بلوغ المرام ـ باب المواقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
160- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (( أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ )) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا ” أصبحوا “ في إحدى الروايات ” أسفروا “ فإنه لو كان الحديث بهذا اللفظ أصبحوا فإنه يدل على عدم تأخير الدخول في صلاة الفجر لكن لما أتت تلك الرواية بالمعنى الآخر” أسفروا “ دل على أن المطلوب هو الإسفار ، لكن مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الفجر بغلس
فكيف نوفق بين هذا الحديث وبين ما مضى معنا من حديث ؟
بعض العلماء : يرى أن هذا الحديث منسوخ بالحديث السابق بدليل ما جاء في الصحيح عن أبي مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم الفجر وقد أسفر ثم صلى بهم بعد ذلك بغلس حتى مات
مما يدل على أن هذا في أول الأمر ثم نسخ بحديث أبي مسعود وبالأحاديث الأخرى ، هذا هو جواب لبعض العلماء
الجواب الثاني : أن هذا الحديث أصبحوا بالصبح أو أسفروا بالصيح محمول على الليالي المقمرة فهناك ليالي يظهر فيه النور ظهورا جليا فيخشى إن صلوا في أول الأمر فيصلوا قبل دخول وقت صلاة الفجر فأمروا في الليالي المقمرة أن يسفروا بصلاة الفجر حتى يتيقنوا أنهم أوقعوها في وقتها الشرعي .
الجواب الثالث : وهو الأحسن لاشك أن الثاني أحسن من الأول لكن الثالث أحسن من الثاني والأول وهو : أن هذا الحديث يمكن أن يجمع مع أحاديث التغليس كيف ؟
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل الفجر بغلس في أول الوقت فيطيل الصلاة ويخرج منها عليه الصلاة والسلام وقد أسفر جدا
ومما يؤكد هذا أنه كان يقرأ ” وكان يصليها بغلس وكان يقرأ ما بين الستين والمائة ” ولو كان يدخل بعد ما يسفر جدا هنا بهذه القراءة قد يخرج وقت الصلاة ثم القرينة الثانية الدالة على أنه كان يصليها بغلس وأنه يطيل القراءة حتى يسفر جدا أنه قال : ” أعظم لأجوركم “ ومعلوم أنه إذا أطال القراءة فإن الأجر يعظم لاسيما مع ما مدح به عز وجل من القراءة الكثيرة في صلاة الفجر (( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) ))
وبالتالي :
يكون الأمر” أصبحوا ” أمر للاستحباب ، استحباب ماذا ؟ الإسفار أم الدخول بغلس والإطالة حتى الإسفار ؟ الدخول بغلس والإطالة حتى يسفر
” أسفروا بالصبح “ المقصود بذلك النور بحيث يرى القريب من هو قريب منه ولا يقصد بذلك الإسفار الذي لا ظلمة معه ، كلا ، ولذلك ينصرف أحدهم وإنه ليعرف وجه الرجل مع أنه لم يكن هناك كهرباء ولا إضاءة
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن ذكر العلة مطمئنة للعبد أن ذكر علة الحكم مطمئنة للعبد قال ” فإنه أعظم لأجوركم “ لكن لو لم تذكر علة فإن التنفيذ يكون أبلغ من حيث الانقياد والتسليم لشرع الله فنحن عبيد لله جل وعلا فيجب أن نفعل ما أمر به جل وعلا علمنا الحكمة أم لم نعلمها ذكرت لنا الحكمة أو لم تذكر
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن من عادته عليه الصلاة والسلام أنه في الأمور التي في ظاهرها مشقة على الناس فيما يتقربون به إلى الله أنه يشجع الفاعلين لها بالأجور ولا شك أن الإطالة فيها مشقة فقال : ” فإنه أعظم لأجوركم “ سقاية الحجاج في مكة لما وقف النبي عليه الصلاة والسلام على من يسقي الحجيج قال عليه الصلاة والسلام لهم : ” فإنكم على عمل صالح “ من باب تشجعيهم
تجد أن الحديث الوارد عند ابن ماجه ويحسنه بعض العلماء ويضعفه كثر دعاء السوق : ” لاشك أن ذكر الله في السوق ، السوق مظنة الغفلة واللهو والإقبال على الدنيا فإذا قال هذا الدعاء أو هذا الذكر فإنه حينها يكون قد جاهد نفسه ومن يجاهد نفسه فإنه يحتاج إلى من ينشطه
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن الميزان الذي ينبغي أن يحرص المسلم على أن يضع فيه ما يسره هو ما يوضع له في الآخرة ولذلك قال : ” فإنه أعظم لأجوركم “
يعني : نحن لما يرى حالنا نحن نتسابق إلى تعظيم الأرصدة وإلى تكثير الأموال ولاسيما في مثل هذا الزمن الذي وللأسف ظهر فيه حب المال حبا جما إلى درجة أن الكثير حتى ممن عليه سما الخير ممن يحضر إلى الصلاة تضعف نفسه أمام المال
فتجد أن الناس قد انشغفوا بها وأخذوا هذه الأموال دون تحرى في تحصيلها وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام عند البخاري ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال أمن حل أمن حرام )
وهذا واقع بل إن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن الرجل يبيع دينه بعرض من الدينا قليل
وبالفعل فانظروا إلى حالنا وحال رسولنا عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام قال : ” فإنه أعظم لأجوركم ” هذا هو االذي ينبغي أن يسيرك الذي يحركك يعني لا تتحرك في شغف إلا فيما يعظم أجرك فإنه أعظم لأجوركم
بعض الناس لا يتقدم خطوة لنفع إخوانه الآخرين إلا إذا أعطي وهذا لا يجوز أن يأخذ على جاهه أو شفاعته مالا لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود : (( من شفع لأخيه شفاعة فأعطاه هدية فقبل منه فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ))
يعني الناس الآن يتسابقون على أن يقدموا للناس الخير والمعروف من أجل الدنيا لكن أين من يقدم من أجل الآخرة وللأسف يندر مثل هذا
قلة من يخطو خطوات من أجل رفع كربة أو مشقة على مكروب أو محتاج
فإن أعطي سارع وإن لم يعط فإنه يتكاسل
وهذا في الحقيقة لا يفلح لا في دين ولا في دنيا
سبحان الله!
لكما حرص ابن عدم على الدنيا كما قال بعض السفف كشارب الخمر يريد أن تطفئ عطشه فتزيده عطشا يلهث وراءها ولذا لما حرصنا عليها إذا بنا متعبون مثقلون من الهموم
يفكر الإنسان فيما سيأتي في عشرات السنين مع أن لديه ما يكفي في سنين قادمة ومع ذلك إذا به يفكر في السمستقبل الذي لا يدري أيدركه أم لا
ومحل هذا التنافس أن الناس ينظر بعضهم إلى بعض لديه ما يكفيه ولو لسنين قادمة ويرى أخاه يرى ابن عمه قريبه أنه أحسن منه وأنه أكثر منه فلا يردي هذا إذا به يريد أن يسبقه أين مسابقتك لأهل الخير ؟
هذا هو الذي يفيد
ومع ذلك نحن نحرص فلا نحن بحاضرنا أو بما لدينا في حاضرنا استمتعنا ولا نحن فيما نؤمله من مستقل نحصله ولا ندري :
إنسان يقول والله إذا تزوجت واشتريت سيارة وكان لي بيت والله لن أتحرك بتاتا فيظفر بهذه كلها ثم إذا به ينظر إلى شيء وهكذا وهكذا حتى يوضع في قبره ولن يقنع ولن يشبع ابن آدم من هذه الدنيا ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) (( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا )) إلا من قنعه الله عز وجل ومن قنع في الحقيقة هو السعيد
إذا أردت وأنت فقير أو محتاج لا تنظر إلى من حولك يعني ربما بعض الناس يكون كثير الأسفار كثير الشراء من الأسواق يكون كثير شراء المأكولات والمشروبات من المطاعم وغيرها وأنت لا تحصل مثل ما تحصل ليست السعادة في مثل هذا
إذا أردت أن توزن السعادة بالميزان الحقيقي بعد طاعة الله عز وجل أن تنظر إلى هذا اليوم من هو أسعد أنت أم هو ؟ هذا اليوم هل أنت سعيد أم هو سعيد ؟
ليس إحضار المأكولات والسفريات هي محل السعادة لا ، لا تجلب السعادة
بعض الناس ربما يكون في خيمة وهو من أسعد الناس
وبعض الناس بما يكون في قصر ويكون من أتعس الناس
فانظر إلى هذا اليوم الذي مر بك إذا مر بك وأنت سعيد لم تتكدر فهذا من أعظم النعم
بعض الناس ربما لديه من الأموال وليس بسعيد
والواقع هو الذي يتحدث أنتم تزاملون أو تعرفون أشخاصا بهذه الحال بعضهم مثل ما يقال على كفاف ولكنه سعيد وبعضهم ثري ومع ذلك ليس بسعيد
لا تشغل بالك بالآخرين الذي أتعب الناس في الحقيقة أنهم يرون الآخرين القريب الصديق هذا مخالف لقول النبي عليه الصلاة والسلام عند مسلم :
(( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أحرى ألا تزدروا نعمة الله عليكم ))
قد يكون لديك سيارة بخمسة ألاف لكن لو رأيت الشخص الذي يملك سيارة بخمسمئة ألف وقلبك مشغوف بها ازدرأت هذه النعمة التي لم يحلصها من لديه سيارة بخمسة ألاف أو ليس عنده سيارة
فنسأل الله أن يعظم أجورنا وأجوركم وأن يجعلنا ممن يعلق قلبه بالآخرة والإنسان له فيمن حوله عبر انظروا إلى الأثرياء والأغنياء عبر
علامات فلما علا مات علم في ثرائه في تجارته ثم ماذا ؟
فلما علا مات
فنسأل الله أن يسعد قلوبنا وقلوبكم بطاعته
هذا هو أهم ما يكون ، إضافة إلى الصحة والعافية إذا كانت لديك فهي من أعظم النعم