تفسير قوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية …. ) سورة الرعد (17 )

تفسير قوله تعالى ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية …. ) سورة الرعد (17 )

مشاهدات: 531

تفسير قوله تعالى { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا } الآية

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد :

فقد قال الله تبارك و تعالى في سورة الرعد [أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ] أنزل:أي الله عز و جل،(مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) باعتبار حجم هذه الأودية من حيث الكبر و الصغر و لما نزل هذا الماء و جرى في الأودية علاه الزبد ، و كذلك يعلو الزبد الحلية من الذهب و الفضة ، فإن التبر من الذهب و الفضة إذا أُغلي بالنار علاه زَبَد كي يصفو هذا الذهب و الفضة من هذا الزَبَد  (أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ)  كذلك المتاع من النحاس و الحديد إذا أُغلي عليه  علاه الزَبَدُ (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ) هذا القرآن نزل من السماء و لما نزل هذا القرآن الذي هو حياة للقلوب  كما أن الماء النازل من السماء حياة للأرض احتمل هذا القران أودية ، ما هي هذه الأودية ؟ القلوب  ، فأناس استفادوا من هذا القرآن و حَمَلته قلوبهم و حصل لهم الإخلاص واليقين و أناس كذبوا به أو تهاونوا في العمل به فحصل لهم الشك و الريب ، هذا الشك و هذا الريب و هذا الباطل يعلو هذا الحق الذي نزل به القرآن مثل ما يعلو الزبدُ هذا الماء النازل من السماء ،و كذلك إذا أُغلي على الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و ما شابه ذلك يعلوه الزَبَدُ لكن الصافي و الثابت و المستقر، سيبقى،بينما هذا الزبد المعبر عنه  و المراد منه  هو الباطل فإنه يزول ، و من هنا فإن الإنسان لو نظر و لاسيما في مثل هذه الزمن لرأى أن الباطل و أهله قد ارتفعوا على الحق و أهله فإن ذلك لا يدوم لم ؟ لأنه زَبَد  و لا يبقى إلا الصحيح و لا يبقى إلا الحق ، و لذلك قال عز وجل (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ ) ما هو الباطل ؟ الزبد  ، يرتفع لكن سرعان ما يزول ، هذا الزبد الذي على الماء  يزول لكن الذي يبقى في الأودية هو الماء الصافي ،و الذي يبقى من الذهب و الفضة والأمتعة هو الصافي  و لكن الزبد الذي يعلوه سرعان ما يزول و لذلك قال تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) يضمحل (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ ) و إذا ضرب الله عز و جل مثلا في قرآنه فإن على المسلم أن يحرص على فهمه [وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ] {العنكبوت:43} نحن نرى في هذا الزمن أن أهل الباطل قد ارتفعت أصواتهم و انتفخوا و انتفشوا و لكن هذا الانتفاخ و الانتفاش سرعان ما يزول  و لا يبقى إلا الصحيح ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم أتى أهل الجاهلية و هم على ما هم عليه من الباطل و الكفر و الطغيان و لكن ما الذي بقي ؟ لا يبقى إلا الحق ، و الدليل على أن الحق باق و هو هذا القرآن ، أُنزل على النبي صلى الله عليه و سلم منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة و مازال باقيا ،لأنه الحق ،فلا يخف أحدُ من أهل الباطل لأنهم لو ارتفعوا و تولوا و تكلموا و ذموا أهل الخير فأنهم سرعان  ما يزولون و لا أدل من التاريخ، هناك أناس عاصرهم شيخ الإسلام أتوا بأعاجيب من الطغيان و المعتقدات الفاسدة و لكن أين هم؟ زالوا ،و كما يقال  (علامات ،فلما علا مات) نسأل الله عز و جل أن يرزقنا و إياكم العلم النافع و العمل الصالح ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم