تفسير سورة فاطر من الآية (1) إلى ( 18) الدرس (211)

تفسير سورة فاطر من الآية (1) إلى ( 18) الدرس (211)

مشاهدات: 419

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير المختصر الشامل

تفسير سورة فاطر من الآية (1) إلى ( 18) الدرس (211)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

 

﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (١) مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (٢) يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ (٣) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ(4)﴾

تفسير سورة فاطر وهي من السور المكية قال الله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ هذه هي السورة الخامسة التي حمد الله ﷻ نفسه مستفتحًا بها من حيث السور قال هنا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وفي سورة سبأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[سبأ:1]، وفي سورة الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا﴾[الكهف:1] وفي سورة الأنعام ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[الأنعام:1]، وفي سورة الفاتحة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الفاتحة:2] فحمد نفسه ولذا كان النبي ﷺ من دعائه كما عند مسلم: “لا أُحصي ثناءً علَيكَ أنتَ كما أثنَيتَ علَى نفسِك” فحمد نفسه ﷻ لما له من الصفات العظيمة والأفعال الجليلة فقال هنا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يحمد نفسه لأنه فطر السموات والأرض بمعنى أنه أبدعهما على غير مثال سابق.

﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا﴾ ولذا في سورة الحج قال ﷻ: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾[الحج:75]، ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ صفة هؤلاء الملائكة من حيث الأجنحة ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ ولا يدل هذا على الحصر فهناك من هو أعظم فهناك من له جناحان وهناك من له ثلاثة وهناك من له أربعة وهناك من له أكثر، ولذا في الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: “رأيتُ جبريلَ لهُ سِتُّمِائةِ جَناحٍ” قال: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ أي ما يخلقه ﷻ يزيد فيه ما يشاء فلا حجر على خلقه ﷻ وهو فعال لما يريد حتى إن بعض العلماء قال: ﴿ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ﴾ يعني في الحلق يعني في الصوت بمعنى أنه يزيد الإنسان جمالا في صوته وهذا ولا شك أنه شامل لكل ما خلقه ﷻ قال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:8]، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فلا يعجزه شيء فهو على كل شيء قدير من خلق السماوات والأرض ومن خلق الملائكة على هذه الصفات ومن خلق ما يشاء ﷻ.

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ وهذه الآية كالآية التي في قوله تعالى ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[الأنعام:17]، وكالآية التي في سورة يونس ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾[يونس:107]، ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ﴾ من غنى وصحة وعافية ورزق وما شابه ذلك ﴿فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ لا أحد يستطيع أن يمسك رحمة الله ﷻ  ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي ما يمسكه الله ﷻ من شيء لا يريد أن يصل إلى أحد فلا يستطيع أحد أن يرسله ولو اجتمع كل ملوك الدنيا قال ﷻ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فهو العزيز القوي الذي لا يُغلب والذي لا يُنال بسوء وهو حكيم ﷻ يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ولذا هذه الآية كما ثبت عنه ﷺ قوله “اللَّهمَّ لا مانعَ لما أعطيتَ ، ولا مُعطيَ لما منعتَ ، ولا رادَّ لما قضيتَ ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ” فقال الله ﷻ ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وهذا يدل على أن ما أوحي إلى محمد ﷺ فهو رحمة من الله ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾[الزخرف:32]، فلا أحد يستطيع أن يمنع ذلك.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ اذكروها بقلوبكم وبألسنتكم وبجوارحكم ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ الاستفهام للنفي ﴿يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ الجواب لا، وهذا يدل على أنه كما أن لتوحيد الألوهية نفي وإثبات، لا إله إلا الله إثبات كذلك فيما يتعلق بتوحيد الربوبية ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ أي مما ينزله عليكم من الأرزاق من السماء أو مما يخرجه لكم من الأرض، وأكد ذلك بكلمة {من} الزائدة للتوكيد، يعني هل خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ثم أكد ذلك ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي لا معبود بحق إلا هو، فأنتم تؤمنون بأنه هو الخالق وهو الرازق إذاً عليكم أن تؤمنوا بأنه لا معبود بحق إلا هو.

 ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ كيف تصرفون عن الحق مع أنكم تؤمنون بتوحيد الربوبية إذاً عليكم أن تؤمنوا بتوحيد الألوهية.

 وإن يكذبوك يا محمد فقد كُذِّبت رسل من قبلك ونكّر الرسل من باب التكثير كما قال ﷻ ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، فقال هنا ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ تسلى بحال الأنبياء السابقين والأمور كلها ترجع إلى الله ﷻ الأمور الدنيوية والأمور الأخروية فيقضي الله ﷻ فيها بما يشاء.

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ (٥) إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ (٦)ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ (7) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ(8)﴾

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ هنا نداء مكرر لجميع الناس﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي ما وعدكم فهو حق وآت لا محالة ﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ بزخارفها وبزينتها ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ ومن أعظم ذلك الشيطان، لأن بعض العلماء فسر ذلك بأن الغَرور هو الشيطان وهو شامل لكل طريق يوصل إلى أن يصرف الإنسان عن الإيمان ومن ذلك الشيطان لأن الشيطان هو الذي يدعو الناس إلى هذا الأمر.

﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ هو عدو لكم إذاً في المقابل اتخذوه عدوا فلا يصدنكم عن الهدى وعن الخير ﴿إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ﴾ أي من استجاب له ﴿مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ فتكون العاقبة لهؤلاء أنهم يكونون في السعير ولذلك قال تعالى ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[المجادلة:19].

فقال الله ﷻ هنا ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ ذكر حال الناس في يوم القيامة بما يتناسب مع حالهم في الدنيا ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ممن آمن ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ مغفرة لزوال المكروه وأجر كبير وهو حصول المطلوب وأعظم ذلك جنات النعيم.

﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ أي من زين له الشيطان سوء عمله فأصبح هذا العمل السيء حسن عنده بتزيين الشيطان ﴿فَرَآهُ حَسَنًا﴾ هنا حذف يعني ممن ليس كذلك ممن لم يتسلط عليه الشيطان ولذا قال بعدها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ فالضلال بمشيئة الله والهداية بمشيئة الله، وفي ذلك رد على القدرية الذين يقولون إن العبد يخلق الهداية ويخلق الضلالة لنفسه، ولكن رُدَّ عليهم وقد رددنا عليهم كثيرًا و مر معنا ذلك مفصلًا في قوله تعالى ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا﴾[الأنعام:148]، فللعبد اختيار لكن اختياره لا يمكن إلا بمشيئة الله ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[التكوير:29]، ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ كان يتألم ﷺ إذا انصرفوا عنه، ولذلك قال تعالى ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾[الكهف:6] أي مهلك نفسك فلعلك باخع نفسك عليهم ألا يكونوا مؤمنين ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ وسيجازي كل إنسان بما عمل.

 

﴿وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ (9)مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ (11) وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ(12) يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ (13)إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ(14)﴾

﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ﴾ وهنا آية ودلالة على عظم الله وهو الذي يجب أن يوحد سبحانه وتعالى وأن يفرد بالعبودية ﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ أي أن هذه تثير السحاب فتثير وتنشر وتفرق السحاب ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ ولذا في سورة الروم قال ﷻ: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾[الروم:48]، فقال هنا ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ ساقه الله ﷻ إلى بلد ميت أي أنها أرض جدباء ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ مثل ما أحيينا هذه الأرض كذلك النشور أي أنكم تنشرون وتبعثون ولذلك قال تعالى ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾[الحج:5-7].

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ من كان يريد الغلبة والنصرة والتمكين ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ فالغلبة والنصرة عند الله ﷻ فليطلبها من الله وليطلبها بطاعة الله ﷻ ولا يطلبها من غيره ولذلك قال عز وجل:﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾[مريم:81-82]، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ فلا يطلبها إلا من الله ولذلك ندد بالمنافقين ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾[النساء:139]، ولذلك أعطى الله ﷻ هذه العزة لأوليائه لما سألوها منه ﷻ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[المنافقون:8].

﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ يعني الكلام الطيب يصعد والله ﷻ لا يقبل إلا طيباً والعمل الصالح يرفعه أي يرفعه الله ﷻ، قيل والعمل الصالح يرفع القول الطيب لأن القول الطيب من غير عمل لا فائدة منه والعمل الصالح يرفعه وقيل عكس ذلك.

وعلى كل حال فالله ﷻ هو الذي يرفع العمل الصالح وكذلك العمل الصالح لا يكون مقبولاً إلا على طريقة حسنة، وكذلك القول الحسن لا ينفع إلا مع العمل الصالح والعمل الصالح يرفعه.

﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ يمكرون المكرات السيئات هي السيئة، يمكرون بالنبي ﷺ وبأتباعه ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ لهم عذاب شديد مؤلم ﴿وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أن مكرهم يبور ويزول لأن الله ﷻ قد أحاط به علما ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾[النمل:50]، قال ذلك ﷻ في شأن قوم صالح.

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أي أن أصلكم وهو أصل أبيكم آدم من تراب ثم بعد ذلك السلالة من نطفة كما قال ﷻ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾[المؤمنون:12-13].

 ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ بعد هذه النطفة تطورتم أطواراً في بطون أمهاتكم ثم خرجتم فكبرتم فصرتم أزواجاً، معنى ذلك أنكم تكونون ذكوراً وإناثاً ويتزوج الذكر من الأنثى  ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى﴾ من البشر أو من غيرهم ﴿وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ هو قد أحاط بكل شيء علماً ولذلك مر معنا توضيح لذلك أكثر في قوله تعالى ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾[الرعد:8].

﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ إلا في كتاب قد كتبه الله ﷻ وقدره في اللوح المحفوظ ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ أي ذلك المعمر السابق أم أنه معمر آخر قيل بهذا وقيل بهذا، وعلى الرأيين يكون المعنى وما يعمر من معمر أي ما من إنسان له عمر إلا وينقص هذا العمر كل يوم ولذلك قال بعدها ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ ويحتمل على هذا الرأي أيضًا أنه كما قال ﷺ : “مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه ، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه” فإن الله ﷻ كتب في اللوح المحفوظ أن فلاناً يكون عمره كذا فإذا تسبب في ذلك بأمر الله فوصل رحمه زاده الله ذلك بسبب هذه الصلة عمراً فقال هنا ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ أو على الرأي الثاني وما يعمر من معمر ولا ينقص من معمر يعني آخر.

﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ فهو يسير وسهل ما كتبه ﷻ في اللوح المحفوظ فهو سهل ويسير على الله ﷻ، مع كثرة الناس واختلافهم وكثرة تعدادهم فهو يسير على الله ﷻ.

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ هذه دلالة عظيمة على أن الله ﷻ عظيم وهو الذي يستحق العبودية فأين عقولكم ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ عذب أي أنه حلو المذاق فرات أي يفرت العطش بمعنى أنه يزيل العطش ﴿سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ بمعنى أنه مستساغ من حيث الشرب.

﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ شديد الملوحة أي أنه من حيث الأصل هو ملح، لكن لو أُتِيَ إلى ماء ليس بمالح فوضع فيه الملح فإنه يقال هذا ماء مالح ولا يقال ملح، لكن هنا لما كان الأصل من حيث التكوين هو مالح قال ﷻ ﴿وَمِنْ كُلٍّ﴾ يعني هذين البحرين سبحان الله مع أنهما بحران فهما مختلفان، بل هو ﷻ يرسل هذا في هذا ومع ذلك لا يختلطان كما قال ﷻ ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ﴾[الرحمن:19-20]، فالله ﷻ عظيم ولذلك ليتأمل الإنسان في مخلوقات الله ﷻ.

فقال هنا ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ أي من كل البحرين تأكلون لحماً طرياً وهو ما يستخرج مما يؤكل منه وهو الطري الطازج، وذكر الطري لأن النعمة به أتم لكن لو أنه طفى على البحر ولم ينتن ولم يتغير فيجوز أكله ولو لم يكن طرياً لذلك جاء في المسند والسنن قال ﷺ لما سئل عن ماء البحر قال: “هوَ الطهورُ ماؤُهُ الحلُّ ميتتُهُ” ولذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم في سرية أبي عبيدة رأوا حوتاً عظيماً قد طفى على البحر فأكلوا منه، الشاهد من هذا من أنه قال ﷻ ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً﴾ قال هنا وتستخرجون حلية يعني ما يتحلى بها من الذهب والجواهر وما شابه ذلك  ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾ أي تلبسونها ومر معنا ذلك كيف كان السياق للذكور ولم يذكر الإناث، ومر معنا من بين ما ذكرنا هناك لأن النساء يتحلين من أجل التجمل للرجال فكأنه للرجال أو لأن النساء دخلن فيما يسمى بالتغليب كما هو في اللغة العربية تغليب جانب الذكور والإناث يدخلن في هذا السياق.

﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ ومن ثم قال بعض العلماء هذا دليل على أن الجواهر واللؤلؤ والمرجان يُستخرج من البحر الحلو كما يستخرج من المالح لدلالة هذه الآية، مع أن أكثر المفسرين يقولون إنما يستخرج من المالح يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قالوا من أحدهما وهو المالح، وعلى كل حال هذا دليل قوي لمن قال أنه كما يستخرج من المالح يستخرج أيضًا من الماء الحلو.

فقال هنا ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ ترى السفن فيه مواخر أي تمخر بمقدمتها البحر فتشق البحر ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ لتطلبوا ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وهنا لما كان السياق متعلقا ببيان قدرة الله ﷻ فنجد أنه قال ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ لأن كلمة {لتبتغوا} مرتبة على جري السفينة فقدَّم هنا ما هو متعلق بالدلائل، لكن لأن السياق في سورة النحل للامتنان والتفضل قال ﷻ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾[النحل:14]، وذكر ولتبتغوا أتى بالواو في لتبتغوا ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لعل هذا الأمر الذي فُرِّق بينهما والعلم عند الله  ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ تشكرون الله على هذه النعم وأعظم ما يشكر الله عليه هو التوحيد.

﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ تأملوا في الليل وفي النهار يدخل في هذا فيقصر هذا ويطول هذا ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ ذللهما ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي أن الشمس والقمر يجريان بانتظام دون أن يسبق هذا بهذا قال ﷻ ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[يس:39]، كل يجري لأجل مسمى وأيضًا يصدق على ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ يعني إلى يوم القيامة فإذا جاء يوم القيامة فإن الشمس والقمر يكوَّران في النار كما ثبت بذلك الحديث الصحيح.

في سورة لقمان ﴿كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان:29]، بعض المفسرين قال هما بمعنى واحد، ولكن قال بعض المفسرين إلى أجل مسمى يعني أنهما يجريان إلى هذا الأجل فيبلغان هذا الأجل، لكن لأجل مسمى يعني من أجل أن يبلغ فهما لم يبلغا ولكنهما يجريان من أجل أن يبلغا، لكن في سورة لقمان بمعنى أنهما بلغا.

وقال بعض العلماء وهو قول حسن أيضًا أنه قال في سورة لقمان إلى أجل مسمى لأنه ذكر الخلق ابتداء ثم ذكر بعد ذلك انتهاء الخلق وبعث الناس.

في سورة لقمان ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[لقمان:28]، بعدها في سورة لقمان قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ﴾[لقمان:33]، فذكر {إلى} باعتبار أن الخلق تقدم وكذلك ما يكون من خلقهم يوم القيامة تقدم.

أما هنا فلم يذكر شيئاً لكن لو قال قائل في سورة الزمر قال: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر:5] فتقدم الخلق قبله فنقول نعم تقدم الخلق قبله لكن سورة لقمان تقدم الخلق وأعقب ذلك الحديث عن الخلق، فعلى كل حال لعل هذا هو الأمر المتعلق بالفرق بين (إلى و اللام).

﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ الذي سير تلك الأمور وسخرها وذللها ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ له الملك الكامل وله التصرف في هذا الأمر، لكن أين آلهتكم فهي لا تملك شيئاً من ذلك وذكر كلمة الرب لأنهم يعترفون بتوحيد الربوبية فألزمهم توحيد الألوهية.

﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ وهي القشرة التي تكون على نواة التمر ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ لأنها جمادات وأصنام أو أنهم ملائكة مشغولون بطاعة الله أو أنهم أموات لا يستجيبون لكم ﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ على وجه الافتراض ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ لأنهم لا يملكون شيئاً ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ يتبرؤون منكم كما مر معنا فيما يتعلق بالملائكة ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾[سبأ:41]، وكما قال ﷻ عن آلهتهم ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾[القصص:63] فقال الله ﷻ هنا ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ ما يخبرك بمثل هذه الأمور إلا الخبير هو الله لأن تلك الأمور لا يستطيع أحد أن يعرفها وأن يطلع عليها.

 

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ (15) إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (16) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ(18)﴾

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ لما بين أن له الملك وأن ما يدعون من دون الله لا يملكون شيئاً كما قال تعالى ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾[سبأ:22]، فقال هنا منبهاً على أن الناس كلهم من حيث الأصل من الفقراء ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ ولذلك قال أنتم الفقراء أتى بالألف واللام لم يقل أنتم فقراء من باب أن يشمل كل جنس إنسان أنه فقير ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فهو الغني له الغنى المطلق الكامل التام والحميد المحمود على أفعاله ﷻ.

﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق غيركم كما قال ﷻ ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾[محمد:38]، وكما قال تعالى ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾[النساء:133]، وقال تعالى ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ كما جاء في سورة إبراهيم ﴿إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ (19)وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ(20)﴾ أي ليس بقوي وليس ممتنع عن الله ﷻ لأنه هو القادر على كل شيء.

﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي نفس قد حملت الإثم ما تحمل إثم غيرها ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى لا، التي عليها الإثم لا تتحمل إثم غيرها ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وزر نفس أخرى ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ يعني من أثقلت بالذنوب إلى أن يُحمل معها ما يحمل معها من الذنوب ولو قال لي شيء فإن هذا لا يحمل ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ يعني لو كان المدعو صاحب قرابة له.

لماذا كرر الكلام هنا؟ قال هنا ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وهنا في بيان أن النفس تدعو حتى أقرب الناس إليها من أجل أن تحمل معها ذنوبها لكن لا يمكن، ولكن لو قال قائل قال الله ﷻ ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾[العنكبوت:13]، معنى هذا أن من تسبب في إضلال غيره فإن عليه إثم ضلاله وإثم من يضل لكن هنا في شأن من ضل دون أن يُضل غيره.

﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ يا محمد وتخوف ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ﴾ لأنهم عندهم العلم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28]، ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ﴾ أي أنهم لم يروا الله ﷻ فخشوه وأيضًا هم في خفاء عن الناس ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ ودل هذا على أن الصلاة سبيل إلى خشية الله ﴿وَمَنْ تَزَكَّى﴾ من تطهر ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[الشمس:9-10] ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ يتطهر لنفسه عاقبة المحمودة له ولكن لا يمكن لأحد أن يتزكى إلا بأمر الله، لكن من سار في طريق الخير فالله يعينه ولذلك قال تعالى ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾[النور:21] ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ إلى الله المرجع فيحاسب كل إنسان بما عمل.