تفسير سورة ( النازعات ) الدرس ( 266 )

تفسير سورة ( النازعات ) الدرس ( 266 )

مشاهدات: 429

تفسير سورة (  النازعات ) كاملة

الدرس (  266 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في تفسير جزء عم، فهناك عدد من السور ليست بالقليلة اختلف المفسرون هل هي من السور المدينة، أم هي من السور المكية؟ ومن ثم فإني لن أتعرض لمثل هذا كما تعرضت إلى ذلك في السور السابقة.

تفسير سورة النازعات

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)}

{ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } أقسم الله بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة.

{ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } وهي الملائكة التي تنزع أرواح المؤمنين بسهولة وبيسر.

{ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا } وهي التي تسبح بأمر الله، وتسبح الله عز وجل وتأخذ بأرواح المؤمنين بسهولة.

{ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا } يعني الملائكة التي تسبق إلى تنفيذ أمر الله.

{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } وهي التي  تدبر ما أراد الله منها في ما يتعلق بهذا الكون.

وقد أقسم الله بهذه الأشياء من باب بيان أن يوم القيامة حاصل لا محالة، {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } وهي النفخة الأولى، وسميت بهذا الاسم؛ لأنه لما  يحصل فيها من الرجفة قال تعالى { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ }

{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)} يعني تتبعها النفخة الثانية.

{ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)} يعني خائفة.

{ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } يعني ذليلة.

{ يَقُولُونَ } يعني الكفار على سبيل الاستهزاء { يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ } يعني أئنا لراجعون إلى حالتنا السابقة؟

{ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً } يعني بالية يعني أنهم استبعدوا ذلك.

{ قَالُوا } على سبيل الاستهزاء { قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } يعني أنها رجعة خاسرة إذا رجعنا إلى الحياة مرة أخرى، قالوا هذا على سبيل الاستهزاء.

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } وهي النفخة الثانية.

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)} يعني على أرض وسميت الأرض بالساهرة؛ لأنه يسهر وينام عليها.

{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

{ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } هنا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لبيان ما حصل لموسى عليه السلام { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) } وهذا الوادي المقدس يعني المطهر اسمه طوى، وقد كان ذلك لما رجع من مدين إلى مصر كما ذكر تعالى ذلك في سورة النمل وفي سورة القصص. 

فقال الله { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى } أمره الله أن يذهب إلى فرعون؛ لأنه طغى يعني تجاوز الحد.

{ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } يعني إلى أن تتطهر من الشرك.

{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } يعني أني أبين لك طريق الحق فتخشى الله، وهذا من القول اللين الذي قال الله { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }

{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) } وهي اليد والعصا.

{ فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) } كذب ما أتى به موسى عليه السلام وعصى أمر الله.

{ ثُمَّ أَدْبَرَ } يعني أنه تولى { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } يسعى لجمع جنوده من السحرة.

{ فَحَشَرَ فَنَادَى } حشر أناسا مع السحرة ونادى فيهم { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي }. وهنا أيضا نادى بهذا النداء { فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ (25)} يعني عاقبة { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى } الأولى يعني الدنيا والآخرة يعني يوم القيامة، وقيل إن الأولى هي قوله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } وأما الثانية فقوله { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } وإن كان الأول هو الأظهر.

{ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } يعني  في قصة موسى وما جرى لفرعون { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } تذكرة وعظة لمن يخشى.

{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) }

{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } هنا خطاب لكفار قريش { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } يعني أعظم خلقا { أَمِ السَّمَاءُ } حالها { بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا } يعني سمكها وسقفها { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } يعني أحسن خلقها وبنيانها.

{ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } يعني أظلم ليلها { وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } يعني نهارها وضياءها.

{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } وذلك لأن الأرض خلقت قبل السموات من غير دحو، ثم خلقت السموات، ثم بعد خلق السموات دحا الله الأرض يعني بسطها { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } ومن ذلك الدحو { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا } يعني العيون { وَمَرْعَاهَا } يعني النباتات.

{ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } يعني جعل الجبال رواسي لها لئلا تميد.

{ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } يعني ما مضى من ذكر المرعى والماء متاعا لكم يعني تتمتعون أنتم وأنعامكم يعني بهائمكم.

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }

{ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى } وهي الداهية العظمى التي هي أعظم الطوام، فتطم غيرها وهي يوم القيامة.

{ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى }

{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى } أي ما سعى من عمل يتذكره.

{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى } أظهرت الجحيم لكل راءٍ.

{ فَأَمَّا مَنْ طَغَى } يعني تجاوز الحد كحال فرعون وأشباهه.

{ وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } يعني قدم الحياة الدنيا على الآخرة.

{ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } فإن الجحيم مستقره ومأواه.

{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } يعني من خاف الوقوف بين يدي الله عز وجل {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}  فمأواه ومستقره الجنة.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } يعني متى وقتها { فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا } ليس عندك علم حتى تذكرها لهم.

{ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي }

{ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا } يعني مخوف { مَنْ يَخْشَاهَا } يعني من يخشى هذه القيامة

{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } يعني كأنهم ما لبثوا في دنياهم أو في قبورهم { إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } يعني أول النهار وآخر النهار وأضيف الضحى إلى العشي باعتبار أن كليهما طرفا النهار.

 

وبهذا ينتهي تفسير سورة النازعات…