التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( النجم )ـ الدرس ( 240)

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( النجم )ـ الدرس ( 240)

مشاهدات: 520

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( النجم )

الدرس (240 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة النجم، وهي من السور المكية…

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)}

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} أقسم الله بالنجم، وهذا النجم هل المقصود منه جميع النجوم أو المقصود من أنه نجم الثريا أو نجم الشعرى الذي ذكره عز وجل في آخر السورة {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}، أو هل المقصود من ذلك المقصود من النجوم هي النجوم إذا سقطت في يوم القيامة عن مواطنها، أو المقصود من ذلك نزول القرآن منجما على حسب الوقائع والأحداث؟ على كل حال كل ذلك يدخل في هذا، ولا تعارض بينها، وإن كان المقصود من ذلك الأظهر المقصود من ذلك جنس النجوم.

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} يعني إذا سقط وغاب في منازله يعني، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} هنا أقسم بالنجم إذا هوى، جواب القسم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {مَا ضَلَّ} يعني لم يكن في ضلالة، ولم تصبه غواية، والغي هو الزيغ بعد معرفة الدليل، ولذلك قال هنا {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} هو صاحبكم تعرفونه في أول الأمر، ولذلك ماذا قال تعالى عنه {لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} لماذا ذكر الضلالة والغواية؟ {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} يعني لم يكن حاله كحال النصارى الذين ضلوا، ولا حال اليهود الذين أصابتهم الغواية بعد أن عرفوا الحق، ولذلك ماذا قال الله في سورة الفاتحة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}

ومن ثم في ثنايا السورة ماذا قال تعالى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} وهذا هو شأن النصارى يتبعون الظن من غير علم {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} والمقصود من ذلك هم اليهود الذين عرفوا الحق لكنهم اتبعوا أهواءهم، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} هذا القرآن هو الهدى الذي به بإذن الله يسلم الإنسان من طريق النصارى، ومن طريق اليهود.

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} فليس ذلك نابعا عن هواه، وإنما كما قال بعدها {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} أي ما هو يعني القرآن أو ما هو الذي يتكلم به محمد يعني الذي يتكلم به محمد {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} أوحاه الله  إليه {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} الذي نزل بهذا القرآن من الله على النبي صلى الله عليه وسلم {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} هو جبريل صفاته {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} فهو شديد القوة، ولذلك رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح، فقال الله عز وجل {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ} يعني ذو هيئة حسنة وقوة عظيمة، {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} يعني من أنه استوى جبريل {فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)} يعني ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم في أفق السماء، {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} كما ثبت بذلك الحديث، فقال: ” رأيت الذي أتاني بغار حراء بين السماء والأرض قد سد الأفق” فقال الله {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} يعني دنا قرب جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم {فَتَدَلَّى} يعني زاد في القرب، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ} يعني جبريل {قَابَ قَوْسَيْنِ} يعني قدر قوسيبن {أَوْ أَدْنَى} يعني بل أدنى أو إن لم يكن في القرب أقرب من قوسين فإنه يكون قربه كقرب قوسين، ولذلك كانوا فيما مضى إذا أرادوا أن يتسابقوا بالسهام أتى أحدهم بسهمه، وأتى الآخر بسهمه، فجعل السهمين هكذا فقال تعالى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}

{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أي فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحاه إلى من؟ إلى جبريل {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.

{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)}

{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يعني ما أنكر فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه من صفة جبريل؛ لأن جبرل عليه السلام كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في غير صورته التي خلقه الله عز وجل عليها، لكن أتاه على صورته مرتين هنا بالأفق الأعلى لما كان في مكة، وهذه هي المرة الأولى، وحينما كان في ليلة المعراج كما سيأتي بيانه إن شاء الله هنا فقال الله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} يعني أتجادلونه يا كفار قريش على ما رآه، لأنهم يستبعدون ان يأتي جبريل بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} يعني مرة أخرى رأى النبي صلى الله عليه وسلم  جبريل مرة أخرى، ولعل الذكر هنا {نَزْلَةً أُخْرَى} لم يقل مرة أخرى من باب لما قال في المرة الأولى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} قال هنا {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)} وهي التي ينتهي إليها ما يكون من علم يصعد في الأرض إلى هذه الشجرة، وما ينزل من أمر الله ينتهي إليها {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} يعني عندها ماذا؟ عند هذه السدرة جنة المأوى التي يأوي إليها إليها الملائكة، ويأوي إليها أرواح المؤمنين، فقال تعالى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} يعني غطى السدرة ما يغشى من العظم مما يدل على عظم ما غطاها، ولذلك في بعض أحاديث الإسراء والمعراج قال عليه الصلاة والسلام:” فغطاها جراد من ذهب” ثم قال في بعض الروايات قال: ” فغطاها ما غطاها، فلم أستطع أن أنعتها” يعني أن أصفها {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} سبحان الله! أمانة النبي صلى الله عليه وسلم وثباته في مثل هذا الموطن، وهو معروج به إلى السماء هنا سبحان الله! ثبته الله {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ما زاغ بصره يعني ما مال بصره عما أمر بالنظر إليه {وَمَا طَغَى} لم يتجاوز نظره إلى رؤية ما لم يؤمر بالرؤية إليه.

{لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} رأى من آيات الله في المعراج من آيات ربه الكبرى العظيمة الدالة على عظمة الله.

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)}

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} يعني أخبروني عن هذه الأصنام، وهذا استفهام إنكاري، { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ} اللات صنم العزى قالوا هي شجرة، ومناة يعني هي صخرة مثل اللات،

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} يعني الوضيعة هل هذه الأخرى يعني الوضيعة الحقيرة؟ هل هي عادئة إلى مناة أم أنها عائدة إلى العزى باعتبار أن الأخرى يقولون لا تطلق على الثالثة وإنما تطلق على الثانية؟ وعلى كل حال سواء على هذه أو على هذه فكلها حقيرة، {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} اللات اشتقوا هذا الاسم من اسم الله الإله، واشقوا العزى من اسم الله العزيز واشتقوا مناة من ماذا؟ من اسم الله المنان، وسميت مناة لكثرة ما يمنى ويراق عندها من الدماء تذبح لغير الله، ومن ثم فهؤلاء ألحدوا في أسماء الله، سموا أصنامهم واشتقوا لهذه الأصنام من أسماء الله هذه الأشياء، ولذلك ماذا قال تعالى {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، فقال تعالى {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)} يعني ألكم الذكر وله الأنثى إذ جعلتم الملائكة بنات الله {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} الكل خلقه الله {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}

{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} يعني قسمة جائرة، كيف تجعلون لأنفسكم البنات وتجعلون لله ما تكرهون، {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} مع أنه مالك لكل شيء.

{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ} يعني ما هي هذه الأصنام إلا أسماء {سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} على عادة آبائكم {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} يعني من حجة لكم في عبادتها، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} وهؤلاء هم الجهلة ما يتبعون العلم {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} يعني ما تهواه أنفسهم، وذلك يقع فيه من صاحب العلم، ولذلك {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} هذا هو حال النصارى {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} حال اليهود، ولذلك ماذا قال بعدها؟ حتى ينجو الإنسان من هذين الطريقين {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} جاءهم هذا القرآن الذي هو الهدى، بلسان عربي أرسل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لتبليغه {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}.

{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)}

{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} الجواب: لا، ليس له ما تمناه كحال هؤلاء لما تمنوا هذه الأشياء، {فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى} الدنيا والآخرة، الأولى يعني الدنيا، {فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى} ومن طلب شيئا من ذلكن فليطلب من الذي يملكها وهو الله.

{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ} يعني هذه الأصنام تزعمون بأنها تشفع لكم أولئك الملائكة الذين لهم قدر عند الله، {وَكَمْ} هنا للتكثير، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} لا تفيد شفاعتهم شيئا إلا بشرطين {إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} إذن الله للشافع أن يشفع، ورضاه عن المشفوع له.

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} كما قال تعالى {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى}

{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} ليس عندهم علم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} يعني الظنون التي لا حجة بها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} لا يمكن أن يحل الظن والآراء والتخرصات محل الحق.

{فَأَعْرِضْ} يا محمد عن هؤلاء ممن تولى {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} من تولى عن هذا الذكر عن هذا القرآن {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ما إرادته إلا الحياة الدينا، وما فيها من المتع، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} مبلغهم من العلم ماذا؟ التكذيب ومتع الدنيا، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} ، فقال الله {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ} كرر كلمة أعلم {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} مما يدل على ماذا؟ من أن علمه قد أحاط بكل شيء، وهو يعلم من اهتدى، ومن ضل عن سبيله.

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يعني له ملك السموات والأرض، وله التصرف في ذلك، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} لكن {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} يعني بماذا؟ بالثواب الأحسن، وأعظم ذلك ما هو؟ الجنة، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} صفاتهم؟ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} الفواحش من كبائر الذنوب، لكن الفواحش هي ما استعظمت في الفحش، وذلك كالزنا وما شابهه، وهنا أفردها من باب تقبيحها، {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} يعني إلا الصغائر، فإن هذه الصغائر إذا فعلوها فإن الله يكفرها بماذا؟ باجتناب الكبائر، {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} وقال بعض المفسرين: ولا تعارض بينهما {إِلَّا اللَّمَمَ} يعني أنه يقع في الكبيرة، فتلم به لكنه  من حين ما يقع فيها إذا به يهرع إلى الله، ويتوب إلى الله، ويتخلص منها فهنا أيضا تغفر له هذه الكبيرة بهذه التوبة، {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} لماذا غفر اللمم؟ {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}، وأيضا من وقع في الكبائر فتاب منها فإن ربك واسع المغفرة، {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} يعني من أصل أبيكم آدم عليه السلام، وأيضا هو أعلم {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}

{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} هو عالم بحالكم {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} لا تثنوا على أنفسكم من أن لكم الأعمال الصالحة والطيبة {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} هو أعلم بمن استقام، ولذا مر معنا في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} ومر معنا فيها مسائل مفصلة أكثر من هذا الموطن…

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} هناك أحد صناديد كفار قريش تأثر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل لتدفع إلي مالا، وإذا دفعت إلي المال فسأتحمل عنك العذاب يوم القيامة، فدفع إليه المال، ثم انقطع بعد حين فقال تعالى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} تعجب من حال هذا الذي تأثر بك، ثم أعرض عن الدين، {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)} لم يواصل تلك العطية لذلك الذي قال سأتكفل عنك بالعذاب، قال {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} هنا وصفه بالإعراض ووصفه بشدة البخل قال {وَأَكْدَى} مأخوذ من الكدية، والكدية، هي الصخرة الصماء التي إذا حفر الناس من أجل أن يحفروا بئرا، فإذا واجهتم هذه الصخرة يتوقفون ما يستطيعون؛ لأنهم لن يستطيعوا ماذا؟ بأن يدقوا هذه الصخرة، فقال تعالى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)}يعني قطع عطيته.

{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} هل عنده علم الغيب فهو يرى أن أحدا سيتحمل عنه ماذا؟ سيتحمل عنه وزره يوم القيامة، {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} الجواب: لا، وهذا إنكار.

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} أو لم يخبر بما في صحف موسى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وفى إبراهيم بما أمره الله به كما مر معنا {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ودل هذا على أن لإبراهيم صحفا كما أن لموسى صحفا، فقال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ما في هذه الصحف ما هو؟ {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا تتحمل نفس مذنبة وزر نفس أخرى، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} كل ما سعاه الإنسان فإنه له ولا يأخذه غيره، ولا يعني هذا على الصحيح حتى لا يفهم من ذلك؛ لأن هناك خلافا جرى بين العلماء، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} يعني لو سعى الإنسان لشخص في عمل صالح  كتثويب صدقة فإنها تصل إليه، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح مسلم: ” إذا مات الإنسان انقطع علمه إلا من ثلاث علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له” والأدلة في هذا كثيرة، لكن هنا من باب ماذا؟ من باب أن هذا الشيء موجود في صحف إبراهيم وموسى من أن سعي الإنسان لا يصل إلى غيره، وأيضا في دين محمد صلى الله عليه وسلم سعي الإنسان لا يأخذه غيره إلا إن ثوب ذلك وانتفع به كأن يتصدق الإنسان عن ميت له، ولذلك إذا صلى المسلمون صلاة الجنازة ودعوا للميت فإن هذا الدعاء يصل إليهن والأدلة كثيرة في هذا الباب.

{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)} سوف يرى سعيه في ماذا؟ في يوم القيامة، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} الأتم والأكمل.

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} يعني المرد والمنتهى والمصير إلى من؟ إلى الله فيحاسب كل إنسان بما عمل، وأيضا المنتهى منتهى الآمال تنتهي إلى الله يعني لو أنك سألت وسألت الكون كله فإنه لا يمكن أن يحقق أمانيك ومسألتك إلا الله، ومن ثم قال {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} يعني الآمال إنما تنتهي إلى الله، ولذلك في الحديث الذي ذكره الإمام مالك في موطئه بلاغا “حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى” في رواية ” ليس  وراء الله منتهى” يعني إلى من تذهب إلى من تذهب؟ لا تذهب إلا إلى الله، أمانيك تسألها من؟ الله.

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} هذا يدل على عظيم قدرة الله  يضحك ويبكي، يضحك أناسا، ويبكي آخرين، ويضحك الإنسان في حاله، وإذا به بعد لحظات يبكيه، ولذلك في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها: ” دخلت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسها، ثم أسرها بشيء فبكت بكاء شديدا بكت  بكاء شديدا عظيما، ثم أسرها بشيء فضحكت، فقالت عاشة ما رأيتك اليوم ضحكا أقرب إلى بكاء يعني كيف سبحان الله! {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} في ثوان معينة بكت، ثم ضحكت، بكاء شديدا ثم ضحكت، فقالت لن أخبر بسر النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات سألتها قالت إنه أسر إليَّ من أنه ستقبض روحه فبكيت، ثم بعد ذلك أخبرني من أني سأكون سيدة نساء أهل الجنة، فضحكت، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} وأيضا خلق الأسباب التي منها يبكي الإنسان ومنها يضحك..

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} يحي ويميت، وهو على كل شيء قدير، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} يعني الصنفين {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} من ماذا؟ {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} يعني من أنها تصب في الأرحام.

{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} يعني كما أنشأكم من العدم سينشئكم مرة أخرى، وهو أهون عليه.

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} أغنى خلقه وأقنى يعني جعل لهم ما يقتنونه ويدخرونه، وأيضا {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} يعني أغنى أناسا، وأيضا رزق أناسا بماذا؟ بالقناعة، وبعض المفسرين {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} أقنى بمعنى أفقر يعني ضيق على بعض عباده فيما يتعلق بالرزق، وهذا يدل عليه {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ}.

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} الذي تعبدونه، وهو نجم كانت قبيلة من قبائل العرب تعبد هذا النجم،{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} فكيف تعبدونه؟! {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}  وأيضا قال في أول السورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} يعني غاب فكيف تعبدون من هو غائب؟! ولذلك هذا يقوي من أن الأظهر هي النجوم ولذلك قال إبراهيم عليه السلام {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ}

فقال تعالى {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)} اعتبروا يا كفار قريش، {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} قال بعض  المفسرين: لا يلزم من ذكر الأولى من أن هناك ثانية، وقال بعض المفسرين: إن عادا الأولى هي قوم عود، وعاد الثانية هم قوم صالح الذين هم ثمود، وقيل بغير ذلك، المهم أنها عبر، كيف أنزل الله عذابه على هؤلاء

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)} يعني ما أبقى منهم أحدا إلا من آمن، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} يعني من قبل عاد وثمود {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} قال هنا {أَظْلَمَ وَأَطْغَى} يعني أعظم ظلما وأعظم طغيانا، لم؟ لأنه لبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاما.

{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} وهي قوم لوط، وسميت بالمؤتفكة؛ لأن الإئتفاك هو قلب الحقائق لما قلبوا فطرة الله بالوقوع في اللواط، الله ائتفك قراهم بمعنى أنه قلب قراهم {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} يعني أسقطها، {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} غشاها ما غطاها من العذاب، وأبهمه هنا للتعظيم وللتهويل وإلا فقد ذكره عز وجل {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} أنت يا إنسان {فَبِأَيِّ آَلَاءِ} يعني نعم {رَبِّكَ تَتَمَارَى} يعني تشكك بعد تلك الدلائل التي ذكرها الله في هذه السورة.

{هَذَا نَذِيرٌ} يعني محمدا عليه الصلاة والسلام {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} كما قال تعالى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}

{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} كحال نوح، كحال هود، كحال صالح عليهم السلام أتى بما أتوا به من توحيد الله.

{أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}

{أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ} يعني قربت القيامة {أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ} {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ولذلك في السورة التي بعدها سورة القمر {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}

{أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)} ليس  هناك أحد يكشف متى تقع؟ وأيضا إذا وقعت ما أحد يستطيع أن يكشف ما بها من الأهوال فقال الله {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}

{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} أنتم يا كفار {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ} الذي  هو القرآن {تَعْجَبُونَ} تعجبون منه وتسخرون منه.

{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} يعني من المفترض لما تسمعوا هذا القرآن من أنكم تبكون ولا تضحكون سخرية {وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} لماذا لا تبكون في مواطن البكاء التي تنفعكم، وتضحكون في مواطن الضحك التي تنفعكم.

{وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} يعني وأنتم غافلون هذا الضحك منكم على سبيل السخرية، {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} يعني من أنكم غافلون، ويدخل في ذلك على لغة بعض العرب من أن السامدين يعني {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} يدخل في ذلك الغناء، {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} الأجدر بكم {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} يعني فأخلصوا السجود لله واعبدوه وحده..

 وبهذا ينتهي تفسير سورة النجم…