بلوغ المرام ـ باب المواقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
168- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; عَنْ اَلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (( اَلشَّفَقُ اَلْحُمْرَةُ )) رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقْفَهُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
فهذا الحديث الذي ذكره ابن حجر اختلف العلماء أهو مرفوع إلى النبي عليه الصلاة أو السلام أو هو موقوف ؟
فإن كان مرفوعا فإنه حينها يجب أن يفصل في النزاع الحاصل بين العلماء وإن كان موقوفا فإن للرأي فيه مجال وبالتالي فإننا نأخذ من هذا الحديث ما يلي من فوائد ::
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن الشفق مأخوذ من ذي الشفقة وهي الرقة يقال قلب مشفق يعني رقيق والشفق هو النور الذي يكون عند مغيب الشمس فسمي بهذا الاسم لرقته
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن الشفق لفظ مشترك عند أهل اللغة مثل القرء :
القرء أهو الحيض أوالطهر ؟ هذا لفظ مشترك في اللغة العربية كقول الله تعالى : ( فرت من قسورة ) القسورة هنا الأسد أم الصائد لفظ مشترك يصلح لها ويصلح لهذا
الشفق لفظ مشترك من حيث اللغة يصلح لأن يكون هو الحمرة ويصدق أن يكون هو البياض
فهل الشفق هو الحمرة أم البياض ؟
هنا تنازع أهل العلم : هل تبدأ صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر أم من مغيب الشفق الأبيض ؟ لأن بداية صلاة العشاء تكون من مغيب الشفق لقوله عليه الصلاة والسلام : ( صلوا هذه الصلاة يعني العشاء ما بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل )
لكنه هنا لم يصرح ما هو الشفق أهو الأبيض أم الأحمر فياترى متى تبدأ صلاة العشاء ؟
أبذهاب الحمرة أم بذهاب البياض اختلف العلماء في هذا :
القول الأول : ويروى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : إنه يؤخذ بغياب الشفق الأحمر لمن هم في الصحراء ؛ لأن الشفق الأحمر في الصحراء يتيقن مغيبه وأما بالنسبة لأهل الأمصار فكما قال رحمه الله لمن هم في المدن : ” من مغيب الشفق الأبيض ” من باب أن غياب الشفق الأحمر يتعذر رؤيته في المدن
والناظر إلى هذا القول يرى أن به ضعفا لم ؟
لأنه لا فرق بين من في الأمصار وبين ما هم في البوادي في عصر النبي عليه الصلاة والسلام فالكل سواء فالإضاءة متعذرة في البادية أيضا متعذرة في عصره عليه الصلاة والسلام أيضا في الحاضرة
القول الثاني :
أن الشفق هو البياض بمعنى أنه لا يبدأ بصلاة العشاء إلا بعد مغيب الشفق الأبيض
ولتعلموا أن الشفق الأبيض هو الذي يأتي بعد الأحمر فالأحمر أسبق فالبياض لا يأتي إلا بعد الأحمر
ويستدلون على هذا بقول الله تعالى : (( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيل))
وغسق الليل شدة الظلمة ولا يمكن هذا إلا بذهاب البياض
لكن يجاب عن هذا الدليل من أن هذا ليس بوارد هنا لم ؟
لأن النجوم تكون ظاهرة مع وجود شدة الظلمة
فإذاً : هذا المفهوم الذي فهمه هؤلاء من هذه الآية معارض ببريق ونور النجوم
الدليل الثاني : أنهم يقولون : إن الشفق أتى في اللغة العربية بمعنى البياض ويجاب عن هذا : من أن الشفق أتى في اللغة العربية وهو لفظ مشترك بين البياض والحمرة لكن النصوص الشرعية أتت بتوضيح هذا المقصود من حيث الشرع ، فالشرع قصد من هذا الشفق الحمرة ولم يقصد البياض
وهذا المذهب الثاني هو ما ذهب إليه أبو حنيفة
بينما الرأي الثالث : وهو رأي الجمهور يرون أن الشفق هو الحمرة بل إنه نقل عن أبي حنيفة رحمه الله أنه رجع إلى قول الجمهور
فالصواب إذاً :
أن ابتداء صلاة العشاء من مغيب الشفق الذي هو الحمرة وليس البياض للأدلة الآتية :
أولا ــ هذا الحديث الذي معنا فإن كان مرفوعا فهو الفيصل بدليل التتمة له فإذا غاب الشفق الحمرة فإذا غاب وجبت الصلاة فعين النبي عليه الصلاة والسلام أن الشفق هوالحمرة ، وإن لم يكن مرفوعا وإنما كان موقوفا فإن قول ابن عمر مع أحد المعنيين للشفق الذي هو الحمرة في اللغة العربية يؤيد قوله
إذاً : عندنا ما يؤيد الحمرة أكثر من البياض هذا إن كان موقوفا لكن إن كان مرفوعا فانتهى الأمر
لكن إن كان موقوفا فعندنا ما يؤيد ويرجح معنى الحمرة للشفق أكثر من البياض ما هو ؟
اللغة العربية ورأي ابن عمر كما هنا
الدليل الثاني : ــ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن صلاة العشاء قال (( تصلونها ما بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل ))
إذاً جعل عليه الصلاة والسلام انتهاء صلاة العشاء إلى ثلث الليل ومر معنا إلى نصف الليل
لكن هنا (( تصلونها ما بين مغيب الشفق )) هل بين هنا الأحمر أم الأبيض ؟ لم يبين (( تصلونها ما بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل )) ومعلوم أن البياض ثبره العلماء فرأوا أنه لا يغيب إلا عند ثلث الليل وإذا كان لا يغيب إلا عند ثلث الليل أكيد بناء على هذا الحديث أن المقصود هو الحمرة
الدليل الثالث :
أنه ثبت في بعض البلدان في العالم أن البياض لا يغيب أبدا بالليل ومعلوم أن الشرع إذا أتى في تحديد شيء ولاسيما فيما يحتاج الناس إليه ولاسيما فيما له قدر وقيمة كالصلاة لابد أن يكون واضحا بينا يشمل العالم كله
الدليل الرابع :
ما جاء في سنن الترمذي وأبي داود وغيرهما : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة
معنى هذا الحديث : أن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة العشاء عند مغيب القمر في ثالثة من الشهر ومعلوم أن القمر في أول الشهر يغيب سريعا فيكون من باب الحتمية أنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل مغيب البياض
فخلاصة القول :
أن القول الراجح الذي عليه الجمهور ورجع إليه فيما ذكره بعض الشراح عن ما نقل من كتب الحنفية أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول الجمهور فتكون بداية صلاة العشاء من مغيب الشفق أي شفق ؟ الشفق هذا بالاتفاق لكن مغيب ماذا ؟ الشفق الأحمر
وهناك حديث يكون تأييدا لما سبق وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” وقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق “ والثور هو السقوط والظهور وهذا يصدق على الحمرة هذا مفهوم من هذا الحديث
أيضا : هنا مفهوم آخر من هذا الحديث : معلوم أن النصوص الشرعية لم تأت من أن هناك فاصلا بين وقت صلاة المغرب في الانتهاء وبين بداية وقت صلاة العشاء
ومعلوم أن آخر وقت لصلاة المغرب كما جاء في هذا الحديث ما لم يسقط ثور الشفق
والمقصود منه باليقين فيما يخص المغرب الحمرة وليس البياض
فعندنا إذاً خمسة أدلة تؤكد على أن الشفق هو الحمرة
وإذا غاب الشفق الأحمر انتهى وقت صلاة المغرب وبدأ وقت صلاة العشاء