تفسير سورة ( الفجر )
الدرس (276 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الفجر….
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}
{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) } أقسم الله بالفجر، والفجر فيه أقوال، ولكن من أشهر هذه الأقوال والتي تناسب السياق، { وَالْفَجْرِ } يعني أنه وقت الفجر، ويدخل في ذلك ماذا؟ صلاة الفجر، { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } أقوال وأشهر هذين القولين من أنه أقسم عز وجل بالعشر الأولى من عشر ذي الحجة، وبالعشر الأواخر من شهر رمضان.
{ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } هناك أقوال، لكن الشفع هنا هو جميع المخلوقات؛ لأن المخلوقات أصناف { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } { وَالْوَتْرِ } يعني الله؛ لأنه واحد، ولذلك ثبت في الحديث ” إن الله وتر يحب الوتر” { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } ويدخل في ذلك ما قاله بعض المفسرين في بعض ما دلت عليه الأحاديث، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } يعني أنه يذهب وحذفت الياء هنا من باب التخفيف { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } يعني أنه يمضي ويذهب، وأيضا يسر فيه من يسري فيه المسافر إذا ارتاح في شيء منه من ساعاته فإنه ينطلق.
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } يعني هل في ذلك مما ذكر قسم ينتفع به أصحاب العقول سمي العقل بالحجر؛ لأنه يحجر ويمنع صاحبه عن الأقوال السيئة والأفعال الخبيثة.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) }
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } هنا تذكير لكفار قريش { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } { إِرَمَ } هذا بيان لعاد وهو ماذا؟ القبيلة يعني أنه جدهم {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } لأنهم ينصبون خيامهم، فهم كثيرا ما ينصبون الخيام {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) } التي لم يخلق دل هذا على ماذا؟ على أن المقصود من ذلك أن عادا لم يخلق الله عز وجل مثلهم في الشدة { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } وليس معنى ذلك أن ما كانوا يبنونه وأن قراهم من أنها هي المقصودة هنا، لا، على الصيحح لا، لم؟ لأنه قال { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ } ولم يقل التي لم يبن { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ }.
{ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } يعني إلى ما فعل الله بثمود
{ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا } يعني قطعوا. { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} يعني بواد القرى، وهو مكانهم الذي كانوا يعيشون فيه يأخذون هذه الصخور، ويبنون البنيان العظيم { وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ }
{ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } ماذا صنع الله بفرعون؟ { ذِي الْأَوْتَادِ } قيل ذي الأوتاد باعتبار أن له الجند بمثابة أنهم يثبتون ملكه مثل الأوتاد، وقيل لأنه كان يعذب الإنسان إذا أراد أن يعذبه جعل له أتادا، وجعله معلقا به حتى يموت، وقيل قال بعض المعاصرين كابن عاشور في تفسيره التحرير قال { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } ذي الأوتاد يعني الأهرامات، و‘ن كان كما قال هنا دل هذا على ماذا؟ على أن الأهرامات موجودة قبل فرعون، { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ } ومثل هذا يحتاج إلى دليل من حيث التاريخ الموثق، وعلى كل حال فرعون عنده ما عنده من الشدة فكيف أهلكه الله؟
{ الَّذِينَ } هؤلاء كلهم {طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} ، تجاوزوا الحد، وأفسدوا في البلاد طغوا وتجبروا في البلاد { فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } وأعظم الفساد الشرك بالله.
{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ } أنزل عليهم {رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } يعني نوعا ولونا من العذاب.
{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } كل سيكون مآله إلى الله؛ لأن الله قد رصد عليهم أقوالهم وأعمالهم، فلا يخفى عليه شيء.
{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) }
{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ } يعني اختبره { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ } أكرمه بالخير { وَنَعَّمَهُ } يعني أعطاه النعم { فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ } يعني يقول هذا إكرام من الله.
{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ } ودل هذا على أن النعمة ابتلاء؛ لأنه قال عنها { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ }
{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ } يعني اختبره { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } يعني ضيق عليه رزقه { فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } يعني بهذا الفعل أهانن ربي
فيقول الله { كَلَّا } ليست الإهانة وليس الإكرام مبنيا على أنني أوسع الرزق لهذا، أو أنني أضيق الرزق على هذا، وإنما الذي ينال الإكرام إنما يناله بطاعة الله، والذي ينال الإهانة إنما يكون ذلك بتركه لدين الله.
فالإكرام والإهانة لا تفسران ولا يحكم عليهما بحب الله لهذا ولبغض الله لهذا، لا، وإنما الله يكرم عبده المطيع، ولو كان فقيرا، ويهين عبده الكفار ولو كان غنيا.
{كَلَّا بَل} حالكم { بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الذي مات أبوه قبل أن يبلغ.
{ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } لا يحث بعضكم بعضا على طعام المسكين.
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا } يعني أنكم تأكلون الميراث؛ لأنهم كانوا يحرمون النساء والأولاد من الميراث.
{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا } يعني قويا وشديدا.
{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } يعني أنكم تجمعون جمعا حثيثا من حيث كان حلالا أو كان حراما وتحبون المال
{ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا } دكت الأرض ودقت الأرض.
{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } يعي وجاء الله وفي هذا إثبات صفة المجيء لله بما يليق بجلاله وبعظمته يجيء يوم القيامة، ومن ثم فإن بعض النحويين يقول إن المضاف إليه يقوم مقام المضاف، وأتى بهذا المثال {وَجَاءَ رَبُّكَ } لأنه يقول وجاء أمر ربك وهذا تحريف، وإنما الذي يأتي هو الله.
{ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ } يعني الملائكة { صَفًّا صَفًّا } إما صفوفا، وإما في صف واحد.
{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } كما قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه:” يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ } في ذلك اليوم { يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } يقول تذكرت يعني عرفت الحق { وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } لأن الذكرى ما تنفع إلا في الدنيا.
{ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } هنا اللام للتعليل يعني يقول يا ليتني قدمت من الأعمال الصالحة لأجل حياتي الأخروية، أو تكون اللام بمعنى الظرفية { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } يعني في الدنيا من أجل هذا اليوم، كما قال تعالى عن هؤلاء { قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } ولا تعارض بين القولين.
{ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ } في يوم القيامة { لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } لا يمكن أن يعذب أحد أحدا مثل تعذيب الله للكافر لأن تعذيبه عز وجل عظيم { وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } يعني لا يستطيع أحد أن يقيد هذا الكفار كما يقيده الله.
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } المطمئنة التي عملت بطاعة الله { ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } راضية بالثواب مرضية قد رضي الله عنك {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } يعني في عبادي الصالحين { وَادْخُلِي جَنَّتِي } .