بلوغ المرام ــ باب شروط الصلاة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
208- وَعَنْ جَابِرٍ – رضي الله عنه – أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لَهُ : ( إِنْ كَانَ اَلثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ) – يَعْنِي : فِي اَلصَّلَاةِ – وَلِمُسْلِمٍ : (” فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ – وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ ” ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي فائدة تكررت أكثر من مرة وهي سن ترتيب وتنسيق ابن حجر في ذكره للأحاديث في هذا المصنف وهذا إن دل يدل على فقهه فكما أنه محدث فهو فقيه
فإنه لما ذكر ما يتعلق بعورة المرأة ذكر هنا ما يتعلق بعورة الرجل
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث وهو حديث جابر له سبب وله زمن وله حدث جابر رضي الله عنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة ” بواط “ هذه الغزوة قريب مكانها من المدينة فكان عليه الصلاة والسلام يصلي فأتى جابر فصلى عن يمين النبي عليه اللاصة والسلام قال : وعلي ثوب ضيق فالتحفت به أو اشتمل به
يصح الالتحاف والاشتمال سواء
فلما انصرف عليه الصلاة والسلام قال : ياجابر ما السرى ؟
السرى هو الإتيان إلى الإنسان بالليل
قال : ما السرى ؟
يعني ما الذي أتى بك في مثل هذا الوقت
كما يقولون ” يحمد القوم السرى “ يعني من ينطلق بالليل فإنه إذا أصبح ينال خيرا ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود عن سفر الليل قال : ” عليكم بالدلجة “
الشاهد من هذا :
قال : ما السرى
واستفاد العلماء من مجيء جابر ومن قوله عليه الصلاة والسلام له ما السرى على جواز إتيان ولي الأمر بالليل كما أتى جابر إذاً غيره من باب أولى
هذا إذا تناسبت الظروف على حسب كل زمن
فأخبره بحاجته فرأى النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الثوب ضيق فأرشده عليه الصلاة السلام إلى أمر هو أحسن من الالتحاف قال : ” إن كان و اسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به “
ومثل حالتك حالة اتزارلا حالة التحاف لأن ثوبه كان ضيقا
سبحان الله !
لو قال قائل:
ألا يمكن أن يكون الاشتمال ، والاشتمال معناه هو أن يلتحف بالثوب على البدن كله
وذلك بأن يضع ثوبه والثوب في ذلك الزمن ليس كالثوب في هذا الزمن يعني مثل الإزار الذي نلبسه في الإحرام هو ثوب
الإزار ثوب قد يكون طويلا ويختلف في اللون فكان هذا الثوب ضيقا يعني ليس واسعا فما الذي جرى ؟
أو كما أسلفت ألا يكون الالتحاف هو أولى من الاتزار في مثل هذه الحال إذا كان ضيقا
والالتحاف هو أن يضع الثوب على منكبيه فيرد طرف الثوب فيدخله من تحت إبطه الأيسر وما كان على الأيسر يوضع تحت الإبط الأيمن
فيكون قد اشتمل بهذا الثوب
وهذا ليس كاشتمال الصماء الذى نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه
فلا يأت آت ويقول : إذاً وقعنا في اشتمال الصماء
اشتمال الصماء هو أن يلتحف بالثوب بحيث يدخل يديه فلا يكون ليديه مخرج فلا هو يستطيه أن يرفع يديه أثناء التكبير ولا هو يستطيه أن يرد هامة أو دابة إذا هجمت عليه
هذا يختلف وهنا اليدان مخرجتان
لكن في مثل حال جابر لو التحف مع أن الثوب ضيق سيلجأ إلى أن يلتحف به وإذا به يضع رأسه أو مقدمة لحييه على هذا الثوب حتى لا يقع لأنه ضيق وليس واسعا ثم هو عرضة إلى أن يسقط هذا الثوب فتظهر عورته لكن إن كان ضيقا فليتزر به فأرشده إلى الاتزار بأن يضعه إتزارا ما بين السرة والركبة
فهذا هو السبب وهو مجيء جابر إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال هذا القول : (( إِنْ كَانَ اَلثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ))
وفي الرواية الأخرى : (( فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ – وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ ))
وهو عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمر بن أبي سلمة قال : صلى النبي عليه الصلاة والسلام بثوب متوشحا به وخالف بين طرفيه
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان الثوب واسعا فما هو المأمور به ؟
أن يلتحف به لكن إن كان أعلاه واسعا قد يكون أعلاه واسعا فهنا عليه أن يزرره بمعنى أنه يضيق حتى لا يرى هو عورته أثناء صلاته
لأنه إذا كبر ونظر إلى موضع سجوده وكان الأعلى من الثوب الذي عند الأس واسعا فإنه سيرى عروته
ولذلك :
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال يارسول الله إني أصيد وأصلي في الثوب الواحد الواسع قال : ” أزرره ولو بشوكة “
ضبط : أصيد على وزن أكرم يعني أن في عنقه مرضا يسمى بالمرض الأصيد يعني لا يستطيع فقال : ” أزرره ولو بشوكة “
ولكن الصحيح الذي عليه أكثر العلماء أنه من الصيد
لكن لو قال قائل : لو لم يزرره بشوكة تركه فنظر إلى عورته أفتصح صلاته ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة :
فأبو حنيفة ومالك يريان الصحة ولا إشكال في ذلك
فحاله كحال شخص نظر إلى عورته يعني الذي يصلي رآها من الأسفل
والدليل :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : كان الصحابة يصلون عاقدي أزرهم مثل الأطفال
وكان النساء يصلين في الخلف فقال عليه الصلاة والسلام للنساء : ” لا ترفعوا رؤسكم حتى يررفع الرجال “
عند أحمد :
” خيفة من أن ينظر النساء إلى عورة الرجال “
قال ابن حجر في الفتح : هذا يدل على أن ستر العورة من الأسفل ليس بلازم
والخلاف كما ذكرت لكم والأحوط أن الإنسان أنه يستر
لم ؟
لأن حال الصحابة حال ضيق
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن قوله عليه الصلاة والسلام : (( وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ )) الأزرة هي ستر ما بين السرة والركبة
وهذا يدل على تقوية ذلك الحديث وهو حديثه عليه الصلاة والسلام :
( عورة الرجل ما بين السرة والركبة )
لأن قوله ” فاتزر به ” ستر لما بين السرة والركبة
فدل هذا على أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة في الصلاة
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن قوله (وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ) هذا دليل للجمهور على أن ستر المنكبين أو أحد المنكبين في الصلاة ليس بلازم والمسألة خلافية سيأتي الحديث عنها في الحديث الذي بعده : (( لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي اَلثَّوْبِ اَلْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ))
وفي رواية ( ليس على عاتقيه منه شيء )
فهذا دليل واحفظ هذا الدليل دليل للجمهور على أن ستر المنكبين أو أحدهما في الصلاة أنه ليس بلازم وإنما هو سنة
والمسألة خلافية هناك من يفرق بين الفرض و النفل
وهنا من يقول أن من لم يستر عاتقيه في الصلاة فإنه آثم وصلاته صحيحة
وهناك من يقول : إن صلاته لا تصح مع الإثم أيضا
وسيأتي مفصلا إن شاء الله في الدرس القادم
وهنا فائدة جاءت في رواية مسلم :
وهي :
أنه لما صلى جابر عن يمين النبي عليه الصلاة والسلام أتى الصحابي جابر فصلى عن يسار النبي عليه الصلاة والسلام
فأصبح هو عليه الصلاة والسلام بينهما فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام بهما فصليا خلفه
وهذا إن دل يدل على أن الصلاة في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة أن الإمام يكون بينهما واحد عن يمينه وواحد عن يساره ثم نسخ هذا
ولذلك :
ابن مسعود لم يبلغه النسخ فكان يرى أنهم إذا كانوا ثلاثة أنه يصلي بينهما واحد عن اليمين وواحد عن اليسار
وليعلم :
أن موقف المأمومين مع الإمام له ثلاث حالات :
الحالة الأولى :
أن يصلي الإمام في المقدمة ويصلي المأمون اثنان فأكثر خلفه
الحالة الثانية :
لو فعلت صحت الصلاة وهو أن يصلي الإمام بينهما فلا حرج
الحالة الثالثة :
أن يصلي الجميع عن يمينه مع خلو يساره
الحالة الرابعة وهي محل خلاف بين أهل العلم :
أن يصلي الجميع عن يساره مع خلو يمينه
فالجمهور يرون أن صلاته صحيحة لأن ابن عباس لما صلى مع النبي بالليل أتى فصلى عن يساره ودخل معه فأداره النبي عليه الصلاة والسلام وجعله عن يمينه فلو كانت الصلاة عن اليسار باطلة لقال : أعد استأنف من جديد فبنى ابن عباس فدل على أنه جائز لكنه خلاف الأولى
الحالة الخامسة :
أن يصلي المأموم قدام الإمام وهذه فيها ثلاثة أقوال سيأتي لها إن شاء الله حديث لكن الصحيح أنها لا تصح ولا تجوز إلا عند الضرورة إذا ما كان هناك مكان وليس هناك مجال إلا أن يصلي المأمومون قدام الإمام فلا إشكال
لكن مع السعة فلا
إذاً هذه خمس حالات
ولذا :
ربما لو رأيت ثلاثة الإمام بينهما فلا تعظم من الأمر ولا تشنع
لو رأيت شخصا عن يسار الإمام مع خلو اليمين فلا تشنع
أما في الحرم المكي فإن كانوا حول الكعبة فهذا لا إشكال فيه إذا لم يكونوا معه في نفس الصف
لكن قد يتقدمون وهم مقابون له هنا لا إشكال
فالقضية قضية ضرورة إذا اضطروا إلى أن يصلي المأمومون قدامه فلا إشكال