بسم الله الرحمن الرحيم
تقريب شرح السنة لعامة الأمة
صحيح البخاري ـ كتاب الإيمان
من حديث (13) حتى حديث (17)
فضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
1446/4/3هــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) بابٌ: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
13- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” ).
ثم ذكر المصنف رحمه الله: ( بابٌ: من الإيمان)
إذًا السابق من الشعب إطعام الطعام وإقراء السلام.
ثم ذكر رحمه الله: (بابُ: مِنَ الإِيمَانِ أنْ يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
إذًا هذه شعبة وأي شعبة!
قال: (حَدَّثَنَا) هو ذكر حديث أنس. قال:(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) وهو مُسدد بن مُسرهد ومُسدد لقب له، واسمه عبد الملك البصري.
(قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيد القطان الثقة الجبل، كان يحب مسدد ويثق فيه ثقة كبيرة، يقول: لو تركت كتبي عنده ما ضرني بشيء.
(عَنْ شُعْبَةَ) فهو شعبة بن الحجاج البصري سبق أن مر معنا.
(عَنْ قَتَادَةَ) قتادة السدودسي أيضًا البصري، ومسدد بصري
(عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أنس مدني بصري.
إذًا الحديث إسنادُ رجالِه بصريون.
(عن النبي ﷺ وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ) وهو البصري.
(قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) يعني تابَع شعبة في روايته عن قتادة من؟
حسين المعلم.
(عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” ) لماذا ذكر هذين الإسنادين؟
قتادة مدلس وعنعن هنا، لكن أراد بذلك لما ذكر رواية شعبة عن قتادة من أنه قد سلِم الإسناد من التدليس باعتبار أن شعبة لا يروي عن قتادة إلا ما تأكد من سماعه للحديث عن الراوي.
(عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يُؤْمِنُ) لاَ نافية نفى الإيمان هنا، لكن النفي هنا نفيٌّ لكمالِ الإيمان، لا لأصل الإيمان، كما هو معتقد الخوارج.
فقال هنا: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ) أي الإيمان الكامل.
(حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) -طبعا مقتضى الإخوة إخوة الدين، فيخرج بذلك الكافر- ولذا في رواية التنصيص على ذلك:
“لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ ” ولم يذكر هنا المُتعَلَّق، وفي رواية “مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ” فيكونُ هذا الحديث حاثًّا المسلم على طريقة يَكمُل بها إيمانُه ويزداد، ويقتضي هذا أن من امتثل هذا الحديث، فإن قلبه يكون نقيًا صافيًا خاليًا من شوائب القلوب من حسدٍ وحقد ونحو ذلك.
ولما قال: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) يقتضي أنه يكره لأخيه المسلم ما يكرهه لنفسه، ولو امتثل المسلمون هذا الحديث لما كان بينهم شحناء، ولا بغضاء، ولعاش المسلم على أحسن ما يكون في حياته من راحة في صحته، وفي دنياه، ومن أجرٍ وخير في أخْراه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِيمَانِ.
14- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ).
ثم ذكر المصنف رحمه الله بابًا فقال:
(بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِيمَانِ)
لما ذكر في الباب السابق ما يتعلق بحب المسلم لأخيه المسلم ناسب أن يذكر هنا أعظم المسلمين، وهو النبي عليه الصلاة والسلام، ومحبة جميع الرسل عليهم السلام من الإيمان، لكن هنا في الحديث اختُصَّ عليه الصلاة والسلام بذلك، فذكر البخاري رحمه الله حديثَ أبي هريرة.
(قال: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) وهو الحكم بن نافع.
(قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) وهو ابن أبي حمزة حِمْصِي، وأيضًا أبو اليمان حِمْصِي.
(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) وهو عبد الله بن ذكوان القرشي.
(عَنِ الأَعْرَجِ) وهو مشهور بهذا اللفظ، أو بهذا الوصف وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ)
قال: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أقسم عليه الصلاة والسلام من غير أن يُستقسم؛ يعني من غير أن يُطلب منه القسَم، وهذا جائز أن يحلف المسلم ولو لم يُستحلف لغرض من الأغراض من بينها التأكيد.
(فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) وفي هذا إثبات صفة اليد لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته، وفي هذه الجملة وأشباهِها أن الإنسان لا يمكن أن يخرج من قدر الله عز وجل ولو للحظة، ففي هذه الجملة تفويضُ الأمر إلى الله عز وجل فيما يتعلق بنفس الإنسان في حياته، وأيضًا عند موته، وبعد بعثه.
أقسم عليه الصلاة والسلام على ماذا؟
(لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ) لم يقل عليه الصلاة والسلام: فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبني، لأن أصل محبة النبي عليه الصلاة والسلام فرض، ومن خلا قلبه من محبة النبي عليه الصلاة والسلام، فهو الخروج من الدين الكفر
لكن هنا لا يكون الإنسان مؤمنًا كامل الإيمان حتى تكونَ محبةُ النبي عليه الصلاة والسلام أحب إليه من محبة محبوبه من ولدٍ ووالدٍ وأهلٍ ومالٍ، ومن نفسه، ولذلك لما قال عمر رضي الله عنه:
“لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ “. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الْآنَ يَا عُمَرُ ” يعني كمُلَ إيمانُك يا عمر.
(حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ) قدم الوالد هنا على الولد وذلك لمقتضى الأبوة، وفي رواية قدم الولد على الوالد؛ باعتبار الشفقة والرحمة للولد.
فإذًا لما ذكر الولد والوالد، وأيضًا ليُعلم أن هناك رواية: ” أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ” فلما ذُكِر الولد والوالد والأهل والمال، دل هذا على أن الإنسان يجبُ عليه أن يحب النبي ﷺ أعظم من محبته لكل من يشفقُ عليه، ولكل من يحترمه، ولكل ما هو مرغوبٌ لنفسه من زوجة ومالٍ وصنوف الدنيا؛ لأنه ما ذكر هذه الأشياء إلا لأنها تتضمن كل هذه الأشياء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
ثم ذكر المصنف رحمه الله حديث أنس
(حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) طبعا هو حافظ رحمه الله من الحفاظ بغدادي فارسي.
(قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ) اسمه إسماعيل بن إبراهيم البصري وهو كوفي من حيث الأصل.
(عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) البصري. (عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
ثم قال: (ح) وهذا تحويل للسند، وهو بالنسبة إلى ما عند البخاري قليل مقارنةً بمسلم، فإذا يسر الله عز وجل إكمالَ هذا الصحيح، وشرعنا في مسلم وجدنا أن كلمة (ح) هذه تكرر كثيرًا عن مسلم.
قال: يعني البخاري (وحَدَّثَنَا آدَمُ) وهو آدم بن إياس البغدادي.
(قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) شعبة بن الحجاج مر معنا البصري من الثقات الحفاظ كان حريصًا على الرواية.
(عَنْ قَتَادَةَ) ابن دعامة السدوسي البصري.
(عَنْ أَنَسٍ) رضي الله عنه لماذا ذكر البخاري هذا السند مرة أخرى؟
طبعا من باب التأكيد على تقوية الحديث من حيث الأصل هذا أمر.
الأمر الآخر: أن رواية شعبة عن قتادة، قتادة مدلس إذا عنعن، وهو عنعن عن أنس رضي الله عنه، ولا تقبل رواية المعنعن إلا إذا صرح بالسماع إذا قال: سمعت، وهنا لم يقل قتادة سمعت أنسًا، لكن شعبة من شدته على الرواية لا يقبل رواية حديث عن قتادة إلا وقد علم أنه سمعه.
(قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ) ليُعلم أن البخاري لا يعيد حديثًا، هذا نفس الحديث السابق، لكنه لا يعيد حديثًا إلا لفائدة، إما لزيادة في متْنِه، وإما لتغير سنده يعني رواه من طريق آخر.
قال هنا: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ) هذه موجودة في الحديث السابق.
هنا الزيادة (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذا يشمل العمات والأعمام والأخوال والخالات والزوجات، حتى إنه على قول يشمل نفس الإنسان، لأن الإنسان من الناس، فدل هذا على أن العبدَ لا يكونُ كاملَ الإيمان حتى يقدم محبةَ رسول الله ﷺ على كل شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) بَابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ
16- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ).
ثم ذكر المصنف رحمه الله فقال: (بَابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ)
هو لما ذكر رحمه الله شيئًا من الشعب، من شعب الإيمان التي بها يكمل الإيمان ويزداد؛
ما ثمرة زيادة الإيمان وكماله؟
الحلاوة، والحلاوة تقتضي اللذة والأنس والسعادة، فذكر حديث أنس رضي الله عنه.
(قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) البصري.
(قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) ابن أبي تميمة السَّخْتِياني بفتح السين على الأشهر، حكي ضمها، وحكي كسرها، لكن الأشهر بفتح السين وهو بصري.
(عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ) وهو عبد الله بن زيد البصري.
(عَنْ أَنَسِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ) الوجود يدل على التحصيل أي: حَصَلَ على حلاوة الإيمان
(وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ) الحلاوة نوعان، حلاوة دينية، وحلاوة دنيوية؛ لكن شتان ما بينهما، لأن الحلاوة الدنيوية تزول، لكن الحلاوة الدينية تبقى، ويبقى أثرُها على قلب الإنسان، وسعادته في الدنيا مع السعادة الكبرى في الآخرة
ما هي هذه الثلاث؟
(أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) الحديث السابق بيان لمحبة النبي عليه الصلاة والسلام، وهنا جمع بين محبته ومحبة الله، لأن من مقتضى محبة الله أن يُحَبَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن مقتضى محبة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُحَبَّ الله
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]
والذي يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام دل على أنه يحبه.
(أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) على وجه العموم مما سواهما، وهذه تدل على الحصر(مِمَّا سِوَاهُمَا)
النبي عليه الصلاة والسلام لما مر -ولعله أن يأتي معنا إن شاء الله تعالى- مرَّ وخطيب يخطب فقال: “مَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فقَدْ رَشَدَ، وَمَن يَعْصِهِمَا فقَدْ غَوَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: بئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ!” لأنه أضمر، لكن هنا أضمر أحب إليه مما سواهما، لم يقل أحب إليه من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام
ففرق بين الخُطَب التي يُراد منها التوضيح والإسهاب، وبين ما يراد منه حصر المعلومة وحفظها، بدليل أنه قال: (ثَلَاثٌ) من أجل أن تُحفظ كحديث “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ” من أجل أن يُحرص على حفظها، وأن يستوعبها الذهن وتبقى معه.
(وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) هذه من مكملات محبة الله ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام.
ما يحب أحدًا لأي غرض حتى يكمل إيمانه، أن يحب هذا الشخص في الله ومن أجل الله، لأنه على خير واستقامة، لا أن يحبه لمصلحة شخصية أو دنيوية.
هذه الثالثة: (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) في رواية “بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ” هذا يدل على ماذا؟
يدل على أن من كان على الإسلام، وعلى الخير فقد أنعم الله عليه بنعمة عظيمة إذ خلَّصَهُ من هذا الكفر، لأن الإنسان من حيث الأصل في هلاك.
ولذلك قال: “بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ” ولذلك قال عز وجل: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
فالمطيع أطاع الله بتوفيق من الله، ثُبِّتَ على الدين وعلى الحق والاستقامة، فبتوفيق من الله، لا بحوْلِه ولا بقوَّتِه.
ومما يدل على عظم إيمانه أنه جعل رجوعَه إلى الكفر من حيث الألم والكره؛ كألمه وكرهه أن يلقى في النار، وما يكون هذا إلا من زيادة إيمانه، وفي هذا بيان أن الكفر هلاك، لأنه شبهه بالوقوع في النار، والوقوع في النار هلاك.
قال: (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ) العود في الأصل هو الرجوع؛ فهل كان كافرًا حتى يكره أن يرجع مرة أخرى؟
يتضمن: 1- من كان كافرًا ودخل في الإسلام.
2- الثاني (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ) هذا يدخل فيه من هو كافر فأنقذه الله بالإسلام، وأيضًا يدخل فيه المسلم الذي لم يسبق أن يكفر لأن العود هنا يكون بمعنى الصيرورة.
(وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ) أي: أن يصير.
(فِي الكُفْرِ) ولذلك ماذا قال عز وجل؟
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ} [يس:39] أي صار {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}[يس:39] كعِذْق النخلة إذا تقوس، ولذلك اختلف في حديث “لا تَقومُ الساعةُ حتى تَعودَ أرضُ العربِ مُروجًا وأنهارًا” هل تعود هنا ترجع بمعنى أنها كانت في الأصل من حيث القدم كانت ذات خضرة وذات أنهار؟
أم أن العودة في الحديث الصيرورة أن تصير؟
{وَما يَكونُ لَنا أَن نَعودَ فيها }[الأعراف: 89] قول شعيب، العود هنا مختلف فيه، لكن الجمهور على أنه الصيرورة، لأن شعيبًا لم يكن، مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله له كلام حول هذا، ويقول: ما يلزم من هذا ذم له فالعبرة بكمال النهاية لا بنقصان البداية؛ بدليل يقول من أن شعيب حاور قومه يقول: من خلال السياق يدل على أن قوله: أن نعود فيها أي: أن نرجع فيها.
(وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ) والكفر هنا محلى بالألف واللام: أي نوع من أنواع الكفر.
(كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) سبحان الله يعني جعل الرجوع أو الوقوع في الكفر بمنزلة القذف في النار ما وصل إلى هذه المرحلة إلا لأنه وجد حلاوة الإيمان المصدرة في أول الحديث “ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ” فلما وجد حلاوة الإيمان شبه الكفر بما فيه من ألم كألم القذف في النار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) بَابٌ: عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ
17- حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ).
ثم ذكر المصنف رحمه الله بابا فقال:
(بَابٌ: عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ) عجيب البخاري رحمه الله، الحديث السابق من بين جُمَلِهِ ” وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ” من أعظم الناس الذين يُحَبَّون في الله، ومن أجل الله من نصر رسول الله ﷺ لماذا أحببنا الأنصار؟
أحببناهم لمقتضى “وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ” أحببناهم في الله، لأنهم ناصروا رسول الله عليه الصلاة والسلام.
إذًا المحبة لهؤلاء لا لأي غرض، فقط لأنهم نصروا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على عناية رسول الله ﷺ بهؤلاء رضي الله عنهم، فهو لما ذكر الشعب، وذكر محبة المسلم “حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
ثم ذكر محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر الحلاوة، ذكر هنا علامة للإيمان.
(حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) وهو هشام بن عبد الملك البصري.
(قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) شعبة بن الحجاج البصري.
(قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ) المدني.
(قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ).
(قال: آيَةُ) آية يعني علامة.
(آيَةُ الإِيمَانِ) سبحان الله كأنه حصر الإيمان، وليس محصورًا.
لكن قال: (آيَةُ الإِيمَانِ) يعني كمال الإيمان.
(حُبُّ الأَنْصَارِ) ضد الإيمان النفاق.
ولذلك قال: (وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ) طبعا الأنصار هم الأوس والخزرج يُعرَفون ببني قَيْلَة وهي الأم التي جمعت بين القبلتين، والذي سماهم بالأنصار الرسول عليه الصلاة والسلام، وصار علمًا عليهم، ولذلك ظفروا بهذا الوصف، فأصبح علمًا دون غيرهم من القبائل.
فقال: (وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ) الذي يبغضهم منافق من أجل ما أبغضهم إلا لأنهم نصروا رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي لا يحب نُصرةَ الرسول عليه الصلاة والسلام هم أهل النفاق.
ثم قال: (وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ) تحذيرًا لأنهم نالوا خيرًا، والذي ينال الخير قد لا يسلم من الحسد، فيبغضهم حسدًا! فليحذر كل الحذر.
وهذا هو اللفظ الصحيح ” آيَةُ الإِيمَانِ ” ضُبِطَت (إنه الإيمان حب الأنصار) لكن هذا تصحيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ