بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة النبأ من الآية ( 17) حتى الآية ( 30)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماَ كيراً إلى يوم الدين أما بعد
قوله تعالى
{ إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا(17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا(18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا(19) وَسُيِّرَتِ الجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا(20) }.
معاني الكلمات
{ يَوْمَ الفَصْلِ } : هو يوم القيامة الذي يفصل الله عز وجل فيه بين العباد.
{ مِيقَاتًا } : مؤقتا بوقت محدد .
{ الصُّورِ } : هو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل عليه الصلاة و السلام.
{ أَفْوَاجًا } : جماعات .
{ سُيِّرَتِ } :أزيلت .
{ سَرَابًا} : هباء متبعثرا.
من فوائد هذه الآيات
- أن الكفار لما أنكروا هذه اليوم جاءت هذه الآيات موضحة بأن هذا اليوم الذي وعدوا به له وقت لن يأتي قبل أوانه ولذا كانوا يستعجلون هذا العذاب والآيات في مثل هذا كثيرة منها قوله تعالى { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ العَذَابُ } {العنكبوت:53} و منها قوله تعالى { وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحِسَابِ } {ص:16} أي كتاب أعمالنا قبل أن يأتي هذا اليوم و الآيات في هذا المعنى كثيرة.
- أن اليوم الآخر يحب الإيمان به وبما فيه.
- أن اليوم الآخر له أسماء من بين هذه الأسماء ما ذكر هنا وهو يوم الفصل.
- أن يوم القيامة لا ليلة له ولذا قال عز وجل على أحد وجهي التفسير{ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } {الحج:55} اليوم العقيم هنا عند بعض المفسرين هو يوم القيامة و عقمه لعدم وجود الليل.
- أن أفضل وأعظم ما يفسر به القرآن كما أسلفنا هو القرآن ولذا فسر وبين يوم الفصل فقال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) .
- أن النافخ في الصور ليس مذكوراً هنا أخفي إما للعلم به وهو اسرافيل عليه الصلاة و السلام كما جاء ذكره في السنة أو أخفي لتعظيمه .
- أن الصور قرن قال النبي صلى الله عليه و سلم كما عند الترمذي (و كيف أنعم وصاحب القرن قد ألتقمه ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه) .
- بيان حال خروج الناس من قبورهم وأنهم يأتون جماعات والأدلة في هذا كثيرة منها قوله تعالى { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا } {الكهف:48} أي كل أمة تأتي وحدها , ومنها قوله تعالى
{ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا } {الجاثية:28} .
- أن مجيء المؤمنين حين يبعثون من قبورهم مجيئا معظماً مباركاً فيه, وذلك لأنهم يأتون ركباناً لا على أقدمهم كما هو تفسر قوله تعالى{ يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } {مريم:85}) وفدا يعني ركباناً .
- أن هذه السماء العظيمة وعظمتها مذكورة في هذه السورة
{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } {النَّبأ:12} شدادا : أي قوية محكمة فهذه السماء العظيمة المحكمة في الخلق تتصدع من عظمة هذا اليوم فتصير أبواباً كما في قوله تعالى
{ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا } {المزمل:18} أي متشققة بسبب هذا اليوم , فإذا كانت هذه السماء تتصدع وترهب في هذا اليوم فما ظنك ببني آدم نسأل الله رحمته ولطفه.
- أن هذه الأبواب في السماء تكون طرقاً حينما ينزلون ولذا جاء عند الحاكم وقواه الذهبي أن كل ملائكة من السماء تنزل صفاً فتحيط بالخلق ملائكة السماء الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ولذا قال عز وجل في سورة الأحقاف { وَالمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا } {الحاقَّة:17} فتكون هذه الأبواب طرقاً للملائكة قال تعالى
{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا } {الفرقان:25} .
- أن هذه السماء يعظم تفطُرها وتفتيحها ولذا في قراءة
{ وَفُتِّحَتِ } {النَّبأ:19} بالتشديد والأدلة على هذا كثيرة
{ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ }
- أن تلك الجبال العظيمة وعظمتها مذكورة هنا فيما سلف من الآيات { وَالجِبَالَ أَوْتَادًا } {النَّبأ:7} أن هذه الجبال العظيمة التي ترسي بها الأرض وتستقر تُسَّير وتزال عن أماكنها وإذا زالت هذه الجبال ماذا يحدث للأرض؟ يحدث لها اضطراب كما حدث اضطراب في السماء
ولذا في آخر سورة ابراهيم { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ } {إبراهيم:48} .
- أن هذه الجبال تصبح هباءً منثورا لكن بعمل مسبوق كما في الآيات الأخرى فإنها تدك ثم تصبح رملاً ثم تصبح هباء وغباراً متفرقاً في سورة الحاقة { وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } {الحاقَّة:14}
في سورة الواقعة { وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًّا(5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا(6) }. في سورة النمل { وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } {النمل:88} والآيات في هذا كثيرة.
قوله تعالى
{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا(21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا(22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا(24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا(25) جَزَاءً وِفَاقًا(26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا(27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا(28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا(29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا(30) }.
معاني الكلمات
{ جَهَنَّم } : اسم من أسماء النار.سميت بذلك لجهومتها وغلظتها وسوادها.
{ مِرْصَادًا } : مرصده أي مهيأة لهؤلاء الطغاة أو أنها راصدة يعني منتظرة هؤلاء الطغاة .
{ لِلطَّاغِينَ } :المتجاوزين حدود الله عز وجل إما بالاعتداء في حقه أو في حق خلقه .
{ مَآَبًا } : مرجعا.
{ لَابِثِينَ } : ماكثين.
{ أَحْقَابًا } : جمع حُقب وهو مدة من الزمن أشهر ما قيل في تحديده: ثمانون سنة.
{ بَرْدًا} :راحة وطمأنينة.
{ إِلَّا } : بمعنى لكن .
{ حَمِيمًا } : ماء حارا قد تناهى في حره .
{ وَغَسَّاقًا } : هو الشراب البارد المنتن الرائحة أو صديد النار مما يكون من فضلاتهم وعرقهم.
{ جَزَاءً وِفَاقًا } : موافقاً لعملهم .
{ بِآَيَاتِنَا } : القرآن .
{ أَحْصَيْنَاهُ } : ضبطناه.
{ كِتَابًا } : يعني في اللوح المحفوظ.
من فوائد هذه الآيات
- بيان وجود جهنم وأنها مخلوقة الآن وذلك لأن مرصاداً يعني مرصده مهيأة والمرصود مخلوق الآن ولذا قال عز وجل
{ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } {البقرة:24} والنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره رأى هذه النار.
- أن النار تنتظر أصحابها لأن معنى مرصاد أي راصدة ومنتظرة في الحديث قالت عجل بأصحابي ولذا قال الله عز وجل في سورة الفرقان- وكما أسلفت لكم إذا فهمت معاني الكلمات يمكن أن يفهم القرآن بالقرآن- في سورة الفرقان قال عز وجل { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } {الفرقان:12} .
- أن الطغيان سبب موصلٌ إلى النار ومتى يكون الإنسان طاغية ؟ إذا لَمْ يَسْتقِمْ على شَرعِ الله , فإذا لم يستقم على شرع الله فهو طاغية قال عز وجل في سورة هود{ فَاسْتَقِمْ } (أمرٌ بالاستقامة) { كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا } {هود:112} فدل على أن عدم الاستقامة هو الطغيان.
- ليس في قوله تعالى { لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } دليل لمن قال وهو مروي عن بعض السلف إن صح ما روي عنهم روي عن بعضهم أنه قال إن النار تبقى مدة يوم القيامة ثم تفنى وذلك أن الحقب مدة معينة. والجواب أن الله عز وجل لم يقل لَابِثِينَ فِيهَا (حقبا)وإنما قال { أَحْقَابًا } كلما ذهب حقب أتى حقب آخر والذي عليه جمهور السلف أن النار لا تفنى أبداً ولذا ذكر الله عز وجل أبدية النار في ثلاثة مواضع :
- في سورة النساء قال تعالى:{ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } {النساء:169} .
- وفي سورة الأحزاب قال تعالى { إِنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا(64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(65) }.
- وفي سورة الجن قال تعالى { إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } {الجنّ:23} .
- أن الله عز وجل عبر هنا فيما يلاقيه الكفار من العذاب عبر عنه بالذوق وذلك لأن الذوق أشدُ ما يشعر به الإنسان لأنه يبلغ إلى أعماقه.
- أن قوله { لَا يَذُوقُونَ } فعلٌ منفي والفعل المنفي يدل على العموم بمعنى لا يذوقون ولو شيئاً يسيرا من هذا البرد أو من هذا الشراب, وهذه قاعدة الفعل المنفي يدل على العموم.
- أن الله عز وجل نفى عنهم ما فيه راحتهم الظاهرة و الباطنة فالظاهرة البرد و الباطنة الشراب فلا يذوقون برداً يلامس أبدانهم ولا شراباً يبلغ بواطنهم فيكون أهل الجنة على خلاف هؤلاء , يصل إليهم البرد والشراب ولذا قال عز وجل في سورة طه عن آدم{ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } {طه:119} لا تظمأ فيها باعتبار الباطن و لا تضحى باعتبار الظاهر .
- التهكم بهؤلاء الكفار زيادة لهم في العذاب إذ قال { إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } فإنهم إذا سمعوا { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } (هذا عذاب ، فإذا قال { إِلَّا } اطمأنت نفوسهم على أن هناك خيرا فيتفاجؤن بأنه شرٌ على شر وهو الحَمِيم والغَسَّاق ونظيره في آيات كثيرة كقوله تعالى { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ } {الكهف:29} .
- هل الحميم والغساق من جنس البرد والشراب؟
الجواب: لا فإذا كان المستثنى وهو هنا (الحميم و الغساق) من غير جنس المستثنى منه وهو المذكور هنا (بالبرد والشراب) فتكون (إِلَّا) في القرآن بمعنى (لكن) وهو المسمى بالاستثناء المنقطع كأن الآية هكذا (لا يذوقون فيها بردا ولا شراباً لكن حميماً وغساقا) والآيات في هذا كثيرة فعلى قول بعض المفسرين { إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ(10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ(11) }. فيكون معنى الآية لكن من ظلم فيكون ابتداء كلام جديد وعلى قول بعض المفسرين من أن إبليس ليس من الملائكة { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ } {البقرة:34} ( لكن إبليس) فهذه قاعدة إذا كان المستثنى خلاف المستثنى منه فتكون (إلا) بمعنى (لكن) وهذه قاعدة سر عليها.
- أن الله عز وجل لما نفى عنهم الراحة الظاهرة والباطنة قد يظن بأنهم في عافية فقد يمنع عن الشخص الخير فيكون عليه ضرر لكن لو منعت عنه الخير وأوصلت إليه الشر ضررٌ على ضرر فهو جل و علا لما نفى عنهم البرودة الظاهرة والباطنة عاقبهم بالحرارة الظاهرة والباطنة أين؟ في الحميم في سورة محمد قال تعالى { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } {محمد:15} هذا في الباطن وفي الظاهر{ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِيمِ } {الدُخان:48} نسأل الله العافية والسلامة .
- أن البرد ليس في جميع أحواله نعيما فإنه إذا زاد على القدر المناسب صار عذابا كما هنا قال (وَغَسَّاقًا) أي شديد البرودة فيكون هو الزمهرير فيجتمع عليهم عذابان من ضدين شدة الحرارة وشدة البرودة وهو المسمى بالزمهرير, ولذا أهل الجنة لا يجدون حرارة مزعجة ولا برودة مزعجة ففي سورة الإنسان { لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا } {الإنسان:13} .
- نتانة وخبث شراب أهل النار فليسوا في هناء لا من حيث طعم هذا الشراب ولا من حيث برودته وحرارته فإن كلمة (وَغَسَّاقًا) هي على القول الأخر صديدُ وفضلات أهل النار وعندنا قاعدة في التفسير: إذا قال المفسرون في آية أكثر من رأي فيأخذ بها كلها إذا كانت الآية تحتملها فإذا كانت الآية تحتمل أقوال المفسرين فإنها مقبولة كلها.
- أن الجزاء من جنس العمل إذ قال (جَزَاءً وِفَاقًا) وفي هذا كمال عدله فهو لا يظلم أحدا { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } {الزُّخرف:76} ولذا هنا عظم عذابهم لعظم ذنبهم وهو الكفر بالله فلما عظم الذنب وهو الكفر بالله عز وجل عظم العقاب .
- أن الله عز وجل بين الأسباب التي أوصلتهم إلى هذه النار ليحذر العاقل في الوقوع في مثل ما وقعوا فيه فقال (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا(27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا).
- أن رجاء العبد بربه عز وجل لا يمكن أن يكون رجاءً إلا ومعه خوف فبعض الناس يقول أنا أرجو رحمة الله فنقول: إن لم يصحبها خوفٌ من الله عز وجل فليس رجاءً محموداً لأنه قال هنا (كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) أي لا يخافون حسابا ففهم من ذلك أنهم لو جمعواْ بين الرجاء والخوف لنجو.
- وجوب الإيمان بالحساب يوم القيامة .
- بيان عظم تكذيب هؤلاء الكفار للقرآن العظيم ولذا شدد الفعل هنا (وَكَذَّبُوا) فلما شدد الفعل دل على أنهم بلغوا الغاية الكبرى في تكذيب هذا القرآن فلم يقل إنهم (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) وسكت , لا (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا) تأكيداً على عظم ما ذهبوا إليه من التكذيب.
- أن كل شيء محصى مكتوب في اللوح المحفوظ ومنه كفرهم ولذا في سورة القمر { كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ(42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ(43) }. {القمر}.إلى إن قال { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ(52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ(53) }. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السمواتِ والأرض بخمسين ألف سنة).
- أن إحصاءه جل وعلا لكل شيء صغر أو كبر ومنه أفعالهم من باب إيقافهم على أنه جل و علا لم يظلمهم فالملائكة كتبت وما فعلوه مكتوب في الأزل.
- أن أعظم آية في بيان شدة عذاب الكفار قوله عز وجل (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) وفي هذه الآية دليل و تأكيد في نفس الوقت على بقائهم مؤبدين فيكون القرآن فسر بعضه بعضا (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) فيكون زيادة في تأبيدهم والتأكيد على ذلك هو ختام ما ذكر في عذابهم (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا).