أما بعد :
فقد قرأنا في هذه الليلة قوله سبحانه وتعالى :
قوله تعالى :
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة3
هذه الآية الكريمة لو أردنا أن نطيل الحديث عنها لأطلنا ، ولكننا نأتي على شيء من جوانبها .
قوله سبحانه :
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ }
الميتة : هي ما مات حتف أنفها ، وهذه الكلمة وهي كلمة ( الميتة ) تشمل أي ميتة ، لكن الشرع استثنى منها شيئين وكذلك استثنى من الدم شيئين كما سيأتي ، وذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما في المسند
قال ( أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال )
إذاً :
ميتة الجراد يجوز أكلها مع أنها ماتت حتف أنفها ، ميتة البحر ولو لم تكن حوتا ، فلو كان أي نوع من أنواع ميتة البحر فإنه يكون أكلها جائزا ولو ماتت ، هذا إذا كانت لا تعيش إلا في البحر ، أما إذا كانت تعيش في البحر وفي البر ، فهذه ما تسمى بالبرمائي وله حديث آخر ، لكن ميتة البحر يجوز أكلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن ( لما سئل عن ماء البحر ؟ قال هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) فكل ما طفا على البحر يجوز أكله شريطة ألا يكون فيه ضرر وشريطة ألا يكون فيه سُم ، ولذلك العلماء اختلفوا رحمهم الله في ميتة البحر
هل كل ما في البحر مما يعيش فيه بحيث لو خرج منه مات ، أيجوز أن يؤكل أو لا ؟
ظاهر هذا الحديث أنه يجوز ، لكن النصوص الأخرى خصصت ما به ضرر وما به سُم ، لأن الشريعة نهت عن أكل السم ، وهناك تفاصيل أخرى للعلماء في هذا الجانب ، لكن الظاهر أنه يجوز أكل ما يكون في البحر ، من كلب البحر وغير ذلك ، إلا إن كان فيه ضرر أو كان ساما ، لأن الضرر دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه ( لا ضرر ولا ضرار ) وكذلك قوله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } النساء29 ، وقوله تعالى { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } البقرة195 ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود ( نهى عن الدواء الخبيث ) وفُسِّر بأنه السم ، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( من تحسَّا سما فقتل به نفسه فسُمُّه في نار جهنم يتحساه خالدا مخلدا فيها ) فدل على حرمته ، ولذلك الثعابين الموجودة في البحر لا تؤكل لأنها سامة ، لكن لو أتينا إلى البرمائي أيجوز أن يؤكل ؟ نعم ، يجوز أن يؤكل بالشرطين السابقين ألا يكون فيه ضرر وألا يكون فيه سم ، وقد استثنى العلماء التمساح فلا يجوز أكله لأن له نابا ويأكل الإنسان ، واستثنوا الضفدع ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن قتله ) والسلحفاة قد نص العلماء على أنه يجوز أكلها .
المهم أن الميتة لا يجوز أكلها إلا ما استثناه الشرع .
ك أن
{ وَالْدَّمُ }
المقصود من هذا الدم المذكور في هذا الآية ما ذُكر في سورة الأنعام
{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } الأنعام145 .
والمسفوح : هو ما ذُبح عن طريق الحلق من البهائم التي تؤكل ، وذلك بحيث تفرى الأوداج والمريء والحلقوم ، هذا هو الدم المسفوح الذي لا يجوز أكله ، وكذلك كان الكفار قبل الإسلام يأكلونه ، أما ما علق باللحم فلا يؤثر ، هناك دم يعلق بيد المذبوح أو الرجل أو البطن هذه يعلق بها دم ، هذا الدم طاهر ولا يؤثر ، ولذلك عائشة رضي الله عنها أخبرت ( بأنهم كانوا يضعون اللحم في القِدر ويرون فيه خطوطا وما كانوا يغسلونه ) فد على أنه طاهر ، بل نص شيخ الإسلام رحمه الله على أنه طاهر بلا خلاف يعلمه ، رحمه الله .
{ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }
الخنزير لا يجوز أكله ، لكنه عبَّر باللحم هنا ولم يذكر الشحم والمصران ، لأن غالبة ما يؤكل منه هو اللحم ، ولذلك عبَّر بالأغلبية ، فكل ما سوى اللحم يدخل فيه ، وليس معنى ذلك أن اللحم هو المحرم – لا – بل كل أجزاء وأعضاء الخنزير لا يجوز حتى اللبن منه .
{ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }
الإهلال هو رفع الصوت ، مثل ما يقال في الإحرام ” أهل ) يعني رفع صوته بالتلبية .
يعني ما ذُكر غير اسم الله عز وجل عليه ، مثل أن يذبح باسم المسيح أو باسم النبي عليه الصلاة والسلام أو باسم جبريل عليه السلام أو باسم الولي الفلاني، هذا من الشرك بالله عز وجل ولا يجوز أكله .
لو قال قائل : لو أنه لم يرفع صوته بالإهلال أيدخل في هذا ؟
نعم يدخل في هذا ، لأن ذكر الإهلال هنا من باب بيان الواقع ، وأنهم كانوا إذا ذبحوا لأصنامهم كانوا يرفعون أصواتهم بهذه التسمية .
لو قال قائل : لو أنه ذبح لله وذبح لشخص آخر ، قال باسم الله وباسم المسيح ، أيجوز أكله ؟
الجواب : لا ، لأن هذه عبادة يجب أن تخلص كلها لله سبحانه وتعالى ، والحديث في هذا يطول ، لكنني آتي على الجمل الأخرى في الآية .
{ وَالْمُنْخَنِقَةُ }
هي المخنوقة ، وكانوا في الجاهلية يخنقون البهيمة ، كما يصنع الآن في بعض البلدان يخنقونها ثم يفرون جسدها ، وهذه لا يجوز أكلها ، وهذا من لطف الشريعة بابن آدم ، لأن هذه المخنوقة إذا خنقت بهذا الوصف اجتمع الدم فيها واحتقن ، وفيه إضرار بالإنسان إذا أكله ، فمن لطف الله عز وجل بالخلق أن يخرج هذا الدم المسفوح ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل ) الذي يظهر الدم ويفيض الدم هذا هو الشيء المباح , ومن ثم فيجوز أكله .
{ وَالْمَوْقُوذَةُ}
هي التي ضُربت على رأسها أو على بدنها حتى ماتت ، فهذه أيضا لا يجوز أكلها .
{ وَالْمُتَرَدِّيَةُ }
هي التي سقطت من علو .
{ وَالنَّطِيحَةُ }
هي التي نطحتها أختها ، تناطحتا فماتتا أو ماتت إحداهما فهذه لا يجوز أكلها .
{ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ }
ربما يأتي سبع على شاة أو على حيوان يؤكل فأنهاه وبقي منه شيء ، فلا يجوز أكله لأنه هلك وباد .
{ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }
التذكية : هي أن ينحر أو يذبح المأكول من حلقه فيقطع الودجان وهما العرقان المحيطان بالعنق مع الحلقوم والمريء .
والتذكية في اللغة معناها التمام ، سبحان الله – دل على أن من تمام حسن هذا الشيء المأكول أن يذكى بهذه الطريقة الشرعية وأنه إذا لم يفعل به هذا الفعل فإنه لا تمام فيه ، بل فيه الشر .
{ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }
يعني ما ذُكر ، مثلا ” بهيمة خنقت ، أو بهيمة سقطت من علو ، أو بهيمة نطحتها أختها ، أو بهيمة ضربت فبقيت فيها حياة مستقرة ، هنا لو تداركتها وذبحتها أحلت ، لكن لو أتيتها وليست بها حياة أو بها حياة ليست مستقرة ، وهذا الكلام قد لا يُفهم ، لكن رأي شيخ الإسلام رحمه الله أحسن مما يكون ، يقول رحمه الله كيف ندرك الحياة المستقرة للحيوان ؟ قول الفقهاء ” أن تكون به حركة كحركة مذبوح )
لكن شيخ الإسلام رحمه الله عنده قول جميل ، يقول رحمه الله ” إذا أُدركت هذه الأشياء فذبحت فخرج الدم الأحمر المعروف ، دل على أن بها حياة مستقرة فيجوز أكلها ، أما إذا خرج دم يختلف عن الدم المعتاد الذي هو المسفوح ، علمنا بذلك أن هذا الحيوان ليست به حياة مستقرة “
وهنا أمر يجب أن يتنبه إليه ممن يصطاد الضباب مفردها ضب ، أو يصطاد الأرانب والغزلان أو ما شابه ذلك ، وخصوصا الضب ، وإن كان الضب عسير أن يموت بسرعة ، فإذا قطع منه شيء ودخل في جحره فلا يجوز أكل هذا الشيء ، لأنه ميتة ، فما قُطع من الحيوان في حال حياته فهذا المقطوع ميتة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميِّت ) يعني لو دخل الضب في جحره أو أرنب أو ما شابه ذلك ، فهذا المقطوع لا يجوز أكله .
أمر آخر :
قد يُضرب هذا الضب لكن تدركه وهو على وشك الهلاك فإن تركته حتى مات من ضربتك صار ميتة ، فعليك أن تسارع بتذكيه .
{ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ }
النصب : هو ما ارتفع عن الأرض ، ولذلك كانوا يرفعون أصنامهم وكانوا يذبحون لها .
{ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ }
واحدها زلم ، وهي أقداح ، عندهم فيما مضى عقيدة فاسدة ، وعقيدتهم من حيث الأصل فاسدة ، لكن في مثل هذا الأمر أفسد وأفسد ، وهذا ما يسمى بالتطير والتشاؤم ، يعتمدون على أوهام ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الطيرة شرك ) ( وسئل صلى الله عليه وسلم عن الطيرة ؟ قال أحسنها الفأل ، قيل ما الفأل يا رسول الله ؟ قال الكلمة الطيبة )
الشاهد من هذا :
أنهم كانوا إذا أرادوا أن يسافروا أو أن يضاربوا في تجارة أو أن يقدم أحدهم على زواج أو ما شابه ذلك من هذه الأمور ، أتوا إلى هذه الأقداح الثلاثة وهي عبارة عن أسهم ويضعونها في وعاء ، واحد منها مكتوب عليه افعل ، والثاني لا تفعل ، والثالث غفل ، إن خرج القدح المكتوب عليه افعل فعل ، وإن خرج لا تفعل أحجم ، وإن خرج غفل أعاد مرة أخرى ، وهذا من نقصان العقل مع أنه نقصان في العقيدة ، ابن عباس رضي الله عنهما لما كان جالسا مر طير ينعق – يصيح – فقال من حوله ( خير خير ) فقال ابن عباس رضي الله عنهما ( لا خير ولا شر ) هذا طير كسائر الطيور فلا خير ولا شر ، ولذلك هناك كلمة يجب على المسلم أن يحذر منها ، بعض الناس يقول ( خير يا طير ) ما دخل الطير في هذه الكلمة ، فمثل هذه الكلمة لا يجوز للمسلم أن يتلفظ بها .
الشاهد من هذا أنهم كانوا يفعلون هذا الفعل ، وهذا الفعل محرم وهو الإستقسام بالأزلام ، لم ؟
{ ذَلِكُمْ فِسْقٌ }
ثم قال سبحانه وتعالى :
{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ }
{ الْيَوْمَ } متى ؟ لما حج النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق ذلك فتح مكة { إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ } { أفرادا } ؟ لا ، كانوا فيما مضى يدخلون أفرادا الآن { أفْوَاجًا {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا {3} }
فنعيت نفس النبي صلى الله عليه وسلم إليه من أن أمره سيكون إلى النهاية ، لأنه أنهى مهمته .
{ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ }
كانوا يتأملون أن يعود هؤلاء إلى الدين ، لكن لما فتح الله عز وجل مكة وحج النبي عليه الصلاة والسلام وقال ( لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان ) انتهت معالم الشرك { يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ }
ثم قال عز وجل :
{ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ }
الخشية لا تكون إلا من الله سبحانه وتعالى .
{ الْيَوْمَ }
أي يوم الجمعة في التاسع من شهر ذي الحجة ، وهو يوم عرفة بعد العصر نزلت هذه الآية ، ولذلك قال كثير من العلماء ” لما نزلت هذه الآية لم ينزل بعدها لا حلال ولا حرام ، وما بقي النبي صلى الله عليه وسلم بعدها إلا واحدا وثمانين يوما وبعدها توفي عليه الصلاة والسلام ، ولذلك كان يذكِّر أصحابه في تلك الحجة ، يقول ( خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )
{ الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }
إذاً من أتانا ببدعة ، من أتانا بعبادة ، بصلاة ، بذكر معين على وجه معين ، نقول هذا مردود ، لأن الدين قد أكمله الله سبحانه وتعالى ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) يعني مردود على صاحبه ، فمن ابتدع شيئا في الدين فإن لسان حاله يقول إن هذا الدين ناقص ، وإلا لما أقدم على هذا الفعل .
{ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }
قد أنجز الله عز وجل وعده ، ولذلك قال عز وجل في سورة البقرة { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }البقرة150، فقد أتم سبحانه وتعالى نعمته علينا بأمور كثيرة ، ومن أعظم هذه النعم إكمال الدين ، وهذه الآية تدل على أن أعظم النعم هي دين الله سبحانه وتعالى إذ أكمله سبحانه وتعالى .
{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }
الله سبحانه وتعالى ارتضى لنا الإسلام دينا ألا نرتضيه لأنفسنا ؟ ولذلك علينا نحن المسلمين أن نبرز وأن نظهر وأن نفتخر بديننا ، ولذلك في سورة آل عمران { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64 ، هذا هو المسلم يُظهر دينه ويرتضي به ، بخلاف بعض الناس إذا سافر إلى دون الكفر أو بعض الدول التي يقع فيها من الفجور ما يقع يتخلى عن دينه – سبحان الله – أنت أكرمك الله عز وجل بهذا الدين .
ثم قال عز وجل :
{ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ }
المخمصة : هي المجاعة ، من خلا بطنه قيل هذا مخموص ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الطير كما عند الترمذي ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصا ) يعني فارغة البطون ( وتروح بطانا ) يعني تعود في آخر النهار مليئة البطون .
{ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ }
يعني غير مائل لإثم ، يعني ما أقدم على أكل هذه الميتة بغية فيها – لا – إنما أقدم عليها لكي ينقذ نفسه .
{ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
ولذلك من اضطر ، ونسأل الله عز وجل ألا يمر بنا ولا بأحد من إخواننا المسلمين مثل هذه الحال ، وهي حال الاضطرار التي يلجأ إليها إلى أن يأكل الميتة ، نسأل الله السلامة والعافية ، لكن من اضطر فإنه يأكل منها بقدر ما يسد جوعته ويقيم قواه ، لكن لو أكل إلى الشبع يحرم عليه ، فيكون متعديا متجاوزا .
لو قال قائل : لو أن شخصا كان في مجاعة وسيهلك وأمامه ميتة ولم يقدم على أكلها أحرام عليه عدم الأكل ؟ الصحيح من قولي العلماء أنه يجب على من اضطر إلى أكل الميتة بحيث لو لم يأكل لمات ، يجب عليه أن يأكل حتى يقيم نفسه ، لأن نفسه ليست ملكا له وإنما هي ملك لله سبحانه وتعالى .
هذا ما تيسر الإتيان عليه حول هذه الآية الكريمة ، وإلا فالآية تحتاج إلى تفسير أكثر ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .