تفسير قوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم …. ) سورة الحج ( 1 ـ 2 )

تفسير قوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم …. ) سورة الحج ( 1 ـ 2 )

مشاهدات: 529

تفسير قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد  :

قرأنا في هذه الليلة قوله تعالى  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } الله سبحانه وتعالى نادى الخلق

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }

 إذاً أحق من يُتقى  هو من ؟

هو الله الرب الذي خلقك من العدم ، الذي رزقك ، الذي أوجدك ، فالذي رزقك هذه النعم هو الذي يُتقى

ولذا قال تعالى في أول سورة النساء { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ } {النساء:1}

ولذا يقول بعض السلف : لا يمكن للعبد أن ينفك عن التقوى ، فالإنسان إن لم يتق الله أتقى غيره  فإذا لم يتق غضب الله اتقى سخط المخلوق ، فلا يمكن للإنسان أن ينفك من التقوى  فإن لم يتق الله سبحانه وتعالى اتقى المخلوق

 ما هي التقوى ؟

لأن التقوى لها ثمار ، التقوى : هي أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب  نواهيه    وقال بعض العلماء إن التقوى هي :  الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا باليسير والاستعداد ليوم الرحيل

 وقال بعض العلماء هي  :  أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تدع معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله

وقال بعض العلماء : إن التقوى هي ترك الذنوب كليةً

كما قال الشاعر :

خلّ الذنوب صغيرها و  كبيرها               ذاك هو التقى

واعمل كماش فوق أرض الشوك               يحذر  ما يرى

لا تحقرن صغيرة                        إن الجبال من الحصى

وكل هذه التعاريف تنصب تحت التعريف الأول المشهور، وهي : أن تتخذ من عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه

والتقوى لها ثمار كما أسلفنا وثمارها كثيرة ، لكن من بين ثمارها أن التقوى تقيك من زلزلة الساعة

ولذلك لما قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }

ماذا قال بعدها ؟

{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }

ونادى الله سبحانه وتعالى البشر ووصفهم هنا بأنهم ” ناس ” لأن الناس مشتقة كما قال بعض العلماء إما من النسيان ، لأن ابن آدم كثير النسيان فيُذكّر ، وإما أن الناس مشتقة من الحركة بمعنى أن ابن آدم لا يمكن أن يكون منفصلا عن الحركة ، أي متحرك بطبعه ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله  : ” إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأحاديث التي تدل على أن ابن آدم متحرك بطبعه  “

 ما هو هذا الحديث ؟

قال صلى الله عليه وسلم ((  أصدق الأسماء حارث وهمام   ))

ما مَكمَن صدقها  ؟

أن ابن أدم لابد أن يهم شيئا في قلبه ، ولابد أن يتحرك ، ويحرث ويعمل إما خيرا وإما شرا ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }

متى هذه الزلزلة ؟

لا شك أن الأرض كلها تُزلزل كما قال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا } أي تحركت تحركا شديدا على مقدار عظمتها وكبرها ، قد تُزلزل الأرض في هذه الدنيا بعض الشيء

ولكن يوم القيامة تُعطى الأرض حقها من الزلزلة كما قال تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا }

{ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا } إلى غير ذلك مما ذكره سبحانه وتعالى من زلزلة الأرض

لكن متى هذه الزلزلة ؟

أهي يوم القيامة أم قبل يوم القيامة ؟ قولان لأهل العلم  ، منهم من قال إن هذه الزلزلة في يوم القيامة ، ومنهم من قال إن هذه الزلزلة تكون مع قيام الساعة ، وهذا هو الأقرب لِمَ ؟ لأن سبحانه وتعالى ذكر الحامل والمرضع والحمل والرضاع لا يكونان في يوم القيامة

وإنما يكونان في الدنيا ، فيكون مع قرب قيام الساعة تحصل زلزلة ، وصفها الله تعالى بأنها

{ شَيْءٌ عَظِيمٌ } وذكر من عظمتها {  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ } أي تغفل وتتلهى  { كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } بمعنى أن الأم التي ترضع طفلها تذهل عنه من شدة هذا الموقف { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى }

من هول هذه الزلزلة ترى الناس وكأنهم شربوا خمرا فذهبت عقولهم وتبعثرت أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم  كأنهم شربوا الخمر  ولم يشربوا خمرا  { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } في الصورة {  وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } ما شربوا خمرا

ما العلة ؟

{ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ }

إذاً ما الذي ينجيك من عذاب الله  ؟ ما الذي يقيك من هذه الزلزلة  ؟  ما ذكره الله سبحانه وتعالى في صدر هذه السورة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ }

نسأل الله تعالى أن ينجينا وإياكم من أهوال الساعة  ، هذا والله أعلم

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم