تفسير سورة ( المرسلات ) الدرس ( 264 )

تفسير سورة ( المرسلات ) الدرس ( 264 )

مشاهدات: 526

تفسير سورة ( المرسلات )

الدرس (264 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة المرسلات وهي من السور المكية…

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} أقسم الله بهذه الأشياء، ومن ثم اختلف المفسرون في هذه الأشياء، ولعل أرجح ما ذكروه يكون قولين فقوله عز وجل {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} يعني الملائكة من أنها أرسلت بالعرف لا بالمنكر، {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} بمعنى أنها تسارع إلى أمر الله {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} من أنها ماذا؟ من أنها تنشر ما أمر الله به أن ينشر من خير وما شابه ذلك، {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} يعني أن الملائكة يفرقون بين الحق والباطل، {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} من أن الملائكة تلقي الذكر على من يشاء من عباد ه عز وجل، {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} يعني للإعذار وللإنذار، وقول آخر {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} يعني الريح {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} يعني انها متتاعبة كعرف الخيل، فإن الخيل يكون له شعر في عرفه، فإنه إذا جرى يكون متتابعا، {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} وهي الرياح الشديدة، {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}  من أنها تنشر السحب {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} يعني أنها تفرق السحب {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} يعني هذه هي الملائكة {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)} يعني أقسم بهذه الأشياء من أن وعد الله سيكون {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} وذلك هو يوم القيامة  {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}، ولذا قال {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} يعني ذهب نورها {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} وأيضا زالت من أماكنها وتساقطت {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)} يعني انفرجت وانشقت {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} يعني من أنها تنسف وتدق وتدك حتى تكون كالعهن المنفوش، {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} يعني جمعت، جمعت الرسل {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} يعني لماذا أخرت؟ أخرت {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} يعني  ليوم القيامة يفصل الله بينهم وبين أقوامهم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} استفهم عنه من باب التعظيم له، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وعيد شديد للمكذبين، وقد تكررت هذه الآية أكثر من مرة في هذه السورة من باب التهديد وتذكير هؤلاء بأن هناك ويلا وعذابا شديا لهؤلاء {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في هذا اليوم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ} يعني الأمم السابقة {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ} يعني من جاء بعدهم، {كَذَلِكَ} مثل ما فعلنا بأولئك {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} يعني كل مجرم ممن سار على طريقة الأمم السابقة، ومن بينهم كفار قريش، فإن هذا سيكون حاصلا لهم، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} وهي النفطة ماء مهين حقير ما يدل على أن الواجب عليكم أن تنظروا، وأن تتأملوا إلى أصل خلقكم حتى تعلموا أن الذي خلقكم من عدم قادر على أن يعيدكم مرة أخرى، {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)} يعني في الرحم {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} يعني مستقر {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} يعني إلى زمن معلوم {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} يعني قدرنا على ذلك، ثم أثنى على نفسه {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.  

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} يعني أنها للجمع يعني أنها تضمه {كِفَاتًا} يعني ضما وجمعا، {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} يعني أن هذه الأرض تضمهم، وهم أحياء وأيضا بعد مماتهم، {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} يعني تأملوا في هذه الآيات حتى تعلموا أن الذي أوجدها هو الذي يستحق العبودية عز وجل فقال الله {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ}  يعني جبالا راسيات يعني ثابتات شامخات يعني عاليات مرتفعات {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} يعني ماء عذبا، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)}{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} يقال لهم يوم القيامة {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} في الدنيا، ثم وضح ذلك {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} يعني ظل ذي ثلاث شعب وهو الدخان دخان نار جهنم، {ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} يعني أنه يتفرق إلى ثلاث فرق كحال الدخان إذا عظم في هذه الدنيا، وإذا كان هذا لا يمكن أن يكون شبيها بذلك {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ} لا  ظليل من الحر، {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}  ولا يفيد من اللهب من حرارة النار، كما قال تعالى {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} يعني النار ترمي بشرر كالقصر يعني كالبناء المرتفع من حيث ضخامة الشرر، فالشرارة بمثابة البناء كالقصر العظيم الشامخ البناء العظيم، {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33)} يعني ذلكم من حيث الحجم، أما من حيث اللون {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} يعني جمع جمل وجمالة صفر يعني كالجمل الأصفر، وذلك من شدة اللهيب حتى قال بعض المفسرين إن اللون ليس أصفر فقط، وإنما يكون أسود لأن العرب تطلق على الإبل السوداء بأنها صفراء؛ لأن الأسود يكون به نوع من الصفرة، فقال الله {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)}.

{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} {لَا يَنْطِقُونَ} وإن نطقوا في مقام آخر فهذا موقف وهذا موقف، {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)} يعني لا يقبل منهم أي اعتذار{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} هذا يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بين الخلائق، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} ممن سبقكم، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} إن كانت لكم قدرة ومكر بأن تخرجوا من ملك الله فكيدون، ولن تستطيعوا {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) }

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ} سبحان الله! لما ذكر ظل أولئك ماذا ذكر عن ظل أهل الحنة؟ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ} يتفكهون بها مما يشتهون وفواكه ما يتشهون {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} أي بسبب أعمالكم، {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يعني هذا الجزاء نجزيه أيضا كل محسن، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.  

{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} يقال للكفار لكفار قريش ولمن شابههم في هذه الدنيا {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا} يعني في هذه الدنيا {إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} ولذلك قال {إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}  ولذلك ماذا قال في أول السورة {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} قال هنا {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.  

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يعني إذا قيل لهم صلوا لايصلون، وذكر الركوع؛ لأنه ركن من أركان الصلاة {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}. 

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} إن لم يؤمنوا بهذا الحديث بهذا القرآن فبأي كتاب سيؤمنون…

وبهذا ينتهي تفسير سورة المرسلات….