فقد قرأنا صدر سورة النور { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا }
{ سُورَةٌ } : يعني هذه سورة أنزلناها – كما أنزل الله القرآن الكريم { وَفَرَضْنَاهَا } أي ذكرنا فيها أحكاما مفروضة، وقدرنا فيها حدودا مشروعة لم؟
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وهذا فضل من الله عز وجل ، أنه يبين لعباده ما يتقون به مساخطه ، وما يؤدي بهم إلى عقوبته في الدنيا والآخرة، فقد ذكر سبحانه وتعالى أحكاما وحدودا في هذه السورة
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } كما قال سبحانه وتعالى { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } {التوبة:115} و هذا فضل من الله سبحانه وتعالى ، ولا شك أن القرآن الكريم كله تذكرة وعبرة وعظة ، ثم قال سبحانه وتعالى مبينا أول حكم في هذه السورة { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } قال هنا { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } قدم الأنثى على الذكر بينما في آية السرقة قال
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } قدم الذكر على الأنثى
فما الحكمة من هذا التقديم للذكر في آية السرقة وللأنثى في آية الزنا ؟
الحكمة من ذلك وحِكَمُ الله تعالى كثيرة ” أن تقديم الأنثى هنا على الذكر لأن الزنا يحصل من المرأة أكثر من الرجل ، بمعنى أن سبل وطرق تحصيل الزنا من المرأة أيسر من الرجل “
الرجل لو خرج يريد امرأة يزني بها ربما لا يتيسر له ذلك ، بينما المرأة لو خرجت لوجدت من يفعل بها ، بينما في السرقة قدّم السّارق على السّارقة، لأن السرقة في الرجال أكثر منها في النساء ، ثم بين حكم من زنا وهو غير محصن ، بمعنى أنه بكر لم يتزوج ، فإذا زنا البكر فحده في الدنيا أن يُجلد مائة جلدة سواء كان ذكرا أم أنثى ، ويغرّب سنة مع جلده مائة جلدة ، بينما إن كان متزوجا وزنى– نسأل الله العافية – يُرجم بالحجارة حتى يموت
ثم ماذا قال تعالى ؟
{ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } يعني لا تحملنكم الرحمة والرأفة أن تعطلوا حدود الله
بعض الناس يقول كيف يُرجم الزاني ؟
كيف تُقطع يد السارق ؟
كيف يُقتل المحارب الذي يُفسد في الأرض ؟
يُقتل لأن في ذلك مصالح متعددة ، تُقٌطع يد السارق كي نحمي أيادي كثيرة، يُجلد الزاني البكر ويُرجم الزاني المتزوج من أجل أن نحفظ الأنساب ، من أجل أن نحفظ الأعراض،
ولذلك قال تعالى { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ } إذا كان لديكم إيمان بالله وباليوم الآخر فلا تعطّلوا حدود الله ، فمتى تعطلت حدود الله في أي مجتمع، فإن الفساد سيكثر فيه ولا محالة
ثم ماذا قال تعالى { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ } من باب العظة والعبرة ، سمى الله تعالى جلد الزاني غير المحصن،و رجم الزاني المحصن ” عذابا ” ، عذاب له في الدنيا حتى يتطهر من العذاب الأكبر الذي يكون في الآخرة
ولم يقل الله تعالى ” فاضربوهم مائة جلدة “
دل ذلك على ماذا ؟
دل ذلك على أن المراد من جلده هو تطهيره وعدم قتله إن كان غير محصن ، بمعنى أن يكون الضرب على الجلد ، ولا يبالغ فيه إلى العظم ، فكان التعبير بالجلد من باب أن يقع الضرب على الجلد ولا يوصل به إلى العظم
ثم ماذا قال سبحانه وتعالى؟
{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }
ما معنى هذه الآية ؟
معناها على أصح ما ذكره العلماء أن الإنسان إذا قدم على التزوج بزانية فهو أما أن يكون فاسقا غلّب هواه على حكم الله ، وإما أن يكون مشركا كافرا لا يُقر بشرع الله ، وفي هذه الآية تحريم الزواج بالزانية أو تزويج الزاني ، ومن تزوج زانية فإن عقده باطل ، ومن تزوجت زانيا فإن عقده وعقدها باطلان ، إلا أن يتوبا ، بمعنى أنه لو زنت امرأة ثم تابت من الزنا وظهرت توبتها فإن النكاح بها صحيح ، لكن ما دامت زانية فلا يجوز الزواج بها
ثم ماذا قال تعالى { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ }
حُرم ماذا ؟
حُرم النكاح من الزواني
{ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ } وصفهم هنا بالمؤمنين فدل هذا على أن من كان في قلبه إيمان لا يُقدم على الزواج من زانية ولو كانت جميلة أو كانت ذا مال أو كانت ذا حسب .
نسأل الله تعالى أن يحفظ ديننا وأعراضنا إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى صحبه وسلم