تفسير سورة النمل من الآية ( 1 ) إلى ( 44 ) الدرس (194 )

تفسير سورة النمل من الآية ( 1 ) إلى ( 44 ) الدرس (194 )

مشاهدات: 438

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النمل

من آية (1) إلى آية (44)

الدرس (194)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

 

سورة النمل سورة مكية، وليُعلَم أننا إذا قلنا سورة مكية لا يلزم أن تكون السورة كلها مكية، قد يكون في بعض الآيات ما يكون بها من الآيات المدنية، وقد تكون سورة مكية بأكملها.

قال الله عز وجل: {طس}: هي من الحروف المقطعة ومر توضيحها في أول سورة البقرة.

 

  • {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}: هذه السورة من آيات القرآن، وآيات القرآن: هي آيات وعلامات، وهي الكتاب المبين، فهو من باب عطف الصفة على الصفة، وقد مر معنا ما يتعلق بالخلاف حول ذلك في أول سورة الرعد: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ}[الرعد: 1]، هل المقصود عطف الكتب السابقة أم أن المقصود هو القرآن؟ صفة للقرآن: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}. سبحان الله في سورة الحجر: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}[الحجر: 1]، قدم الكتاب وأخَّر قرآن مبين، قال هنا: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}؛ لأن السياق هنا في سورة النمل يدل على ماذا؟ يدل على ما يذكره هذا القرآن: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}، فقدم ما يتعلق بالقرآن لكي يوعِظ هؤلاء من أن هذه القصص التي جاءت في القرآن، إنما هي من كلام رب العالمين، لكن في سورة الحجر كان الكلام عن ماذا؟ عما يكون من عذاب بكفار قريش، فقال عز وجل هنا: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}: صفة هذا القرآن حالة كونه:

 

  • {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}: به الهداية لمن أراد الهداية، وبشرى به تبشير لأهل الإيمان بالخير، {هُدًى وَبُشْرَى}: لمن؟ {لِلْمُؤْمِنِينَ}: لأنهم هم المنتفعون به، ما صفاتهم؟:

 

  • {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}: وأتى بصيغة الفعل المضارع؛ لأنهم مستمرون على ذلك، {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}: أتى بالجملة في الآخرة لمَ؟ لأن الإيمان بالآخرة ثابت ومستقر ولذلك {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}: جمعوا؛ لأن اليقين هو العلم التام المستلزم للعمل الصالح الذي لا شبهة ولا ريبة ولا شك فيه في قلب الإنسان، ولذلك سبحان الله ماذا قال عز وجل في سورة لقمان؟ {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان: 3]، كما سيأتي إن شاء الله تعالى فقال هنا: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}

 

  • {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}: هؤلاء وهم بالآخرة هم يوقنون، هؤلاء صنف آخر: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}: بسبب أنهم ضلوا، فكما قال عز وجل: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}[فاطر: 8]، {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}: يترددون حيارى، {فَهُمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ}: العذاب السيء الذي ينالهم، {وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}: أعظم الناس خسارة خسروا أنفسهم فعرضوها للنار وأدخلوها النار، خسروا أهليهم؛ فإن أهليهم إذا كانوا في الجنة قد خسروهم، {وَإِنَّكَ}: يا محمد {لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ}: انتبه قال: لتُلَقَّى، دل على الشدة؛ لأنه يعاني منه النبي ﷺ حال نزوله كما جاءت بذلك الأحاديث، ولذلك ليس بالهزل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}[الطارق: 13-14]، {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل: 5]، {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ}: ليس من عندك يا محمد {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}: حكيم عز وجل ومن حكمته أنه أنزل هذا القرآن واختارك يا محمد وهو عليم بحالك وبحال قومك، وعالم عز وجل بما يصلح الناس فأنزل هذا الكتاب، وحكيم أنه شرع لهم هذه الشرائع {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}

 

  • {إِذْ قَالَ مُوسَى}: إذًا في هذا القرآن ذكر لقصة موسى عليه السلام، وذكر موسى كما سلف وقلنا ذلك مرارًا تأتي قصة موسى عليه السلام تسلية للنبي ﷺ؛ لأن موسى عانى كثيرًا من قومه، ولذلك النبي ﷺ كما في الصحيح لما قسم قسمًا قيل له: إن هذه قسمة ما عدل فيها! فقال النبي ﷺ: “لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر”، {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ}: يعني لزوجته؛ لأنه لما كان في مدين -كما سيأتي في سورة القصص- مع ذلك الرجل الصالح وزوَّجه إحدى ابنتيه ومكث عشر سنين أجيرًا عنده ليرعى الغنم رجع إلى مصر، فقال هنا: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ}: لما رجع مع زوجته تلك البنت {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ}: يعني: أبصرت، {نارًا}: وهي ليست نارًا، هي من حيث رؤيته هي نار، ولذلك قال المفسرون: هو يحسبها أنها نار، لكن هي نور {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}: في سورة القصص: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}[القصص: 29]، لعلي هنا قال: {سآتيكم} لمَ؟ لأن رجاءه قوي، فقال سآتيكم، رجاء عَظُمَ عنده؛ لأنه سيقول سأجد في هذه النار بُغيَتي {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}: لأنهم ضلوا الطريق، إن لم آتيكم بخبر {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ}: الشهاب والقبس هو هو، وهو ما يكون من شيءٍ يكون في أعلاه مثل عصا تكون في أعلاها نار، من أجل ماذا؟ أنه يشعلها للإضاءة أو للتدفئة، لكن كانوا في ليلة شاتية {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}: أي: تستدفئون، فدل هذا على أنهم أضاعوا الطريق، وأيضًا كان في ليلة شاتية، ولذلك ماذا قال عز وجل في سورة طه؟: {وهَلْ أتَاكَ حَدِيْثُ مُوْسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}[طه: 10]، {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ}: الشهاب القبس في سورة القصص: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ}[القصص: 29]، هي: الجذوة، هي: الشهاب القبس. {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}.

 

  • {فَلَمَّا جَاءَهَا}: يظن أنها نار، {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}: أي تقدَّس من في النار {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول الله {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} حولها الملائكة وموسى عليه السلام، بعض المفسرين يقول: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}: يعني موسى، ومن حولها: يعني الملائكة، وقيل: العكس، وعلى كل حال على قول ابن عباس رضي الله عنهما وذكر ذلك شيخ الإسلام قلت: على ذلك لا يُظَن أن الله يحيط به شيء، ولذلك لا يقاس الله بخلقه، فالله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير نزولاً يليق بجلاله وبعظمته فلا يظن أنه يحيط به شيء لا، فلا يقاس الله بخلقه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال هنا: {فَلَمَّا جَاءَهَا} إلى النار {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} ولذلك ماذا قال بعدها؟ حتى لا يُظن ويُتوهم وهم وظن لا يليق بالله: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تنزيه الله عز وجل رب العالمين، فكيف يحيط به عالم! عز وجل من مخلوقاته فقال عز وجل هنا: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سبحان الله قال (الله) و(رب) دل هذا على ماذا؟ على أن من هو رب العالمين هو الله المعبود الذي يستحق العبودية وحده {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

 

  • {يَا مُوسَى إِنَّهُ}: يعني الحال والشأن {أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: عزيز قوي وغالب لا يُنال بسوء، حكيم: يضع الأمور في مواضعها فيقول الله عز وجل أنا قوي وحكيم إذ اخترتك لهذا الأمر، ولذلك ماذا قال هنا؟ {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} في سورة طه: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[طه: 13-14]، ولما أتى إلى هذا الوادي المقدس: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طه: 12-13]، فقال الله عز وجل {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

 

  • {وَأَلْقِ عَصَاكَ}: يعني وألق عصاك، ولذلك في سورة طه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه: 17-18]، {قَاْلَ أَلْقِهَا يَا مُوْسَى} قال هنا: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ}: تضطرب، هي ثعبان عظيم كما جاءت بذلك الآيات {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}: الجان هي الحية الصغيرة فكيف هي ثعبان مبين كبير، ثم جان صغير؟ باعتبار ماذا؟ باعتبار أن ثعبان عظيم لكن في سرعته مثل سرعة الثعبان الصغير، {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى} مَن؟ موسى {وَلَّى مُدْبِرًا} يعني: انصرف راجعًا {وَلَمْ يُعَقِّبْ}: يعني لم يرجع {يَا مُوسَى لا تَخَفْ}: ولذلك في سورة القصص { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}[القصص: 31]، {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} لا يخاف المرسلون.

 

  • {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} سبحان الله {إِلَّا} هل هو استثناء متصل أم منقطع؟ بعض العلماء يقول استثناء متصل {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} يعني أنه وقع من الأنبياء في الصغائر فحملوا الظلم هنا على الصغائر، وقد مر معنا هل يقع الذنب الصغير من الأنبياء أم لا في قوله تعالى في سورة النساء {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: 106]، لكن الذي يظهر من أنه استثناء منقطع، لكن من ظلم من غير الأنبياء، إلا من ظلم من غير الأنبياء {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ}: انظر! تبديل السيئة بالحسنة {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}: أغفر الذنب، ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: 114]، {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} فهو يغفر ويرحم عز وجل.

 

  • {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ}: الجيب: هو الفتحة التي تكون في الثوب مما يدخل الإنسان رأسه فيها، {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}: لأنه أسمر عليه السلام كما قال ﷺ، ومع ذلك تخرج بيضاء مشرقة منيرة {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}: من غير برص وما شابه ذلك، لا، آية وعلامة {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ}: أي من جملة تسع آيات {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[الإسراء: 101]، هي المذكورة في سورة الأعراف مع العصا والحية {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ}[الأعراف: 130]، وقال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ}[الأعراف: 133]، هذه هي التسع {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}: العلة: اذهب إلى هؤلاء فهم قوم فسقة، والفسق هنا: هو الكفر الأعظم {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.

 

  • {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً}: يعني هي واضحة وبينة حتى أنه لوضوحها كأن الآيات لها عينان تبصر بهما، كما قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}[الإسراء: 59]، لكن من أعماه الله فلا هادي له، {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}: واضح وبين، ولذلك جمع فرعون سحرته.

 

  • {وَجَحَدُوا بِهَا}: وهم يقرون أنها من الله {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أنفسهم مستيقنة من أنها من عند الله وهي آيات، لكن ما الذي منعهم من ذلك؟ {ظُلْمًا وَعُلُوًّا}: ظلم عندهم وعلو تكبر كما قال عز وجل: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}[القصص: 4]، فقال هنا: {ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} ما عاقبة هؤلاء المفسدين؟ كما قال عز وجل في السورة السابقة من أنه أهلكهم في البحر.

 

  • {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}: سبحان الله أيضًا في هذا القرآن فيه ذكر لقصة داود وسليمان، وأحوال هذين النبيين. {وَلَقَدْ آتَيْنَا}: أعطينا {دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ}: وسليمان ابنه {عِلْمًا}: أعطاهم الله العلم {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}: تواضع {فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ}: لم يقولوا على الجميع {فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}: دل هذا على أن أعظم نعمة نعمة العلم الشرعي لمن وفقه الله عز وجل فعمل به، ولذلك لما قال الله عز وجل للنبي ﷺ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}[الحجر: 87]، ماذا قال بعدها؟ {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}[الحجر: 88]، والموفق من وفقه الله {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ}: حمِدَا الله عز وجل {الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}.

 

  • {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}: إرث هنا ماذا؟ إرث نبوة وعلم ليس إرث مال؛ لأنه لا يجوز أن يخصص أحد الأبناء بإرث المال، بل حتى الأنبياء كما قال ﷺ: “إنا معشر الأنبياء لا نورَث” فلا يورَثون، وأما ما قاله بعض العلماء من أن المقصود الغالب أن الأنبياء لا يورِّثون فهذا غير صحيح، فالصحيح أنهم لا يرثهم أحد، الميراث هنا: ميراث النبوة كما قال زكريا لما طلب الولد: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[مريم: 5-6]، وآل يعقوب بينه وبينهم مسافة دل على أن الإرث هو النبوة والعلم، فقال هنا: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} سبحان الله قال علمنا من المتحدث؟ سليمان وحده لماذا قال علمنا -بناء الجمع للتعظيم- علمنا يعني: كأنه من ضمن عباد الله عز وجل الذين علمهم الله وأصبغ عليهم النعم فليس هناك تكبر مني على الغير. {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ}: يعني يفهم ما تقوله الطير والطيور سبحان الله مع أن أنفر وأشد هذه الأشياء نفرة من بني آدم هي الطيور، ومع ذلك {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} هل عُلِّم منطق الطير فقط وحدها أم علم منطق الحيوانات كلها؟ قيل بهذا وقيل بهذا والأقرب أنه عُلِّم منطق الحيوانات بدليل ماذا؟ لما مر على النملة فهم كلامها. {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} من كل شيء نحتاج إليه لإقامة مصالحنا الدينية والدنيوية أعطينا من ذلك، {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا}: مما مضى من نِعَم: {لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}: فضل واضح بيِّن تفضل به عز وجل علينا.

 

  • {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ}: دل هذا على ماذا؟ على أن سليمان عليه السلام جعل له أعوانًا؛ لأنهم حشروا هذه الأشياء {وَحُشِرَ} دل على أن هناك قائمًا يقوم عليهم {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ}: هناك من ينظم هذه الجنود {جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ}: كما قال تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}[الأنبياء: 82]، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ} سبحان الله! الطير التي تنفر من جنوده: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يجمعون جمعًا بحيث يكونوا جمعهم مرتبًا منظمًا، دل على أن هناك من يصرف أمورهم، ولذلك قال العلماء -رحمهم الله- قالوا في التفسير قالوا: إن هذه الآيات دليل على أن ولي الأمر يجعل نوَّابًا له يقومون على مصالح مملكته وبلدته {فَهُمْ يُوزَعُونَ}.

 

  • {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}: يعني لما حُشِروا انطلقوا إلى أن أتوا على وادي النمل، لم يقل إلى واد النمل {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} دل هذا والعلم عند الله: إما من أنهم أتوا إلى الوادي وهم فوق أتوا عليه من فوق، أو أنهم قطعوا الوادي من أوله لآخره، يقال: فلان أتى على الوادي يعني قطعه من أوله إلى آخره {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ}: التحطيم: هو الكسر، {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}: اعتذرت لسليمان وجنوده فهم لا يشعرون بحالكم، لكن سليمان علم بحالها.

 

  • {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}: لحكمة هذه النملة سبحان الله! والتبسم دل على أن هذا صفة الأنبياء قال بعض العلماء: التبسم هو أول الضحك، فلذلك قال فتبسم ضاحكًا ولذلك قال بعض العلماء فتبسم التبسم هو التبسم المعروف فإن زاد التبسم تظهر النواجذ، كما كان يضحك عليه الصلاة والسلام فتبدو نواجذه، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}: من ماذا؟ {مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي}: ألهمني ووفقني، سبحان الله يعني الإنسان لما يعطى النعم الدينية والدنيوية عليه أن يتواضع، الأنبياء تواضعوا {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي} تلك النعم العظيمة نِعَم متعددة وأضاف نعمة إلى الكاف يدل على أنها أكثر من نعمة، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}: دل على أن النعم على الأبوين نعمة على الأبناء، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}: يعني مع ذلك كله، مع الشكر العمل ولذلك ماذا قال تعالى؟: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}[سبأ: 13]، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}: فيحصل لي الثواب من رضاك عن هذا العمل الذي هو يرضيك، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ}: فكل محتاج إلى رحمة الله {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}: أي من جملة عبادك الصالحين، ولذلك دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام كما قال عز وجل: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[الشعراء: 83]، فقال هنا: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. ولذلك يوسف عليه السلام لما أُعطي الملك ماذا قال؟ {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: 101]، فقال عز وجل هنا عن سليمان: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.

 

  • {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ}: سليمان تفقد التفقد هو البحث والرعاية من باب ماذا؟ من باب أن سليمان عليه السلام حريص على أن يتفقد رعيته، ومن ثم قال العلماء: الواجب على ولي أمر المسلمين أن يتفقد أحوال الناس كحال سليمان عليه السلام، {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} جند الطير، {فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ}: الهدهد ليس جنس الهدهد لا، وإنما هدهد من جنس الهدهد، يعني هدهد معين. {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}: لأنه لما تفقده علم أنه قد غاب، {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}: يعني غاب من غير استئذان ولذلك ماذا قال بعدها؟ {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}: قال بعض المفسرين: بنتف ريشه المهم أنه سيعذبه عذابًا شديدًا، {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}: بحجة بينة على سبب عدم حضوره وهذا يدل على ماذا؟ يدل على تريث سليمان لأنه قال: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} وهذا كما قال بعض المفسرين: أراد بذلك أن يعرف موقع المياه؛ لأن هذا الهدهد يستطيع أن يعرف ماذا؟ أن يعرف المياه في الأجواف، من حيث حفرها أو كذا. بعض المفسرين يقول: لا بدليل أن سليمان أعطي من القوة ما يستطيع أن يصل إلى الماء من غير ماذا؟ من غير هذا الهدهد. قلت لو ثبت مثل هذا فإن الله عز وجل أعطى سليمان آية في هذا الهدهد بحيث يعرف مواقع المياه، فعلى كل حال مدار هذا الأمر على ثبوت هذا النص ولا أعلم دليلًا صحيحًا في مثل هذا الأمر.

 

  • {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}: يعني مكث الهدهد غير بعيد يعني غير زمن بعيد، يعني أتاه في وقت قريب {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}: أحطت يا سليمان بما لم تحط به، يعني مع ما لديك سبحان الله مع ما لديك مما أعطيت إلا أن الله عز وجل أطلعني على شيء لم تطلع عليه يا سليمان، ودل هذا على ماذا؟ على أن الإنسان ولو كان لديه من العلم قد تخفى عليه بعض الأشياء ويعلمها من هو أقل منه: {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ}: الذين يعيشون في اليمن، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}: بخبر يقين ثَبْت مؤكد.

 

{إِنِّي}: يستغرب ويتعجب الهدهد {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ}: محل استغراب أن هؤلاء مع أنهم أصحاب قوة تملكهم امرأة، {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}: من كل شيء يحتاجه الملوك ليس معنى ذلك كل شيء لا، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}: يعني يحتاجه الملوك سليمان عليه السلام ماذا قال؟ {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} قال {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}: لها سرير عظيم ودل هذا على أن المخلوق يصح أن يوصف بأنه عظيم إذا كان أهلًا لذلك من غير أن يصحب ذلك غرور أو مفاسد أو ما شابه ذلك، {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} والأغرب من ذلك يقول:

 

  • {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا}: نص عليها هي أولًا وقومها يعني هي الرئيسة ومع ذلك من يتبعها حالهم كحالها {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: انظر سبحان الله! الهدهد غار على التوحيد، ولذلك يقول ابن كثير رحمه الله: لما غار على التوحيد وكان داعية إلى التوحيد والتحذير من الشرك جاء حديث النبي ﷺ في السنن بالنهي عن قتل الهدهد: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}: هذا التزيين ما الذي أودى بهم؟ {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ}: يعني عن طريق الحق {فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}: بتزيين الشيطان {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}.

 

  • {أَلَّا يَسْجُدُوا}: مفعول لأجله تتضمن هذه الجملة أنها مفعول لأجله، يعني لماذا زين لهم الشيطان وصدهم؟ من أجل ألا يسجدوا لله {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ}: أي لئلا يسجدوا لله {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ}: أي الشيء المخبوء الخفي المستور، {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}: كل شيء مما خفي في الأرض وفي السماء يعلمه الله وإن كان كثيرًا من المفسرين يقول الخبء في السموات: يعني المطر، والأرض: النبات نقول هذا داخل {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} في أنفسكم {وَمَا تُعْلِنُونَ}.

 

  • {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}: لا معبود بحق إلا هو {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}: الذي هو أعظم المخلوقات، لا عرش هذه المرأة ولا عرش غيرها {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}. سبحان الله! قال هنا {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}: الذي في السموات منها الشمس، فكيف يعبدونها؟ ولذلك قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}: هل هذا الكلام من كلام الله عز وجل أو ذكره عز وجل من كلام الهدهد؟ قيل: بهذا، وقيل: بهذا والذي يظهر من أن السياق مازال في ماذا؟ فيما يتعلق بالهدهد حتى إن الهدهد قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فلما سمع سليمان بكلامه:

 

  • {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} لم يقل سننظر في أمرك؛ لأنه أتى بخبر {قَالَ سَنَنظُرُ}: وهذا يدل على ماذا؟ يدل على التثبت والتروي من سليمان {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.

 

  • {اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا}: أعطاه كتابًا فكتب فيه {اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِه إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ}: يعني ابتعد قليلًا عنهم {فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}: بمَ يتكلمون ويراجعون القول ويستشير بعضهم بعضًا {فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}.

 

  • {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ}: الأشراف الذين حولها وتستعين بهم في مملكتها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}: وصفته بالكرم لما اشتمل فيه من حسن أسلوب سليمان من بداية الحديث عن بسم الله الرحمن الرحيم وحسن دعوته إلى التوحيد، وصفته بأنه كتاب كريم، ولذلك ماذا قالت؟ {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}.

 

  • {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}: بدايته سليمان ولذلك السنة الإنسان إذا كتب رسالة لشخص يقول: من فلان ابن فلان إلى فلان، ما يقول إلى فلان من فلان السنة، ولذلك النبي ﷺ كان يكتب من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم يبدأ باسمه، سليمان ماذا صنع؟ كتب أولًا: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}. ما مضمون هذا الكتاب؟ {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: وبدأه بالبسملة.

 

  • {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ}: أي لا تتكبروا علي وألا يصيبكم علوٌّ علي، {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}: أي منقادين لي بالإسلام لله عز وجل والتوحيد لله، {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.

 

  • {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي}: شاورتهم دل هذا على أن المشورة فُتيَا {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي}: ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه قال المستشار مؤتمن وقال ﷺ كما في الحديث الصحيح: “حق المسلم على المسلم خمس إذا استنصحك فأنصح له”، والنبي ﷺ كان يشاور أصحابه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران: 159]، ومر ذلك معنا في سورة آل عمران. {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا}: أيُّ أمرٍ، {حَتَّى تَشْهَدُونِ}: حتى تحضرون أمري فيما يتعلق بهذا الأمر فأنتم معي شركاء في هذا الأمر وفي كل أمر، {حَتَّى تَشْهَدُونِ}: سبحان الله انظر لما أعلمتهم بمكانتهم هنا انصاعوا لها أتم الانصياع، وهذا يدل على حسن تدبيرها لمملكتها، ولذلك ملكتهم فماذا قالوا لها؟

 

  • {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ}: نحن أصحاب قوة، {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ}: نحن نصبر في الحرب {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}: أيُّ أمرٍ تأمريننا به سننفذه.

 

  • {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً}: يعني عادة الملوك: {إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}: الأعزاء منهم والشرفاء يجعلونهم أذلة؛ لأنهم إذا أذلوا الشرفاء انصاعت البقية، فالشريف إذا سقط وذل فغيره يكون من باب أولى، {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}: هل هذا القول من قولها؟ قيل بهذا، والصواب: أنه من قول الله صدَّقها الله مع أنها قالت هذا الكلام حال كفرها، لكنه لما كان كلامًا حقًا صدقها الله قال: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}: هذا هو شأن الملوك سبحان الله، كأنها تريد ماذا؟ تريد المسالمة والصلح ما تريد الحرب؛ لأنها عرفت أن سليمان عليه السلام من كتابه يدل على ماذا؟ يدل على أن له شأن عظيمة.

 

  • {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ}: سأرسل هدية عظيمة {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ}: مرسلة إليهم لم تقل إليه؛ لأنه من عادة الملوك حتى يُستجلَبوا من أنك تعطي هدايا وتعطي من حوله، حتى يؤثروا عليه {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}: من أرسلهم سأنظر ماذا سيعودون من سليمان بما قال.

 

  • {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ}: الذي جاء ليس سليمان، سليمان هنا (مفعول به) يعني لما جاءت الرسل سليمانَ، {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ}: أتعطونني مال من أجل أن أترك إلى الدين وإلى التوحيد؟ هذه رشوة! {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ}: وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الإنسان إذا سُوِّم على دينه فإنه لا يقبل، لا مالًا ولا منصبًا ولا أي شيء، فكيف إذا باع دينه وعلمه من أجل حظوظ الدنيا! ولذلك ماذا قال؟ {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}: يعني هذا شأنكم وحالكم أنكم إذا أتتكم الهدايا تفرحون بها لأن هدفكم الدنيا، {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}.

 

  • {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ}: قال للرسل ولزعيم الرسل ارجع إليهم بهداياكم، {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا}: ليس لهم طاقة بها، {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً}: أذلاء وحالة كونهم صاغرين، {وَهُمْ صَاغِرُونَ}: يعني محتقرون أذلاء سبحان الله هي ماذا قالت؟ {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}: لكن سليمان ليس كشأن الملوك يفسد، ولذلك ماذا كان الإفساد هنا؟ {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} ماذا قال سليمان؟ {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

 

  • {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}: هذا العرش الذي ذكره الهدهد، ولها عرش عظيم، من يأتيني به؛ لأنهم إذا أتوا منقادين مسلمين فإنه لا حيلة لي في أخذ أموالهم؛ لأنهم أتوا مسلمين منقادين وأسلموا لله عز وجل، {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ}: وأراد أيضًا ماذا؟ أراد أنه إذا أتي بالعرش قبل أن تأتي هي ومن معها أن يوقفها على قدرة الله عز وجل وعلى ما أعطاه الله عز وجل لسليمان، {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.

 

  • {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ}: العفريت: هو الشديد الذي بلغ في الشدة والعفرتة والشيطنة مبلغها، {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}: يعني هو كان يجلس لعله كان يجلس القضاء او كذا، قبل ما تقوم من مجلسك، ولذلك أخذ بعض العلماء من أن الجلوس يكون في الضحى بالنهار، يعني قبل أن تقوم من مكانك إلا وهو عندك، {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} قوي على حمله مع عِظَمِه، وأمين عليه فلا يؤخذ منه شيء اِئتمِنِّي عليه {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}. وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الولاية والعمل لا يمكن أن يتم عمل للإنسان صالح إلا إذا تولاه قوي وأمين؛ لأنه إذا كان عاجزًا وهو أمين لم يتحقق شيء، وإن كان قويًا وليس بأمين لم يتحقق العمل، ولذلك ماذا قال عز وجل عن طالوت؟ قال {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}[البقرة: 247]، ولذلك تلك البنت {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص: 26]، {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}.

 

  • {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}: اختلف المفسرون من هو؟ قيل: هو آصِف: رجل من الإنس أعطاه الله عز وجل معرفة الاسم الأعظم إذا دعا به استجاب الله له، وقيل: هو جبريل، وقيل: هو سليمان وعلى كل حال أكثر المفسرين على أنه آصف الذي هو اسم هذا الرجل، وهذا إن دل يدل على فضيلة العلم مع ذلك العفريت مع قوته وأمانته إلا هذا العالم الذي أعطاه الله عز وجل هذا العلم. {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}: يعني لو تنظر إلى الشيء ثم تطرُف عينك إذا به أمامك. {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ}: دل على أنه أتى به، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا}: ثابتًا أمامه، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ}: لم يغتر بقوته ولا بفتوحاته، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}: ولذلك النبي ﷺ لما فتح مكة فتحها وبه التواضع حتى صلى في بيت أم هانئ ثمان ركعات، قال بعض العلماء: وكان ذلك ضحى، قال بعض العلماء: هذه هي صلاة الفتح تواضعًا لله عز وجل. {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}: ليس بحولي ولا بقوتي، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي}: محل اختبار {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}: منافع الشكر له هو، {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}: غني عن العالمين وكريم عز وجل لا يحتاج إلى أحد.

 

  • {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} كأنه قيل له، وقد قال بعض المفسرين من أنه قيل: إن في عقلها ما فيه من عدم الرزانة وما شابه ذلك، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا}: يعني غيروا عرشها إذا أتت؛ لأنها أتت انطلقت من اليمن إلى الشام وهو بالشام سبحان الله أتى به في طرفة عين من اليمن إلى الشام، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}: فغيروا في هذا العرش لعلهم جعلوا أسفله غير أعلاه أو مقدمته غير مؤخرته، {نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.

 

  • {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ}: يعني لم يقل هذا عرشك حتى لا تتنبه، {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}: يعني أمثل هذا عرشك؟ {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}: لكنها عاقلة، {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}: هي تركت عرشها في اليمن ولكن الصفات تغيرت، {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}: قال بعض المفسرين: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا}: هذا من قولها يعني لتقول: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا}: يعني من قبل هذه الحالة التي اختبرتنا يا سليمان أوتينا العلم بأنك نبي وأنك صادق قبل هذه الحالة، قبل اختبارك لنا. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}: وقال بعض المفسرين السياق يعود إلى سليمان يقول: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا}: مما أعطاني الله عز وجل، {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}: مسلمين لله عز وجل، {وَصَدَّهَا}: سبحان الله هي عاقلة لكن البيئة بيئة سيئة ولذلك النبي ﷺ قال عمن قتل تسع وتسعين نفسا: دُلَّ على راهب، أراد التوبة فقال الراهب: ليس لك توبة، فكمل به المائة، فقال: دلوني، فدلوه على عالم فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن اذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها قومًا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، هي عاقلة وصدها ما الذي صدها عن التوحيد وعن الدين؟ {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: من أجل؟ {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}: سبحان الله البيئة {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}: هذا حتى شامل صداقة السوء بعض الناس يقول والله أريد الهداية والاستقامة ويعاشر أهل السوء فكيف يهتدي؟ {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.

 

  • {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ}: أراد أن يبين لها ماذا؟ ما أعطاه الله عز وجل له، الصرح وماذا؟ الصرح والقصر. {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}: لأنه مصنوع من ماذا؟ من زجاج وتحته المياه فظنت أنه ماء فماذا صنعت؟ رفعت ثيابها عن سياقها لأنه قيل -إن صح ما قيل؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح فيما ذكروه- من أنه قيل: من أنها كانت صاحبة شعر كثيف في ساقيها فأراد أن يختبر ما قالوه عن جسمها كما قالوه عن عقلها، لكن لا نستطيع أن نثبت هذا لكن أراد أن يبين لها عظم الله عز وجل إذ أعطاه من هذه النعم {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}: كأنه لجة ماء، {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}: حتى لا يصيبها الماء، {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ}: يعني قصر، {مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}: يعني مصنوع من قوارير، ممرد: يعني ملمس، يعني من أنه لم يصنع إلا من هذا الشيء، كما يقال مثلا شاب أمرد يعني لم ينبت فيه شعر، كما يقال والله مثلا هذا غصن أجرد يعني ليس به ماذا؟ نبات، {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ}: يعني ملمس يعني أملس، {مِنْ قَوَارِيرَ}: يعني من زجاج.

 

  • {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}: ظلمت نفسها وهذا يعني يقرر ماذا؟ من أن قوله: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}: كأن به إشارة إلى أن القائل هو سليمان؛ لأنها هنا اعترفت بأنها ظلمت وأنها أسلمت، {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: وانتهى سياق الآيات إلى هنا، أما ما يزاد من قصص وما يذكر من آثار وما شابه ذلك ذكرها المفسرون فيما يتعلق بهذه المرأة، وفيما يتعلق بشأنها وبزواجها وما شابه ذلك وكل هذا ليس هناك دليل صحيح نعرفه من سنة النبي ﷺ، فنقتصر على ما ذكره الله عز وجل في كتابه وللحديث تتمة إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.