بسم الله الرحمن الرحيم
شرح بلوغ المرام للشيخ زيد البحري حفظه الله
[اثنتا عشرة فائدة تستغني بها المرأة عن سؤال المشايخ عن مسائل الحيض والنِّفاس]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولًا: الحيض:
فإنَّ ابنَ حجر رحمه الله شرَعَ في ذِكْرِ كتابِ الحيض، والحيض ينبغي لنا أن نذكُرَ مُقدِّمة، وهذه المقدمة التي أذكُرُها مَنْ ضَبَطَها ضَبَطَ أحكامَ الحيض.
فإنَّ الحيضَ ليسَ بتلكَ الصعوبة التي يظُنُّها بعضُ الناس، ولعلَّ الصعوبةَ حصلَت بسببِ تَفَرُّعِ الفقهاء في ذِكْرِ مسائلِ الحيض حتى أصبحت هذه المسائلُ عسيرةً على طالبِ العلم، فضلًا عن المرأةِ التي يَقِلُّ عِلمُها،
فإذا كانَ طالبُ العلم لا يُدرِكُ هذه المسائل فمن باب أولى من هو دونَهُ،
فإذا ضَبَطتَها سَهُلَ عليكَ فَهْمُ مسائلِ الحيض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا/ الحيض لُغَةً: هو السيلان، مأخوذٌ من حاضَ الوادي إذا سال.
اصطلاحًا:
دم جِبِلَّة وطبيعة يخرجُ من قَعْرِ رحمِ المرأة، خلقَهُ اللهُ عزوجل لتغذيةِ الجنين، ولذلك إذا حَمَلَت المرأةُ فإنها هذا الدمَ ينحبِس في الغالب، لأن الجنينَ يتغذّى عن طريقِ السُّرَّة من هذا الدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا/ أسماء الحيض: أنَّ الحيضَ له أسماء عشَرَة ذكرها الفقهاء:
حيض- نِفاس- دِراس- فِراك- عِراك- إعصار- إكبار- طَمْس- طَمْث- ضَحِك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثًا: أنَّ الحيضَ لا يُصيبُ بناتِ آدم فقط:
بل يُصيبُ بعضَ المخلوقات، وقد نصَّ الفقهاءُ على أنهُ يُصيبُ ثمانٍ من المخلوقات،
مجموعة في هذين البيتين:
إنَّ اللواتي يحِضن الكُلُّ قد جُمِعَ في ضِمنِ بيتٍ فكُن لهُنَّ مِمَّن يَعِي
امرأةٌ ناقةٌ معَ أرنب وزغ كلبةٌ فَرَسٌ خُفَّاش معَ ضَبْع
هذا ما ذكره الفقهاء وقد يُنكَرُ من حيثُ الواقع، ولا أظنّ أنَّ الفقهاء ذكروا هذه الأشياء عَبَثًا، لكنَّ حيضَ هذه المخلوقات لا يمكن أن يكونَ نظيرَ حَيض بناتِ آدم،
فربما أنها نُقَط تحصُل لبعضِ هذهِ المخلوقات، والعلمُ عند الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعًا: أنَّ هذا الحيضَ مكتوبٌ على بناتِ آدم:
كما جاءَ في حديثِ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- في الصحيحين قال ﷺ: “إنَّ هذا شيءٌ قد كتبَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ على بَناتِ آدمَ”، ويُعارِضُهُ ما جاءَ عندَ عبد الرزاق في مُصنفِهِ عنِ ابنِ مسعود -رضي اللهُ عنه-:
” أنَّ نساءَ بني إسرائيل كُنَّ يَحْضُرنَ معَ الرجال في مواطن العبادة فَكُنَّ يتَبَرَّزْنَ ويَظْهَرْنَ للرجال فَسُلِّطَ عليهِنَّ الحَيضَة” فكأنَّ هذا الأثرَ يُشيرُ إلى أنَّ الحيضَ يكونُ ابتداؤهُ مِمَّن؟
من بني إسرائيل، ولكنَّ هذا الأثر يُعارَض بحديثِ عائشة-رضي اللهُ عنها- : “كتبه على بناتِ آدم”،
ويُعارَض بما جاء أيضًا في قولِهِ تعالى كما ذكَرَ ابنُ عباس-رضي اللهُ عنهما- وذَكَرَ عنهُ الطبري في تفسيرهِ: أنَّ قولَهُ تعالى: {َوامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} امرأةُ مَن؟ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الضَّحِك هنا هو: الحيض، على أحدِ التفسيرَين، ولذلك من ضِمن أسماءِ الحيض: ضَحِك.
ويُعارَض أيضا هذا أثر ابن مسعود- رضي اللهُ عنه-، أيضا رواهُ عبد الرزاق عن عائشة -رضي اللهُ عنها-، ويُعارَض أيضا بما جاءَ عنِ ابنِ عباس -رضي اللهُ عنهما- كما عندَ الحاكِم وابنِ المُنذِر، وصححهُ ابنُ حجر في الفتح: من أنَّ حواء أصابَها الحيض لمَّا هبَطَت إلى الأرض،
فقال بعضُ العلماء: إنَّ أثرَ ابنِ مسعود ضعيف، ولكنَّ ابنَ حجر يُصححهُ، وبالتالي: فإنهُ كما قال بعضُ العلماء: يُحمَل على أنَّ بنات آدم عام ويُقصَد منهُ الخُصوص وهُنَّ بنات بني إسرائيل، والصواب أنه: عام، والمقصود من تسليط الحَيْضَة على نساءِ بني إسرائيل: أنَّ هذا الحيض زادَ وطالَ مُكْثُهُ لهُنَّ، عُقوبةً لهُنَّ.
وأثر ابنِ عباس-رضي اللهُ عنهما- لأن بعض العلماء يقول: “هذا شيءٌ قد كتبَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ على بَناتِ آدمَ”، وحواء ليست من بناتِ آدم، فهل أصابها الحيض أم لا؟
قالوا: يُحتمل ويُحتَمَل، لكن أثر ابن عباس-رضي اللهُ عنهما- فصَل مِن أنَّ الحيضةَ أصابت حواء لمَّا أُهْبِطَت إلى الأرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خامسًا: صفات دم الحيض:
الأمر الخامس أنَّ دمَ الحيض له صفات، إذا وُجِدَ هذا الدم بهذه الصفات حكمنا عليهِ أنهُ حيض،
إذا انعدمَت هذه الصفاتُ من هذا الدم فليسَ بحيض.
ما هو الدم الذي نَحكُمُ عليه بأنهُ حيض؟ هو كما قال عزوجل: أذى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، وكما قال ﷺ: “إنَّ دمَ الحيض دمٌ أسودُ يُعرف”.
إذًا صفاتُ دمِ الحيض: أسود- ثخين- كريهُ الرائحة- لا يتجمَّد إذا نَزَل، لأنه تجمَّدَ في الرَّحِم، بخلاف ما لو جُرِحَ الإنسانُ في يَدِه فإنَّ الدَّم ييبَس، أمَّا دمُ الحيض لا.
وليسَ المعنى أن تأتيَ كلُّ هذهِ الصفات، لو وُجِدَ بعضُها حكمنا عليهِ بأنهُ حيض.
وبالتالي: فإنَّ أيَّ امرأةٍ تسألُك، تقول: نزلَ معِيَ الدَّم، سَلْها، قُل لها: هل هو دمُ الحيض الذي يأتيكِ؟
إن قالت: لا، قل: أنتِ طاهرة، وبالتالي: فإنَّ العبادات مثل: الصلاة، مثل: الصوم، مثل: الطواف، وقل ما تشاء من العبادات المُتَرَتِّبَة على طهارَةِ المرأةِ من الحيض، يجوزُ لها.
فَنَحكُم على هذا الدم بأنهُ: دمُ استحاضة أو دمُ فساد.
إذا المِعيار لديك حتى تفهَم الحيض: إنْ وُجِدَ هذا الدَّم في أيِّ زَمَن، قَصُرَ هذا الزمن أم طالَ هذا الزمن، بمعنى: لو كان يومًا أو يومين أو ثلاثة أيام، أو زاد فبَلَغ عشرة أيام أو أكثر،
أو تقدَّمت حَيضَةُ المرأة: كانت تأتيها في أواسِط الشهر فأتتها في أولِ الشهر،
أو تأخرت: كأن تكون الحيضة تأتيها في أولِ الشهر فتأخرت إلى أوساطِ الشهر.
قاعدة مهمة: بما أنَّ هذا الدَّم بهذه الصفات موجود قُل: هو حيض، قاعدة.
إن لم يكن فليس بحيض سواءً كان كثيرا أم قليلا، قاعدة مهمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسًا: لو أنَّ الدَّم استمرَّ معَ المرأة الشهرَ كُلَّهُ أو أكثر الشهر بنفس صفات دم الحيض:
لو أنَّ الدَّم استمرَّ معَ المرأة الشهرَ كُلَّهُ أو أكثر الشهر بنفس صفات دم الحيض،
قالت: يأتيني الدَّم أسود ثخين كريه الرائحة. كم يجلس معكِ؟
قالت: كانت عادتي سبعة أيَّام أو ثمانية أيَّام، فالآن زاد معي بنفس الصفات إلى أربعةَ عشرَ يوما.
نقول: هو حيض.
قالت: يأتيني إلى خمسَةَ عشرَ يوما، نقول: هو حيض.
إذا زادَ عن خمسَةَ عشرَ يوما ولو بصفاتِ دمِ الحيض، فنقول: استحاضة.
يعني: بما أنهُ موجودٌ بهذه الصفات فهو: دمُ حيض مالم يتجاوز خمسةَ عشَرَ يوما.
فإن تجاوز خمسةَ عشَرَ يوما قلنا: استحاضة.
قالت: ماذا أصنع في الشهر القادم؟
نقول لها: عودي إلى حَيضَتِكِ السابقة في عددِ الأيام، متى يأتيكِ الحيض؟
قالت: الدَّم الآن مُستمر معي ما ينقطِع، لكن كانَ يأتيني في اليومِ الأول من الشهر ويظل معي سبعة أيَّام، فنقولُ لها: من الشهر القادم، من اليوم الأول إلى سبعة أيَّام أنتِ حائض، بعدها اغتسلي وصلِّي، ولو كانَ بصفاتِ دمِ الحيض، فيكونُ الزائد عن سبعة أيَّام هو: استحاضة.
وإذا قلنا استحاضة أو دم فساد، بمعنى أنها: طاهرة، يجوزُ لها ما يجوزُ للطاهرات سواءً بسواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابعًا: تصوَّر لو أنَّ هناك امرأةً استقرت عادتُها على عشرين يوما:
مُستقرة عادتُها على أنَّها تحيض عشرينَ يومًا، فإذا أتى اليوم العشرين طَهُرَت، نقول: عادّتُكِ كم؟
عشرونَ يوما، لأن عادَتَكِ مُستقرة،
لكن لمَّا كانت تأتيكِ سبعة أيَّام أو ثمانية أيَّام أو عشرة أيَّام ثم زادت قلنا: هو حيض مالم يتجاوز أكثرَ الشهر، فإن تجاوزَ أكثرَ الشهر: فهو استحاضة.
لكن قالت: عادتي هكذا، عادتي عشرون يوما أو خمسةً وعشرينَ يوما، مُنطَبِقَة مُستمرة مُستقرة،
نقول: هذا دمُ حيض إذا كان بصفاته، أما إذا لم يكن بصفاته فلا نلتفِت إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثامنًا: لا حدَّ لِأقَل سِن في الحيض ولا لأكثره:
وهذا هو الصواب، بمعنى: لو أتت بنتٌ عمرُها سبع سنوات وحاضت، نقول: هذا حيض، بَلَغْتِ.
-لو أتت امرأةٌ انقطعَ عنها الدَّم وأتت في سِن السبعين من عُمُرِها، وأتاها الدَّم بصفاتِ دمِ الحيض:
نقول: على الصحيح هو دمُ حيض.
أمَّأ تحديدُ أقَلِّهِ بتسع سنين، وبأكثرِهِ بخمسين سنة وهوَ سِنُّ الإياس فلا دليلَ عليه، ولذلك قال عزوجل: {واللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ} لم يقل إذا بَلَغنَ خمسينَ سنة، لكنَّ الغالِب أنَّ المرأةَ إذا بَلَغَت خمسينَ سنة فإنَّ الدَّمَ يَنْقَطِعُ عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاسعًا: لو زادَ الحيضُ عن خمسةَ عشرَ يوما:
لو زادَ الحيضُ عن خمسةَ عشرَ يوما، ماذا قُلنا: استحاضة، ماذا تصنع؟ ترجِع إلى عادَتِها السابقة،
لو قالت: نسيتُ عادتِي السابقة، أو قالت: أوَّل مرة يأتيني الحيض -وهيَ ما تُسمَّى بـ: المُبتدأة، مالي حَيضَة سابقة، أو كانت لها حَيضَة ولكِنَّها نَسِيَت وَقتَها وعَدَدَها؟
فنقول: تعمل بالتمييز، ما معنى التمييز؟ يعني: الأيَّام التي يأتي فيها الدَّم بصفات دم الحيض: حيض،
والأيَّام التي تأتي فيها دم لكن من غير صفاتِ دمِ الحيض، نقول: أنتِ طاهرة.
لو قالت: ما عندي تمييز، أصبح الدم واحد،
أو: عندي تمييز غير مُنضَبِط، ساعتين يأتي بدم أسود وساعات بدم أحمر؟
نقول: تعودين إلى غالب عادة نسائك، يعني مثلا: أخواتك وخالاتك وعماتك، الغالب فيهن؟
تقول الغالب فيهن مثلا: أنَّ الغالبيّة منهن يَحِضن عشرة أيَّام، لكن فيه فُلانة تحيض سبعة أيَّام، وفلانة تحيض ستة أيَّام، نقول: نُريد الأكثر، قالت: الأكثر أنهُنَّ يَحِضن عشرة أيام،
نقول: تفعلين مثلَ هؤلاء النساء في الأكثريَّة.
كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في الحديث، حديث أم عطيَّة: أنَّ الكُدرَةَ والصُّفرَة ليست حيضا إلا في زمنِ الحيض، يعني: لو أتت الكُدرَة والصُّفرَة بعدَ الطُّهر فلا اعتدادَ بها.
إذًا: أيُّ دمٍ يخرُجُ من المرأة فليسَ بِحَيض إلا إذا كانَ بأوصافِ الحيض، فإذا حكمنا عليه بأنهُ حيض باعتبار الصفات رتَّبنا عليهِ أحكامَ الحيض.
إذا ما حَكَمنا عليهِ بأنهُ حيض، إذًا: لا أحكامَ مُتَعَلِّقَة بالحيض لعدم وجود الحيض.
ــــــــــــ
تصوَّر لو أنَّ عادَتَها سبعَة أيَّام وإذا بها تَطهُر يومًا فَتَجِفّ، ويومًا يأتي معها الدم:
قولانِ لأهلِ العلم: الجفاف طُهْر تغتسل وتُصلِّي، وهذا يدلُّ لهُ أثر ابن عباس-رضي الله عنهما- كما عندَ أبي داود، وإذا أتى الدم حيض.
القول الآخر وهو أقرب: أن الجفاف يوم أو نِصف يوم لا يُعتَدُّ بهِ، بدليل: أنَّ عائشةَ -رضي الله عنها- إذا أرادت النِّساء أن ينظُرن بعدَ الجفاف إلى هذا الدم ويَضَعنَ القُطن في فُروجِهِنّ، قالت: ” لا تَعجَلنَ حتى ترينَ القَصَّةَ البيضاء”، دلَّ على أنَّ الجفاف عندَ عائشة-رضي الله عنها- لا يُعَدُّ طُهرًا.
–يوم نقاء ويوم طُهر، يوم نقاء ويوم طُهر، ما الحل؟
قالت: لا أدري، مرَّة أجِفّ، ومرَّة يأتيني الدَّم!
فنقول: إذا أتاكِ الدَّم في غُضونِ الشَّهر، كم الأيام التي أتى فيها الدم إليكِ؟
إن قالت: خمسةَ عشَرَ يومًا فأقل؟ نقول: هذا حيض.
إن قالت: لا، يزيد، نقول: ارجعي إلى عادتكِ السابقة، ولو كان بنفس الصفات مادام أنه زاد عن خمسَةَ عشَرَ يومًا؛ إلا إذا استقرّ فهنا أمر آخر، فالشيخ ابن عثيمين رحمه الله سَمِعتُهُ، -لكنه لم يُجِب على السؤال- قالَ: سألتني امرأةٌ من أنَّ الحيضَ يأتيها الشهر كاملًا؟ عادتها مستقرة، شهر كامل يأتيها الحيض، وشهران طاهرة، واستقرَّ الأمرُ عِندَها، شهر كامل حيض، وشهران لا حيض؟
بناءً على القاعدة: نقول هذا حيض
إذا استقر يوم جفاف ويوم دم، والدم معروف أنه دم حيض، أصبحت حياتُها هكذا، يوم جفاف، ويوم دم؟ نقول: يوم الجفاف طُهر، ويوم الدم حيض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشرًا: الحامل لا تحيض إلا في حالة واحدة:
الحامل لا تحيض، لو نزل معها دمُ الحيض المعروف بصفاته، لا يُعتَبَرُ حيضًا ولو نزلَ بصفاته، لأن الله عزوجل قال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، فَعَلَّقَ العِدَّةَ على وَضْعِ الحَمل لا على الحيض، دلَّ على أنهُنَّ لا يَحِضنَ إلَّا في حالة واحدة:
إذا أتاها هذا الدم بعددهِ وبصفاته، وفي زمنِه قبلَ أن تَحمِل، إنِ اختَلَفَ شيءٌ منه فلا يُعتَدُّ به.
تصوَّر أنها قبل الحمل كانت تحيض في اليومِ الأول إلى اليوم السابع، وإذا بالدم المعروف الذي لم يتغيَّر هُوَ هُوَ وفي نفسِ الوقت في اليوم الأول، اليوم السابع، لم يزِد منهُ شيء، ولم ينقُص منهُ شيء، وبالصفاتِ المعروفة لديها قبل الحمل: هُوَ حيض.
لكن إن اختلف شيءٌ منه ولو كانَ هذا الاختلافُ يسيرًا: فإنهُ ليسَ بحيض.
مع أنَّ بعضَ العلماء يقول: مهما كان الحال فالحامل لا تحيض.
لكن الصواب: أنَّ المرأة الحامل لا تحيض إلَّا في مثل هذه الحالة التي ذكرتُها لكم، فالواقع أمر آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– ما ورد من حديثٍ في تحديدِ أيَّامِ الحيض فلا يصح:
ولذلك حديث: “أقلُّ الحيض ثلاثةُ أيَّام، وأكثرُهُ عَشَرَة أيَّام” فلا أصلَ له.
حديث آخر وهو مشهور: “ما نُقصانُ دينِها، قال: تمكُثُ شَطرَ دهرِها لا تُصلي ولا تصوم” استُدِلَّ بهِ على أنَّ أكثر الحيض خمسَةَ عَشَرَ يومًا؛ قال ابنُ حجر رحمه الله كما في تلخيصِ الحبير: لا أصلَ له.
ليس بحديث مع أنهُ مُشتهِر.
إذًا لماذا قُلنا بتحديد خمسَةَ عَشَرَ يومًا؟
لأنهُ لا يُمكِن أن يكونَ الحيضُ مُستمرًا مع المرأة الشهرَ كلَّهُ أو أكثَرَه، فاستمرارُهُ يدلُّ على أنَّ هناكَ مرضًا، فانطِباقُ الدم معها الشهر أو أكثر الشهر يدل على أنهُ مرض، ولذلك ليسَ لنا سبيل إلَّا الأخذ بالأكثر،
ما هو أكثرُ الشهر؟ ما زادَ عن خمسَةَ عَشَرَ يوم.
ولذلك إذا عَلِمنا بأنَّ عادتَها مُستقرة على عشرينَ يوما عَلِمنا بأنهُ ليس بمرض، لأن الاستحاضة مرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة أخيرة:
يُمَيَّزُ بينَ الذَّكَرِ والأُنثى من حيثُ الصفات بالتاء، المرأة بالتاء، والذَّكَر بدون التاء، إلَّا الحيض، يُقال: امرأةٌ حائض، ولا يُقال: امرأة حائضة، لِمَ؟ لأنَّ وَصفَ الحيض خاصٌّ بالنساء ولا يقَعُ للرجال.
ولذلك ما كانت الصفةُ فيهِ خاصَّة بالنساء لا يؤتى في سِياق النساء بالتاء إلا سماعا، إذا وردَ سماعًا من حيثُ اللغة بيت من الشعر أو أثر من العرب فلا إشكال في ذلك، لكن لا تأتي وتقول امرأة حائضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأخير:
كيفَ تعرِف النساء بأنهُنَّ طَهُرنَ؟ بواحد من أمرين:
-إما بالقَصَّة البيضاء: وهو سائل أبيض يخرُج بعدَ دمِ الحيض.
أو: -بالجفاف، لأن بعض النساء ما تخرُج معها قصَّة بيضاء، فجفافُها هو طُهرُها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح بلوغ المرام للشيخ زيد البحري/ باب النِّفاس
النِّفاس:
[اثنتا عشرة فائدة تستغني بها المرأة عن سؤال المشايخ عن مسائل النِّفاس]
ثمَّ ذكَرَ الفقهاءُ رحمهم الله بابَ النِّفاس، والنِّفاسُ له ارتباطٌ بالحيض، ولذا قال النبي ﷺ لعائشةَ -رضي الله عنها- كما في الصحيحين، لمَّا حاضت: “أَنَفِستِ؟”.
والنِّفاسُ لغةً: مُشتقٌّ من التنفُّس، وهوَ ما يخرُجُ من الرئة، أو مُشتقٌّ من التنفيس وهو الخروجُ من الكُرَب.
وأما في الاصطلاح فهو: دمٌ يُخرِجُهُ الرَّحِمُ عندَ الوِلادَةِ أو مَعَها أو قبلَها بيسيرٍ معَ طَلق.
والنِّفاسُ كالحيضِ في الأحكام، إلَّا ما استُثنيَ كما سيأتي.
ومن أولى مسائلِ هذا الباب:
النِّفاسُ لا يثبُتُ إلَّا إذا وضعتِ المرأةُ ما تبيَّنَ فيهِ خَلْقُ الإنسان.
فهذه المسألة يُنظَرُ فيها إلى ما وضعَتْهُ المرأة:
– إذا وضعت المرأةُ ما تمَّ لهُ أربعَةَ أشهُر: فهوَ دمُ نِفاسٍ بإجماعِ العلماء، لأنَّ هذا الموضوعَ إنسانٌ، ولذا قال ﷺ كما في حديثِ ابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- إذ قال حدَّثنا الصادِقُ المصدوق:
” إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطفَة، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ يأتيهِ المَلَك فينفُخُ فيهِ الرُّوح ” الحديث.
-إذا وضعتِ المرأةُ نُطفة: فليس بدمِ نِفاس بإجماع العلماء.
-إذا وضعت علقةً: والعلقةُ هي القِطعَةُ من الدَّم، فإنَّ هذا الدَّمَ دمُ فسادٍ لا يُلتَفَتُ إليه، تكونُ في حُكمِ الطاهرات، وهذا الدم المستمرُّ مَعَها شأنُهُ كشأنِ المُستحاضة، تتوضأُ عندَ دخولِ وقتِ كُلِّ صلاة، وتعمل ما تعمَلُهُ المستحاضةُ ونحوُها كما سبق.
-إذا وضعتِ المرأةُ مُضغةً: والمضغَةُ هي القطعةُ من اللحم، والراجحُ أنهُ لا يثبُتُ بهِ نِفاس، وذلكَ لأنَّ النِّفاسَ يترتبُ عليهِ أحكام مِن تَرْكِ صلاةٍ وصيامٍ ونحوِ ذلك، فيكونُ هذا الدم دمَ فسادٍ وليسَ دمَ نِفاس.
-إذا وضعت ما تبيَّنَ فيهِ خَلْقُ إنسان: كـ: يدِ ورِجلٍ ورأسٍ ونحوِ ذلك، فأكثرُ العلماء يرونَ أنهُ دمُ نِفاس، وذلكَ لأنهُ تبيَّنَ أنَّ تلكَ النُّطفَةَ مرت بمراحِلِ الإنشاءِ والخَلْق، حتى وصلت إلى أعضاءِ وأجزاءِ إنسان، وهو القولُ الصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُدة النِّفاس:
[أكثرُ مُدةِ النِّفاسِ أربعونَ يوما، فإن انقطع الدمُ قبلَ الأربعين فهيَ طاهرة،
وإن استمرَّ فهوَ دمُ فسادٍ مالم يوافِق عادَتَها]
ولكنَّ القولَ الصحيح: أنَّ أكثرَ مُدة النِّفاس أربعونَ يومًا، لما جاءَ في سُنَنِ أبي داود أنَّ أمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قالت: “كانت النُّفساء تجلِسُ على عهدِ رسولِ الله ﷺ أربعينَ يومًا ولا تؤمَرُ بقضاء الصلاة”،
معنى هذا الحديث: كانت النُّفساء تؤمَرُ أن تجلِسَ على عهد رسولِ الله ﷺ أربعينَ يومًا، ويُقَررهُ ويُؤَكِّدُهُ ما جاء في الروايةِ الأخرى: “وُقِّتَ للنُّفساء أن تجلِسَ أربعين يومًا”، ويُؤيِّدُهُ أنَّ الرسولَ ﷺ قال:
” إن طَهُرَت قبلَ الأربعين فَلْتَغْتَسِل، وإن زادَ معها على الأربعين فَلْتَغْتَسِل”.
وعلى هذا: إنِ انقطَعَ معها الدمُ قبلَ الأربعين: فهي طاهرة، ومن ثمَّ تغتسل وتصلي وتصوم وهي في عِدادِ الطاهرات، حتى لو لم تظل في نِفاسِها إلَّا أيَّاما.
-وإن وَلَدَت وِلادةً عاريةً عن دم: فإنها تتوضأُ وتصومُ وتصلي.
-وأما إن زادَ معها على الأربعين فيُنظَر: إن كانَ هذا الوقتُ الذي طَهُرَت فيه ليس وقتًا لِحَيضَتِها السابقةِ قبلَ الحمل فهوَ دمُ فساد، تكونُ في عِدادِ الطاهرات لها ما سَبَقَ من أحكامٍ مُتعلِّقَةٍ بالمستحاضة في الوضوءِ والعَصْبِ وغَسلِ المَحَلِّ ونحوِ ذلك.
-وأما إن وافقَ وقتَ عادَتِها: فتجلِسُ وقتَ عادَتِها،
فلو كانت عادَتُها قبلَ الحملِ تكونُ في اليومِ الخامسِ من الشهر، وانتهت الأربعون في اليومِ الخامسِ من الشهر والدمُ مُستمرٌّ معها فيكونُ هذا الدمُ دمَ حيض لم تَطهُر بَعد.
-ولو قال قائل: لو أنها طَهُرَت قبلَ الأربعين؟ بمعنى أنَّ: الدَّمَ انقطعَ معها في عشرينَ يومًا ثمَّ تطهَّرت ثم عادَ الدَّمُ بعدَ أيَّام، فما حكمُ ما صنَعَتهُ من عبادات؟
الحكمُ: أنَّ تلكَ الأعمالَ مقبولةٌ ومُبرئةٌ للذمة، لكن ماذا يُقالُ في هذا الدم وهيَ مازالت في الأربعين؟
يُقالُ للمرأةِ: انظُري هل هذا هوَ دمُ النِّفاس بصِفَتِهِ وهيئتهِ، ومِن ثَمَّ فإنها تنحبِسُ عن الصلاةِ والصيام، فإذا بلغتِ الأربعين اغتسلت وقَضَت ما وَجَبَ عليها مما مُنِعَت منهُ حالَ النِّفاس كالصيامِ مثلًا، وليس هناك اضطرابٌ ولا شك فهذا الدم هو الدمُ بعينِهِ، دمُ النِّفاس،
وإن لم يكن على صفتِهِ وهيئتِهِ: فلا يُلتَفَتُ إليه، فيُعتبرُ دمَ فساد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– النِّفاسُ كالحيض فيما يُباحُ وفيما يجِبُ وفيما يَحرُمُ وفيما يسقُطُ غيرَ العِدَّةِ، ومدةِ الإيلاءِ:
دليلُ هذه المسألة:
أنَّ النبيَّ ﷺ سمَّى الحيضَ نِفاسًا في عدَّةِ أحاديث، منها: حديثُ عائشةَ -رضي الله عنها- لمَّا حاضت بِسَرِف، كانت مُتَمَتِّعةً، فقال: “أنَفِستِ؟”
وقد جعلَ العلماءُ النِّفاسَ كالحيض، فيما يُباح: وذلكَ كالاستمتاع بالنُّفساءِ فيما دونَ الفرج، وهذا مثال، ولا يعني الحَصر؛
وفيما يجِبُ، والواجبُ على الحائض: أن تقضيَ الصومَ، فكذلكَ النُّفساء.
وفيما يحرُمُ: وذلكَ كوَطئها في الفرج.
وفيما يسقُطُ: كالصلاة.
وهذه الأمثلةُ هي أمثلةٌ لا تُحصَرُ هذهِ المسألةُ بها.
ويُستثنى من السقوط: العِدَّة، فإنَّ النُّفساء تختلفُ عن الحائض، فإنَّ النِّفاسَ لا عَلاقةَ لهُ بالعِدَّةِ البتَّةَ،
وأمَّا الحيضُ فإنَّ العِدَّةَ مربوطةٌ بهِ، قال عزوجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
واستُثنيَ مُدَّةُ الإيلاء، والإيلاءُ: أن يحلِفَ الزوجُ على أن يتركَ وطءَ زوجتِهِ أكثرَ من أربعةِ أشهُر، فهذا المُولِي إذا مَضَت الأربعةُ الأشهُر يُقالُ لهُ: إمَّا أن تُكَفِّرَ عن يمينِك وتطأَ زوجَتَك، وإلَّا تُطَلِّق،
فلو قال: إنَّ زوجتي تحيضُ في كُلِّ شَهْرٍ خمسَةَ أيَّام وأُريدُ أن تُحسَبَ، فَلْأُمْهَل عشرينَ يومًا،
فنقول: لا مُهلَةَ لك، وذلكَ لأنَّ الحيضَ مُعتادٌ فأخذَ حُكمَ الأيَّامِ المُضطرِدَة.
وأمَّا بالنسبةِ للنِّفاس، فلو قال: إنَّ زوجتي قد بقيَت في النِّفاسِ أربعين يومًا، وأُريدُ أن تُمَدَدَ لي المُدَّةَ لهذا النِّفاس، فتُمَدَّد.