شرح بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة ــ باب المواقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
167- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ, لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا اَلْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَو وْ نَهَارٍ } رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
ذكر هذا الحديث يدل على حسن ترتيب ابن حجر لهذا الكتاب وما يوفق إنسان في حسن ترتيب كتاب أو كلام إلا لكونه متضلعا في هذا العلم بعد توفيق الله له
ولذا لما ذكر الأحاديث المانعة من الصلاة في هذه الأوقات المنهي عنها أتى بذكر حديث يجيز وهو حديث ” يابني عبد المناف حديث جبير بن مطعم “
وهذا يلحظ مما مضى من أحاديث مرت معنا :
فالشاهد من هذا :
أنه رحمه الله أحسن في ترتيب هذا الكتاب ، ولا يفهم هذا لا يفهم حسن ترتيبه إلا من هو فاهم ولا فاهم إلا من تعلم وأبحر في العلم
ولذلك البخاري في تبويبه :
في صحيحه فقهه في تبويبه ، تلك الفرائد من هذا التبويب للبخاري رحمه الله أخرجها ابن حجر وبينها فتعجب حينما يبوب البخاري بابا وإذا به يذكر تحت هذا الباب حديثا لونظرت إلى هذا الحديث لوجدت أن هذا الحديث ليس له متعلق فيما يبدو لك
لكن عند التعمق تجد أن له ارتباطا وثيقا بالباب وهذا يدل على الفقه والفهم
ولا يحصر طالب العلم نفسه على الحفظ لا يمكن أن يكون الإنسان ضابطا للعلم إلا بالحفظ والفهم وكلما فهمت جيدا كلما كان حفظ أسرع لكن لو كان فهمك بسيطا فإن الحفظ عندك يصعب
لكن بعض الناس عنده حفظ:
لكن عنده قلة فهم هذا أعطاه الله عز وجل حافظة ، ولذلك يقول الشعبي رحمه الله كما في سير أعلام النبلاء قال :
(( لسنا بالفقهاء وإنما نحن سمعنا الحديث فحفظناه فأديناه ))
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام : (( نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب مبلغ أوعى من سامع ))
ولذلك النصوص الشرعية ما جاءت إلا لمدح الفقهاء ليس المقصود من ذلك الفقه على حسب المصطح لاشك أن الفقهاء يدخلون لكن الفقه هو الفقه في جميع علوم الشريعة
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه : (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )) مفهومه أن من لم يرد الله به خيرا لم يفقهه في الدين
ولذلك هذا الفهم مما يجعل طالب العلم أقوى فيما يطرحه من مسائل
ولابد من تحريك الذهن ولذلك لو نظرتم إلى ما وصف به شيخ الإسلام لم يوصف بأنه حافظ لكن الرجل هو حافظ سريع الحفظ يقول الذهبي “سريع الحفظ بطيء النسيان “
لكن لماذا لم يوصف بأنه حافظ ؟ لأن هذا الرجل لا يعرف حاله إن رأيته في الفهم فالفهم يغطي على صفة الحفظ ، إن رأيته في الحفظ فإنه يغطي على سمة الفهم
في الأبواب الأخرى في الفنون الأخرى : إذا تحدث قيل إنه لا يحسن إلا هذا العلم كأنه فرغ نفسه في هذا العلم وحده لأنه متبحر
فلم يوصف بأنه حافظ لأنه تبحر في العلوم كلها ولم يدع شيئا حتى إنه كان يرد على أئمة النحو اللغة مما يدل على أن لهذا الرجل فهما ثاقبا
ولذلك هو يقول رحمه الله ” إن إشغال الذهن بالمسائل عسيرة الفهم تفتق الذهن ”
ولذلك كلما كان هذا العقل كلما كان متقدا متحركا في التفكير والفهم إذا بالإنسان وإن كان يتعب لأنه مثل اللياقة الرياضية لو قيل شخص تعالى هرول صعب لكن لو بدأ في اليوم الأول عسير ، وهكذا هكذا إن استمر تجاوز القنطرة فأصبحت هذه الهرلة يسيرة
كذلك الفهم أي عضو ميت تدربه شيئا فشيئا يقوى وبالتالي فإن على طالب العلم أن يستفيد من سير هؤلاء العلماء لأنهم يختصرون له الزمن
ولذلك :
بعض طلاب العلم لم يحرص على كتب هؤلاء المتأخرين يقول هؤلاء متأخرون إنما أنا آخذ من المتقدمين ولاشك أن علم المتقدمين فيه خير عظيم لكن هؤلاء المتأخرين نفع الله بهم الأمة لم ؟
لأنهم حصروا وجمعوا قول من سبق فعندهم من الجهد ما ليس عندك أنت يا من تعيش في هذا العصر
فإنهم يجمعون ويحصرون ما قيل فيمن تقدم إضافة إلى أنهم يعطونك الرأي الذي فهومه مما جمعوه من أقوال
لكن بعض الناس الآن تجد أنه يحفظ ، وإذا به يأخذ رأي أي عالم من العلماء المتقدمين كسعيد بن جبير أو عطاء أو من شابه هؤلاء الأئمة لو سلمنا بهذا أليس هناك علماء من المتقدمين لهم رأي يخالف رأي سعيد ؟
فلو جلست على جهدك ما استطعت أن تأخذ شيئا من العلم لكن هؤلاء يختصرون لك العلم والزمن
حتى في الأسانيد هؤلاء علماء أتعبوا أنفسهم جمعوا الأسانيد والأحاديث الصحيحة والضعيفة والحسنة والمعلقة والمعضلة ما تركوا شيئا فأنت تأتي وتقول أنا بنفسي أذهب وأبحث في كتب المتقدمين ، لماذا ؟
هذا ليس بمنهج صحيح ولذلك ما سار عليه العلماء الكبار ، الشيخ ابن باز وابن عثيمين تجد أن لهم سلالة متقدمة من العلماء
ابن القيم لم ينفرد برأيه وإنما يأخذ عن شيخه
وهكذا دواليك
وهذا له دليل وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام ” تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم “
فيه ترابط فلابد أن تاخذ بكلام من مضى
ولذلك يقول الإمام أحمد : ” من قال في مسألة لم يقل بها إمام قبله فإنه قد أخطأ “
يعني : لا تقل قولا في مسألة ليس لك فيها سلف
هذا قول الإمام أحمد
أما أن يأتي بعض طلاب العلم في هذا العصر :
ويأتي برأي من هاهنا وبرأي من هاهنا فإنه لم يصد صيدا ثمينا ولم يطعم من يريد أن يطعمهم الشيء الثمين فإنه لم ينفع نفسه فكيف ينفع غيره ؟!
ولذلك :
من لا يعرف قدرهؤلاء العلماء الكبار في هذا العصر ومن لا يعرف قدر المتأخرين من العلماء فإنه في الحقيقة لا قدر له في العلم
ولذلك :
نرى بعض الآراء من المتقدمين خالفهم فيها متقدمون آخرون كيف عرفنا ؟
ما عرفنا إلا بعد أن قرأنا كتب المتأخرين
لما الأئمة يجمعون الأحاديث الضعيفة ويتكلمون فيها يقولون قال العالم الفلاني كذا في هذا الحديث وفي هذا الحديث هذا أيسر لك
كحالنا الآن أنتم الآن تتلقون العلم بدل ما تذهب وأنت في بداية طلب العلم لو قيل لك اقرأ في فتح الباري في فتاوى شيخ الإسلام في كتب ابن القيم لو قرأت تعبت ولو قرأت لم تفهم الفهم الكامل وربما تفهم بعض الشيء على غيبر مراده لم ؟
لأنه ليس عندك قاعدة
لكن هنا الشيخ الذي يقدم لك هذه المعلومة ما أخذه في وقت طويل يقدمه لك في ساعة لأنه أخذ ممن سبقه
ولذلك قيل : ” من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه “
فالقضية قضية هامة في هذا الباب
فانظروا إلى ابن حجر كيف رتب هذا الكتاب ؟!
ــــــــــــــــــــــــــ
فمن فوائد هذا الحديث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن جبير بن مطعم من بني عبد مناف إذاً له شرف أن يروي هذا الحديث ولا بأس أن يروي من له شرف حديثا يبين شرفه لأنه ما شرف نفسه بنفسه إنما شرفه الشرع
ولذلك :
لم يقل أنا من بني عبد مناف أو أنه أظهر أن له مكانة وإنما روى هذا الحديث
وجبير بن مطعم : المطعم بن عدي هو من نافح عن النبي عليه الصلاة والسلام ودخل في حماه لما اضطهد من الكفار ، فلما وقعت غزوة بدر ووقع فيها الأسرى أتى جبير إلى النبي عليه الصلاة والسلام يكلمه في الأسرى قال لو كان المطعم بن عدي حيا لتركت هؤلاء له من باب المكافأة
فالشاهد من هذا :
أن جبير بن مطعم روى هذا الحديث
وجبير بن مطعم : يحمل قلبا لكن القلب المقصود منه هو العقل قال تعالى : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) )) يعني عقل وإلا لو كان المقصود الذي هو المادة المحسوسة هذه المجنون له قلب (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ))
ولذلك يفسره المفسرون بأن القلب هنا هو العقل
ولذلك :
لما مر بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ في صلاة المغرب بالطور وبلغ قوله تعالى (( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) )) قال : كاد قلبي أن يطير
فأسلم رضي الله عنه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا ” يابني عبد مناف “ لا يجوز أن يعبد الاسم لغير الله بتاتا
ولذلك قال هنا يابني عبد مناف فلا يجوز لأحد أن يسمي ابنا له بعبد مناف أو بعبد الدار ولا بعبد الرسول ولا بعبد النبي
فهذا من الشرك في التسمية
لكن جرى هذا اللفظ على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ” يابني عبد مناف “
لم ؟
لأن المخبر عن الشرك لا يقع في الشرك ، الناقل للشرك ليس بمشرك
ولذلك خطأ العلماء ابن حزم قال : أجمع العلماء على تحريم تعبيد الاسم لغير الله حاشا عبد المطلب يعني يجوز عنده تسمية عبد المطلب ، هو يستدل بقول النبي عليه الصلاة والسلام لما افتخر في غزوة حنين : ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) قال : قالها النبي عليه الصلاة والسلام
فنقول : قوله لها إخبار وليس إقرارا
إذاً:
لو قيل بهذا إذاً ندخل على ابن حزم بهذا الحديث يابني عبد مناف
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه جاءت رواية عند ابن حبان ” يابني عبد المطلب” وعبدالمطلب أخص من بني عبد مناف وكلاهما يشتركان في هذا النسب
لكن لفظ ابن حبان يدل على أنه حث منه عليه الصلاة والسلام لبني عبد المطلب الذين هم من سلالة عبد مناف حث لهم في المستقبل
فقال : (( يابني عبد المطلب ألا لا يمنعن أحد منكم إذا ولي أمرهذا البيت أن يمنع من صلى فيه في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ))
انتبهوا لو تولى أحدكم يابني عبد المطلب لأن بني عبد مناف متعددون من بينهم بني عبد المطلب يعني : انتبهوا يابني عبد المطلب ، وهو يرجع إلى بني عبد المطلب في قربه من النسب إلى بني عبد مناف
فكأن في هذا تنبيها منه عليه الصلاة والسلام لمن يلي أمر الحجاج على وجه العموم من ؟ بني عبد مناف
وعلى وجه الخصوص في مستقبل الأمر من ؟ بني عبد المطلب
ولذا استأذنه العباس بن عبد المطلب ليالي منى ألا يبيت فيها من أجل سقاية الحجيج
ولما وقف عليه الصلاة والسلام عليهم على بني عبد المطلب وهم يسقون الحجيج فقال : ” لولا أن يزاحمكم الناس لسقيت معكم “
وقال : ” فإنكم على عمل صالح “
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضيلة من يلي البيت ، ومن يقوم على شؤونه سواء من بني عبد مناف أو بني عبد المطلب
وإنما وجه الخطاب إليهم باعتبار أنهم هم الذين يتولون هذا الأمر
إذاً : ما يرى ويشاهد من الجهد الجبار والإنفاق العظيم من هذه الدولة على الحرمين ولاسيما الحرم المكي هذا لاشك أنه شرف إذا أخلصت النية لله عز وجل
فإن من يتولى أمر البيت فله مزية ليست لغيره وإذا كانت له مزية فالواجب عليه أن يقوم بهذا العمل على أمل ما يكون
ولذلك نرى هذه المشاريع الجبارة لأن بعضا من الناس قد يشكك يقول هذا واجب عليهم صحيح أنه واجب لكن ليس بهذا الأمر الضخم العظيم الذي تنفق فيه الأموال
لاشك أن من يلي هذا الأمر عليه أن يسهل أمر الناس بالذهاب إلى مكة سواء في الحج أو العمرة
لكن بعض الناس لا يعرف لأهل الفضل فضلهم بعض الناس يرى هذه الأشياء لا شيء وبعض الناس ممن في قلبه شيء إذا ذهب تغير حاله ورأى أن لهم فضلا
وعلى كل حال نحن لا ننطلق في ثنائنا على الآخرين من مجرد هوى ، لا ، من خلال ما يأتي به الشرع فإن من يلي البيت ليس كغيره
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث دليل لمن قال إن الصلاة التي لها سبب يجوز إيقاعها في الأوقات المنهي عنها لأنه قال :
” في أي ساعة شاء من ليل أو نهار “
وهذا يشمل الأوقات الأخرى
لكن من يرى المنع بناء على الأحاديث السابقة كحديث أبي سعيد الخدري يقول :” إن هذا الخطاب موجه إلى من يلي الأمر ألا يمنع أحدا وليس له علاقة بالصلاة بينما الحديث موجه إلى من يلي هذا الأمر وهم بنو عبد مناف بأن لا يصدوا الناس عن العبادة في هذا المكان
وليس له علاقة بالأوقات المنهي عنها
ولكن يرد عليهم برواية ابن حبان لأنه لم يذكر فيها الطواف وإنما ذكر فيها الصلاة فدل هذا على أن ما مكان له سبب فيجوز
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن بعض الصحابة أخذ بما أخذ به المانعون من ماذا ؟
من عدم الصلاة ولم يأخذوا بمدلول هذا الحديث كأنه يقوي قول من يقول إن هذا الأمر مو جه إلى من يلي هذا البيت
وهو حديث جابر في المسند قال لم نكن نطوف من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا من بعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس قال لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” إن الشمس تطلع بين قرني شيطان “
ولكن قلنا لكم بالأمس أن هذا ليس من جميع الصحابة فبعض الصحابة كابن عمر وجاء عند البخاري أنه رضي الله عنه كان يطوف بعد العصر وبعد الفجر ما لم تطلع الشمس
وجاء عن ابن عمر المنع من الطواف
فالجمع بينهما : أنه رضي الله عنه كان يمنع من الطواف عند غروب وشروق الشمس لأن من يطوف في هذا الوقت يقصد بذلك الوقت المنهي الذي ضيق فيه
لكن لو أنه طاف بعد العصر مباشرة أو بعد الفجر مباشرة وصلى فلا إشكال في ذلك عند ابن عمر
ولذلك :
عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري رأت بعض الناس طاف بعد العصر وبعد الفجر ثم جلسوا عند المذكر أي من يلقي الذكر دل على أن هناك في ذلك العصر من يلقي الدروس فلما طلعت الشمس قاموا فصلوا فأنكرت رضي الله عنها كيف يفعلون في هذا الوقت المضيق ؟
ولذلك عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن كانت تنكر الطواف بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر
لكن بناء على ما رأته من هؤلاء القوم
فالشاهد من هذا :
أن الطواف لا إشكال فيه
لكن لماذا يمنع من الطواف ألذات الطواف أم لما يترتب على هذا الطواف ؟
ما يترتب على هذا الطواف من هذه الصلاة
ورد عند البخاري :
أن عمر طاف في وقت النهي ولم يصل الركعتين إلا بذي طوى هذا عند البخاري جاء موصولا عند غيره من أنه صلى الركعتين بعدما طلعت الشمس
لكن كونه يخرج لا يدل على أنه لا يرى أن الركعتين تكون بعد الطواف لعل عنده شغل ولعله لم يتمكن من صلاة هاتين الركعتين بذي طوى إلا بعد أن طلعت الشمس
ولذلك أخذ من فعل عمر لما طاف وأخرالركعتين اللتين بعد الطواف أخرهما إلى هذا الوقت قالوا إنه لا تشترط الموالاة بين الطواف ، وبين الركعتين
تصور :
لو أنك مثلا طفت العاشرة صباحا ثم بدا لك أن تشتري شيئا أو تقرأ القرآن أو ما شبه ذلك ثم بعد ساعة أو ساعة ونصف قلت أصلي ، تصلي ماذا ؟ تصلي الركعتين اللتين بعد الطواف تقع ؟ تقع الدليل فعل عمر رضي الله عنه
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن من يقوم على شؤون البيت يجب عليه أن يتقي الله فلا يمنع أحدا يؤدي العبادة
لكن لو قال قائل :الآن منع ما هو أعظم من الطواف الذي هو الحج إلا بتصريح ؟
فالجواب عن هذا :
أن هذا المنع لم يأت جزافا وإنما هو مبني على فتوى هيئة كبار العلماء وقت الشيخ ابن باز وحدد بخمس سنين ، وتحديده بخمس سنين ليس ناتجا عن هوى ، لا ، وإنما هو مبني على دليل ، وهو ما صح عنه عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل ” من مضت عليه خمس سنين ولم يفد إلي فإنه محروم “
قال الألباني : حديث ثابت يعني خمس سنوات من لا يفد إلى البيت الحرام فإنه محروم
وهذا من باب التنظيم لا من باب المنع
ولذلك ما كانوا يمنعون في السابق أحدا لكن لما ازدحم البيت بالناس وشق على الناس وكثر الموت هنا أتى هذا النظام بالمنع من أجل مصلحة الناس لا من أجل التضييق عليهم
ولذلك هذا تنظيم :
النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه لما كان في منى كان يحب التنظيم قال للمهاجرين : ” اجلسوا عن ميمنة القبلة ، وقال للأنصار اجلسوا عن ميسرة القبلة ، وقال للآخرين اجلسوا هنا وهنا “
مما يدل على أن التنظيم في الحج مطلب شرعي فعله النبي عليه الصلاة والسلام فإذا أتت المصلحة لا يمنع
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يحج في العام التاسع أرسل أبا بكر وعليا بن أبي طالب أن يناديا في منى ألا يحج بعد هذا العام مشرك
فما كان في مصلحة الأمة في المنع ، المنع في مصلحتها إما في زوال معالم الشرك كما منع النبي عليه الصلاة والسلام الكفار أو مصلحة تعود على عبادة المسلمين باليسر والسهولة فإنه لا يعد ذنبا ولا جرما
خلافا لما يتصوره بعد الناس أجرموا ليس لهم حق
يعني : مراعاة الضعفاء مراعاة من لم يحج هذا أتى به الشرع
ولذلك :
النبي عليه الصلاة والسلام من باب التيسير ماذا قال كما في المسند قال : ” ياعمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي فإن خلا لك وإلا فاستقبله وكبر “
مع أن مسح الحجر الأسود فيه فضل يحط الخطايا حطا ومع ذلك لم يقل زاحم ، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف
والنبي عليه الصلاة والسلام أمر الضعفاء أن يفيضوا من مزدلفة حتى لا ينطلقوا مع حطمة الناس يعني حتى لا يجتمع الناس مع هؤلاء فيحطمون هؤلاء الضعفاء
وأذن النبي عليه الصلاة والسلام للظعن ” للمرأة ” أن تذهب من مزدلفة مبكرة قبل الفجر
وأذن لأم سلمة فطافت بالليل
وأذن النبي عليه الصلاة والسلام للأطفال أطفال بني عبد المطلب أن يفيضوا من مزدلفة
إذاً كل هذه من باب التيسير على الناس
ولذلك هو عليه الصلاة والسلام لأن ازدحام لاشك أنه يورث مفاسد ولذلك هو عليه الصلاة والسلام في الحج كان لا يطأ عقبه رجلان يعني ليس هناك شخص عن يمينه وعن يساره يعني موكب أو فخامة لا ، ولا يقال إليك إليك يعني : تنحى تنحى فقد أتى النبي عليه الصلاة والسلام
لا
حتى لا يتعب الناس
فهذا المنع مبني على مصالح عامة وليست مصالح خاصة
مع أنه ليعلم لو كان المقصود المصلحة الخاصة فإن الدولة تستفيد من كثرة عدد الناس إذا ذهبوا إلى الحج تستفيد مادة مبالغ اقتصادية كبرى
لكن لمصلحة لناس ومصلحة هذه المشاعر أتى هذا المنع
ثم بعض الناس سبحان الله ! بعض الناس عاطفة من غير علم شرعي ما تفيد ولا تربي صاحبها
بعض الناس يقول لابد أن أحج كل سنة حتى لو منعوني سأذهب وأذهب وأبحث عن طرق ملتوية أو ألبس ثياب وأدخل على أنني لست بمحرم
يا أخي أجرك كامل كأنك أديت الحج وأنت جالس بين ذويك وأهلك :
في الصحيحين : ” إن بالمدينة لرجالا ــ وهذا في الجهاد في غزوة تبوك أشق الغزوات ــ إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر ” و في رواية ” إلا شاركوكم الأجر “
أجرك تام وكامل وأنت بين أهلك وغير متعب
فقضية العاطفة هي المشكلة عند كثير من الناس
لتربط هذه العاطفة بالعمل الشرعي
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه عليه الصلاة والسلام قال ” في أية ساعة شاء من ليل أو نهار “
أية : اي الموصولية ارتبطت بها التاء
وجاءت رواية عند أبي داود بخلوها من التاء في أي ساعة
ورد هذا وورد هذا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن السعة كما أسلفنا تطلق على الزمن إما القليل أو الكثير وهذه تدل على الزمن ” أية ساعة شاء من ليل او نهار “ تطلق على الزمن اليسير
الساعة تطلق على الزمن اليسر ولو لم تكن ستين دقيقة ، وتطلق على الزمن الكثير ولو كانت تلك الساعة ثلاثمائة وأربعمائة دقيقة
والدليل :
ان النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : ” إن الله حرم مكة ولم يحلها إلا لرسول الله عليه الصلاة والسلام ساعة من نهار “
ساعة كم الساعة ؟ يوم
الساعة تطلق على الساعات أو الدقائق الكثيرة وتطلق على ما هو أقل من ستين دقيقة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن قوله في أية ساعة شاء من ليل أو نهار يدل هذا على أن هذا البيت يؤتى إلييه حتى فيما مضى ولا يخلوهذا البيت لا بليل ولا بنهار من القاصدين إليه أنه في الحقيقة من يأتي إليه ويريد الطواف في الغالب أنه يكون من الأفاقيين وليس من أهل مكة مما يدل على أن هذا البيت مقصود ولذلك قال الله عز وجل عن إبراهيم في دعوته : ((فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) ) لم يقل فاجعل من الناس ، لا ، الأفئدة تهوي نحن هنا وأفئدتنا هناك ( (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)) يقول ابن عباس : لو قال فاجعل أفئدة الناس لحجت الفرس والروم لكن قال ” من الناس ” يعني بعض الناس
ولذلك قال عز وجل : ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)) مثابة يعني يثوبون إليه ويترددون عليه .