شرح بلوغ المرام ــ باب الأذان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بَابُ اَلْأَذَانِ
178- عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ – رضي الله عنه – قَالَ: { طَافَ بِي -وَأَنَا نَائِمٌ- رَجُلٌ فَقَالَ: تَقُولُ: ” اَللَّهُ أَكْبَرَ اَللَّهِ أَكْبَرُ, فَذَكَرَ اَلْآذَانَ – بِتَرْبِيع اَلتَّكْبِيرِ بِغَيْرِ تَرْجِيعٍ, وَالْإِقَامَةَ فُرَادَى, إِلَّا قَدْ قَامَتِ اَلصَّلَاةُ – قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: “إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ…” } اَلْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَزَادَ أَحْمَدُ فِي آخِرِهِ قِصَّةَ قَوْلِ بِلَالٍ فِي آذَانِ اَلْفَجْرِ: { اَلصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ اَلنَّوْمِ }
179- وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: { مِنْ اَلسُّنَّةِ إِذَا قَالَ اَلْمُؤَذِّنُ فِي اَلْفَجْرِ: حَيٌّ عَلَى اَلْفَلَاحِ, قَالَ: اَلصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ اَلنَّوْمِ }
180- عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ – رضي الله عنه – { أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَّمَهُ اَلْآذَانَ, فَذَكَرَ فِيهِ اَلتَّرْجِيعَ } أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَلَكِنْ ذَكَرَ اَلتَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ .
وَرَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ فَذَكَرُوهُ مُرَبَّعًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (3)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
فهذا الحديث مر معنا شرحه في سنن أبي داود وذكرنا جملة من الفوائد التي ذكرت في ثنايا شرحنا سنن أبي داود
فمما بقي من فوائد :
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أن قول المؤذن في صلاة الفجر [ الصلاة خير من النوم ] تسمى عند العلماء بالتثويب
والتثويب : هو الرجوع ثاب الرجل يعني رجع
فإنه لما نادى المؤذن الناس بقوله حي على الصلاة وثنى بذكر حي على الفلاح عاد مرة أخرى فذكر هذه الجملة وهي الصلاة خير من النوم
وهذه الجملة مر معنا خلاف أهل العلم أتقال في الأذان الأول من الفجر أم تقال في الأذان الثاني ؟
وتلك المسألة هناك من يؤيد بأنها هذه الجملة إنما تكون في الأذان الأول للتصريح بذكر الأذان الأول
لكن من يقول : بأن هذه الجملة إنما تكون في الأذان الثاني لأنه صرح هنا بصلاة الصبح ، وصلاة الصبح هي التي ينادى لها الأذان المترتب على حضور الصلاة
بينما الأذان الأول فسره النبي عليه الصلاة والسلام في أذان بلال ( ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم )
وهذا لا تعلق له بالصلاة ثم إن الأذان الأول إنما هو لهذه العلة وليس لحضور صلاة الفجر
وإذا اكتفي بالأذان الأول أو أذن للأذان الأول في البلد أيكفي عن الأذان الثاني ؟
الصحيح أنه لا يكفي ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين : ” إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم “
وقال عليه الصلاة والسلام : ” لا يمنعنكم أذان بلال من سحوركم “ فدل هذا على أن المقصود الحقيقي هو الأذان الثاني
وإنما سمي الأذان الثاني في حديث أبي محذورة ” إذا أذنت الأذان الأول من الصبح “ باعتبار أنه ثاني مقابل الإقامة فإن الإقامة تسمى أذانا لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصيححين : ( ( ما بين كل أذانين صلاة ))
قال في الثالثة : (( لمن شاء ))
فدل هذا على أن الإقامة تسمى أذانا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أفعل التفضيل خير في الصلاة خير من النوم
مر معنا وقلنا لكم إن أفعل التفضيل له ثلاث حالات :
الحالة الأولى :
وهي الأصل أن المفضل والمفضل عليه يشتركان في صفة التفضيل فتقول مثلا : محمد عليه الصلاة والسلام أشرف المرسلين ، الرسل شرفاء ويشتركون في الشرف مع النبي عليه الصلاة والسلام لكنه أشرف منهم يعني زاد عليهم
فهذا هو الأصل في أفعل التفضيل
الحالة الثانية :
أن تكون الصفة موجودة في المفضل دون المفضل عليه وذلك كقول الله :
{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) } أفمستقر أهل النار فيه خير ؟
الجواب : لا
وبالتالي فإن جملة الصلاة خير من النوم تكون في نفس هذه الحال
الحالة الثالثة :
أن يخلو المفضل والمفضل عليه من هذه الصفة :
وذلك كقول ابن مسعود : ” لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أحلف بغيره صادقا “
فلا محبوب لديه لا الحلف الكاذب بالله ولا الحلف بغير الله ولو كان على وجه الصدق
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أن اللفظ المذكورهنا من السنة أن يقول : [ الصلاة خير من النوم ]
السنة هنا هي الطريقة وليست السنة التي يذكرها الفقهاء من أن فاعلها يثاب وتاركها لا يعاقب
فالسنة هي الطريقة
بدليل : قول أبي حذورة : (( أن النبي عليه الصلاة والسلام علمه سنة الأذان )) والمقصود منها طريقة الأذان بدليل أنه سرد له جمل الأذان
فالمقصود هي الطريقة
ثم إن هذه الجملة لو أسقطت من الأذان أفليزمه أن يعيدها مرة أخرى أم أنها ليست مقصودة لذاتها ، وإنما هي من الجمل التي يذكر المسلم بها في الأذان لفضيلة الحضور إلى الصلاة
خلاف بين أهل العلم :
بعض أهل العلم يقول : إنها في الحقيقة ليست من جمل الأذان ، وإنما يقصد منه تنبيه الغافل في الحضور إلى الصلاة
ولهذا من يرى أنها تكون في الأذان الأول لا يرى أنه لو أسقطت أنها لا يعيدها لكن المقصود هو التنبيه ، والتنبيه حاصل بجمل الأذان الأخرى
والصحيح :
أنها من جمل الأذان فإن الأذان ألفاظ تعبدية ، ولا يجوز لأحد أن يضيف إليه ما تروق له نفسه ، ويستحسنه هواه ، فهي جمل علمها النبي عليه الصلاة والسلام أبا محذورة ، فيجب أن يؤتى بها في موضعها ، فلا يجوز أن تستقط ولا يجوز أن يقال لا اعتداد بها ، وإنما هي من جمل التنبيه فإنه لو قيل بذلك فتح الباب لأهل البدع فأدخل في الأذان ما ليس منه
فالواجب التقيد بما جاءت به السنة
ولذلك يفتح الباب وليس لأحد لأن يقول : إن هذا اللفظ ليس بلفظ شرعي تعبدي فلا يحق له أن يقول إنه لفظ لتنبيه الناس فيحل لفظ آخر محله وبالتالي يضيع الأذان ، وهؤلاء العلماء اجتهدوا ومنهم الصنعاني رحمه الله في سبل السلام لكن ما قاله مردود بالنص الشرعي
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أن الأذان أهو أفضل من الإمامة أم أن الإمامة أفضل ؟
خلاف بين أهل العلم :
بعض أهل العلم يقول :
إن الأذان أفضل باعتبار ما ورد من أحاديث كثيرة في فضل الأذان مما لم يرد في الإمامة
القول الثاني :
أن الإمامة أفضل لأن النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين قد تولوا ذلك وتركوا الأذان وما حرصواعليه فهو الأفضل
وبعض العلماء قال :
إن هذا يختلف باختلاف الأحوال
وهو الصواب
بمعنى أن المقرر لديكم أن الأذان أفضل لورود الأحاديث في فضيلة الأذان مما لم يرد له نظير في الإمامة ، ولكن إذا كان في اعتلاء أو في تنصب الإمامة خير للشخص ، والأمة فإن الإمامة أفضل فإذا كان طالب وكان قارئا للقرآن وحسن الصوت فإن في هذه الحال نفعه لنفسه ولغيره أفضل من نفعه في كونه مؤذنا
ولذلك ما تولى النبي عليه الصلاة والسلام الإمامة ، وكذلك خلفاؤه الراشدون إلا من أجل أن النفع بهم في الإمامة أكثر
وهذه المسألة التي طرحتها ذكرتني بمسألة أخرى :
وهي : أيمكن أن يجمع بين الإمامة وبين الأذان ؟
وهل لذلك فضل ؟
اختلف أهل العلم :
قال بعض العلماء :
إن الجمع بين الأذان والإمامة مكروه ، واستدلوا على ذلك بحديث عند البيهقي ، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يجمع بين الأذان والإمامة ، لكنه حديث ضعيف
القول الثاني :
أنه يستحب ، وقد رجحه النووي بما صح عند سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب أنه قال : ” لو قدرت أن أجمع بين الأذان والخلافة لفعلت “
فهذا يدل على فضيلة الجمع بينهما لمن استطاع ، وهذا على سبيل الأولوية ويرد به على من كره ذلك من أهل العلم
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن زيد ” ألقه على بلال “
يعني : بلال لا يعرفه ، وهذا لعله دليل ولم أطلع على كلام أهل العلم في ذلك ، وهو أنه لو كان شخص يصلي وكان بجواره شخص وذلكم المصلي لا يحفظ قراءة الفاتحة فذلك الذي بجواره يقول : ” الحمد لله رب العالمين ” والمصلي يقول ” الحمد لله رب العالمين ” يلقنه الفاتحة وهو في صلاته ، وذلك خارج الصلاة فإنه لو لقنه إياها وقالها المصلي الذي لا يعرف الفاتحة فإنها مجزئة عنه ولم يذكروا دليلا ، ولكن أقول هذا الدليل يسعفهم لأنه عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله : ( قم فألقه على بلال ) يعني لقنه بلالا فدل على أن تلقين الذكر الواجب إذا استقبله المتلقي وقاله فإنه كافي
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
لماذا امتاز بلال بهذا الأذان مع أن الذي رآه هو عبد الله بن زيد ؟
العلة ذكرت ومرت معنا قال : (( قم فألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ))
هذه على منصوصة كذلك هناك علة مستنبطة استوحاها العلماء من أن بلالا في أول أمره ابتلي بلاء شديدا وعذب عذابا عظيما فكان يتلفظ بكلمة [ أحد أحد ] الدالة على الشهادة فكوفئ رضي الله عنه بأن يكون هو المتولي للأذان ؛ ولذلك هو الاسم الواضح البارز من بين مؤذني رسول الله عليه الصلاة والسلام
فإنه لو قيل لأي شخص عدد لي مؤذني رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه سيقول أولا بلال بل إن بعضهم لا يذكر غيره ، وهذا مما يمتاز بلال رضي الله عنه ، والجزاء من جنس العمل فمن اجتهد في أول أمره في شرع الله فإن الله يكافئه والله لا يضيع أجر من أحسن عملا والموفق من وفقه الله
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
كم عدد مؤذني رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟
هنا المذكور بلال
الذي يليه أبو محذورة
وسعد القرض في قباء
وابن أم مكتوم
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
ذكرنا فيما ذكرنا لكم أن الأذان شرع في السنة الأولى من الهجرة خلافا لمن قال : إنه شرع في السنة الثانية من الهجرة وخلافا لمن قال : إنه شرع قبل الهجرة
والصواب :
كما أسلفنا أنه في السنة الأولى من الهجرة والدليل هنا وكذلك قول الله تعالى عن اليهود :
(( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا )) وهذا إنما في المدينة يرد بهذه الآية على من قال إنه كان قبل الهجرة وكذلك قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) ))
والجمعة لم تقم في مكة قبل الهجرة وإنما أقيمت في المدينة
فهذان دليلان من القرآن على أن الأذان شرع في المدينة ولم يشرع في مكة
لكن لو قال قائل :
هناك أحاديث وضحت أن الأذان كان قبل الهجرة ؟
مما ورد عند ابن مردويه لكنه حديث ضعيف (( من أن جبريل أذن في السماء ظنت الملائكة أن جبريل سيؤم بهم فقدم النبي عليه الصلاة والسلام )) لكنه حديث لا يصح كما قال ابن حجر
ومما ورد :
أنه لما أهبط آدم من الجنة أذن له جبريل حال هبوطه فدل هذا على أن الأذان موجود في عهد آدم فيكون قبل شرع النبي عليه الصلاة والسلام لكن الحديث لا يصح كما قال ابن حجر في الفتح
وأيضا :
أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسري به ورجع رجع ومعه الأذان فعلمه بلالا وصلى
وأيضا هذا الحديث لا يصح منه عليه الصلاة والسلام
وأيضا من الأدلة :
أنه ورد أن الله أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يؤذن كما أذن إبراهيم في الناس بالحج في قوله تعالى : ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ )) فأذن عليه الصلاة والسلام وأعلم الناس بالصلاة كما أعلم إبراهيم الناس بالحج ، ولكنه لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم
وأيضا مما يضاف إلى هذه الأحاديث :
أن جبريل أذن في السماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا فأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فأتى بلال فقال سبقك بها عمر
أيضا لا يصح
فخلاصة القول :
أن كل حديث ورد في أن الأذان كان قبل الهجرة بمكة فإنه لا يصح ما أوردناه لكم وما لم نورده لكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ