بلوغ المرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ اَلصَّلَاةِ ــــ بَابُ اَلْمَوَاقِيتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
151- عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; أَنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (( وَقْتُ اَلظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ اَلشَّمْسُ, وَكَانَ ظِلُّ اَلرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ اَلْعَصْرُ, وَوَقْتُ اَلْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ اَلشَّمْسُ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ اَلشَّفَقُ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اَللَّيْلِ اَلْأَوْسَطِ, وَوَقْتُ صَلَاةِ اَلصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ اَلشَّمْسُ )) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
152- وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي اَلْعَصْرِ: (( وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ))
153- وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: (( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2)
الشرح :
ــــــــــــــ
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن صلاة الظهر تبدأ من زوال الشمس ولا يعلم أن هناك خلافا فيما نعلمه أنه قيل إن وقتها قبل الزوال بينما ينتهي وقت صلاة الظهر إذا صار طول الشيء مثله ووضحنا ذلك في الدرس الماضي
إذاً :
هنا هذا الحديث أفاد أن آخر وقت صلاة الظهر إذا صار ظل الشيء مثله لكن المشكل هنا أنه جاء قوله عليه الصلاة والسلام صلاة الظهر ” ما لم يحضر العصر “
فهذا الحديث يفيد أن انتهاء وقت صلاة الظهر يكون بدخول وقت صلاة العصر لكن في حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام كما في السنن أنه عليه الصلاة والسلام صلى به جبريل في اليوم الأول صلى به لما زالت الشمس في اليوم الثاني صلى به لما صار طول الشيء كمثله
وفي اليوم الأول لما صلى به العصر لما صار طول الشيء مثله
هنا اختلف العلماء أو قال بعض العلماء إن هناك وقتا مشتركا بين صلاة الظهر وبين صلاة العصر بمقدار صلاة أربع ركعات بمعنى أنهم يقولون : في آخر وقت صلاة الظهر وفي أول وقت صلاة العصر هناك وقت مشترك بين الوقتين
ما معنى هذا الكلام ؟
معناه : أنك لو أوقعت صلاة الظهر في هذا الوقت المشترك وصليت أربع ركعات أجزأت لك عن صلاة الظهر
ولو أوقع شخص آخر صلاة العصر في هذا الوقت أجزأت عن صلاة العصر
إذاً هذا معنى اللفظ المشترك
ولكن القول الآخر وهو الصواب :
أنه ليس هناك وقت مشترك ، وإنما بمجرد أن يحضر وقت صلاة العصر ينتهي وقت صلاة الظهر :
الدليل : هنا
ولماذا صوبنا هذا القول ؟
لأن هذا القول قاله النبي عليه الصلاة والسلام أين ؟ في المدينة وإمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام في مكة
فيكون هذا الحديث ناسخا بما جاء في حديث جبريل بشأن هذه الصلاة
ولكن الأوجه من حيث الصواب ، والصواب كما أسلفنا من أنه لا وقت مشترك بينهما لكن التعليل ما هو : لا نقول بالنسخ وإنما نقول ليس هناك تعارض بين حديث ابن عباس في إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام وبين ما جاء في هذا الحديث لا تعارض كيف ؟
لأن جبريل أمّ بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني لصلاة الظهر فلما فرغ منها إذا بطول الشيء كمثله وفي اليوم الأول لما صلى به العصر ابتدأ من حين ما صار ظل الشيء كمثله
يعني : لما انتهى من صلاة الظهر بانتهائه صار طول الشيء كمثله فلا تعارض بين القولين
وعلى هاذا القول الذي رجحناه
ما مضى من مثال صليت أنت الظهر في هذا الوقت الذي هو آخر وقت صلاة الظهر وأول صلاة العصر صليت أنت أربع ركعات للظهر وصلى غيرك أربع ركعات لصلاة العصر
الصحيح ماذا ؟
أنه بزيادة الظل على طول الشيء كمثله انتهى وقت الظهر وصحت صلاة من صلى العصر
وإن كان الظل لم يزد على طول الشيء كمثله تصح صلاة من صلى الظهر
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن ابتداء وقت صلاة العصر من طول كمثله والانتهاء انتهاء وقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس بناء على هذا الحديث
لكن بناء على حديث ابن عباس كما في السنن من إمامة جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يصير ظل الشيء كمثليه
وهذا مشكل ؟ لأنه أحيانا بل اصفرار الشمس يكون متأخرا وهنا اختلف العلماء :
بعض العلماء يقول : إن انتهاء وقت صلاة العصر إلى أن يصير ظل الشيء كمثليه بعضهم قال يمتد إلى اصفرار الشمس
إذاً ما الحل نحن بين أمرين ؟
والصواب :
وهو اختيار شيخ الإسلام أن انتهاء وقت صلاة العصر يكون باصفرار الشمس
إذاً ما الحل ؟
الحل أننا بين أمرين : النسخ وإما الجمع
الجمع أولى
النسخ ما هو : أن نقول إن هذا الحديث كان بالمدينة وإمامة جبريل كان بمكة والمتأخر ناسخ للمتقدم
أو نقول بالجمع وهو أولى لكن ما هو الجمع ؟
فالجمع بينهما أنه لا تعارض بينهما فإن حديث ابن عباس محمول على زمن يقصر فيه النهار وإذا قصر النهار فإنه لما يصلي العصر فينتهي منها فيكون طول الشيء كمثليه إذا بالشمس قد اصفرت فلا تعارض بينهما
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
نحن رجحنا أن انتهاء وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس يأت آت فيقول يعترض عليكم باعتراض ما هو ؟
قال : حديث النبي عليه الصلاة والسلام في اليحصيحين : (( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )) إذاً الوقت ليس إلى اصفرار الشمس وإنما إلى غروب الشمس فلماذا تحجروا واسعا ؟
إذاً :
عندنا حديث يقول أن انتهاء وقت صلاة العصر حين يكون ظل الشيء كمثليه
وعندنا حديث وهو حديث الباب أن انتهاء وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس جمعنا بين هذين الحديث
فخلصنا من هذا أن انتهاء وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس
لكن هذا الحديث ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )
فالجواب عن هذا :
أن صلاة العصر لها وقتان وقت اختياري ووقت اضطراري
يعني : وقت سعة ووقت ضرورة
الوقت الاختياري والسعة إلى اصفرار الشمس
الوقت الاضطراري والضروري من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس
ما الفائدة من هذا الكلام ؟ ما الفرق ؟
لتعلموا :
أن العلماء لما قالوا لا تجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها يقصدون من ذلك الوقت الاختياري
تصور :
لو أن شخصا لم يجد ثوبا يستر عورته وستر العورة في الصلاة شرط من شروط صحة الصلاة ، وإذا بالشمس قد قاربت على الاصفرار ويقول إن صاحبي قد يأتي بعد اصفرار الشمس بخمس دقائق أو عشر دقائق يأتي لي بثوب سأوخر الصلاة هل له ذلك ؟
الجواب : لا ، لا يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها الاختياري بتاتا وإلا ما الفائدة
تصور :
لو أن شخصا كان مريضا وينتظر شخصا لكي يوجهه إلى القبلة واستقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة فهو إن انتظر مجيئه لن يصلي إلا بعد اصفرار الشمس
فما الحل ؟
يصلي
انتبهوا :
هذا معنى فائدة الوقت الاختياري يعني : لا يجوز بأي حال من الأحوال إلا في حالة ضرورة لا يجوز بأي حالة من الأحوال أن تؤخر صلاة العصر إلى ما بعد اصفرار الشمس إلا لضرورة وستر العروة ليس بضرورة واستقبال القبلة ليس بضرورة
إذاً ما هي الضرورة ؟
الضرورة :
ــ تصور لو أن امرأة كانت حائضا فطهرت بعد اصفرار الشمس وقبل غروبها ماذا نقول لها ؟ اغتسلي وصلي
ــ أتانا إنسان كافر بعد اصفرار الشمس وأسلم نقول له تلزمك صلاة العصر
ــ إنسان في غيبوبة فما أفاق إلا بعد اصفرار الشمس وقبل غروبها نقل صل هذا وقت ضرورة
ــ إنسان جرحه يسيل دما غزيرا فإن صلى قبل اصفرار الشمس وتركه يخشى على نفسه من الهلاك فهو يقول سأشتغل بتضميد جرحي ولكن لن أفرغ من تضميده إلا بعد اصفرار الشمس هنا يؤخر ؛ لأنه وقت ضرورة
هذا هو الفرق بينهما
وبالتالي :
لو أن الحائض طهرت بعد غروب الشمس أو أسلم الكافر بعد غروب الشمس أو أفاق من في غيبوبته بعد غروب الشمس فلا تلزمهم صلاة العصر
إذاً هذا هو الفرق بين وقت الصلاة الاختياري والاضطراري
من كان في غيبوبة ، الصواب :
أنه لا يلزمه شيء لأنه في حكم المجنون ” رفع القلم عن ثلاثة “ المجنون حتى يفيق فلا يلزم بشيء إن صلى فهذا شيء يعود إليه .
إذاً حديث النبي عليه الصلاة والسلام : (( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )) محمول على ماذا ؟
على الوقت الاضطراري بدليل أنه أتى بلفظ الإدراك ولفظ الإدراك لا تكون إلا في آخر الشيء كما قال شيخ الإسلام رحمه الله
كل من سيصاب بضرر لو صلى قبل اصفرار الشمس فإن له الحق أن يؤخرها إلى ما بعد اصفرار الشمس لكن في حال السعة لا
تصور :
لو أن إنسانا كان خائفا من شيء لحقه سبع أو سيل أو عدو ووقت صلاة العصر يكاد أن يصل إلى اصفرار الشمس فهو يقول لا أستطيع أن أصلي الصلاة المعتادة سأومئ برأسي للركوع والسجود ولكن إن جاء بعد اصفرار الشمس وتمكنت من الهرب من هذا المخوف صليت الصلاة المعتادة
فماذا عسانا أن نقول ؟
نقول : صل على حسب حالك في الوقت الاختياري اللهم إلا إذا وجدت ضرورة محققة إذا لم تكن هناك ضرورة محققة فصل على حسب حالك لأن الشرع أتى بالصلاة بالإيماء في حال الضيق لما يكون الإنسان مريضا في حالة حرب
إذاً هذه هي فائدة الوقت الاختياري والوقت الاضطراري
كان بعض الأئمة في زمن الحجاج كان يميت الصلاة حتى صلاة الجمعة ويا ويل من يصلي قبله فكان بعض يأتي ويصلي وهو جالس إمام في صلاة الظهر ثم إذا خطب صلى معه لأن لا يصلي إلا بعد أن تخرج الصلاة عن وقتها
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن وقت صلاة المغرب يبدأ من غروب الشمس إلى مغيب الشفق
لكن في حديث ابن عباس لما صلى جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الأول صلى به بعدما غربت الشمس بينما لما جاء اليوم الثاني كان الأمر كذلك بمعنى أنه صلى بعد غروب الشمس بينما صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة العشاء صلى به في اليوم الأول في أول الوقت وفي اليوم الثاني في آخر الوقت وقال يا محمد الوقت ما بين هذين
بينما صلاة المغرب لما صلى به في اليوم الأول صلى به بعد غروب الشمس وفي اليوم الثاني صلى به بعد غروب الشمس
بينما هذا الحديث يفيد :
أن صلاة المغرب لها ابتداء ولها نهاية
يعني أن زمن وقت صلاة المغرب ممتد وليس مضيقا ولذلك أخذ بعض العلماء أن وقت صلاة المغرب ليس له إلا ابتداء أو نقول وقت واحد بعد غروب الشمس بمقدار ما تتوضأ وتصلي ما بين الأذان والإقامة هنا هذا هو وقت صلاة المغرب
أخذاً بحديث ابن عباس
فأخذ به بعض العلماء ، والصواب :
ولذلك بعض الناس في هذا الوقت وخصوصا أهل البادية وأدركناهم في وقت المغرب لما يؤذن للمغرب ويتأخر ربع ساعة أو ثلث ساعة قالوا فاتنا الوقت يقولون وقت المغرب فوات
ولذلك يوقعون أنفسهم في حرج يعني لو أنه تأخر ربع ساعة أو نصف ساعة كأنه لم يصل المغرب في وقتها
ولاشك أن السنة التعجيل بصلاة المغرب ، ومر معنا ذلك في السنن
السنة أن تعجل صلاة المغرب ، ولكن كون أن وقتها يفوت لو تأخرت ربع ساعة أو ثلث ساعة فإن هذا ليس بصحيح
إذاً الصواب :
هو القول الآخر وهو الذي دل عليه هذا الدليل
إذاً ما الحل في حديث ابن عباس ؟
هل هو نسخ أم غير نسخ ؟
الصواب هو القول الثاني وهو أن وقت المغرب له ابتداء وانتهاء
ابتداؤه من غروب الشمس
وانتهاؤه من مغيب الشفق
ولكن يقال : إن حديث الباب إما ان يكون ناسخا لحديث ابن عباس وإما أن نقول بالجمع
ما هو الجمع ؟
وهذا الجمع يصلح حتى فيما مضى في صلاة العصر وفي صلاة الظهر
الجواب عن هذا :
أن يقال إن وقت المغرب ابتداؤه من غروب الشمس ولكن من باب التوسعة على المسلمين تفضل الله على الأمة بعد أن ذهبوا إلى المدينة بامتداد الوقت
كذلك يقال حديث ابن عباس في قضية صلاة العصر طول الشيء مثليه واصفرار الشمس نقول : تفضلا منه جل وعلا جعل الوقت ممتد
ولا تعارض بين الحديثين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضابط الضرورة : كل من سيلحقه ضرر محقق مثل المجروح الذي يسيل دمه إن لم يعالج نفسه فإنه في مثل هذا الحال سيهلك