الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
نواصل ما توقفنا عنده من ألفية بن مالك رحمه الله .
قال رحمه الله :
22ـ وَمِنْهُ ذُو فُتْحٍ وَذُو كَسْرٍ وَضَمّ *** كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسـَّاكِنُ كَمْ
الشرح :
لما ذكر رحمه الله أن أقسام الكلام ثلاثة [ الاسم ، والفعل ، والحرف ] بين أن الأصل في الأسماء هو الإعراب ، وقد تكون هناك أسماء مبنية ، لكن الأصل في الأسماء الإعراب ، قال رحمه الله :
ثم لما ذكر الأفعال ، بين أن الأصل في الفعل الماضي والأمر البناء ، بل إن الأمر والماضي مبنيان ، والأصل في المضارع الإعراب ،
كما قال رحمه الله :
من نون توكيد مباشر ومن *** نون إناث كيرعن من فتن
إذاً / لما ذكر القسم الأول وهو الاسم ، ثم ثنى بذكر الفعل ، ثلث بذكر الحرف ، الذي هو النوع الثالث من أنواع الكلام .
هو رحمه الله لما ذكر الاسم وأن منه المبني ، ماذا قال فيه ؟
لم ؟
إذاً / ما بني الاسم إلا لأنه شبيه بالحرف ، لأن حكم الحرف هو البناء ، فأي حرف أمامك ، وأي حرف يمر بك فهو مبني ، ولذا قال :
ثم قال :
لم يخصص الحرف هنا ، وإنما عمم أي مبني ، لأن هناك مبنيات في الأسماء ، ومبنيات في الأفعال ، الحروف مبنية ، إذاً / الأصل في المبني أن تكون علامته ( السكون ) لم السكون ؟ لأنها أيسر وأسهل من الحركة ، ولذلك مقولة بعضهم – وهي مقولة خاطئة لا يرتضيها أهل اللغة [ سَكِّنْ تسلم ] يعني إذا قرأت سكن ، لا ترفع ولا تنصب ولا تجر ، حتى تسلم من أن تُصوب أو يُرد عليك ، هذا خطأ .
إذاً / الأصل في المبني السكون .
مثال : ” قالتْ “
أين المبني هنا ؟
” قال ” لم ؟ لأنه فعل ماضي مبني على الفتح .
تاء التأنيث الساكنة : حرف ، فأي حرف أمامك مبني [ في – على -إلى – مْن – عن ] كل الحروف مبنية .
تاء التأنيث الساكنة : حرف ، علامة بنائه السكون .
لا يمكن للمبني أن يتغير حاله ، أينما وضعته في أول الكلام ، في أوسطه ، في آخره ، هو هو ، فالمبني بمثابة الميت الذي لا حراك له ، فلا يتأثر بشيء .
لكن قد يتأثر الساكن فيُحرك لعلة .
مثال : ” قالت ” مبني على السكون .
قال تعالى { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا } الحجرات14 .
{ قَالَتِ } كسرت ، لم ؟ لا يأت إنسان ويقول تاء التأنيث الساكنة هنا كسرت ، إذاً انخرق حكمكم .
نقول : كسرت هنا لالتقاء الساكنين ، فلا يمكن أن يجتمع ساكنان .
ثم ذكر رحمه الله أن المبني يمكن أن ينتقل عن أصله ، ما أصل علامة المبني ؟ السكون ، لكن قد ينتقل إلى علامة أخرى .
قال :
وَمِنْهُ ذُو فُتْحٍ وَذُو كَسْرٍ وَضَمّ *** كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسـَّاكِنُ كَمْ
( أينَ ) مبني على الفتح .
( أمسِ ) مبني على الكسر .
( حيثُ ) مبني على الضم .
ثم مثَّل للساكن لأنه لم يمثل مسبقا ( كَمْ )
ثم إذا حفظت الشطر الأول يمكن أن تضبط الشطر الثاني ، وإذا ضبطت الشطر الثاني يمكن أن تضبط الشطر الأول ، انظروا إلى براعة هذا الرجل ، قال :
وَمِنْهُ ذُو فُتْحٍ وَذُو كَسْرٍ وَضَمّ *** كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسـَّاكِنُ كَمْ
لا يأت إنسان ويقدم ( أمس ) على ( أين ) إذا ضبطت الأول ، قال :
( ومنه ذو فتح ) مثاله ( أينَ )
( وذو كسر ) مثاله ( أمسِ )
( وضم ) مثاله ( حيثُ )
فائدة عرضية:
قلنا إن الأصل في البناء السكون ، لم ؟ لأنه أسهل وأيسر ، لكن يمكن أن نعدل عن السكون إلى الحركة ، لأن الانتقال أفضل على رأي بعض النحاة في قوله تعالى { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ } ساكنة {الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ }ثانية { رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{33} أَوْ يُوبِقْهُنَّ } ثالثة { بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ } رابعة { عَن كَثِيرٍ{34} وَيَعْلَمَ} هنا فتح ، لم ؟ قالوا لأن توالي هذه الكلمات مسكنة فيها ثقل ، فعدل عنها إلى حركة ، فوجد أن أيسر الحركات الفتح ، هذا على قول ، لكنها فائدة عرضية .