تفسير قوله تعالى ( سورة أنزلناها وفرضناها …) سورة النور ( 1 ـ 3 )

تفسير قوله تعالى ( سورة أنزلناها وفرضناها …) سورة النور ( 1 ـ 3 )

مشاهدات: 505

تفسير قوله تعالى :

{ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ 1 } الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ{ 2 } الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ{ 3 } }

 فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد  :

فقد قرأنا صدر سورة النور  { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا }

{ سُورَةٌ } : يعني هذه سورة أنزلناها –  كما أنزل الله القرآن الكريم { وَفَرَضْنَاهَا } أي ذكرنا فيها أحكاما مفروضة، وقدرنا فيها حدودا مشروعة  لم؟

{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وهذا فضل من الله عز وجل ، أنه يبين لعباده ما يتقون به مساخطه ، وما يؤدي بهم إلى عقوبته في الدنيا والآخرة، فقد ذكر سبحانه وتعالى أحكاما وحدودا في هذه السورة

{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } كما قال سبحانه وتعالى { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } {التوبة:115} و هذا فضل من الله سبحانه وتعالى ، ولا شك أن القرآن الكريم كله تذكرة وعبرة وعظة ، ثم قال سبحانه وتعالى مبينا أول حكم في هذه السورة  { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } قال هنا { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } قدم الأنثى على الذكر بينما في آية السرقة قال

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } قدم الذكر على الأنثى

فما الحكمة من هذا التقديم للذكر في آية السرقة وللأنثى في آية الزنا ؟

الحكمة من ذلك وحِكَمُ الله تعالى كثيرة ” أن تقديم الأنثى هنا على الذكر لأن الزنا يحصل من المرأة أكثر من الرجل ، بمعنى أن سبل وطرق تحصيل الزنا من المرأة أيسر من الرجل  “

الرجل لو خرج يريد امرأة يزني بها ربما لا يتيسر له ذلك ، بينما المرأة  لو خرجت لوجدت من  يفعل بها  ، بينما في السرقة قدّم السّارق على السّارقة، لأن السرقة في الرجال أكثر منها في النساء ، ثم بين حكم من زنا وهو غير محصن ، بمعنى أنه بكر لم يتزوج ، فإذا زنا البكر فحده في الدنيا أن يُجلد  مائة جلدة سواء كان ذكرا أم أنثى ، ويغرّب سنة مع جلده مائة جلدة ، بينما إن كان متزوجا وزنى– نسأل الله العافية – يُرجم بالحجارة حتى يموت

ثم ماذا قال تعالى ؟

 { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } يعني لا تحملنكم الرحمة  والرأفة أن تعطلوا حدود الله

بعض الناس يقول كيف يُرجم الزاني ؟

كيف تُقطع يد السارق  ؟

كيف يُقتل المحارب الذي يُفسد في الأرض ؟

يُقتل لأن في ذلك مصالح متعددة ، تُقٌطع يد السارق كي نحمي أيادي كثيرة، يُجلد الزاني البكر ويُرجم الزاني المتزوج من أجل أن نحفظ الأنساب ، من أجل أن نحفظ الأعراض،

ولذلك قال تعالى  { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ } إذا كان لديكم إيمان بالله وباليوم الآخر فلا تعطّلوا حدود الله ، فمتى تعطلت حدود الله في أي مجتمع، فإن الفساد سيكثر فيه ولا محالة

ثم ماذا قال تعالى  { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ } من باب العظة والعبرة  ، سمى الله تعالى جلد الزاني غير المحصن،و رجم  الزاني المحصن ” عذابا ” ، عذاب له في الدنيا حتى يتطهر  من العذاب الأكبر الذي  يكون في الآخرة

ولم يقل الله تعالى  ”  فاضربوهم مائة جلدة   “

 دل ذلك على ماذا ؟

دل ذلك على أن المراد من جلده هو تطهيره وعدم قتله إن كان غير محصن ، بمعنى أن يكون الضرب على الجلد ، ولا يبالغ فيه إلى العظم ، فكان التعبير بالجلد من باب أن يقع الضرب على الجلد ولا يوصل به إلى العظم

 ثم ماذا قال سبحانه وتعالى؟

{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }

 ما معنى هذه الآية  ؟

معناها على أصح ما ذكره العلماء أن الإنسان إذا قدم على التزوج بزانية  فهو أما أن يكون فاسقا غلّب هواه على حكم الله ، وإما أن يكون مشركا كافرا لا يُقر بشرع الله ، وفي هذه الآية تحريم الزواج بالزانية أو تزويج الزاني ، ومن تزوج زانية فإن عقده باطل ، ومن تزوجت زانيا فإن عقده وعقدها باطلان ، إلا أن يتوبا ، بمعنى أنه لو زنت امرأة  ثم تابت من الزنا وظهرت توبتها فإن النكاح بها صحيح ، لكن ما دامت زانية فلا يجوز الزواج بها

ثم ماذا قال تعالى  { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ }

حُرم ماذا ؟

حُرم النكاح من الزواني

 { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ } وصفهم هنا بالمؤمنين  فدل هذا على أن من كان في قلبه إيمان لا يُقدم على الزواج من زانية ولو كانت جميلة أو كانت ذا مال أو كانت ذا حسب .

نسأل الله تعالى أن يحفظ ديننا وأعراضنا إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى صحبه وسلم