تفسير سورة الفاتحة ــ الدرس الثالث
من أسماء سورة الفاتحة :
الصلاة
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سمى النبي عليه الصلاة والسلام الفاتحة :
بالصلاة :
كما جاء في الحديث القدسي :
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين )
ثم فسر الصلاة بقوله :
فإذا قال العبد : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
قال الله عز وجل : ( حمدني عبدي )
وإذا قال العبد : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
قال الله تعالى : ( أثنى علي عبدي )
وإذا قال العبد : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
قال الله عز وجل مجدني عبدي )
وإذا قال العبد : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
قال الله عز وجل : ((هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ))
وإذا قال العبد : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }
قال الله عز وجل : ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )
لماذا سمى الله تعالى الفاتحة بالصلاة ؟
هذا من باب وصف الخاص بالعام :
وذلك لأن الفاتحة جزء من الصلاة ، فأطلق النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث على الفاتحة لفظ العموم وهو الصلاة
ما الفائدة ؟
الفائدة :
أن في ذلك دلالة على أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة :
وأنها جزء لا يمكن أن ينفصل عن الصلاة
وعلى النقيض من ذلك :
فلو أُطلق على الكل لفظ البعض أو الجزء :
فأعلم أن هذا الجزء لا يمكن له أن ينفصل عن هذا الكل
قول النبي عليه الصلاة والسلام :
كما في الصحيح :
( من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )
السجدة هنا :
جاءت في الرواية الأخرى بمعنى الركعة ففهم من ذلك أن السجود في الصلاة ركن من أركان الصلاة
وعلى هذا فإن الفاتحة ركن من أركان الصلاة على الصحيح من أقوال العلماء المحققين
ولا تصح الصلاة إلا بها
قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ) نهي
والنهي إذا جاء في الشرع :
فاعلم بأنه يكون على ثلاث حالات هي :
1ــ إما أن يكون نفيا للوجود (ينفي وجود هذا الشيء )
2ــ وإما يكون نفيا للصحة
3ــ وإما يكون نفياً للكمال
( لا إله إلا الله )
هذا نفي لوجود معبود بحق غير الله
هناك معبودات غير الله لكنها ليست حقا ، هي باطلة
قوله تعالى :
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
{الحج:62}
مثال على النوع الثاني وهو نفي للصحة :
وهو أن هذا الشيء موجود لكنه إذا انتفى عنه هذا الشيء فإن هذا الشيء غير صحيح
ومثاله كما قلنا :
( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب )
نعم هناك صلاة لكنها لا تصح ،
ومثال على المرتبة الثالثة من مراتب النفي :
وهي مرتبة نفي الكمال :
قول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
( لا صلاة بحضرة طعام )
قد توجد الصلاة ، والإنسان يصلى وقد صلى بحضرة طعام يشتهيه ، فإذا صلى وحالته تلك فصلاته صحيحة ، لكنه لم يخشع في صلاته فيكون أجره ناقصا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا تسقط الفاتحة لمن أتقنها و علمها إلا في حالتين :
الحالة الأولى :
لو أدرك إمامه وهو راكع فإنها تسقط عنه :
ولذا في حديث أبي بكرة كما في صحيح البخاري :
أنه أتى والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فأراد رضي الله أن يدرك الركعة ، فكبر رضي الله عنه وركع وهو خلف الصف ثم دخل في الصف ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما فرغ من صلاته :
( زادك الله حرصا )
ولكنه هل سكت عليه الصلاة والسلام عند هذه الجملة ؟
لا –
وإنما زاد عليه الصلاة والسلام فقال :
( لا تَعُد )
وضبطت و لا تُعِدو ) أي لا تُسرع
وضُبطت : (و لا تعد ) أي لا تعيد الصلاة ،
فأسقط عليه الصلاة والسلام عنه الفاتحة لما أدرك إمامه راكعا
وهنا خطأ جلل :
يأتي البعض والإمام راكع ويكبر تكبيرة الإحرام وهو منحني فهذا لا تنعقد صلاته على أنها فرض ، ولكن تصح على أنها نفل
لأن النفل يصح أن يُؤدّىَ والإنسان صحيح سليم وهو جالس
لكن في الفرض :
لابد أن تكون تكبيرة الإحرام وأنت قائم مستتم فلو كبّر وهو منحني فلا تُقبل على أنها فرض ولكن تنُقلب نفلا ، فإن كان الوقت متسع يأتي بعدها بالفرض ، لكن إذا لم يكن هناك متسعا من الوقت فتقطع هذه الصلاة ويأتي بصلاة الفرض .
والبعض يُخطئ :
فيكبر وهو منحني من حرصه على الخير
وقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام على الرفق
فقال كما في الصحيحين :
( إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوا إلى الصلاة وأنتم تسعون ، وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )
السكينة في حركاتك :
فلا تسرع ، ولا تلتفت ولتكن ملابسك منسقة فلا يكون طرف شماغك الأيمن أطول من الأيسر، أو أن ثيابك مرفوعة ، فهذا ليس من الوقار وهذه عظمة في هذا الدين
حتى في أمور العبادة نهينا عن الإسراع
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
) إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه )
لا تقل أن الرفق ليس في كل الأحوال
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول :
( إن الله يعُطي على الرفق ما لا يعطي على العنف )
في إحدى الروايات :
( إن الله يعين على الرفق )
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله رفيق يحب الرفق )
فالرفيق محبوب عند الله
وبعض الناس :
يأتي يتنحنح ، أو يأتي بأصوات لدرجة أنه إذا دخل من باب المسجد رفع صوته بالذكر ، من أجل ( يا إمام اسمع )
وكل هذا من الخطأ
بل على المسلم أن يأتي بسكينة ووقار :
فإن أدرك شيئا فالحمد لله ، وإن لم يدرك فليتم بعد أن يسلم إمامه
والبعض من الناس :
يأتي فيدرك إمامه في الركوع ، فيكبر وهو قائم يقول ( الله أكبر ) ففعله حسن
وقلنا إن الفاتحة هنا تسقط
العجب :
أن بعضا من الناس لابد أن يقرأ جزءا يسيرا من دعاء الاستفتاح
وهذا خطأ
لماذا ؟
لأن دعاء الاستفتاح سنة ، فإذا كانت الفاتحة تسقط في هذا الحال فمن باب أولى أن يسقط دعاء الاستفتاح وهو سنة
الحالة الثانية التي تسقط فيها قراءة الفاتحة :
إذا شرع الإنسان في قراءة الفاتحة فركع إمامه قبل أن يتمها فخشي أن يرفع الإمام من الركوع فهنا تسقط عنه .
بمعنى :
أنك لو أتيت وأدركت إمامك قبل ركوعه وشرعت في قراءة الفاتحة ثم كبر الإمام للركوع ، فإن استطاع الإنسان أن يأتي بها فحسن ، لكنه إذا خاف أن يرفع الإمام من الركوع فيركع معه
لم ؟
مع أن الركوع ركن ، والفاتحة ركن ، تنازع هنا ركنان
فلماذا قدم الركوع على قراءة الفاتحة ؟
لأنه زاد هنا واجب أخر وهو متابعة الإمام
قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا)
فقول الله تعالى في الحديث القدسي :
( قسمت الصلاة بيني و بين عبدي )
يقول ابن القيم رحمة الله عليه :
” ينبغي للمسلم عندما يقرأ هذه السورة أن يتأمل مخاطبة الله عز وجل له ويتذكر أنه إذا قال : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
قال الله عز وجل : ( حمدني عبدي )
وإذا قال العبد : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
قال الله تعالى : ( أثنى علي عبدي )
وإذا قال العبد : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
قال الله عز وجل مجدني عبدي )
وإذا قال العبد : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
قال الله عز وجل : ((هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ))
وإذا قال العبد : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }
فسورة الفاتحة جعل لها العلماء شأنا عظيما
كيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام سمّاها أم القرآن كما جاء عند الترمذي
لم ؟
لان أصول الدين والعقائد فيها ، فإذا شرعنا في تفسيرها وقفنا عند كل أصل من الأصول
فلو سألنا :
ما هي أركان الإيمان ؟
نقول إنها ستة هي :
الإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الأخر ، وبالقدر خيره وشره .
ألا تستحق هذه السورة أن تسمى أم الكتاب ؟
بلى تستحق لأنها اشتملت على أركان الإيمان
لكن من أين أُخذت ؟
العلماء ( رحمهم الله ) كشيخ الإسلام ومن كان قبله و من جاء بعده ، وفقهم الله أن يستلهموا هذه الفوائد ، وإلا لو وكّلنا إلى أفهامنا الضعيفة لما استطعنا أن نستنبط هذه الفوائد
ولعل الحديث يُتمم في الدرس القادم عن فضائل هذه السورة .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم