فقد ذكر الله عز وجل في سورة النمل قصة لوط ، وقصة لوط عليه السلام قد تنوعت وتعددت في سور أخرى ، فقال الله تعالى هنا
{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } معنى ذلك أن الواحد منهم يأتي الآخر من الرجال، وكل منهم يبصر الأخر، دون أن يكون هناك حياء حتى من أنفسهم ، كما قال تعالى { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }{العنكبوت:29} النادي : هو مكان اجتماع القوم ، فكانوا يأتون بعضهم بعضا في مجتمعهم الذي هو النادي دون أن يكون هناك أدنى حياء ، وقوم لوط فعلوا هذه الفاحشة، وما فعلها قبلهم أحد من البشر بل لم يفعلها أحد من المخلوقين،حتى من البهائم
قال تعالى { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ }
وفي الآية الأخرى { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ }
والعالم وهو كل ما سوى الله ، ولا شك أن هذه الفعيلة ، وهذه الذميمة من أوسخ ما يكون ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال (( إذا و جدتم الفاعل والمفعول فاقتلوهما ))
ماذا قال بعدها ؟
{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } يعني : فيكم جهل ووصفهم في الآية الأخرى في سورة الأعراف بأنهم مسرفون ، فاستمروا على هذه الفعلة ، ورأوا إن لم يرتدع لوط عن نهيهم عن هذه الفعلة الشنيعة أنهم سيطردونه { قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المَخرجين }
ولذلك قالوا { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }
– سبحانه الله – يعرفون أنهم على خب، وأن لوطا على طهارة ، ومع ذلك يقدمون على هذه الفاحشة ، فلما عتوا واستمروا على ما هم عليه جاءت رسل الله ، جبريل ومن معه من الملائكة لإهلاك هؤلاء القوم ، فبشرت الملائكة إبراهيم بالولد وأخبروه أنهم أتوا لكي يهلكوا قوم لوط { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }
يعني يقول كيف تهلكون قوم لوط وفيهم لوط ؟
{ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ }{العنكبوت:32} أي سينالها العذاب ، و لم يكن لوط عليه السلام موفقا في هذه الزوجة،فإنها كانت امرأة خبيثة تحث قومها على هذه الفعلة
فلما علم قوم لوط بأن هناك بشرا أتوا إلى لوط ، وهم الملائكة أتوه في صورة البشر فرحوا بذلك وجاء قوم لوط ليفعلوا بهؤلاء
ولوط عليه السلام لما جاءته تلك الملائكة على صورة بشر قال { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } {هود:77} فخاف أن يعتدي قومه على هؤلاء الضيوف ، فلما أتى قومُه وطلبوا من لوط أن يمكنهم من هؤلاء الضيوف ليفعلوا بهم الفاحشة ، قال { قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } يعني تزوجوا بهم ، والمقصود ببناتي ” نساء القوم ” لأن نساء القوم يعددن بمنزلة البنات للنبي ، فالنبي بمنزلة الأب لقومه { هَؤُلَاءِ بَنَاتِي }
{ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ }{هود:79} ليس لنا حاجة في البنات { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }
فماذا قال لهم ؟
{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ }
لو عندي سلطة وقوة على دفعكم لفعلت، أو { آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } أي عشيرة تحميني { قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ }
طمأنته الملائكة { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ }
وما عليك إلا أن تسري بأهلك بالليل ، فسار عليه السلام وأمرته الملائكة أن يكون خلف قومه ، و أمرته ألا يلتفت منهم أحد حينما ينزل العذاب قال تعالى { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } {الحجر:65} أي إلى الشام ، وأخبرته الملائكة أن العذاب سينزل بهم الصبح، فكأنه استبطأ الوقت فقالوا { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } {هود:81} ونقف هنا وقفة :
في سورة القمر ماذا قال ؟ { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ } يعني بالإنذارات التي أتى بها لوط { إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } {القمر:34} أي في آخر الليل ، فالسحر وقت للنجاة ولذا كان للقيام في السحر منزلة لا تكون في أي جزء من أجزاء الليل ، فسار لوط
وقال بعض العلماء : إن زوجته كانت معه فالتفتت فأصابها العذاب
ولا شك أن هذه المرأة خائنة { ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } {التَّحريم:10}
والخيانة هنا هي : الكفر بالله وليس الزنا لأن المرأة الزانية لا تكون تحت نبي ، لم يُبعث نبي وتحته امرأة بغي أبدا ، وإنما الخيانة هنا هي الكفر بالله ،
فجاء العذاب كما قال عز وجل : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المُنْذَرِينَ } يعني : مَطَرَ السَّوْءِ
{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا } {الفرقان:40} المقصود هنا قوم لوط
{ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا } كفار قريش ألم يكونوا يرون قراهم إذا سافروا ؟
فما هو هذا العذاب ؟
هذا العذاب كما قال تعالى { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ } {هود:82}
متى نزل بهم العذاب ؟
الصبح ، أول الصبح أم بعد ما حصل وقت الإشراق ؟ بعد ما حصل وقت الإشراق ، كما قال تعالى { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ }
فمع ما أنزل الله بهم من هذا العذاب، كان مع هذا العذاب صيحة فقلب الله ديارهم رأسا على عقب ، ورماهم بالحجارة والحصباء { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ }
وأتت هذه الحجارة وأصلها من النار ،{ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ }
سجيل : يعني من نار ، مَنْضُودٍ: أي :متتابعة ، مسومة يعني معلمة كل شخص تأتيه حصاة قد قدر الله عز وجل أن تقع عليه لاعلى غيره ومسومة عند من ؟
عند رب العالمين { مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } {هود:83}
ما هي ؟
قال بعض العلماء : يعني قرية قوم لوط ما هي بعيدة عن قرية النبي صلى الله عليه و سلم ألا يعتبرون بها
كما قال تعالى { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ }
وقال بعض العلماء : وما هي ؟ الضمير يرجع إلى تلك العقوبة ، يعني تلك العقوبة ليست بعيدة عن الظالمين من هذه الأمة إذا فعلت كما فعلت قوم لوط ، أن ينزل بهم هذا العذاب
ثم ماذا قال سبحانه وتعالى { قُلِ الحَمْدُ للهِ } أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على ما أنعم به عليه ، ومن ذلك ما قصه عليه من قصة لوط إذ دمر الله هؤلاء الكفار لكي تعتبر أمة محمد صلى الله عليه وسلم { وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى }
من هم ؟
الأنبياء { آَللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } آَللهُ خير لمن عبده أم هذه الأصنام خير لعابديها ؟
الجواب واضح ولا مقارنة { الله }
ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى دلائل على قدرته { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }
إلى أخر ما ذكره سبحانه وتعالى من الآيات الدالة على عظمته سبحانه وتعالى
هذا ما استحضره الذهن مما ذكره الله سبحانه وتعالى عن قصة قوم لوط في كتابه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم