تقريب التدمرية ـ الدرس الأول

تقريب التدمرية ـ الدرس الأول

مشاهدات: 578

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

تقريب تقريب التدمرية لابن عثيمين رحمه الله على رسالة التدمرية

 لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله

 ( 1 )

 

التدمرية هي تحقيق الإثبات في الأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع وهي أجوبة أجاب بها الشيخ أهل تدمر وموقعها في سوريا

من الفوائد :

السؤال كان عن التوحيد والصفات وعن القدر والشرع فأجابهم إلى أن الحاجة

تدعو إلى تحقيق هذين الأصلين لكثرة اضطراب أقوال الناس فيها .

ومن الفوائد :

أن الرسالة اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأمة ما يحتاجون إليه ومن أعظم ذلك ما يعتقده العباد في معبودهم في ذاته وأسمائه وصفاته.

ومن الفوائد :

أن التوحيد الكامل هو المتضمن لركنين أساسين هما :

أولا : الإثبات / هو إثبات ما يجب لله من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

ثانيا : النفي / نفي مشاركة غير الله لله فيما هو من خصائص الله ، وهذا ما عليه الصحابة ومن جاء بعدهم من أئمة الهدى ، لكن خلف خلوف ضلوا وأضلوا إما قصورا أو تقصيرا أو عدوانا .

ومن الفوائد :

قال شيخ الإسلام رحمه الله : واعلم أن عامة البدع إنما وقعت  في الأمة في أواخر خلافة الراشدين ، ومصداقه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )

ثم قال رحمه الله : لما ذهب عصر الخلفاء الراشدين وصار مُلكاً ظهر النقص في الأمراء وفي أهل العلم والدين ، فحدث في آخر خلافة علي رضي الله عنه بدعة الخوارج والرافضة إذ هي متعلقة بالإمامة والخلافة ، وكان ملك معاوية ملكا ورحمة ، ولما جاءت إمارة ابنه يزيد جرت فيها فتن كقتل الحسين بالعراق ، وفتنة أهل الحرة بالمدينة ، ومحاصرة مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، ثم مات يزيد وتفرقت الأمة أكثر فحدثت بدعة القدرية والمرجئة ، فردها من بقي من الصحابة كما ردوا بدعة الخوارج والرافضة .

ثم قال رحمه الله :

وعامة ما كانت القدرية والمرجئة يتكلمون فيه إنما هو في أعمال العباد ، ولم يتكلموا بعد في ربهم ولا صفاته ، إلا في أواخر عصر صغار التابعين ومن حين شرع القرن الثالث ينقرِضُ أكثرهم ( لأن الاعتبار بالقرون الثلاثة لجمهور أهل القرن ) فجمهور تابع التابعين انقرضوا أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية فعربت بعض الكتب الأعجمية وخرجت بعض المدن عن ولاية العرب فحدثت ثالثة أشياء هي :

  • الرأي
  • الكلام
  • التصوف

وحدث التجهم وبإزائه التمثيل اهـ .

ومن الفوائد :

قال ابن القيم رحمه الله :  ( حدثت بدعة القدر في آخر عصر الصحابة فأنكرها من كان منهم حياً ثم حدثت بدعة الإرجاء ، فتكلم فيها كبار التابعين ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين واستطار شرها في زمان الإمام أحمد رحمه الله ثم حدثت بدعة الحلول وظهر أمرها في عصر الحسين الحلاج .

 ومن الفوائد :

الكلام في التوحيد والصفات من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات من قِبَل المُتكلِم المُقَابَل بالتصديق والتكذيب من قِبَل المخاطَب ، مثال ذلك / آية الكرسي [اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ] {البقرة:255}  ففي قوله تعالى { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } إثبات التوحيد ، وفي قوله تعالى { الحي القيوم } إثبات كمال الصفات  ، وفي قوله تعالى { لا تأخذه سنة ولا نوم } نفي النقائص المتضمنة لإثبات الكمالات .

ومن الفوائد :

الكلام في الشرع والقدر هو من باب الطلب الدائر بين الأمر والنهي من قِبَل المتكلم  ، المقابَل بالطاعة أو العصيان من قِبَل المخاطَب ،

مثال ذلك / قوله تعالى [وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا] {النساء:36}  فتضمنت هذه الآية الأمر بالعبادة والنهي عن الإشراك .

ومن الفوائد :

الواجب على العباد تجاه أخبار الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يأتي :

أولا : التصديق الذي لا تكذيب معه

ثانيا : الإيمان الذي لا كفر معه .

ثالثا : اليقين الذي لا شك معه

ومن الفوائد :

الواجب على العباد إزاء الطلب الامتثال به على الوجه المشروع .

إذاً عندنا أصلان :

الأول : في الصفات.

الثاني : في العبادات الذي هو القدر والشرع .

أما الأصل الأول فعليه من الفوائد ما يلي :

أن يوصف الله بما وصف به نفسه  وبما وصفته به رسله عليهم الصلاة والسلام ، إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل كما جمع بينهما في قوله تعالى [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11}  فهذا دليل سمعي ، وإليك دليلا عقليا : وهو أن القول في أسماء الله وصفاته من باب الخبر المحض الذي لا يمكن أن يدرك العقل تفاصيله فوجب الوقوف فيه على ما جاء به السمع.

  ومن الفوائد :

الجمع بين النفي والإثبات هو حقيقة التوحيد في باب الصفات ، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة ، فإذا قلت  ( لا شجاع إلا زيد ) أثبت له صفة الشجاعة ونفيت أن يشاركه غيره فيها فكنت موحدا له في صفة الشجاعة بخلاف ما لو قلت ( ما زيد بشجاع ) فعطلتها منه ، وبخلاف ما لو قلت ( زيد شجاع ) فقد أثبتها له ولا يمنع أن يشاركه غيره فيها .

 

 

ومن الفوائد :

الصفات الثبوت لله كلها صفات كمال ، والغالب فيها التفصيل لإظهار كمال الموصوف ، ولهذا كانت أكثر من الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه ، أما الصفات المنفية فكلها صفات نقص ، ولا تليق به كالعجز مثلا والغالب فيها الإجمال لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف وأكمل في تنزيهه ، لأن في تفصيلها من غير سبب ما يقتضي السخرية .

فلو قلت لملِك : أنت كريم شجاع ، هذا من أعظم الثناء .

ولو قلت : أنت ملك لا يساميك أحد من ملوك الدنيا لكان هذا من أعظم المدح ، لأنك أجملت النفي .

فلو فصلت فقلت : أنت ملك لست ببخيل ولا كنَّاس لعد هذا استهزاء.

ومن الفوائد :

قد يأتي الإجمال في صفاته الثبوتية : فمثال الأسماء قوله تعالى [وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى] {الأعراف:180}

ومثال  الصفات قوله تعالى [وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى] {النحل:60} أي الوصف الأعلى .

وفائدة ذلك: أن يُبين أن أسماء الله وصفاته غير محصورة كما في دعاء

( اللهم اني عبدك ابن عبدك ) الحديث إلى أن قال ( أو استأثرت به في علم الغيب عندك )

 

 

 

ومن الفوائد :

قد يأتي التفصيل في الصفات المنفية لأسباب منها :

أولا : نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون كقوله تعالى [مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ] {المؤمنون:91}

ثانيا : دفع توهم نقص في كماله كقوله تعالى في الرد على اليهود [وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ] {ق:38}

ومن الفوائد :

من الأمثلة على التفصيل في الإثبات : ما ذكر في آخر سورة الحشر قوله تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{24}

ومن أمثلة الإجمال في النفي قوله تعالى [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا]

{مريم:65} .

ومن الفوائد :

الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات ويدل لذلك دليل السمع قال الله تعالى عن نفسه [إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا] {النساء:58}  وقال تعالى عن الإنسان [ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا] {الإنسان:2} ونفى أن يكون السميع كالسميع والبصير كالبصير فقال [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] وأثبت لنفسه العلم وللإنسان علما وليس علم الإنسان كعلم الله فقال عن علمه [ وسع كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا] {طه:98} وقال عن علم الإنسان [وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}

الدليل العقلي / أن المعاني والأوصاف عقلا تتميز بحسب ما تضاف إليه ، فلو قلنا : الإنسان ليِّن ، ووصفنا الحديد المنصهر باللين لعلمنا عقلا أن اللين مختلف متفاوت .

الدليل الحسي / أننا نشاهد للفيل جسما وقوة ، وللبعوض جسما وقوة ، ونعلم الفرق بين جسميهما وقوتهما ، فإذا علمنا أن الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة ، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى ، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع  ومن الفوائد :

أن من ضل عن سبيل الرسل في الأسماء والصفات:

أولا : ممثلة غلوا في جانب الإثبات .

ثانيا : معطلة غلوا في جانب النفي .

فالممثلة / أثبتوا لله صفات تماثل المخلوقين وشبهتهم أن الله يخاطبنا في القرآن بما نفهم ونعقل ونحن لا نفهم ولا نعقل إلا ما كان مشاهدا ومذهبهم باطل بالسمع لقوله تعالى[لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ].

والدليل العقلي : ما سبق ذكره من أمثلة ، ويضاف على ذلك دليل لغوي عقلي وهو ( أن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصا ) كما لو قلت :

ألم تر أن السيف ينقص قدره     إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

والدليل الحسي / ما سبق في الفائدة السابقة في المقارنة بين الفيل والبعوضة  ,أما المعطلة فقد انقسموا إلى أربع طوائف :

الأولى : الأشاعرة  ومن ضاهاهم من الماترُيدية ، أثبتوا الأسماء وبعض الصفات وهي سبع :

مجموعة في قول القائل :

    حي عليم قدير والكلام له            إرادة كذاك السمع والبصر

وشبهتهم أن العقل دل عليها ، لأن إيجاد المخلوقات يدل على القدرة ، وتخصيص بعضها بما يختص به يدل على الإرادة ، وإحكامها يدل على العلم , والقدرة والإرادة والعلم تدل على الحياة ، والحياة الكاملة يكون صاحبها متصفا بالكلام والسمع والبصر

والرد عليهم من وجوه :

أولا : أن طريقة السلف الرجوع إلى الكتاب والسنة لا إلى العقل ،

قال الإمام أحمد رحمه الله ( نصف الله بما وصف به نفسه ولا نتعدى القرآن والحديث )

ثانيا : أن الرجوع في ذلك إلى العقل مستلزم للاختلاف والتناقض لأن العقول تتفاوت ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الحموية ( ألا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة ، فرضي الله عن الإمام مالك حيث قال : أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء )

ثالثا : يمكن إثبات ما نفيتموه بدليل عقلي ، فالإحسان في الخلق دليل على الرحمة كدلالة تخصيص الإرادة ، فإن قالوا إن إثباته يستلزم الشبيه عقلا ، قلنا إن كان إثباته يستلزم التشبه فما أثبتوه يستلزم التشبيه أيضا فحينئذ إما أن يوافقوا السلف في إثبات الجميع أو تقولوا بالنفي للجميع فتوافقوا المعتزلة وإلا وقعتم في التناقض .

الثانية :  المعتزلة /

وطريقتهم إثبات الأسماء بجعلها أعلاما محضة ، ومنهم من يقول: إنها مترادفة فالعليم والسميع والبصير ونحوه شيء واحد ، ومنهم من يقول إنها متباينة ، فيكون عليما بلا علم وسميعا بلا سمع, وهم ينفون الصفات وشبهتهم في نفي الصفات:

أن إثباتها يستلزم التشبيه ، لأنه لا يوجد شيء متصف بالصفات إلا جسم والأجسام متماثلة .

والرد عليهم من وجوه:

أولا : أن التفريق هنا تناقض لأن إثبات الصفات إن كان يستلزم التشبيه فكذلك إثباتكم الأسماء, وإن كان إثبات الأسماء لا يستلزم فكذلك إثبات الصفات ، فإما أن توافقوا السلف في إثبات الجميع أو تنفوا الجميع فتوافق الجهمية الباطنية .

ثانيا : أن الله عز وجل وصف أسماءه بأنها حسنى ، وأمرنا بأن ندعوه بها وهذا يقتضي أنها دالة على معاني عظيمة وليست أعلاما محضة

ثالثا :  من لا يتصف بصفات الكمال لا يصلح أن يكون إلها ، ولهذا عاب إبراهيم أباه باتخاذه ما لا يسمع ولا يبصر إلها .

رابعا : لا يمكن وجود ذات مجردة عن الصفات.

خامسا : لو كانت الأسماء مترادفة  ترادفاً محضاً لكان ذكرها كما في قوله تعالى [َ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ] {الحشر:23}  لغوا من القول .

سادسا : الرد على من قال عليم بلا علم: إن هذا قول باطل مخالف لمقتضى جميع اللغات فلا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له .

سابعا : أن هناك أشياء يصح أن توصف وليست جسما ، كقولك ( ليل طويل )  على أن إضافة لفظ الجسم إلى الله إثباتا أو نفيا من الطرق البدعية ، وقولكم الأجسام متماثلة باطل فتفاوت الأجسام ظاهر.

الثالثة : غلاة الجهمية والقرامطة والباطنية /

طريقتهم: إنكار الأسماء والصفات فلا يصفون الله إلا بالنفي المجرد عن الإثبات ، فيقولون هو الموجود المطلق يعني مطلق عن أي صفة ثبوتية ، فلا يقال هو موجود ولا حي ولا عليم إنما هذه أسماء لمخلوقاته أو مجاز لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه ويقولون: إن الصفة عين الموصوف فكل صفة عين الصفة الأخرى فلا فرق بين العلم والقدرة مثلا .

وشبهتهم : أن إثبات الأسماء والصفات يستلزم التشبيه والتعدد .

الرد عليهم : أن الله جميع بين النفي والإثبات كما سبق فمن أقر بالنفي وأنكر الإثبات فقد آمن ببعض الكتاب دون بعض.

ومن الردود : أن قولكم إنه الموجود المطلق قول لا وجود له في الحقيقة إنما هذا أمر يفرضه الذهن ، وهذا غاية التعطيل والكفر ومن الردود : أن قولكم  إن الصفة عين الموصوف وكل صفة عين للصفة الأخرى ، مكابرة في العقل فمن المعلوم أن العلم غير العالم والقدرة غير القادر كما أن العلم والقدرة صفات متغايرة

 ومن الردود : أن الإثبات أمر وجودي يقتضي تنوع الكمال ، وأما النفي فأمر عدمي لا يقتضي كمالا إلا إذا تضمن إثباتا وأنتم لا تقولوا بنفي يقتضي الإثبات.

ومن الردود : أنه لا يلزم من تعدد الصفات تعدد الموصوف،  فهذا الإنسان الواحد يوصف بأنه حي سميع عاقل ولا يلزم من ذلك تعدد ذاته.

ومن الردود : أن قولكم ( إن الإثبات يستلزم تشبيهه بالموجودات ) نقول إن قولكم يستلزم تشبيهه بالمعدومات ، وهذا أقبح من تشبيهه بالموجودات ، فإما أن تثبتوا فتوافقوا أهل السنة والجماعة ، وأما أن تنكروا النفي كما أنكرتم الإثبات فتوافقوا غلاة الغلاة من الفلاسفة والقرامطة والباطنية وغيرهم وإلا التفريق بين هذا وهذا تناقض.

 

 

 

 

الرابعة : غلاة الغلاة من الفلاسفة والجهمية والقرامطة والباطنية وغيرهم :

طريقتهم أنكروا في حق الله الإثبات والنفي فنفوا عنه الوجود والعدم ، فقالوا لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ونحو ذلك ، وشبهتهم : أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات ، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات.

والرد عليهم : أن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات .

ومن الردود : قد علم بضرورة العقل والحس أن الموجود المخلوق لا يمكن أن يحدث نفسه بنفسه لقوله تعالى [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ] {الطُّور:35} فتعين أن يكون لها خالق واجب الوجود ، وهو الله تعالى ، ففي الوجود إذاً موجودان : أحدهما / واجب الوجود  .

الثاني / محدث ممكن الوجود موجود بغيره ، ولا يلزم من أن يتفقا في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه.

ومن الردود : أن إنكاركم للإثبات والنفي ممتنع أن يكون الشيء لا موجود ولا معدوم في الحقيقة إلا أمر يقدره الذهن وهذا كفر صريح ، فإن قالوا إن نفي النقيضين ممتنع عما كان قابلا لهما ، أما ما كان غير قابل لهما كالجماد فيمكن نفيهما عنه ، فيقال ليس بسميع ولا أصم .

والرد عليهم : أن هذا مردود لأن الله جعل الجماد حيا كما جعل الله عصا موسى حية ، وأخبر أن الأرض تحدث أخبارها ، وهذا يستلزم سمعها لما قيل وفعل عليها.

ومن الردود : أنكم شبهتم الله بالجماد الذي لا يقبل أن يتصف بذلك.

ومن الفوائد :

وقعت كل طائفة في محاذير خمسة وهي:

أولا : مخالفة طريق السلف .

ثانيا : تعطيل النصوص .

ثالثا : تحريفها .

رابعا : تعطيل الله عن صفات الكمال.

خامسا : تناقض طريقتهم .

 

فصل

يتضمن أصلين ومثلين وخاتمة

 

الأصل الأول :

القول في بعض الصفات كالقول في بعض وفي هذا رد على الأشاعرة ونحوهم .

الأصل الثاني : القول في الصفات كالقول في الذات ، وهذا رد على الجهمية والمعتزلة ونحوهم .

قول الإمام مالك رحمه الله :  ( الاستواء معلوم )  أي معلوم المعنى من حيث اللغة فنزل بها القرآن .

( الكيف مجهول ) لأن الله لم يخبرنا عن كيفية استوائه, ولأن العلم بكيفيه الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف ، وهو ذات الله ولأن الشيء لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه .

( الإيمان به واجب ) لأن الله أخبر به عن نفسه .

( السؤال عنه بدعة ) يعني كيفية الاستواء لأن الصحابة لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن السؤال عنه تنطع

أما المثلان :

المثل الأول :

نعيم الجنة / قد أخبرنا الشرع أن فيها طعاما وشرابا ، وهذا موافق لما في الدنيا من حيث المعنى لأن القرآن نزل بلغة العرب ، ولكنه مخالف له في الحقيقة لقوله تعالى [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ] {السجدة:17}  فإذا أظهر التباين بين المخلوقات كان بينها وبين الخالق أظهر وأولى .

فائدة : انقسم الناس في مقام الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر إلى ثلاث فرق وهي:

الأولى : السلف / فآمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر .

الثانية : أهل الكلام / آمنوا بما أخبر به عن اليوم الآخر ولم يؤمنوا بما أخبر به عن نفسه.

الثالثة : القرامطة والباطنية والفلاسفة لا يؤمنون بشيء من ذلك ، وهم أهل التخييل فيتخيلون ذلك ، وكذا تخيلوا في المأمورات والمنهيات فقالوا المراد بالصلاة : معرفة أسرارهم وبالحج السفر إلى شيوخهم .

المثال الثاني :

الروح التي بها الحياة .

فالفلاسفة عطلوها بقولهم لا هي داخل البدن ولا خارجه ولا تصعد ولا تهبط ,وطريق المتكلمين فيها تمثيل فجعلوها البدن أو صفة من صفات البدن , وقد جاء الوحي بوصفها بأوصاف من أنها تُقبض وتصعد ولا يُنْكَر وجودها حقيقة .

فإذا كانت العقول قاصرة عن كنهها وحقيقتها كما قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85

كان عجز أهل العقول عن أن يحدوا الله أو يكيفوه أبين من عجزهم عن حد الروح وتكيفها .

الخاتمة : تشتمل على قواعد منها :

أن الله موصوف بالنفي والإثبات كما سبق في قوله تعالى [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11}  وكل ما أثبته لنفسه فهو صفات كمال سواء كانت صفات ذاتية أو فعلية وإن كان أصل هذه الصفات الفعلية أزليا أبديا فهو لم يزل ولا يزال فعالا لما يريد .

ومن القواعد :

وجوب الإيمان بما أخبر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم سواء عرف معناه أو لم يعرف لأن خبره أصدق الأخبار وهو أعلم بنفسه من غيره وكلامه أفصح الكلام وهو يريد لعباده الهداية لا الضلال ، والنبي صلى الله عليه  وسلم أعلم الناس بربه وخبره أصدق الأخبار وكلامه أفصح الكلام وهو أنصح الخلق للخلق وهذه هي مقومات قبول الخبر ولهذا لو صدر الخبر عن كاذب أو جاهل أو عي اللسان أو سيئ القصد لم يكن مقبولا أما ما لم يرد في الكتاب ولا السنة ولا عن سلف الأمة فنقول : لفظه لا نثبته ولا ننفيه أما من حيث المعنى فإن أريد به حقاً قُبِل وإلا رد ، كقولهم إن الله في جهة أو أنه متحيز أو في حيز ونحو ذلك ، وليعلم أنه ليس في كلام الله أو رسوله شيء لا يعرف معناه جميع الأمة بل لابد أن يكون معروفا لجميع الأمة أو بعضها

ومن القواعد :

الواجب في النصوص إجراؤها على ظاهرها بدون تحريف ، وإن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق وفي نصوص الصفات من باب أولى في الوجوب لأنه لا مجال للعقول في تفاصيلها.

توهم بعض الناس في نصوص الصفات أنها تماثل صفات المخلوقين ثم يريد أن ينفيها فيقع في أربعة محاذير وهي:

أولا : أنه فهم فهما خاطئا  .

ثانيا : على النصوص.

ثالثا : تكلم فيها بغير علم   .

رابعا : أنه إذا نفى عنه صفات الكمال لزم اتصاف بصفات النقص ولأنه لا يمكن وجود ذات مجردة عن الصفات .

ومن القواعد :

أن ما أخبر الله به عن نفسه معلوم لنا من جهة المعنى و مجهول لنا من جهة الكيفية فأما الأول فيدل عليه أن الله أمرنا بتدبر القرآن لنعمل به ولا يمكن العمل به بدون فهم معانيه وأما الثاني / أن الله لم يخبرنا عن كيفيتها بل قال [وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا] {طه:110} .