شرح بلوغ المرام
باب الأذان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
181- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ:
(( أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ اَلْأذَانَ, وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ, إِلَّا اَلْإِقَامَةَ, يَعْنِي قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ اَلصَّلَاةُ ))
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ اَلِاسْتِثْنَاءَ
وَلِلنَّسَائِيِّ :
(( أَمَرَ اَلنَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِلَالاً ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــ
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بشفع الأذان وبإيتار الإقامة
ولماذا هذا الشفع في الأذان ولماذا هذا الوتر في الإقامة ؟
لأن المقصود من الأذان أن يعلم الغائبين فناسب أن تكثر جمل الأذان وأن تشفع ، والشفع هو ضد الوتر وهو الواحد بينما الإقامة هي لإعلام الحاضرين بأن الصلاة قد حان قيامها
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه لهذا الحديث اختلف فهم العلماء في صفة هذا الأذان وفي صفة الإقامة ولاسيما في الإقامة لأنه قال ويوتر الإقامة والوتر هو الواحد أو الفرد ضد الشفع أفتكون جمل الإقامة واحدة واحدة ؟
قيل بهذا مر معنا ومر معنا أن هذه الجمل تقال جملة جملة ما عدا التكبير ، التكبير في أوله مع أنه شفع هم يقولون ذلك مرتين [ الله أكبر الله أكبر ] كما هو حاله في الإقامة التي عندنا قالوا : لأن الاثنتين من التكبير في الإقامة تقابل الأربع في الأذان ، ففي الأذان تلك الأربع تكون شفعا هاتان التكبيرتان في أول الإقامة تكون وترا
وبعضهم قال : توتر جمل الأذان ماعدا قد قامت الصلاة
والدليل هنا : ” ويوتر الإقامة ” إلا الإقامة يعني إلا قد قامت الصلاة فإنها تقال مرتين
واذا كان كذلك فإن هذا الحديث يعود بنا إلى ما ذكرناه في مختصر الفقه وأيضا إلى ما ذكرناه في شرحنا على سنن أبي داود من أن هذا الحديث هو دال على تلك الصفات
قلنا :
إن جمل الإقامة إما أن تكون تسعا أو عشرا أو إحدى عشرة أو سبع عشرة ، يعني مثل الأذان مثل أذاننا مثل أذان بلال لكن بزيادة قد قامت الصلاة
من الفوائد :
ــــــــــــــــ
أن من قال من العلماء : إن جملة قد قامت الصلاة لا تقال إلا مرة
قال : لأنه قد جاء في صحيح مسلم عدم ذكر هذا الاستثناء إلا الإقامة يعني ويوتر الإقامة يعني يوتر جميع جمل الإقامة :
الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمد رسول الله
حي على الصلاة
حي على الفلاح
قد قامت الصلاة
الله أكبر
لا إله إلا الله
مع تكبيرتين في أول الأمر إذاً هذه تسع
ولماذا ثني التكبير فصار وترا في الإقامة ولم يكن واحدة ؟
لأهمية التكبير لأن الإعلام أول ما يقع في سمع الإنسان إنما يكون بأول الكلام لا بآخره
ولعظم التكبير أيضا
من الفوائد :
ــــــــــــــــ
أنه قال ابن حجر هنا ولم يذكر مسلم الاستثناء يعني ” إلا الإقامة “ قالوا لأنها من رواية أيوب فتكون مدرجة وليست موصولة
والصحيح :
أنه ثبت وصلها وكون غير أيوب لا يذكرها لا يدل على ضعفها ، أو أنها ليست من الحديث فقد جاءت موصولة السند ثم إن الشيء من الكلام إذا كان من ضمنه فهو تبع للكلام ولا يصلح أن نقول إنه ليس منه لا يصح أن نقول إنه مدرج إلا بدليل فما كان من جملة في سياق هذا الكلام فهو منه
هذا هو الأصل ولا يقال بالإدراج لأن الأصل أن وجود الجملة من ضمن هذا الكلام إلا إذا وجد دليل والصواب ثبوتها
من الفوائد :
ـــــــــــــــــ
أنه قال هنا ” أمر “ من ؟ بلال هنا فعل لما لم يسم فاعله مبني لغير المعلوم أو مبني للمجهول
من الآمر ؟
الآمر هو النبي عليه الصلاة والسلام ، فإذا جاء فعل الأمر مبنيا لما لم يسم فاعله في النصوص الشرعية فإنه يتعين أن يكون الآمر هو المشرع هو صاحب الشرع
وقيل بهذا لأن بعض العلماء يقول إن الآمر لبلال هو أبو بكر
والصواب :
أنه هو النبي عليه الصلاة السلام لما ذكرت لكم من العلة ، ولما جاء من التصريح في رواية النسائي قال : (( أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا ))
وهذا إن دل يدل على عظم الإحاطة بالروايات فإنها فسرت ذلك المجهول في قوله أمر بلال
فيكون معنا هنا دليلان في الرد على من إن الآمر هو أبو بكر بل يكون عندنا ثلاثة أدلة :
الأول : أن الآمر إذا جاء في النصوص الشرعية مبنيا لم لما يسم فاعله فإن الآمر هو المشرع ، إذاً المشرع هو من النبي عليه الصلاة والسلام
ثانيا : جاءت رواية النسائي صريحة أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا
ثالثا : أن بلالا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لم يبق في المدينة وإنما استأذن أبا بكر فذهب إلى الشام فكيف يأتي الأمر من أبي بكر لبلال، وبلال ذهب بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى الشام ، وإنما الذي تولى من بعده كما قال العلماء ” سعد القرض ” هو الذي تولى الأذان والمأمور هنا في الحديث بلال
وهنا فائدة :
وهي لما ذكر حديث أمر بلال هل الآمر هو النبي عليه الصلاة والسلام
( أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة ) أمر في هذا الحديث قيل الآمر هنا هو أبو بكر وقيل هو النبي عليه الصلاة والسلام
والتحقيق :
أنه هو النبي عليه الصلاة والسلام للأدلة الثلاثة التي ذكرتها
ومن بين هذه الأدلة :
أن أبا بكر أذن لما استأذنه بلال بالذهاب إلى الشام أذن له فذهب إلى الشام
هنا قصة تذكر وتنقل ، وربما ذكرها بعض الدعاء في خطبة له ليبين فضل بلال ومزية بلال تلك القصة
تقول : “ إن بلالا لما كان في الشام بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام نام فرأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه فقال عليه الصلاة والسلام لبلال : يابلال لِمََ لا تزورنا لم جفوتنا ؟
فاستيقظ بلال وإذا به يهيئ نفسه ليرحل إلى المدينة فتوجه إلى المدينة فوصلها ليلا ، وأتى إلى المسجد النبوي ولما حان وقت الفجر إذا ببلال يؤذن ن وإذا بالناس يسمعون أذان بلال فيتذكرون النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق أحد لا من رجل ولا من امرأة إلا بكوا لأنه ذكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم
هذه القصة :
التي تذكر لا تصح فهي ضعيفة من حيث السند وباطلة من حيث المتن فكيف لبلال أن يشد الرحل لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام على رؤيا والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين :
(( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ))
وكل حديث ورد في فضيلة من زار قبر النبي عليه الصلاة والسلام بعد الحج أو لم يكن بد الحج فإنها أحاديث لا تصح
وبالتالي:
فإن هذه القصة في سندها مطعن وفي متنها مطعن لأن متنها دل على أن بلالا بنى حكما شرعيا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على رؤيا وهذا لا يحسن ببلال أن يورد عنه مثل هذا ، ولا يحسن بداعية أن يذكر مثل هذا
وهذا شأن مثل ما هو حاطب ليل يأخذ دون أن يتحقق ودون أن يمعن النظر ولو تحقق طالب العلم مما يقوله لأفاد نفسه وأفاد غيره
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن هنا ما يسمى عند البلاغيين بالجناس التام :
الجناس :
هو أن تأتي كلمتان تتفقان من حيث عدد الحرف ونوعها وترتيبها وتشكيلها
وهنا جناس تام هذا هو معنى الجناس التام أن تأتي كلمتان بحروف واحدة مرتبة ترتيبا واحدا وهنا ( أمر بلال أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة ) كلمتان الإقامة والإقامة
ما هي الإقامة الأولى المذكورة في الحديث ؟
الإقامة المعروفة التي تقال عند إقامة الصلاة
إلا الإقامة ما هي ؟ قول قد قامت الصلاة
لو قال قائل :
ما الدليل على أن الإقامة الثانية هي قول : قد قامت الصلاة ؟
قلت لكم بالأمس ذلكم الحديث ليعلق بأذهانكم ” والإقامة فرادى إلا قد قامت الصلاة “
الإقامة فرادى هي الجمل التي تقال عند إقامة الصلاة ثم استثنى قال قد قامت الصلاة
إذاً :
هذه الراية فسرت ما نحن بصدد الحديث عنه من جناس
وهذا كما أسلفت لكم الإحاطة بالروايات وغير الإحاطة زيادة على الإحاطة أن تعرف كيف تربط بين الروايات فقد تحفظ الروايات لكن قد لا تعرف الربط بينها
إذاً :
هذا جناس تام مثله مر معنا قول النبي عليه الصلاة والسلام ( الماء من الماء ) كلمتان اتفقتا في الحروف عددا وترتيبا ونوعا وتشكيلا ، لكن معنى الماء الأول يختلف عن الماء الثاني هذا ما يسمى عند أهل البلاغة بالجناس التام [ الماء من الماء ]
الماء الأول : هو ماء الغسل
من الماء : أي من المني
أي الماء الذي يصب على البدن سببه الماء الذي هو خروج المني
وكذلك قول الله تعالى : (( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ)) الساعة الأولى هي يوم القيامة غير ساعة هي الزمن الذي يكون في اليوم
وعلى هذا فقس
هذا ما يسمى بالجناس التام
هناك جناس ناقص سنأخذه في البلاغة إن شاء الله
والجناس هو من علم البديع
البلاغة ثلاثة علوم :
علم المعاني
وعلم البيان
وعلم البديع
وعلم البديع نوعان :
بديع لفظي ، وبديع معنوي
من الفوائد :
ــــــــــــــــــ
أنه كثيرا ما نسمع من يتحدث يقول في ثنايا حديثه يعني كذا
كلمة ” يعني “ تذكر ، وهي كلمة يراد منها الفصل في الكلام لتوضيح الكلام ، وقد يأتي بها البعض من باب أن تكون هذه الكلمة مهلة له من حيث الزمن ليعيد تفكيره فيما يقوله ، وهنا كلمة يعني أريد بها في ضمن السياق لتوضيح هذه الإقامة قد قامت الصلاة
فإذاً لو قال قائل : إن كلمة ” يعني “ في ثنايا حديث بعض الناس إنها لا تدل على حسن الكلام ولا على فصاحة فيرد عليه بما ذكر هنا لكن ينبغي ألا يكثر من ذكرها وإنما تقال عند الحاجة التي يحتاج إليها الإنسان في توضيح كلمة أو إعطاء الذهن مهلة للتفكير
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن قوله : ” يشفع الأذان ويوتر الإقامة ” ما أكثر من كلمات الأذان إلا لأن المقصود أن يعلم الغائب ، وبالتالي فإنه إذا أريد أن يعلم الغائب بدخول وقت الصلاة بكثرة هذه الجمل
إذاً :
مما يستحب في حق المؤذن أن يتمهل وألا يسرع في الأذان بينما الإقامة
( ويوتر الإقامة ) لما كانت جمل الإقامة قليلة بالنسبة إلى جمل الأذان لأن المقصود من الإقامة إعلام من هو حاضر في المسجد بإقامة الصلاة هنا يحدر بها ولا يرتل جمل الإقامة كما يرتل جمل الأذان
ما ينبغي أن يكون هناك اختلاف فالإقامة وأذان بلال يؤتى بها معا لأنهماعبادتان متصلتان كيف ؟
النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين ” بين كل أذانين صلاة “
فجعل الإقامة أذانا ،
وبالتالي فإنه إذا أذن بأذان بلال يقيم بإقامة بلال حاله كحال منع العلماء بأن يقرأ الإنسان في صلاته بأكثر من قراءة سبعية مع أنها ثابتة فلا يقرأ بقراءة حفص ثم يقرأ بقراءة ابن كثير مثلا هذا لا يصح
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن الاستثناء معيار العموم ويتضح هنا جليا ، ففي رواية مسلم لما لم يذكر الاستثناء فإن قوله ” ويوتر الإقامة ” ولم يذكر الاستثناء دل على أن جمل الإقامة كلها تكون وترا لكن لما جاء الاستثناء مثبتا من طريق آخر
” إلا الإقامة ” دل هنا على أن جمل الإقامة كلها تكون وترا ما عدا إقامة الصلاة
هذا هنا المذكورهنا يوضح لك توضيحا جليا هذه القاعدة وهي الاستثناء معيار العموم
فلولم نثبت هذه الجملة فعموم كلمات الإقامة تكون وترا إن أثبتناها تكون عموم جمل الإقامة وترا إلا قد قامت الصلاة
ـــــــــــــــــــ
س : هل يتابع المؤذن في الإقامة أم لا ؟
الصواب أنه لا يتابع لأن الحديث عند أبي داود وهو حديث ابن عمر من أن المؤذن يتابع في الإقامة إلا قد قامت الصلاة فيقول : ” أقامها الله وأدامها ” فهو حديث ضعيف وبالتالي فإنه لا يتابع المؤذن في الإقامة كما يتابع في الأذان
وأما ما استحسنه بعض الناس من أنه قاس الإقامة على الأذان باعتبار أن الإقامة سميت بأذان ” بين كل أذانين صلاة ” فيكون حال الإقامة لكونها أذانا باعتبار وصف الشرع أنها تكون مثل الأذان في المتابعة فهذا قول ضعيف
لم ؟
لأن الإقامة موجودة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يؤثرعنه أنه كان يتابع المؤذن في الإقامة فدل على أن هذا القياس مطروح قياس لا يعتد به لأنه فاسد وصادم للنص
ما هو النص ؟
أن هذه عبادة ثابتة في عصره عليه الصلاة والسلام ولم يثبت حديث في متابعة المؤذن في الإقامة
ثم إن الحاصل هنا أن الناس فيمن يتابع إذا تابع فإنه لا يتابع المؤذن في الإقامة إلا في آخر جملة فإذا قال المؤذن في الإقامة :
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
قال بعض الناس :
لا إله إلا الله أقامها الله وأدامها
وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
اللهم اجعل لنا منها حظا ونصيبا “
ومن هذه الكلمات كل هذا غير وارد ولا يجوز أن يقال بل عليك أن تسكت النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : ( كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام في مصلاه كبر )
يعني ما يقول شيئا لم يقل عليه الصلاة والسلام شيئا إذا قام في مصلاه وإنما بعدما يأمر الناس بتسوية الصفوف يكبر
إذاً :
ما يفعلعه بعض الناس ولاسيما كبار السن
لا إله إلا الله أقامها الله وأدامها
وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
اللهم اجعل لنا منها حظا ونصيبا
كل هذه ألفاظ استحسنوها وليست بحسنة ليس هناك لفظ حسن إلا ما حسنه الشرع فلا يجوز للمسلم أن يقول مثل هذه الكلمات فعليكم بالاتباع لا الابتداع
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(( أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ))
هذا من باب الغالب لما ننظر إلى جمل الأذان نجد أن الشفع فيها في الغالب والإقامة الوتر فيها هو الغالب
والتغليب في اللغة :
ذكر البلاغيون له طرق ومن طرقه أن يغلب الأكثر على الأقل أو أن يغلب الأكبر على الأصغر أو يغلب ما هو سهل اللفظ على عسير اللفظ
هنا تغليب الأكثر على الأقل فجمل الأذان والإقامة من باب تغليب الأكثر على الأقل