارئ إذا فرغ من كلمة : { وَلَا الضَّالِّينَ } أن يسكت برهة من الزمن ثم يقول : ” آمين ”

من أجل ألا يظن بأن كلمة آمين تبع الفاتحة

وهي ليست آية من الفاتحة

هذه إمرارة سريعة على سورة الفاتحة

فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ