تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 8 ]

تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 8 ]

مشاهدات: 476

تفسير سورة الفاتحة ـ الدرس الثامن

سورة الفاتحة

مكية أم مدنية ؟

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

سورة الفاتحة

من السور المكّية على أصح الأقوال :

لأن بعض العلماء يقول : أنها نزلت في المدينة

والبعض الآخر يرى أنها  : نزلت مرتين مرة في مكة ، ومرة في المدينة

و لكن الصحيح :

أنها نزلت في مكة  لسببين :

السبب الأول :

هو أن الله عز وجل فرض على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، ومعلوم أن فرضية الصلاة كانت قبل الهجرة ،  ويبعد أن يصلي صلى الله عليه وسلم  صلواته تلك  بدون قراءة الفاتحة

والسبب الثاني :

هو أن سورة ( الحجر) سورة مكية  وقد ذكر الله عز وجل فيها سورة الفاتحة ، فلما ذُكرت سورة الفاتحة في سورة الحجر وهي سورة مكية دل ذلك على أن سورة الفاتحة مكية أيضا ، و نزلت بمكة

و الدليل :

 قول الله عز وجل :

{ وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ } {الحجر:87}

والسبع المذكورة هنا هي سورة الفاتحة

وعدد سور القرآن : مائة وأربع عشر سورة

منها المكية ومنها المدنية

 

ولذا :

لو قال قائل :

ما المصطلح أو القاعدة التي نُعرّف بها هذه السورة  كونها مكية  أو مدنية ؟

العلماء لم يألوا جهدا ، ولو فتحت المصحف لوجدت أمام كل سورة بيان موقعها ، أو مكانها من كونها مكية أو مدنية ،

والأصوب بالنسبة لقاعدة المكي والمدني: أنها باعتبار الزمن.

لا باعتبار المكان ولا باعتبار الأشخاص

كيف ذلك ؟

 بعض العلماء يرى أن المكي  ينظر فيه إلى الأشخاص الذين وجه فيهم الخطاب  كقوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

مكية لأن الناس فيما مضى يخاطبون على وجه العموم  في مكة

وإذا قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا }

دل على أن هذه السورة مدنية لأن الناس قد دخلوا في دين الله وهم في المدينة

وبعض العلماء يرى العبرة بالمكان :

 فالآية التي نزلت على النبي في مكة نقول أنها مكية والتي نزلت في المدينة نقول إنها مدنية

ومن ثم :

فإن قول الله عز وجل :

{ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا  }

نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم  في مكة وهو واقف على عرفة فتكون مكية

ولكن الصواب :

هو أن المكي :هو الذي نزل على صلى الله عليه وسلم  قبل الهجرة

والمدني: هو الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم  بعد الهجرة بقطع النظر عن المكان

 والآية :

{ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا }

نزلت بمكة ولكن الصواب أنها مدنية لأنها نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم  بعد الهجرة

وكفائدة عرضية هنا :

فباتفاق العلماء :

أن أول ما نزل من القرآن الكريم هو :

مطلع سورة العلق  :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ(4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)  }.

أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم  :

خمس آيات كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم  كما في الصحيحين من قصة إتيانه  صلى الله عليه وسلم وجبريل وهو في الغار

ولكن جاء في الصحيحين :

ما يخالف هذا من حديث جابر رضي الله عنه :

أن أول ما نزل من القرآن هو سورة ( المدثر )

فما الجمع بين القولين ؟

وجه الجمع بينهما :

أن قول جابر رضي الله عنه :

(  أن أول ما نزل من القرآن هو سورة  المدثر )

باعتبار فتور الوحي :

لأنه صلى الله عليه وسلم  لما نُبئ بـ { اقْرَأْ }   أوضح هذا لبعض أقربائه مثل  خديجة رضي الله عنه فتر عنه الوحي ، واشتد عليه ذلك

ولذا قال عز وجل :

مُقسما ببعض الأوقات ، والقسم من الله تعالى ببعض الأوقات فيه إشارة إلى ضرورة اغتنام تلك الأوقات ، فلم يقسم الله بهذه الأوقات عبثا  

قال تعالى : { وَالضُّحَى(1 ) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى(4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)  }.

ما و دعك  : أي ما تركك  ،  و ما قلى : أي ما أبغضك

لأنهم قالوا : (  إن رب محمد قد قلاه  )

فأول سورة نزلت بعد فتور الوحي هي :  سورة المدثر

أما أول ما نزل من القرآن فهو: أول سورة العلق

وآخر ما نزل من كتاب الله عز وجل  :على تسعة أقوال ، ولا تناقض بينها

فإذا قرأت أن آخر الآيات نزولا هي قوله تعالى :{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ }

أو قرأت أن آخر ما نزل من القرآن الكريم هو قوله تعالى :

{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

فلا تناقض بينهما

لأن الصحابة رضوان الله عنهم :

 لما نقلوا عنه صلى الله عليه وسلم  نقل كل منهم ما لم ينقله الصحابي الآخر ، فلا تناقض بينهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وسورة الفاتحة :

سميت بهذا الاسم لسببين  :

السبب الأول : أنها أول سورة يُفتتح بها كتاب الله عز وجل كتابة

فأول سورة تراها في المصحف هي سورة الفاتحة

السبب الثاني : أنها أول سورة يفتتح بها في الصلاة

إذًا عندنا سببان من جهة الكتابة ومن جهة القراءة

من جهة الكتابة :

أنها أول سورة كُتبت في المصحف

ومن جهة القراءة : أنها أول سورة تُقرأ في الصلاة

ومن ثم :

نعلم خطأ وضلال من يفعل أو يعمل عملا دنيويا ويبتدئه بسورة الفاتحة

هذا من البدع

وهذا حاصل :

قد يُفتتح مشروع دنيوي أو أخروي ويُقال اقرءوا سورة الفاتحة ، أو قد يُتوفى شخص فيقال اقرءوا سورة الفاتحة على روح فلان ، أو بعد دفن الميت

كل هذا من البدع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهي سورة :

قال عنها  صلى الله عليه وسلم  كما في سنن النسائي  :

( ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن أعظم من سورة الفاتحة )

فهي أعظم  سورة وفي نفس الوقت هي السبع المثاني

 لها كما قال القرطبي رحمه الله : اثنا عشر اسما

بعضها منقول عنه  صلى الله عليه وسلم  وبعضها منقول عن الصحابة أو عن التابعين فهي أعظم سورة

جاء في صحيح البخاري :

( عن أبي سعيد المعلى رضي الله عنه قال كنت أصلي في المسجد فدعاني  صلى الله عليه وسلم  فلم أجبه  فلما فرغت  قال  صلى الله عليه وسلم  لِمَ لم تجب ؟

ألم تسمع قوله عز وجل :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

أي دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها حياة للإنسان فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام

فقال  صلى الله عليه وسلم :

((  لأعلمنك  أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد )) فلما أراد  صلى الله عليه وسلم أن يخرج من المسجد قال له أبو  سعيد  :  لقد قلت يا رسول الله لأعلمنك أعظم سورة في القرآن فقال صلى الله عليه وسلم  : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هي السبع المثاني ))

  السبع : لأنها سبع آيات

والمثاني : لأنها تُقرأ في كل ركعة

عدد كلماتها : خمس وعشرون كلمة

وعدد حروفها  : مائة وثلاثة عشرة حرفا

والحرف : بحسنة والحسنة بعشر أمثالها

سبحان الله ! خير عظيم !

تقرأ سورة الفاتحة فيكون لك ألف ومائة وثلاثون حسنة

فلو صليت الظهر أربع ركعات كم من ألف ومائة وثلاثين يمكن أن تخرج منها  تخرج  وأنت على خير

وسميت بالمثاني  : لأن هذه السورة يُثنى بها في كل ركعة

فيه قول لبعض العلماء قول جميل سميت بالمثاني :

لأن هذه السورة هي الوحيدة التي استثنيت بها  هذه الأمة ولم تنزل على غيرها من الأمم وسبق وأن قلت لكم إن الله لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن أعظم من سورة الفاتحة

ولذا :

سماها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نور

ولم تنزل على أحد من الأنبياء قبله هي وخواتيم سورة البقرة لم تنزل على أحد من قبله