قرأنا في هذه الليلة قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } الله سبحانه وتعالى نادى الخلق
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }
إذاً أحق من يُتقى هو من ؟
هو الله الرب الذي خلقك من العدم ، الذي رزقك ، الذي أوجدك ، فالذي رزقك هذه النعم هو الذي يُتقى
ولذا قال تعالى في أول سورة النساء { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ } {النساء:1}
ولذا يقول بعض السلف : لا يمكن للعبد أن ينفك عن التقوى ، فالإنسان إن لم يتق الله أتقى غيره فإذا لم يتق غضب الله اتقى سخط المخلوق ، فلا يمكن للإنسان أن ينفك من التقوى فإن لم يتق الله سبحانه وتعالى اتقى المخلوق
ما هي التقوى ؟
لأن التقوى لها ثمار ، التقوى : هي أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه وقال بعض العلماء إن التقوى هي : الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا باليسير والاستعداد ليوم الرحيل
وقال بعض العلماء هي : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تدع معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله
وقال بعض العلماء : إن التقوى هي ترك الذنوب كليةً
كما قال الشاعر :
خلّ الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك هو التقى
واعمل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وكل هذه التعاريف تنصب تحت التعريف الأول المشهور، وهي : أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه
والتقوى لها ثمار كما أسلفنا وثمارها كثيرة ، لكن من بين ثمارها أن التقوى تقيك من زلزلة الساعة
ولذلك لما قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }
ماذا قال بعدها ؟
{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
ونادى الله سبحانه وتعالى البشر ووصفهم هنا بأنهم ” ناس ” لأن الناس مشتقة كما قال بعض العلماء إما من النسيان ، لأن ابن آدم كثير النسيان فيُذكّر ، وإما أن الناس مشتقة من الحركة بمعنى أن ابن آدم لا يمكن أن يكون منفصلا عن الحركة ، أي متحرك بطبعه ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأحاديث التي تدل على أن ابن آدم متحرك بطبعه “
ما هو هذا الحديث ؟
قال صلى الله عليه وسلم (( أصدق الأسماء حارث وهمام ))
ما مَكمَن صدقها ؟
أن ابن أدم لابد أن يهم شيئا في قلبه ، ولابد أن يتحرك ، ويحرث ويعمل إما خيرا وإما شرا ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
متى هذه الزلزلة ؟
لا شك أن الأرض كلها تُزلزل كما قال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا } أي تحركت تحركا شديدا على مقدار عظمتها وكبرها ، قد تُزلزل الأرض في هذه الدنيا بعض الشيء
ولكن يوم القيامة تُعطى الأرض حقها من الزلزلة كما قال تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا }
{ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا } إلى غير ذلك مما ذكره سبحانه وتعالى من زلزلة الأرض
لكن متى هذه الزلزلة ؟
أهي يوم القيامة أم قبل يوم القيامة ؟ قولان لأهل العلم ، منهم من قال إن هذه الزلزلة في يوم القيامة ، ومنهم من قال إن هذه الزلزلة تكون مع قيام الساعة ، وهذا هو الأقرب لِمَ ؟ لأن سبحانه وتعالى ذكر الحامل والمرضع والحمل والرضاع لا يكونان في يوم القيامة
وإنما يكونان في الدنيا ، فيكون مع قرب قيام الساعة تحصل زلزلة ، وصفها الله تعالى بأنها
{ شَيْءٌ عَظِيمٌ } وذكر من عظمتها { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ } أي تغفل وتتلهى { كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } بمعنى أن الأم التي ترضع طفلها تذهل عنه من شدة هذا الموقف { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى }
من هول هذه الزلزلة ترى الناس وكأنهم شربوا خمرا فذهبت عقولهم وتبعثرت أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم كأنهم شربوا الخمر ولم يشربوا خمرا { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } في الصورة { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } ما شربوا خمرا
ما العلة ؟
{ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ }
إذاً ما الذي ينجيك من عذاب الله ؟ ما الذي يقيك من هذه الزلزلة ؟ ما ذكره الله سبحانه وتعالى في صدر هذه السورة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }
نسأل الله تعالى أن ينجينا وإياكم من أهوال الساعة ، هذا والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم