تفسير قوله تعالى ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم …. ) سورة الكهف ( 8 ـ 22 ) ـ

تفسير قوله تعالى ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم …. ) سورة الكهف ( 8 ـ 22 ) ـ

مشاهدات: 527

تفسير قوله تعالى :

{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على أله و أصحابه و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد :

فقد قص الله تعالى علينا فيما تلوناه في هذه الليلة  قصة أصحاب الكهف ، وأصحاب الكهف في قصتهم عبر وعظة، وهذه القصة بيّن الله سبحانه وتعالى أنها ليست بأعجب ما قصه الله علينا ، لأن دلائل قدرة الله عز وجل كثيرة لمن وفّق في تدبّرها وتأمّلها  { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا } يعني أنهم  ليسوا بأعجب القصص التي  ذكرها الله  في أخذ العبر والعظة .

 

أصحاب الكهف عددهم سبعة والثامن هو الكلب الذي بصحبتهم، ولذلك تنازع مَن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فبعضهم قال ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقال آخرون خمسة سادسهم كلبهم، ووصف هذين القولين بأنه رجمُ بالغيب ،وسكت عن القول الثالث، فدل على أن الثالث هو الصحيح سبعة وثامنهم كلبهم

{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } {الكهف:22}  يعني لا تتعمق في البحث و التقصّي عن عدد هؤلاء، لأن العبرة ليست في عددهم وإنما العبرة في حالهم ، هؤلاء سبعة نشأوا في بيئة مشركة ، تعبد غير الله ، فوفق الله هؤلاء الفتية إلى عبادة الله والتوحيد  { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ } {الكهف:13} ما الذي بعدها  { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } وهذا يدل على من أكثر من الطاعة أعانه الله عز وجل على طاعات أخر كما قال تعالى { وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا } {مريم:76}

ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله كما الجواب الكافي: ( إن الحسنة إذا عملها العبد قالت أختها اعملني ، و كذلك السيئة  إذا عملها الإنسان قالت أختها اعملني ، فلا يزال يعمل السيئة تلو الأخرى حتى يختم الله على قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز و جل في كتابه )

ووفق الله هؤلاء الفتية وزادهم خيرا  { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ } من أعظم ما يمن الله به على عبده في المواقف الحرجة ولاسيما أمام الظلمة أن يربط على قلبه ، فهؤلاء وقفوا أمام ملكهم المشرك { إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } {الكهف:14} ولذلك لما حصل لأم موسى ما حصل، ماذا قال سبحانه وتعالى  { إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } {القصص:10} ولذا عليك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن يربط على قلبك ،ولاسيما في المواقف الحرجة أمام الظلمة ، فاجتمع هؤلاء الفتية وقال بعضهم لبعض لو اعتزلتم قومكم ، فروا بدينكم { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ }

ففعلوا فماذا حصل لهم قال تعالى :{ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا } من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه  ، إبراهيم عليه السلام لما اعتزل أباه وقومه، ماذا وهب الله له على الكبر ؟ إسماعيل وإسحاق  { وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } {مريم:50}   يعني أن: الله سبحانه و تعالى سطّر لهم ثناءً في العالمين،  فدخلوا الكهف ، فأثنى الله على  كلبهم ،مع أن الكلب من أخس الحيوانات ،إلا أن الله أثنى على هذا الكلب في ضمن ذكر هؤلاء ، لأنه صحب  الأخيار ، فدل على أن صحبة الأخيار لا ينال الإنسان منها إلا خيرا  ،ولا أدل ولا أعظم برهانا من ذكر هذا الكلب الذي كان معهم، فذكر الله عز وجل حاله مع حالهم فكان هذا الكلب بالوصيد أي عند الباب ، باب الغار فكانت الشمس تشرق عليهم أول النهار وأخره ، و مع ذلك لم يصبهم حرّها

ولذلك قال الله تعالى  : { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ } {الكهف:17}  كرامة من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الفتية الذين فروا بدينهم  فماذا صنع الله  بهم ؟

أنامهم  ثلاث مائة سنين بناء على الحساب الشمسي  ، أو ثلاث مائة وتسع سنين بناءً على الحساب القمري ، من يراهم يظنهم أيقاظ مع أنهم رقود، قال بعض المفسرين 🙁 فتّح الله  سبحانه وتعالى أعينهم كأنهم أيقاظا )

ومع هذه المدة الطويلة قّلبهم الله عز وجل ، قلّبهم ذات اليمين وذات الشمال حتى لا تأكل الأرض أجسادهم ولذلك الموتى إلا الأنبياء تأكل الأرض أجسادهم ، ثم مع هذا كله ألقى الله تعالى عليهم المهابة ، فلو رآهم أحد لفر منهم مهابة وتعظيما{ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } {الكهف:18}

لكن الله سبحانه وتعالى أيقظهم من منامهم وكانوا قد دخلوا أول النهار، وإذا بهم يستيقظون آخر النهار بعد هذا العدد من السنين، فلما استيقظوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوم،  لكنهم لما رأوا أحوالهم وطول أظافرهم وشعورهم، تبين لهم أنهم لم يناموا هذه المدة اليسيرة ، بل ناموا مدة طويلة  وكانوا حينها جياعا، فبعثوا أحدهم بالورق – أي بالفضة – وكانت هذه العملة معهم منذ متى ؟! منذ ثلاث مائة وتسع سنين

فأرسلوا واحدا منهم ليختار لهم أجود الطعام وأحله ، وأمروه أن يترفق حتى لا يتنبهوا بشأنه ،لأن قومهم كفار فلو علموا بشأنهم وحالهم واطلعوا على أمرهم فإنهم بين أمرين : إما أن يعودوا إلى ملتهم ( ملة الكفر ) فيخسروا دينهم، وإما أن يبقوا على دينهم فيرجموهم بالحجارة

فأطلع الله سبحانه وتعالى قومَهم عليهم { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا } ليعلم قومهم أن وعد الله حق  من أن الساعة آتية لا ريب فيها ، لأن قومهم ينكرون البعث ، فلما أطلع الله قومهم عليهم تنازعوا في أمرهم ماذا يفعلون بهم بعد أن يموتوا ؟ هل يبنون عليهم بنيانا و ينتهي أمرهم ؟ ، أم يبنوا عليهم مسجدا تعظيما لهم ؟

فاستقر الأمر على أن يبنوا عليهم مسجدا { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } أي من لهم الغلبة والسلطة ، ففعلوا وهذا لا يجوز في شرع الله أن يُبنى على القبور مساجد،  أو يُتعبد لله عند القبور ، لأن هذا وسيلة من وسائل الشرك .

هذا ملخص لما ذكره الله عز وجل عن قصة هؤلاء الفتية وهذا يدل على أن الفتية والشباب ليسوا على شر مطلق  فهناك من الشباب من فيه خير و صلاح ينفع الله به الأمة

نسأل الله عز و جل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وأن يعيننا على الصيام والقيام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم