تفسير قوله تعالى ( وما أعجلك عن قومك يا موسى …. ) سورة طه الآيات ( 83 ـ 98 )

تفسير قوله تعالى ( وما أعجلك عن قومك يا موسى …. ) سورة طه الآيات ( 83 ـ 98 )

مشاهدات: 525

تفسير قوله تعالى :

{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى{ 83 }  قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى  }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد  :

فقد قُرئت آيات تتحدث عن عبادة قوم موسى للعجل قال تعالى { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى }  موسى عليه السلام لما أراد الله تعالى أن يعطيه التوراة طلب منه أن يمكث شهرا وزاده عشرة أيام حتى يتهيأ في تلك المدة إلى مناجاة الله سبحانه وتعالى كما قال في سورة الأعراف { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } {الأعراف:142}

فلما انقضت هذه المدة وكان موسى قد أتى ببعض قومه إلى الله تعالى قال الله تعالى { وَمَا أَعْجَلَكَ }

ما الذي أتي بك قبل قومك ؟

{  قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }  يعني سارعت بالمجيء ابتغاء رضاك ، فبين الله سبحانه وتعالى أن قومه قد عبدوا العجل ، ووقعوا في الشرك {  قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ }

والسامري رجل من بني إسرائيل

{ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا }  أي قد بلغ به الغضب الشديد مبلغه

{ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا }  يعني : ألم يعدني الله التوراة لتكون لكم شرفا وترتفعوا بها في الدنيا مع الآخرة ؟

 { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العَهْد } أي طالت بكم المدة في مجيئي إليكم {  أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي }  قالوا ما اخلفنا موعدك  بملكنا ولا بقوتنا ولكن بأمر فعله السامري  { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ }

يعني لما ألقاها وكانوا قد استعاروا حليا من القبط ، فأمرهم هذا السامري أن يلقوا هذه الحلي فألقوا هذه الحلي ، وكان السامري قد رأي جبريل عليه السلام لما أتى ليأخذ موسى لميقات ربه رآه على فرس فأخذ حفنة من التراب التي تطأه هذه الفرس أو هذه الدابة

المهم أنه أثر من آثار جبريل عليه السلام وكان هذا الأثر إذا وضع على شيء صار حيا

{ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ }

{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ }   يعني انقلبت هذه الحلي إلى عجل له خوار أي له صوت {   فَقَالُوا  }  أي قال السامري ومن معه ممن أضلهم الله سبحانه وتعالى { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } وذهب ليطلب ربه ، وهذا ربه  ، الله عز وجل عاتبهم، كيف يعبدون من لا يسمع و لا يبصر ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا قال تعالى  {  أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا }  صنم ولذلك قال الله تعالى مبينا أن العابدين أكمل من المعبودين وهي الأصنام  { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ } {الأعراف:195} أنتم أفضل منهم

فماذا فعل هارون ؟

{  وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي }

 فماذا قالوا ؟

{ قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى }  فلما رجع موسى عاتب أخاه موسى { أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } {طه:93}  أي ألا تبعتني يا هارون  لما حصل ما حصل ؟

فقال {  يَا ابْنَ أُمَّ   }  لِمَ  لمْ يقل يا ابن أبي  ؟

لأن الأم مضاف لها للترقق والاستعطاف { لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي }

وكان موسى قد أخذ برأس ولحية هارون عتابا عليه ، ودل هذا على أن إعفاء  اللحى من سنن المرسلين صلوات ربي وسلامه عليهم { إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

ما قول موسى  ؟

ماذا قال موسى لما أخلف هارون في قومه وذهب ليأخذ التوراة  ؟ قال {  وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ }

ثم رجع موسى إلى السامري فقال ما خطبك ؟ ما الذي دعاك إلى أن تفعل هذا ؟

{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }

فماذا قال موسى عليه السلام ؟

قال بعض المفسرين أمره أن يفارقه ، قال { قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ } فأصبح يهيم وحده

وقال آخرون من العلماء : إن موسى دعا على السامري فلا يمس أحدا ، أو لا يمسه أحد إلا مسه المرض

بمعنى أن أي شخص يقترب منه يقول لا مساس أي حتى لا يمسه المرض أو يصيبه المرض  ثم قال { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ }  متى ؟ يوم القيامة

{ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا }  ماذا سنصنع به  ؟ { لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي اليَمِّ نَسْفًا }

ثم ماذا قال الله سبحانه وتعالى { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا }

ليست هذه الأصنام و ليست هذه المعبودات ، ولربما صنع السامري ما صنع ظنا منه أن قومه لما جاوزوا البحر بعدما أنقذ الله موسى وقومه وتجاوزوا البحر  قال تعالى { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } {الأعراف:138}

{ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ مُتَبَّرٌ } أي : في هلاك ، فظن السامري أن هذا مما يقربه إلى قومه لما ذهب موسى لمناجاة الله سبحانه وتعالى وكان موسى لما رجع بعدما أخبره الله سبحانه وتعالى أن قومه عبدوا العجل كانت معه التوراة ولكن كما قال تعالى في سورة الأعراف { وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ } بينما لما أخبره الله تعالى لم يلق الألواح ،

ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما صح في الحديث : ” ليس الخبر كالمعاينة  “

هذا حديث صحيح ، ثم فسره عليه الصلاة والسلام فقال إن موسى لما أخبره الله أن قومه عبدوا العجل لم يلق الألواح ولما رآهم ألقى الألواح

فلما ألقاها وحصل ما حصل من حوار بينه و بين هارون وبينه وبين السامري هدأت نفس موسى عليه السلام وأخذ الألواح  { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

 ثم ماذا صنع موسى عليه السلام ؟

اختار سبعين رجلا من قومه لكي يذهبوا ويعتذروا إلى الله عز وجل مما صنعه قومه  { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } ارتجفت بهم الأرض فقال { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ َ }  أي من قبل أن نأتي { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِين }  إلى أخر تلك الدعوات التي دعا بها موسى عليه السلام

هذا ملخص ما حصل من عبادة قوم موسى للعجل ومن أراد أن يتوسع فيها فليتمعن ما ذكره الله تعالى في هذه القصة في سورة الأعراف .

 

نسأل الله تعالى أن ينفعنا بهذا القرآن العظيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم