شرح القواعد الأربع
شرح القاعدة الأولى :
قال المؤلف رحمه الله :
[[ أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام والدليل قوله تعالى🙁 ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ )) (يونس:31) . ]]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ :
زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ رحمه الله :
( وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكر الله عز وجل في كتابه )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني :
إذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وأن صاحبه يصبح من الخالدين في النار
ما الذي يلزمك حتى تنجو ؟
أن تعرف أربع قواعد .
المعرفة هنا :
الحكم فيها الوجوب العيني .
[ هذه القواعد ليست بعيدة عن أيدينا بل هي قريبة منا لا نكلف عناء ولا مشقة في البحث عنها أو في الوقوف عليها وإنما هي في هذا الكتاب العظيم فعليك أن تعرف هذه القواعد الأربع التي ذكرها الله عز وجل في كتابه ]
وهذا يدعونا :
إلى أن نستفرغ الجهد والطاقة في تدبر كلام الله عز وجل :
قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :(( تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا كتاب الله ))
وهو عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
في خطبة كل جمعة يقول : [[ إن خير الحديث كتاب الله ]]
أفضل ما ذهبت فيه الأنفاس والجهود :
كتاب الله عز وجل
وتالله لو أن المسلم تدبر وتأمل في هذا القرآن العظيم لوجد أن فيه العلاج لكل مشكلة وأن فيه الفرج من كل ضائقة فيه العلم كله ، ويكفينا قوله عز وجل :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }
ولذا :
كان الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يحفظوها ويتعلموها فجمعوا بين العلم والعمل في آن واحد
ولربما قرأتم :
أن بعض الصحابة يظل في حفظ إحدى السور سنين طويلة بعضهم يظل ثمان سنوات عشر سنوات ثنتي عشرة سنة في سورة البقرة ،
هل حافظتنا أقوى من حافظتهم ؟
لا .
الواحد في هذا العصر :
يحفظ كتاب الله عز وجل بعضهم يحفظه في خمس سنوات بعضهم في ثلاث سنوات بعضهم في سنة بعضهم في نصف سنة ، وأولئك لا يحفظون سورة البقرة إلا بعد مضي هذه السنوات
ماذا يدل ؟
يدل على أن الحفظ ليس كذلك الحفظ وإنما المراد الحفظ مع العلم مع العمل .
فهذا القرآن العظيم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتوى على هذه القواعد الأربع .
هذه القواعد الأربع :
لم يأت بها الشيخ من تلقاء نفسه وهذا كما أسلفنا أنه عنوان العلماء الربانيين الراسخين في العلم الذين لا يتحدثون بآرائهم ولا بأهوائهم وإنما إذا ذكر حكما أو قولا مما له علاقة بالشرع أسنده وعضده بالدليل .
فكأنه يقول : ” هذه القواعد الأربع ليست من جعبتي “
لأن هناك ممن هو في عصره قد استطال على الشيخ رحمه الله قدحا وذما .
فأراد أن يوضح رحمه الله كما في رسائله أن ما يذكره هو موجود في كتاب الله عز وجل فإن كنت مؤمن حقا بكتاب الله عز وجل فعليك بأن تأخذ بهذه القواعد وأن تجعلها في عين الاعتبار
القاعدة الأولى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ رحمه الله :
[ اعلمْ أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر ، وان ذلك لم يدخلهم في الإسلام ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاعدة الأولى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقرُّون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا العلم واجب عيني ولا يعذر أحد بجهله
ما الذي يريده رحمه الله من هذه القاعدة ؟
يريد أن يبين :
أنه ما أرسلت الرسل ولا أنزلت الكتب إلا إلى الدعوة لتوحيد الألوهية لا إلى توحيد الربوبية
لماذا ؟
لأن توحيد الربوبية قد أقر به الكفار في عصره عليه الصلاة والسلام فلا معنى أن يدعوهم إليه
وهذا هو سبيل الرسل عليهم السلام :
كل رسول يأتي ماذا يقول لقومه :
{ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ }
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ }
ماذا ؟
{ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
ولم ينكر توحيد الربوبية إلا فرعون أنكره بلسانه وهو مقر به في قلبه
ماذا قال ؟
{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }
فماذا قال له موسى عليه الصلاة والسلام ؟
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً }الإسراء102
قوله تعالى عن فرعون :
{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً }
قال المؤلف رحمه الله :
[ القاعدة الأولى :
أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر ، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــ
شرع المؤلف رحمه الله في ذكر القاعدة الأولى ، وكما مر أن هذه القواعد تميز بين المسلمين والكفار
فقال رحمه الله :
[ أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر ، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام ]
وهذا الإقرار :
من هؤلاء الكفار الذين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إقرار منهم بتوحيد الربوبية
والآيات في هذا المعنى كثيرة :
قال تعالى :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }
وتوحيد الربوبية :
ليس هو المطلوب من الخلق إنما المطلوب من الخلق هو توحيد الألوهية
ومن هنا يكون التوحيد ثلاثة أنواع :
توحيد الربوبية
توحيد الألوهية
توحيد الأسماء والصفات
وتوحيد الربوبية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو توحيد الله عز وجل بأفعاله مثل :
الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير ونحو ذلك ،
وأما توحيد الألوهية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطلق عليه توحيد العبادة هو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد مثل :
الصلاة والزكاة والحج ، وسائر العبادات التي يقوم بها الإنسان
أما توحيد الأسماء والصفات :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكما سبق ذكره أن نؤمن بما أثبته الله عز وجل لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تمثيل ولاتكييف ولا تعطيل وأن نسكت عما سكتا عنه .
وحتى يتضح القسمان الأولان نضرب عليهما أمثلة :
قلنا :
إن الخلق من أفعال الله أم من أفعال العباد ؟
من أفعال الله عز وجل
لو أن شخصا ادعى أن هناك من يخلق مع الله عز وجل ماذا نقول ؟
هو مشرك بالله عز وجل .
أي نوع من أنواع الشرك ؟
الشرك في توحيد الربوبية .
بينما :
لو صرف عبادة كالصلاة مثلا لغير الله صلى لأحد الناس هو مشرك بالله عز وجل لكن في أي توحيد ؟
توحيد الألوهية .
هنا يتضح الافتراق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
فتوحيد الربوبية :
هو توحيد الله بأفعاله سبحانه وتعالى
بينما توحيد الألوهية :
فهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد
أما بالنسبة إلى القسم الثالث :
توحيد الأسماء والصفات :
فنثبت ما أثبته الله عز وجل وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتردد في ذلك البتة
هل نحن أعلم من الله ، ومن الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
هل نحن أحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على التبيين والإيضاح ؟
فإذاً :
لا تتردد إذا أتى القرآن أو أتت السنة بصفة أو اسم من أسماء الله عز وجل لا تتردد في إثباتها
لو تأملنا ما ذكره الشيخ رحمه الله نجد أن هؤلاء الكفار أقروا بماذا ؟
ماذا قال رحمه الله ؟
قال :
[ أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر ]
بم يقرون ؟
يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر
إذاً :
هم مقرون بأي توحيد ؟
بتوحيد الربوبية
لو سئلت :
هل توحيد الربوبية يدخل العبد في الإسلام ؟
الجواب : لا
ما الدليل ؟
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل هؤلاء الكفار ، والذي يُقاتَل المسلم أم الكافر ؟
الكافر
كان عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث بريدة :
(( إذا أرسل جيشا أو سرية وأمَّر عليهم أميرا أوصاهم بوصايا من بينهما : قاتلوا من كفر بالله ))
فالمسلم لا يجوز قتاله ، فإقدامه عليه الصلاة والسلام على قتال الكفار في عصره مع أنهم مقرون ومعتقدون بتوحيد الربوبية فيه دلالة واضحة على أن توحيد الربوبية لا يدخل العبد في الإسلام
ومن ثَمَّ ما أنزلت الكتب ولا أرسلت الرسل إلا من أجل توحيد الألوهية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله :
[ أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله هو الخالق]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــ
ما الدليل على أنهم يقرون بأن الله هو الخالق ؟
قال عز وجل :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }
ما الدليل على أنهم يقرون بأن الله هو الرازق المدبر ؟
عرفنا الدليل على إقرارهم بأنه سبحانه هو الخالق
فما هو الدليل على إقرارهم بأنه سبحانه وتعالى هو الرازق المدبر ؟
الدليل في الآية التي ساقها الشيخ رحمه الله تحت هذه القاعدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ :
[ وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام .]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــ
ما هو ؟
اسم الإشارة يعود إلى ماذا ؟
إلى توحيد الربوبية.
قال الشيخ رحمه الله :
[ والدليل قوله تعالى . ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدليل على أنهم مقرون بتوحيد الربوبية:
قوله تعالى :
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }
( قل) :
أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول إلى هؤلاء الكفار الذين في عصره من يرزقكم من السماء والأرض هنا فيه لفظ الرزق ،
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }
{ من السماء } :
أي ما ينزله الله عز وجل من الخيرات والأرزاق من الأمطار ونحو ذلك ،
{ الأرض } :
أي ما يخرجه سبحانه وتعالى من النباتات والمعادن ونحو ذلك .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أُمِر أن يسأل هؤلاء الكفار سألهم أولا عن ماذا ؟
عن من يرزقهم من السماء والأرض
لم تأت الإجابة بعد :
{ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ }:
نعم الله عز وجل على العباد لا تحصى :
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }
هو المالك عز وجل لكل شيء
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
{ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ }
{ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }
فهو مالك لكل شيء .
لكن لِمَ امتن على هؤلاء بالسمع والبصر ؟
لأن السمع والبصر من أجل وأعظم النعم ومن أبرزها عند الإنسان
تصور:
لو أن الإنسان لا يسمع ولا يبصر كيف تكون حياته؟ تكون حياة سعيدة هانئة ؟
الجواب / لا
ولذا :
قال عليه الصلاة والسلام : ((قال الله عز وجل إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه )) أي عينيه (( فصبر عوضته عنهما الجنة ))
ثم السمع والبصر من أدوات التلقي للعلم :
لو تدبرت كلام الله عز وجل لوجدت ذلك :
قال تعالى :{ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً }
الجنين :
حينما يخرج من بطن أمه هل يفقه شيئا هل يدرك شيئا هل يعلم شيئا ؟
لا .
نحن ولدنا ولم نعلم شيئا لكنه سبحانه وتعالى أعطانا أدوات التلقي ، قد يكون هذا العلم نافعا فتكون شاكرا لله عز وجل على هذه النعمة ، وقد يكون هذا التلقي في شر فتكون كافرا بهذه النعمة:
{ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً }
ماذا قال بعدها ؟
{وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ }
لم ؟
{ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
إذاً :
امتن الله عز وجل عليهم بهاتين النعمتين لعظمها :
{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ }
ما ختام الآية ؟
{ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }
ولضرورة وأهمية هاتين النعمتين هدد الله عز وجل المنافقين بسلبهما :
{ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
إذا لم يشكر العبد هذه النعمة فسيحاسب عليها :
قال تعالى :
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }
فيحاسب على هذه النعم في آخرته ، بل قد يعاقب إذا لم يشكر الله عز وجل نعمه قد يعاقب في دنياه عقوبة حسية أو معنوية .
سؤال / :
أين يكون موضع العقاب ؟
الجواب / :
في هذه النعم
قوم لوط لما أتوا وعلموا أن عند لوطا شبانا وهم الملائكة وأرادوا أن يفعلوا بهم الفاحشة فماذا قال عز وجل ؟
{ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ }
قد تبقي هذه النعم كم من شخص يسمع ويبصر لكن في الحقيقة أصم ، أعمى
{ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً }
فالذي يظهر من ذكر هاتين النعمتين لأنهما عظيمتان عند ابن آدم فهنا استفهام تقريري ، يقرر هؤلاء بشيء لن ينكروه ولن يستطيعوا أن ينكروه ، ولذا ترون الجواب صريحا جريا من هؤلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــ
هنا أفعال من الله عز وجل وهي ، الإحياء ، الإماتة ،
فهي تخص أي توحيد ؟
توحيد الربوبية ، قال :
{ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ }
خروج الحي من الميت إما أن يكون خروجا حسيا أو معنويا ، { وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ }
المثال الحسي :
خروج الطائر من البيضة ، الطائر : الحي ، البيضة : ميتة ،
المثال المعنوي :
أي خروج الحي من الميت خروجا معنويا ، خروجا المؤمن من صلب الكافر ،
المؤمن : حي ، الكافر : ميت ، { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } أي في الكفر والشرك ، { فَأَحْيَيْنَاهُ } أحياه بماذا ؟ بالإيمان ،
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا }
{ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــ
كذلك خروج الميت من الحي إما خروجا حسيا أو خروجا معنويا ،
مثال حسي :
خروج البيضة من الطائر ، البيضة ميتة ، الطائر : حي
ومثال خروج الميت من الحي خروجا معنويا ، هو خروج الكافر من صلب المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــ
الأمر : شامل :
من يدبر أمور الناس في دنياهم وفي آخراهم ؟
من يدبر الكون ؟
بعبارة مختصرة من يدبر كل شيء ؟
هو الله عز وجل وحده ، فلو كان هناك شريك لما دبرت الأمور ، { وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ } ما الجواب الذي صدر منهم ؟
{ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ } :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرروا بمن هو الرازق ، من هو الذي يملك السمع والبصر ، من هو الذي يحي ويميت الذي يخرج الحي من الميت والميت من الحي ، ومن يدبر الأمر ؟
فأجابوا إجابة صريحة { فَسَيَقُولُونَ اللّهُ }
لمَ ؟
لأن هذه الأشياء لا يستطيع أحد أن ينكرها إلا من كان مكابرا
قال عز وجل لو كان هناك شريك مع الله :
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ }
ما الذي يحصل ؟
{ لَفَسَدَتَا }
ثم نزه نفسه سبحانه وتعالى :
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }
كما قال تعالى ويسميها العلماء دليل التمانع :
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }
لو كان هناك إله مع الله سبحانه وتعالى ما الذي يجري ؟
الحالة الأولى :
إما أن يقتصر كل إله بملكه ، لو كان هذا الكون مقسوما بين إلهين هذا يأمر وهذا ينهى هل ينتظم هذا الكون ؟
لا ينتظم
الحالة الثانية :
طلب أحدهما أن يعلو على الآخر وإذا حصل هناك طلب من أحدهما لنصيب الآخر هل ينتظم هذا الكون؟
لا ينتظم ـ
إذاً :
ليس هناك إلا إله واحد مدبر ومن ثم ختمت الآية بالتسبيح نزه نفسه سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } الإسراء42
قال بعض المفسرين : لطلبت هذه الآلهة نصيبها وحظها ومن ثم لا ينتظم هذا الكون ،
وقال بعض المفسرين في قوله :
{ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } أي لذلوا وخضعوا وتقربوا إلى الله عز وجل
ولذا :
نزه نفسه سبحانه وتعالى {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً }الإسراء43
وانظروا إلى هذا الجواب الذي صدر منهم {فَسَيَقُولُونَ اللّهُ }
هنا أوتي بالفاء ، والفاء : تفيد الترتيب والتعقيب ، فلم ينتظروا زمنا حتى يجيبوا بل من حين ما سئلوا عقبوا بالجواب فهذا دليل على إقرارهم بتوحيد الربوبية
ثم أنت يا محمد عليه الصلاة والسلام انتهز الفرصة
{ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }
وانظر أيضا إلى الإتيان بالفاء :
وهذا فيه فائدة :
أن الداعية إلى الله عز وجل متى ما سنحت له الفرصة ألا يفوتها عليه فإذا وجد الوقت متاحا مناسبا في الدعوة إلى الله عز وجل بهذا المدعو فلا يضيع هذه الفرصة على نفسه
ولذا :
قال عز وجل :{ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي من هذه صفاته ومن هذه أفعاله سبحانه وتعالى ألا يستحق من هذه صفاته وأفعاله أن يتقى ، أن يعبد
وهذه الآية من الآيات الكثيرة التي جاءت بالإلزام بتوحيد الألوهية عن طريق الإقرار بتوحيد الربوبية وهي ما تسمى عند العلماء :
[ توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ]
فإذا كنت مقرا بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر من هذه صفات العظيمة من يتصف بها هو من يستحق العبادة والتقى
ولذا :
قال : {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } فهو الذي يستحق هذه العبادة
ولذا :
قررهم عز وجل في آيات أخر من بينها :
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ }
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ }
الخلق : من أفعاله سبحانه وتعالى
من أي توحيد ؟ توحيد الربوبية .
{ ثُمَّ رَزَقَكُمْ } :
كذلك من توحيد الربوبية .
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ }
الجواب سوف يكون صريحا :
لا يفعلون
فهي جمادات لا تنفع ولا تضر .
فمن عريت وتعرت وخلت منه هذه الأفعال وهذه الصفات هل يستحق العبادة ؟
لا .
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ }
ثم نزه نفسه سبحانه وتعالى :
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
لأن ليس هناك من هو قادر على الخلق والرزق والإحياء ، والإماتة إلا هو سبحانه وتعالى
سؤال :
ما مضمون هذه القاعدة ؟
ما الذي يريد أن يصل إليه الشيخ رحمه الله ؟
الجواب / :
يريد أن يصل إلى أن الإقرار بتوحيد الربوبية ليس مدخلا للعبد في الإسلام إنما الذي يدخل العبد في الإسلام توحيد الألوهية .
سؤال :
ماذا قلنا عن هذه القواعد ؟
الجواب / :
هي قواعد تميز بين المسلم والكافر
سؤال :
ما الذي استفدنا من القاعدة الأولى مما يتميز به المسلم عن الكافر ؟
الجواب / :
المستفاد من القاعدة الأولى بقولنا إنها قواعد تميز بين المسلم والكافر :
القاعدة الأولى / أن العبد لا يسمى عبدا عبودية خاصة إلا بأي توحيد ؟ توحيد الألوهية .
سؤال :
كيف تستطيع أنت يا مسلم أن تميز سبيل هؤلاء الكفار ، كفار قريش عن سبيلك ؟
الجواب / :
نحن نريد ويريد الشيخ بهذه القواعد أن ننأى بأنفسنا وأن تنحيها عن سبيل كفار قريش ويتأتى هذا بأن نضيف إلى توحيد الربوبية الإقرار بتوحيد الألوهية
فالذي يميزنا نحن المسلمين عن كفار قريش أننا نقر بتوحيد الربوبية والألوهية بينما هن مقرون بتوحيد الربوبية