تفسير قوله تعالى ( المص ) سورة الأعراف الآية ( 1 )

تفسير قوله تعالى ( المص ) سورة الأعراف الآية ( 1 )

مشاهدات: 608

تفسير قوله تعالى :

 { المص }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

أول ما قرأنا في هذه الليلة قوله تعالى { المص } هذه تسمى عند العلماء بالحروف المقطعة [ الم – المر – ق – ص – كهيعص – حم ] إلى غير ذلك من هذه الحروف تسمى عند العلماء بالحروف المُقطَّعة .

وهذه الحروف المقطعة اختلف المفسرون في بيانها :

بعضهم قال : هي أسماء للسور التي وُجدت فيها .

وبعضهم قال : هي أسماء للقرآن .

وبعضهم قال : إن كل حرف منها يدل على اسم من أسمائه سبحانه وتعالى .

وقال بعض العلماء : إنها أقسام من الله ، أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه الحروف لعظيم قدرها .

 

وكل هذه الأقوال لم يدل عليها دليل لا من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذا يرى المحققون من أهل العلم في مثل هذه الحروف أن الله أعلم بمراده به وقد استأثر الله عز وجل بمعناها .

ومن ثم فإن مثل هذه الحروف لا يمكن أن تمر على العلماء دون أن يوجدوا لها فائدة ، وذلك لأن كل حرف في القرآن له معنى وله فائدة وله غرض سامي

ولذا أجمع العلماء على أن من أنكر وجحد حرفا من حروف القرآن فقد كفر بالله عز وجل كفرا يخرجه عن ملة الإسلام

لماذا جاءت هذه الحروف في أوائل بعض السور ؟

استفيد من هذه الحروف فائدتان :-

الفائدة الأولى :

أن فيها تحديا لمن زعم أن القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } الفرقان4 ، زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتراه وأنه تعلمه ممن سبق وأن هذا القرآن من أساطير الأولين إلى غير ذلك من هذه الدعاوي الباطلة ، زعموا ذلك فأراد الله سبحانه وتعالى أن يتحداهم كأنه يقول إن كان كما قلتم من أن محمدا صلوات ربي وسلامه عليه قد افترى واختلق هذا القرآن فأتوا بمثله ، أنتم عرب فصحاء بلغاء تعرفون كيف تنظمون الشعر وكيف تأتون بالنثر فأتوا بمثله ، فتحداهم الله سبحانه وتعالى أن يأتوا بمثل هذا القرآن وتحداهم أن يأتوا بعشر سور وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا

بل تحداهم بأن يجمعوا أعوانهم  { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم } ليعينوكم على هذا الأمر { مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

ثم قال عز وجل { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ }البقرة 24، لأن هذا القرآن ليس من البشر وإنما هو كلام الله سبحانه وتعالى { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } البقرة24 ، فتحداهم عز وجل فعجزوا ، كأنه يقول إن هذا القرآن من مثل هذه الحروف ، حينما تقرأ { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }الكوثر1 نجد أن في مثل الكلام أحرف [ الهمزة والنون والألف والألف الأخرى والعين والطاء والياء والألف والكاف ] وما شابه ذلك ، هذا هو القرآن فأتوا بمثله كأنه يقول إذا عجزتم عن هذا الأمر فما عليكم إلا أن تسلموا بأن هذا القرآن من عند الله سبحانه وتعالى وأنه نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فواجب عليكم أن تؤمنوا به ، هذه هي الفائدة الأولى .

 

الفائدة الثانية :

أن في ذكر هذه الأحرف في بعض السور وفي أوائل بعض السور أن فيها استمالة ودعوة لقلوب هؤلاء الغافلين إلى أن يستمعوا لهذا القرآن ، لأن مثل هذه الحروف حينما يؤتى بها في صدر السور يتعجب السامع ويتعجب هؤلاء الكفار ، { المص } حينما يسمعها الكافر ينتظر ما الذي يكون بعدها ؟ فكأن في ذلك استمالة لقلوبهم ، ولذلك في غالب هذه الحروف المقطعة يأتي بعدها ذكر القرآن { الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ المص{1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ }

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{1} }

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{1} }

إلى غير ذلك من هذه السور يؤتى بذكر القرآن بعد هذه الأحرف مما يدل على أن القرآن من مثل هذه الأحرف وأن هذه الأحرف تستميل قلوبهم إلى سماع هذه القرآن ، وبالفعل كبراؤهم وعظماؤهم كانوا يأتون إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم سرا من غير أن يعلم سفهاؤهم وصغارهم بمكانهم لكي يستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم

كيف أسلم الطفيل رضي الله عنه ؟

ما أسلم إلا حينما سمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد حشا في أذنيه قطنا حتى لا يسمع ما كان يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن أبى الله إلا أن يسمعه شيئا من القرآن فلما سمع وقر الإيمان في قلبه فاهتدى

ولذلك : ( لما خرج أبو بكر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري لما اضطهد ومن معه من المسلمين أراد أن يهاجر فالتقى به رجل يقال له ابن الدغنة ، فقال له هذا الرجل : إلى أين أنت ذاهب يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه أهاجر بديني ، فقال : مثلك يا أبا بكر )

مع أنه كافر لكن يعرف قدر الرجال ( قال : مثلك يا أبا بكر لا َيْخرج ولا يُخرج فعُد فأنت في جواري ، فعاد رضي الله عنه ، فلما عاد اتخذ مكانا في بيته يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فكان صوته يُسمع من بيته رضي الله عنه كان صوته يُسمع بالقرآن فما كان من صغار وشباب ونساء وأطفال كفار قريش إلا أن أتوا إلى بابه لكي يستمعوا إلى هذا القرآن )

لأن فيه هذا القرآن قوة وعظمة ، والله لو تأملناه حق التأمل لازداد المسلم إيمانا يوما بعد يوم ، ولذلك ماذا كان يحذر منه هؤلاء العظماء ؟ يحذرون من هذا القرآن وكانوا يوصون سفهاءهم وصغارهم على ألا يقربوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا اقتربوا منه في يوم من الأيام من غير اختيار منهم فعليهم أن يغلطوا بمعنى أن يتكلموا بكلام فيه لغو حتى لا يسمعوا ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما ذكره سبحانه وتعالى في [ سورة فصلت]  { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت26

 

فمثل هذه الأحرف – أيها الأحبة في الله – لها فضل ولها مزية ولها فائدة ، وكل حرف في كلام الله سبحانه وتعالى له أهمية وله فائدة يعلمه الله سبحانه وتعالى مَنْ شاء من عباده ويخفيه عمن شاء من عباده ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في هذا القرآن العظيم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .