الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
مما تلوناه في هذه الليلة قوله تعالى :
{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } الآيات .
أحبتي في الله – البيوت الزوجية لا تخلو من مشاكل ، بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بيت النبوة ما خلا من المشاكل التي حصلت بينه وبين بعض زوجاته عليه الصلاة والسلام ، لكن لما كانت العقول كبيرة والنفوس عظيمة أحاطت بهذه المشاكل وحُلت في حينها
بينما في هذا العصر لما تضيق النفوس ولا تستوعب العقول ما يحصل وما يجري في البيوت حينها تتفاقم المشكلة بين الزوجين حتى تضيق السبل في علاجها وفي حلها ، وهنا ذكر الله سبحانه وتعالى ما قد يجري للمرأة مع زوجها، فمن المعلوم أن المرأة قد تترفع عما يجب عليها تجاه زوجها
كذلك قد يترفع الزوج عما يجب عليها تجاه زوجته ، فذكر سبحانه وتعالى حلا لهذه المشكلة فيما لو أن المرأة وجدت من زوجها تقصيرا في حقها ، فقال تعالى { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا } أي ترفعا عن أداء حقوقها وما يجب عليها { أَوْ إِعْرَاضًا } أعرض عن مجالستها ، أعرض عن الكلام معها يعني انصرفت نفسه عن امرأته { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } والإعراض والنشوز من قبل الزوج في الغالب أنه يصدر حينما يتزوج بالزوجة الثانية ، في الغالب أن البعض إذا تزوج بالزوجة الثانية أعرض عن الزوجة الأولى كلية ولم يجعل لها حقا ، وهذا خطأ محض ، وهذا وللأسف فرَّق أسرا وجعل بغضاء وشحناء بين الأولاد من الزوجة الأولى ومن الزوجة الثانية نتيجة عدم العدل من قِبل هذا الزوج ، فنرى أن البعض إذا أخذ الزوجة الثانية إذا به يرمي الزوجة الأولى وكأنها ليست زوجة له ، أين ما مضى من عشرة ؟ وما مضى من تضحية ؟ وما مضى من تفاني من قِبل هذه المرأة ؟ ذهب كله ، وهذا يدل على عدم وجود الكَرَم من قِبل الزوج ، فإنه لو كان كريما ما نسي ما مضى ، صحيح أن النفس قد تميل والقلب لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى ، فإلقاء المحبة في القلب لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى ، ولذا قال بعدها { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ }النساء129 يعني في قضية محبة القلب .
فإذاً ماذا تصنع حينما ترى إعراضا ونشوزا من قِبل زوجها ؟
{ فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا } كأن تعفو المرأة عن ليلتها أو تعفو عن بعض ما يجب عليها من النفقة فيرضى الزوج بهذا
ولهذا :
( سودة لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها خافت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لأنه كان عليه الصلاة والسلام يحب عائشة حبا عظيما ومع حبه لها ما كان يميزها على غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام بل كان عادلا ( فخافت أن تفقد زوجها الذي هو أعظم زوج وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت ليلتها لعائشة ) قالت : ليلتي لا أريدها ، أريد أن تكون هذه الليلة لعائشة رضي الله عنها ، يمكن أن تصطلح المرأة مع زوجها على أن تدفع له مالا وأن يحسن عشرتها ، لا بأس بذلك كما قال بعض العلماء ، المهم أن الصلح جائز كما قال عليه الصلاة والسلام ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرَّم حلالا )
ثم قال عز وجل {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} من الفراق ، الصلح خير من الإعراض ، الصلح خير من النشوز ، ولذلك إذا ما كان في قلب الرجل محبة لزوجته الأولى ورأى أنه لا يمكن أن يبيت معها فهنا يجب عليه وجوبا شرعيا أن يتفاوض معها يقول : يا فلانة أنا لا أملك قلبي ولا أريد أن أبيت معكِ فاختاري إما أن تسقطي ما وجب علي تجاهك من النفقة أو من المبيت وإما أن أفارقكِ حتى لا أتعلق بك ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما صح عنه ( من كانت له امرأتان فمال مع إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) جنبه مائل، لأنه لما مال عن الحق أظهر الله خزيه بين الناس يوم القيامة ، ومن ثم يجب عليه أن يتفاوض معها فإن رغبت هذا فبها ونعمت وإن لم ترغب وقالت لا أريد إلا حقي كاملا ، هنا يكون منه الفراق { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } البقرة229
ثم قال تعالى { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } النفس مجبولة على الشح ، المرأة لا تريد أن ينفرد غيرها بزوجها والزوج لا يريد أن تقاسمه هذه المرأة مع المرأة الثانية ، ثم ماذا قال سبحانه وتعالى ؟
{ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وهذه قضية مهمة جدا – يا إخوان – وهو الإحسان مع الزوجة وإحسان الزوجة مع الزوج مهما كانت الشحناء والبغضاء والمشاكل التي صدرت من قِبل أحدهما على الآخر لابد من الإحسان قال تعالى { وَإِن تُحْسِنُواْ } مع ما يجري أحسن وأنتِ أيتها الزوجة أحسني كما قال تعالى في حق الزوجين { وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة237 لا ينس أحدكما أن يتفضل بنصيبه على الآخر مع أن بينهما مشاكل قائمة ، فقال عز وجل { وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }
ثم قال { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } في ماذا ؟
في المحبة
ما يأتي إنسان ويقول أنا لن أقسم للمرأة الأولى ليلة ولا نفقة ، لم ؟ يقول : لأن الله عز وجل يقول { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } نقول : قف ، المراد من هذه الآية محبة القلب لأن محبة القلب لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى ، كذلك الجماع ، تقسيم الجماع بين الزوجتين لا يجب على الزوج لأن هذا يدور مع النشاط ، يدور مع تهيؤ المرأة ، يدور مع إقبال المرأة وما شابه ذلك ، فقضية الجماع والقسمة فيه، وقضية المحبة هذه لا على الزوج جناح فيما لو تركها .
{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قد تكون معه الزوجتان أو الثلاثة ويحب إحداهن على البقيات فلا يسوقه هذا الحب ولا تدفعه هذه المحبة إلى أن يُفضِّل المحبوبة على الأخريات ، لا يجوز له ذلك ، ولذلك ماذا قال تعالى { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ } لا تميلوا مع المحبوبة { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } ولذلك بعض الناس لما تزوج ترك الأولى كالمعلقة لا هي ذات زوج ولا هي أيّم حتى تنظر في مصلحتها .
ثم قال تعالى { وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } يعني يعفو ويغفر ويرحم عما لا يملكه الإنسان من المحبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القسمة في حقه بين زوجاته ليست واجبة فالقسمة بين نسائه ليست واجبة عليه صلى الله عليه وسلم { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ }الأحزاب51 ، فالقسمة ليست واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه كان صلوات ربي وسلامه عليه كان يطلب الكمال ، فالقسمة ليست واجبة عليه كان يقسم عليه الصلاة والسلام بين نسائه ولكن محبته تميل مع عائشة رضي الله عنها ولذلك ماذا كان يقول ؟ اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) وهو القلب ، { وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } إذا سدت الأبواب ، ما وُجد حل ، ما وجد إصلاح بين الزوجين ، ماذا قال تعالى ؟ لا يندم أحدهما لأن فضل الله عز وجل واسع ولربما تطلق امرأة من قِبل زوج فتتزوج بآخر فتسعد مع هذا الزوج الثاني سعادة كبرى وكذلك الرجل ،
ولذلك قال تعالى { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } هذا عند الفراق ، كما أن الله سبحانه وتعالى وعد بالرزق الواسع عند الزواج لمن كان فقيرا { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } – سبحان الله – عند الإقدام على الزواج ولو كنت فقيرا يغنيك الله سبحانه وتعالى ، لو فارقت زوجتك أو فارقتك زوجتك إذاً عند الفراق أيضا فيه سعة من الله سبحانه وتعالى { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا }النساء130 ، واسع العلم ، واسع الرزق ، واسع العطاء ، واسع الهبة .
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .