تفسير سورة سبأ من الآية (24) إلى ( آخر السورة ) الدرس (210)

تفسير سورة سبأ من الآية (24) إلى ( آخر السورة ) الدرس (210)

مشاهدات: 802

التفسير المختصر الشامل [ تفسير سورة سبأ]

من الآية (24) إلى آخر السورةالدرس (210)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ(30)﴾

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ قل لهؤلاء لن يستطيعوا أن يأتوا بجواب إلا هذا الجواب وهو أن الذي يرزقهم هو الله من حيث الأمطار ومن حيث النباتات في الأرض ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ أي قل يا محمد أجب هؤلاء لأنهم لا ينكروا هذا الجواب ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ الذي رزقكم من السماوات والأرض ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ نحن وإياكم إما أن نكون على هدى أو في ضلال مبين، أو أنتم على هدى أو في ضلال مبين، لكن من نظر إلى حال النبي ﷺ وإتباع الحق وإلى سيرته وسيرة أتباعه هم على الحق.

إذًا أولئك في ضلال مبين وتأمل هنا ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ وهذا من باب مجادلتهم حتى يعقلوا، وإلا فالهداية للنبي ﷺ وهو على الهدى ﴿لَعَلَى هُدًى﴾ قال في الهداية {على} لأن الإنسان يعلو بالهدى ﴿أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ قال عن الضلال {في} لأن من كان في الضلالة فهو منغمس فيها.

ولذلك قال ﷻ في أوائل السورة ﴿بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ﴾.

﴿قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ كل منا سيحاسب على عمله، لكن لماذا قال في حق النبي ﷺ وأصحابه بصيغة الإجرام ﴿قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾ لكن في حالهم ﴿وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لأنهم كانوا يصفون النبي ﷺ وأتباعه بالإجرام فأتى السياق من باب بيان واقع هؤلاء الذين نسبوا إلى النبي ﷺ وإلى أصحابه ما ليس فيهم، وإنما نسبوه بهتانًا وظلمًا.

قل يا محمد لهؤلاء ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ يجمعنا الله ﷻ ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾ فلا ظلم عنده ﷻ ﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ الفتاح الذي يحكم عن علم، وأيضًا من معاني الفتاح أنه سينصرنا عليكم وسيظهر نصرنا فهو العالم ﷻ بمن اهتدى و بمن ليس كذلك.

﴿قُلْ﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ هل يملكون نفعًا؟ هل يدفعون ضرًا؟ الجواب: ﴿كَلَّا﴾ لا يملكون شيئًا ﴿بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ هو العزيز الحكيم الذي يستحق العبودية، فمن عزته وحكمته أنه يأتي بالنفع ويدفع الضر ويتصرف في أمور هذا الكون.

 

لما ذكر ما يتعلق بحقه ﷻ بين هنا أن النبي ﷺ رسول حق من رب العالمين أرسله للجميع ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ جميعًا للناس ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ تبشر من أطاعك بالجنة، وتحذر وتخوف من عصاك بالنار ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ لا يعلمون فهم في جهل لأنهم ابتعدوا عن الكتاب الذي هو مصدر العلم والخير.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى﴾ انظر إلى التعنت يستعجلون العذاب ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ قل يا محمد ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ﴾ أي: وقت وزمن محدد ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ لا تتقدمون ولا تتأخرون ولذلك قال تعالى ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: 104].

 

﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(33)﴾

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ لن نؤمن بهذا القرآن ولن نؤمن بالكتب المتقدمة، لأنهم كانوا إذا أشكل عليهم أمر أتوا إلى اليهود فسألوهم فقالوا: ما هو جواب هذا في التوراة؟ فلما جاء القرآن مبينًا أن التوراة تشهد له ما الذي جرى؟ كفروا أيضًا بالكتب السابقة.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أيضًا قال بعض المفسرين لن نؤمن بهذا القرآن ولن نؤمن بما أُخبِر بما في هذا القرآن عما سيكون والأظهر هو القول الأول.

﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ يوم القيامة ﴿مَوْقُوفُونَ﴾ محبوسون، هؤلاء ظلمة لما لم يؤمنوا بالقرآن ولا بالذي بين يديه ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ كل منهم يقول للآخر ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ أنتم سبب عدم إيماننا ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ أي قال: الزعماء والرؤساء للأتباع ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ استفهام للإنكار والنفي يعني لا ﴿بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ لم يدعوهم  ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ مكركم بنا وخداعكم لنا بالليل وبالنهار تمكرون بنا وتأتون بالحجج الواهية، ما هو هذا المكر؟  ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ أخفوا الندامة لما رأوا عذاب الله ﷻ حتى لا يشمت بعضهم ببعض، وقال بعض العلماء أسر هنا بمعنى أظهر لأنه يصدق على الإخفاء والإصرار ومر معنا مفصلًا في سورة يونس الجمع بينهما، ولعل الجمع أنهم أخفوا ذلك في بواطنهم لكن من شدة الآلام ظهر ذلك على ملامحهم.

﴿وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الأغلال في أعناقهم فالأغلال تغل أيديهم مع أعناقهم لأنه لما ذكر الأعناق دل على أن اليد تغل، لأنهم كفروا ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون.

 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ(38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(39) ﴾

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ﴾ تسلية للنبي ﷺ ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ وهم أصحاب الترف والنعيم من الرؤساء والزعماء ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ يعني قالوا للنذر وللرسل نحن نكفر بكم كما كفر بك هؤلاء يا محمد ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أي يدل على شرفنا وأننا على الحق أننا أكثر منكم أولادًا وأموالًا وهذا يدل على أننا لن نعذب يوم القيامة على افتراض أنه سيكون هناك يوم القيامة.

﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يعني يضيقه على من يشاء فليس الأمر كما زعمتم أن من أعطي المال والأولاد على هدى لا، فثواب الله ونعيم الله لا يترتب على غنى أو عدم غنى لا، إنما على العمل الصالح ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ فهم جهلة لأنهم ما قرؤوا القرآن حتى ينتفعوا فيعملوا أن الغنى ليس دليلًا على رضا الله وأن الفقر ليس دليلًا على سخط الله على من كان فقيرًا.

﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ أي قربى، ليست أموالكم وأولادكم هي التي تقربكم عندنا قربى ﴿ِإِلَّا﴾ هنا استثناء منقطع يعني لكن ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ﴾ الجزاء المضعف الحسنة بعشر أمثالها ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ بسبب ما عملوا ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾ غرفات الجنة ﴿آمِنُونَ﴾ لهم غرف من فوقها غرف مبنية.

﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ يبطلون آياتنا كما مر في أول السورة ﴿أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ يعني تحضرهم الملائكة ويحضرون قسرًا ليس كحال أولئك الذين في الغرفات هم آمنون.

﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ لماذا قال هنا من عباده وقال: ويقدر له هناك؟ ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ هنا ماذا؟ ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ ذكر عباده هنا لأنها أتت بعد أهل الإيمان ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ فالإضافة هنا تشريف لهم، قال: ﴿وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ يعني أن الفقر الذي أصابهم سيكون لهم من حيث الثواب، لكن الآية الأولى لما كان الخطاب فيها موجهًا لكفار قريش والسياق بعدما قالت كفار قريش ما قالته أو ما قالته تلك الأمم الكافرة ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ ولم يذكر العباد.

﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ أيضًا هذا يدل على أن السياق لأهل الإيمان ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه قال: «ما من يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلا وملَكانِ ينزلانِ، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقولُ الآخرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسكًا تَلفًا» ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ فرزقه عظيم وخيراته عظيمة.

 

﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ(41)﴾

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ﴾ واذكر في الحشر إذا حشر الله ﷻ الزعماء والتابعين الذين يتبعونهم ﴿أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ لأن منهم طائفة كانت تعبد الملائكة وسؤال الملائكة هنا من باب التوبيخ والتقريع لمن عبدهم ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ نزهوا الله ﷻ عما لا يليق به ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ أي نحن نتولاك ونطيعك ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ كما قال تعالى في سورة الفرقان ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾[الفرقان: 17-18].

فقال الله ﷻ عن الملائكة ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ أي أنهم يعبدون شياطين الجن وهم يؤمنون بهم فأكثرهم يؤمنون بهؤلاء، وهذا كما قال ﷻ ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾[النحل: 99-100].

﴿فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾ فلا أحد يأتي بالنفع لأحد ولا يدفع عنه الضر، ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ هذا جزاء تكذيبكم في الدنيا وقال هنا (التي) لأن الأمر مذكور هنا لتكذيبهم بجهنم أي بتكذيبهم بالنار، لكن في قوله تعالى في سورة السجدة ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾[السجدة: 20]، لأنه راجع إلى تكذيبهم بالعذاب.

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(45)﴾

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ إذا تلا النبي ﷺ وأصحابه عليهم هذه الآيات البينات الواضحات ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ﴾ ما أتى محمد ﷺ إلا ليصدكم عن دين آباءكم ثم حكموا على القرآن بهذا الحكم الجائر ﴿وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ أنه كذب افتراه محمد ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أنهم حكموا على كل الحق ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.

﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ ما أعطاهم الله ﷻ وما أنزل عليهم كتبًا سابقة فيها بيان لحجج هؤلاء وأن شركهم له حجة كلا بل لم يأتهم الله ﷻ بكتاب يدعو الناس إلى عبادة غير الله، ولذا قال تعالى ﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾[الروم: 35]، وقال تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾[الزخرف: 21]، فقال الله ﷻ ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ أنهم درسوها فوجدوا حجة على ما ذكروه كلا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ لم نرسل إليهم قبلك يا محمد من نذير.

﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ﴾ ما وصلوا عُشرًا لأن معشار هو العُشر ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ أن كفار قريش كذبت وقد كذبت أمم سابقة تلك الأمم السابقة لها من القوة ما لها، حتى إن قوة كفار قريش لا تبلغ عشر قوة أولئك ومع ذلك أهلكهم الله ﷻ ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي﴾ يعني الأمم السابقة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي كيف كان إنكاري عليهم كان إنكارًا عظيمًا وشديدًا لما أنزل الله عليهم العذاب وهذا عليه أكثر المفسرين وبعض المفسرين يقول: ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ يعني الأمم السابقة ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي﴾ أي أن الأمم السابقة كذبوا ولم يأتهم عشر ما أتى كفار قريش لأن كفار قريش أتاهم هذا القرآن الذي هو أعظم بيانًا وأعظم حجة، لكن القول الأول هو الأشهر والذي تدل عليه الآيات.

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50)﴾

فقال الله ﷻ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ قل يا محمد ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ أعظكم بخصلة وبطريقة واحدة، أن تقوموا لله أي من أجل الله ﷻ وابتغاء الوصول للحق ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ يعني واحدًا مع نفسه، واثنين كل اثنين مع بعض أو إنسان لوحده ثم يتفكروا ولذلك قال عز وجل ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ يعني على سبيل الوِحدان أو على سبيل التثنية ولم يذكر الجمع لأن الجمع قد يكثر فيه اللغط وقد تكون فيه الأهواء، لكن الإنسان إذا فكر وحده أو فكر مع صاحبه فإنه أدعى إلى التمعن والتدبر في أمر محمد ﷺ فقال الله ﷻ ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ليس به جنون ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي هو ﴿إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ ينذركم قبل أن تقدموا على عذاب الله ﷻ الذي هو العذاب الشديد.

﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ لو فُرِض أني سألتكم أجرًا فهو لكم ولذلك يدل هذا على النفي التام أنه ﷺ لم يسألهم شيئًا كما لو قلت لشخص هل أعطيتني شيئًا وهو في الحقيقة لم يعطك شيئًا وهذا من باب التأكيد أنه لم يسألهم ﷺ شيئًا.

﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ ولذلك هنا يوضح أي ما أجري إلا على الله فهو الذي يعطيني الأجر العظيم ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ فهو شهيد وعالم ومحيط بحالي وبحالكم وبما قلت وبما قلتموه.

﴿قُلْ ﴾ قل يا محمد ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ قل إن ربي وهذا يدل على أن الله ﷻ يقذف بالحق على من شاء من البشر ليكون نبيًا فهو ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ أي ما يخفى عليكم، ولذا قال تعالى ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾[الأنعام: 124]، فلا تستنكرون ذلك وأيضًا يدخل فيه قول من يقول ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ بمعنى أنه يأتي بالحق فيدمغ الباطل فيزول.

ولذا قال بعدها ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ جاء هذا الحق من الله ﷻ وما نهاية هذا الباطل ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ يعني أنه انتهى لا ابتداء له ولا إعادة كما قال تعالى ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[الإسراء: 81]، وقال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾[الأنبياء: 18].

﴿ قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ يعني كما زعمتم أنني ضال فضلالي على نفسي ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ ودل هذا على أنه لا هداية إلا عن طريق الوحي ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا﴾ أي بسبب ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ فهو يسمع أقوالكم وأقوالي ويسمع كل شيء فهو قريب ﷻ.

 

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ(54)﴾

﴿وَلَوْ تَرَى ﴾ لو ترى حال هؤلاء الذين أنكروا رسالة النبي ﷺ لو رأيتهم لرأيت أمرًا عظيمًا في يوم القيامة ﴿إِذْ فَزِعُوا﴾ ذاك حال أهل الإيمان لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾[النمل: 89]، فقال هنا ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ﴾ أي فلا مهرب ولا نجاة لهم ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ بمعنى أنهم في قبضة الله ﷻ أخذهم للعقاب ليس عسيرًا على الله ﷻ حتى قال بعض المفسرين ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ أي أخذوا من قبورهم.

﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ في يوم القيامة يؤمنون به ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ وهذا من باب الاستبعاد والتناوش هو التناول ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ لأن الإيمان ليس هنا، إنما الإيمان في الدنيا ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ في الدنيا وأمر الدنيا قد انتهى وهو بعيد أن يرجع.

﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ كفروا بهذا الحق من قبل يعني في الدنيا ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ يعني في الدينا يقذفون بالغيب بمعنى أنهم يصفون هذا القرآن أنه إفك ويصفون محمدًا ﷺ بتلك الأوصاف أنه شاعر ساحر ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ لا حجة لهم.

﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ من هذا الإيمان ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ كحال من مات من قبلهم من أشياعهم الذين شايعوهم وصاروا على طريقتهم في الكفر، ويدخل في هذا أيضًا قول بعض المفسرين ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ﴾ أي بينهم وبين متعهم الدنيوية ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ إنهم كانوا في الدنيا في شك في اضطراب، ﴿مُرِيبٍ ﴾  أنهم في تردد في هذا الشك وفي شك بعيد عميق يدل على بعدهم عن الحق.

وبهذا ينتهي تفسير سورة سبأ.