تفسير سورة ( القيامة) الدرس ( 262 )

تفسير سورة ( القيامة) الدرس ( 262 )

مشاهدات: 527

تفسير سورة ( القيامة )

الدرس (262 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة القيامة…. وهي  من السور المكية..

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} يعني أقسم بيوم القيامة، ومر معنا ما يتعلق بحرف {لَا} وما فائدته كما في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} أقسم بالقيامة وأقسم بالنفس اللوامة، وتلك النفس هي التي تلوم صاحبها إذا فعل ذنبا، بل قال بعض العلماء إن العبد المؤمن لا يخلو من أن يلوم نفسه، لماذا فعلت كذا؟ ولماذا صنعت كذا؟

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ} يعني أقسم الله بهذا اليوم، وبهذه النفس من أن الخلق سيبعثون {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} {أَيَحْسَبُ} يعني أيظن {الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} لكن لماذا ذكر العظام؟ لأنهم يقولون {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} ثم قال {بَلَى قَادِرِينَ} يعني بلى نحن قادرون بلى نحن قادرون على ما هو أعظم من ذلك، {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ومعلوم أن كل شيء حسب قدرة الله هو شيء سهل ويسير لكن بالنسبة إلينا هو ما يكون من التفاوت وإلا فكما قال عز وجل وما {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} فقال تعالى {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} والبنان الأنامل يعني من أنه عز وجل قادر على كما قال بعض المفسرين على ماذا؟ على أن يجعل الآدمي أن يجعل أصابعه قد التصقت بعضها ببعض، وذلك كخف البعير وما شابه ذلك، فلا يستطيع حينها أن يفعل شيئا، وقيل {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} يعني إذا قدرنا على أن نخلق بنانه، وأن نعيدها، وأن نسويها مع أنها دقيقة وصغيرة، فما ظنكم بالعظام؟! {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ولا تعارض بين القولين.

{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} هو لا يريد الإيمان، وإنما يريد ماذا؟ يريد أن يفجر أمامه يعني من أنه يريد أن يفجر، وأن يكذب وأن يعصي الله في مستقبل أيامه، بل يفجر ويكذب بيوم الجزاء والحساب، فقال الله {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}  يعني ما يكون من ما يستقبله من أيام، ولذا حتى مما يستقبله البعث والنشور يريد أن يفجر به يعني أن يفجر فيما يتعلق به بمعنى التكذيب له، ولذا قال بعدها {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} استبعادا {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} يعني تحير البصر وأصبح البصر شاخصا {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} يعني اختفى وذهب ضوؤه {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} يعني اجتمعا في يوم لا يجتمعان فيه، وأيضا جمعا باعتبار ماذا؟ باعتبار ـ كما جاء في الحديث الصحيح ـ ” الشمس والقمر يكوران في النار يوم القيامة” بمعنى أنهما يجمعان ويلفان، ثم بعد ذلك يلقيان في النار، تبكيتا لمن عبدها {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ} يعني في يوم القيامة {أَيْنَ الْمَفَرُّ} يريد الفرار، {كَلَّا لَا وَزَرَ} كلا يعني لا فرار {لَا وَزَرَ} يعني لا منجا ولا مهرب {كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} يعني القرار عند الله، ولذلك قال تعالى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} وهيهات هيهات أن يكون لكم سلطان، فقال تعالى {كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} والكلام حول ما يعلمه الإنسان ما قدم وأخر يعني ما قدمه في أول حياته، أو في آخر حياته، أو ما قدمه في حياته وبعد موته، وعلى كل حال أشمل الأقوال في مثل هذا {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ} يعني يخبر الإنسان {يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} يعني بكل أعماله التي قدمها في أول حياته، وفي آخر حياته، فكلها محصى، ولذا كما قال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فقال الله {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}

{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} بل إنه شاهد وبصير على نفسه، ولذلك قال هنا {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} مقتضى الأسلوب بل الإنسان على نفسه بصير لكن أتى بالهاء بصيرة من باب ماذا؟ من باب المبالغة، {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)} يعني لو أتى بالمعاذير فإنه لا ينفع وذلك لم؟ لأن جوارحه تشهد عليه،  {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}  كما قال تعالى {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} يعني لا عذر لهم مقبول حتى لو ألقى معاذيره فإنه إن سمح له في وقت فإنه لا يسمح له في وقت آخر؛ لأنه كما قال تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} يعني لو ألقى معاذيره، ولذلك قال بعض المفسرين {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} يعني المعاذير هي الستر، ولو كان ذلك العمل كان قد أخفاه فإنه سيبدو له يوم القيامة {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} هذا خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أتاه جبريل عليه السلام كان حريصا على أن يحفظ القرآن، وكان يسارع جبريل عليه السلام، فقال الله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)} يعني لا تخف سنجمعه في ماذا؟ سنجمعه في قلبك يا محمد {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ} يعني سيقرأ عليك لكن {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يعني إذا قرأه جبريل عليه السلام {فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} يعني اقرأه بعد جبريل، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} يعني من أننا سنوضحه، وعده الله أن يحفظ هذا القرآن، وأن يبين له معانيه، ولذلك ماذا قال تعالى {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}

{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} {كَلَّا} ردع وزجر لحال أولئك الكفار {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}  يعني الدنيا وسميت بالعاجلة؛ لأنه ما أسرع زوالها {وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ} يعني تتركون الآخرة والعمل لها؛ لأنكم تنكرونها، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} يعني من النضرة ومن النعيم، وذلك لأنهم أهل نعمة، فهذه النعمة أثرت على وجوههم، فوجوههم نضرة كما قال تعالى {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} يعني أنها تنظر إلى الله، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة من أن الله يراه المؤمنون في عرصات القيامة، ويرونه عز وجل في الجنة كما وضحنا ذلك في قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } ولذلك الصحابة  رضي الله عنهم كما ثبت بذلك الحديث الصحيح: ” قالوا وهل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وهل تضارون في رؤية الشمس بالنهار ورؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا لا، فقال إنكم ترونه كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته” لا يصيبكم ضيم أو لا تضامون يعني لا يضم بعضكم لبعض، وذلك لأنكم ترونه عيانا عز وجل، ومن ثم ـ فانبته ـ هنا الصحابة رضي الله عنهم سألوا عن رؤية الله، ومع ذلك لم يحرفوا ذلك، ولم يؤوله، ولم يعطلوه، ولم يكيفوه، فكيف بأولئك المعطلة الذين يقولون نحن أعظم الناس وأكثر الناس فيما يتعلق بالأسماء والصفات، فنقول خير القرون قرن النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما سألوه فيما يتعلق بالرؤية، وفي صفات أخرى، وما ذكره عز وجل في كتابه، وما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في سنته لم يقولوا شيئا مما أحدثتموه، فالواجب على الإنسان أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولو كان غيره أكثر وأكثر ممن حرف فلا ينظر إلى الكثرة، وإنما ينظر إلى اتباع الحق.

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} هذا هو الصنف الآخر {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} يعني أنها كالحة من أن وجوهها قد قطبت لما فيها، وما يعلوها من السواد والغبرة {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ} {تَظُنُّ} يعني توقن {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} يعني داهية عظيمة {فَاقِرَةٌ} يعني تقسم فقار الظهر..

{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)}

{كَلَّا} ردع وزجر {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)} يعني هذه الروح {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} يعني الترقوة، وهو العظم الذي يكون قريبا من النحر يعني الروح وصلت إلى هنا {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)} ولذلك هذه قراة حفص، {وَقِيلَ مَنْ} تقف هنا {مَنْ رَاقٍ} وهناك قراءة أخرى بالوصل{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} يعني من يرقيه ومن يأتي إليه بالطبيب، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} هم يبحثون له عن راق وعن طبيب، لكنه أيقن هذا المحتضر من أنه سيفارق هذه الدنيا {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)} يعني اجتمعت شدة الدنيا فيما يتعلق بسكرات الموت بشدة ما يكون في الآخرة، {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} دليل على المشقة، وأيضا {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} وذلك أن الميت إذا مات تجتمع ساقه مع ساقه الأخرى، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} تساق إلى الله {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} يعني هذا الكافر {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} يعني أنه لا قام بالصدقة الواجبة، ولا صلى ولا قام بالصلاة الواجبة {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)} كذب بأخبار الله، وتولى عن طاعة الله، {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)} يتمطى في مشيته فخرا وافتخارا وخيلاء.

{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}

{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} كلمة وعيد وتهديد وقيل {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} يعني قاربك الهلاك، فالهلاك قد قارب منك {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} وقيل العذاب أجدر وأحق بك يعني أنه نازل بك، ولا تعارض بين هذه الأقوال.

{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)} كرره من باب التأكيد وتعظيم الأمر، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أن يهمل قال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً} لينظر إلى أصله {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} يعني يراق في الأرحام، {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} يعني بعد النطفة صار علقة، وهي الدم الجامد {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} تطور فخلقه الله، ثم أخرجه، وسوى خلقته {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ} يعني أنه تزوج {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}  كما قال تعالى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} فقال تعالى {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} من قدر على ما مر من ذكر ما ذكر عز وجل من أنه خلقك من نطفة أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ الجواب بلى، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام إذا قرأ هذه السورة قال في ختامها:” سبحانك فبلى”

وبهذا ينتهي تفسير سورة القيامة….