شرح ( بلوغ المرام )
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
نستعين الله عز وجل في شرح هذا المتن العظيم الذي احتوى على كثير من أحاديث الأحكام ، إضافة إلى ما وضعه المؤلف رحمه الله من الأحاديث المتعلقة بالفضائل والذكر والدعاء .
وطريقتنا في شرحه تكون إن شاء الله طريقة ميسرة ، نذكر مختصرا ما يتيسر من الفوائد .
باب المياه
الحديث الأول
( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في البحر ) ” هو الطَّهور ماؤه الحِل ميتته ” ) .
أخرجه الأربعة ، وابن أبي شيبة واللفظ له ، وصححه ابن خزيمة والترمذي ، ورواه مالك والشافعي وأحمد .
الشرح :
يستفاد من هذا الحديث :
أن هذا الحديث له سبب ، فقد جاء في الموطأ ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم يركبون البحر ولا يحملون معهم إلا الماء القليل ، فقال : أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) .
ومن الفوائد :
حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما يُشكل عليهم .
ومن الفوائد :
أن ما ورد من حديث ( ينهى فيه عن ركوب البحر ) فهو حديث ضعيف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ هؤلاء الصحابة ، ولو صح الحديث في النهي عن ركوب البحر فيحمل على حال تغير الأجواء وتهيج مياه البحار .
ومن الفوائد :
أن الماء متى ما تغير بطاهر فغير رائحته أو طعمه ولم يسلبه اسم الماء ، يعني بقي على مسماه فنقول إنه ماء ، فإنه لا يزال طهورا يرفع الحدث ويزيل الخبث ، لأنهم رضي الله عنهم شَكُّوا في ماء البحر لشدة ملوحته ، هذا من حيث الطعم ، ولعظم نتنه ، هذا من حيث الرائحة .
ومن الفوائد :
أن السؤال وقع على الماء ، لكن لما علم عليه الصلاة والسلام حاجتهم إلى حكم آخر ، فإنهم لما جهلوا حكم الماء ، من باب أولى أن يجهلوا حكم ميتة البحر ، فأفادهم بقوله ( الحل ميتته ) .
ومن الفوائد :
أن الاختصار في موضع الإطناب ليس بمقام البلغاء ، فبإمكان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ( أنتوضأ من ماء البحر ؟ ) كان بإمكانه أن يقول ( نعم ) اختصارا ، لكن هذا الاختصار لا تجتنى منه مصالح أخرى .
ومن الفوائد :
أنه ورد رواية ( الحلال ميتته ) فوضحت هذه الرواية معنى كلمة ( الحل ) فمعنى كلمة ( الحل ) أي ضد : المحرم .
ومن الفوائد :
أن الميتة أضيفت إلى البحر ، فأفادت هذه الإضافة أن المقصود ما مات في البحر مما لا يعيش إلا في البحر ، أما لو غرق فيه شيء مما يؤكل فمات ، مثل أن تغرق فيه شاة أو ما شابه ذلك فحكمها التحريم ، فالمقصود من ميتة البحر ” ما لا يعيش إلا في الماء ” ، فيخرج أيضا ما يعيش في الماء والبحر ، فلو مات حيوان يعيش في البحر ويعيش في الماء ، فمات في البحر ، فإن ميتته حرام .
ومن الفوائد :
أن الصحيح – حتى لا أطيل – أن الصحيح من أقوال العلماء : أن ما لا يعيش إلا في البحر فهو حلال بجميع أنواعه ، سواء كان كلب البحر أو خنزير البحر أو ثعبان البحر ، هذا هو الصحيح لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهناك أقوال لا أريد الدخول فيها لأني التزمتُ الاختصار .
فإذاً كل ما لا يعيش إلا في البحر فهو حلال ، اللهم إلا أنه يستثنى منه ما كان ضارا ، إما لسمه وإما لمضاره أو ما شابه ذلك، لقول الله عز وجل { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه ( لا ضرر ولا ضرار ).
ومن الفوائد :
أن تقييد الميتة بماء البحر يدل على أن الأصل في الميتات ( التحريم ) .
ومن الفوائد :
أن المصنف رحمه الله إذا قال ( أخرجه الأربعة ) فمقصوده أهل السنن ( أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ) .