تفسير قوله تعالى (كذب أصحاب الأيكة المرسلين …. ) سورة الشعراء الآيات (176 ـ 191 )

تفسير قوله تعالى (كذب أصحاب الأيكة المرسلين …. ) سورة الشعراء الآيات (176 ـ 191 )

مشاهدات: 469

تفسير قوله تعالى :

{ كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ{ 176 } إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{178} فَاتَّقُوا اللهَ وَ أَطِيعُونِ }

إلى قوله تعالى  :

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد  :

فنقف وقفات سريعة  مع قصة شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة  مما ذكره الله عز وجل في هذه السورة سورة { الشعراء }

قال تعالى { كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ }

الأيكة : موضع تلتف به الأشجار ، فالموضع التي تلتف به الأشجار وتُغطيه تُسمى أيكة ، فأصحاب الأيكة أتاهم شعيب عليه السلام  وشعيب عليه السلام أرسل إلى أصحاب الأيكة وأرسل إلى أهل مدين وإن كانت قصة أصحاب الأيكة متشابهة مع قصة أهل مدين فيما وقعوا فيه من الجرم

والذنب فيقول سبحانه وتعالى { كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ }

 من الذي أرسل إليهم ؟

شعيب ومع ذلك قال { كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ } يعني أنهم كذبوا جميع الرسل ، مع أن المُرسل إليهم شعيب عليه السلام

فلماذا قال المرسلين ؟

قال المرسلين كما هو الشأن في قصص الأنبياء المذكورة قبل هذه القصة ، كقوله تعالى { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ }

 {كَذَّبَتْ عَادٌ المُرْسَلِينَ}   { كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ } {الشعراء:141}  لم ؟

لأنه من كذب برسول واحد  فقد كذب جميع الرسل  لم ؟ لأن جميع الرسل أتت برسالة واحدة ، وهي رسالة التوحيد التي تدعو إلى توحيد الله عز وجل { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } {الأنبياء:25}

إذاً فمن كذب بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى ، قال تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }

يعني إذا أتى محمد وهم أحياء فعليهم أن يتبعوه وعلى قومهم أن يتبعوه  ثم لو نظرنا إلى ما بعدها ماذا قال { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ } بينما الرسل السابقون لما أرسلهم الله تعالى ماذا قال ؟

{ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }

{ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ }

 { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ }

 { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ }

أما هنا لم يقل أخوهم  لم ؟ لأن شعيبا ليس نسبه من أصحاب الأيكة وإنما نسبه من أهل مدين

ولذلك لما  ذكر سبحانه وتعالى أهل مدين قال { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {الأعراف:85}  }

أما هنا لم يقل في أصحاب الأيكة أخوهم ، { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ  إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ  فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ }

جميع الرسل السابقين الذين أرسلوا ذكروا ما ذكره شعيب  من أنه أمر بالتقوى وأنه مرسل أمين ، وبيان أنه لم يُرسل من أجل أن يأخذ عليهم أجرة ولا مالا ، وإنما قصد الأجر من الله عز وجل ، فدل ذلك على أن دعوة الأنبياء كلهم هي دعوة التوحيد

ماذا وقع فيه أصحاب الأيكة  ؟

وقعوا مع الشرك بالله في نقصان الميزان كما هو الشأن في أصحاب مدين { أَوْفُوا الكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ }  أي الميزان المستوي {  وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }  ، العثي في الأرض  هو أعظم الإفساد

{ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ }

يعني : خلقكم و خلق الخليقة الأولين يعني خلقكم و خلق من قبلكم ، فما هو ردهم { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ } كعادة المكذبين للرسل ينسبون للرسل ما ليس فيهم { وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } أي ما فُضلت علينا { وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكَاذِبِينَ  فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } أي فأنزل علينا من السماء قطعا من العذاب -سبحان الله- بعض الناس لا يٌوفق – لو أنهم  دعوا الله أن يهديهم ويدلهم على طريق الحق

لكان أولى لهم من أن يطلبوا العذاب ، ولذلك النضر بن الحارث لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن فماذا قال هو  ومن معه { وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } {الأنفال:32} لم يقولوا فاهدنا أو دلنا أو أرشدنا ، هذا يدل على أن الإنسان إذا بلغ الطغيان في قلبه مبلغه لا يوفق إلى الكلام السليم ولا إلى الدعوة السليمة

فماذا قال { قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } ما علي إلا البلاغ والبيان ، والله عز وجل مطلع عليكم  { فَكَذَّبُوهُ }

 ما الذي جرى لهم ؟

{ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

أصابهم حر شديد فأتتهم سحابة فأظلتهم فخرجوا من سراديبهم يستظلون بها يظنون أن بها بردا وسلاما وخيرا، فإذا بها تمطرهم عذابا من الله تعالى كما طلبوا  ، { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ }  لما اجتمعوا وتكاملوا أخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم  وربك يمهل ولا يهمل { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } {هود:102}  }

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً } لعبرة وعظة ، فهذه القصص التي تتلى علينا ونقرأها لا يمكن أن تُذكر هكذا وإنما يُستفاد منها ويُتعظ بها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } مع هذه الدلالات الواضحة فإن أكثر البشر ليسوا بمؤمنين كما قال تعالى { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } {الأنعام:116}

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } {يوسف:103}

وقال تعالى { مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } {المائدة:66}

ثم ما الذي بعدها ؟

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ }

عزيز يعني : قوي شديد أصاب هؤلاء القوم بما أصابهم ، ثم إنه بعباده المؤمنين رحيم ، فرحم شعيبا ومن آمن معه

فهذه وقفة سريعة مع قصة شعيب مع أصحاب الأيكة  ، نسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه إنه هو ولي ذلك والقادر عليه

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم