شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 10 ) حديث ( 12 ) (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 10 ) حديث ( 12 ) (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد … )

مشاهدات: 488

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )  ـ الدرس العاشر ـ حديث ( 12 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

في باب ( المياه )

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

” جاء أعرابيٌ فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ من ماء فَأُهْريق عليه ” )

متفق عليه .

 

( من الفوائد  )

أن هذا الأعرابي ذكر الشرُّاح أنه :

[ ذو الخويصرة اليماني ]

كان من سكان الصحراء ، فجهل حرمة وعظمة المسجد ، فصنع ما صنع .

&&&&&&&

( ومن الفوائد  )

أن أهل اللغة يقولون :

[ إن الأعرابي هو من سكن البادية ]

سواء كان عربيا أو أعجميا ، فمن سكن البادية وإن كان أصله من العجم فإنه يطلق عليه أنه ” أعرابي ”

( ومن الفوائد  )

أن مما يُميَز بين المفرد والجمع – كما قال أهل اللغة [ ياء النسب ]

فـ ( أعراب ) إذا نسبناها أصبحت مفردا ( أعرابي )

# و ( النسبة ) تكون ( للمفرد ) لا للجمع .

فلما لم يكن هناك مفرد لكلمة ( أعراب ) وضعت الياء في الجمع .

لأن اللغة العربية ثرية بمثل هذه الفرائد ، فتفرق بين الجمع والمفرد بـ [ ياء النسب ] كما هنا .

كما قالوا أيضا :

[ يفرق بين الجمع ومفرده بالتاء ]

مثال : ” تمر ” جمع ، مفردها ” تمرة .

بقر  –   بقرة

 

________

( ومن الفوائد  )

أن البُعد عن المدن وعن حِلَق الذكر يجعل الإنسان ” جافيا غليظا جاهلا  “

فما صنع هذا الرجل صنيعه إلا لأنه كان بعيدا عن تعلم الدين .

ولذلك كان من غرائب هذا الرجل – كما جاء في الروايات الأخرى – أنه قال :

( اللهم ارحمني وارحم محمداً ولا ترحم معنا أحدا )

فقال صلى الله عليه وسلم :

( لقد تحجَّرت واسعا )

أي : منعت واسعا ، لأن رحمة الله عز وجل واسعة .

لأن ( الحَجْر ) معناه ( المنع )

” حُجِر على فلان ” يعني مُنع من التصرف في ماله .

@@@@@@@@@

( ومن الفوائد  )

أن ” بول الآدمي ”  نجس ، وهو من النجاسات المتوسطة ، إلا إذا كان ” بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام “

فإنه بوله نجس ، ولكن ” نجاسته مخففة ” يرش عليه بالماء .

########

( ومن الفوائد  )

أن المتعاهد عليه :

أن البول لا يلزم أن يكون الإنسان بعيدا عن الآخرين  “

ولذلك لم ينكر عليه الصلاة والسلام في قربه ، وإنما أنكر عليه لفعله هذا في المسجد  ، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( بال وقد أمر حذيفة أن يقف عند عقبه )

ولكن : الأفضل – كما جاءت بذلك الأحاديث – أن يبتعد أثناء قضاء الحاجة ، سواء كان بولا أم غائطاً .

( ومن الفوائد  )

أن ( الطائفة ) هي القطعة من الشيء  “

إذ بال هذا الرجل في جزء من المسجد النبوي .

وإن كان الأصل في معنى ( الطائفة ) “ الدوران ” أي ما استدار .

 

( ومن الفوائد  )

أن ( الطائفة ) أضيفت إلى المسجد

والإضافة هنا بمعنى ( الظرفية ) أي ” بال في طائفة في المسجد “

لأن الظرفية تأتي لمعاني ثلاثة :

المعنى الأول :

أن تكون بمعنى ( في ) وذلك :

[ أن يكون المضاف إليه ظرفا للمضاف ]

المعنى الثاني :

أن تكون بمعنى ( مِنْ )

[ إذا كان المضاف إليه جنسا للمضاف ]

تقول :

” اشتريت خاتم ذهبٍ ”

أي :” اشتريت خاتما من ذهب “

 

المعنى الثالث :

أن تكو ن بمعنى ( اللام ) فيما سوى هذين المذكورين .

تقول :

” هذا قلم زيد “

أي : ” قلمٌ لزيد ”

*********

( ومن الفوائد  )

أن ( أل ) ترد في اللغة لمعاني كثيرة  ، وهنا ألحقت بالمسجد ، فتكون :

( أل للعهد الذهني )

لما ذكر أنس رضي الله عنه هذا المسجد ، فالذي يعلق بالذهن ( المسجد النبوي )

$$$$$$$$

 

 

( ومن الفوائد  )

أن بعض أهل اللغة يقول :

هناك لغة في المسجد ، وذلك أن ” يحذف الجيم ويوضع الياء “

وكان أجدادنا قديما ونسمعهم يقولون:

” اذهب إلى المسيد “

@@@@@@@

( ومن الفوائد  )

أن المنكر يجب أن يُنكر ، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم ، شريطة :

” ألا يترتب على إنكار المنكر منكر أكبر ، أو منكرات أكثر “

ولذلك ما زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم من أجل إنكار المنكر ، وإنما لأسلوبهم في إنكار المنكر ، ولذا قال في الرواية الأخرى :

( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )

““““

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحديث يدل على القاعدة الشرعية :

[ترتكب أدنى المفسدتين درءا لأعلاهما ]

أو كما عبَّر بعضهم :

[ يختار أهون الشَّرين ]

فإن بول هذا الرجل في المسجد منكر ومفسدة وضرر  –ولا شك في ذلك – ولكن لو زجروه وقام لترتب على ذلك منكرات كُثر ، من بينها :

أن هذا الرجل يُبغض الإسلام ، لأنه جاهل .

( ومن الفوائد  )

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم ، إذ نقلوا لنا ما وقع في عصره عليه الصلاة والسلام ، حتى تستفيد منه الأمة ، ومن هؤلاء النقلة ” أنس رضي الله عنه ” إذ خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقرب من عشر سنين .

( ومن الفوائد  )

أن مما يتسامح فيه في ذلك العصر  :

” أن البول إذا كان على مقرب من الناس فلا يستحيى منه “

بينما إذا كان ” غائطاً ” فإن السنة قد جاءت بالبعد .

أما إذا كان بولاً ، فقد جاءت السنة بالتسامح في ذلك ، فقد بال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه

( بال عند سباطة قوم قائما  ، وأمر حذيفة أن يقف عند عقبه )

( ومن الفوائد  )

أن الواجب على المسلمين أن يحترموا  مساجد الله ، ومن احترامها ألا يلقى القذر فيها ، ومن أعظم القذر أن يبال أو أن يتغوط فيها .

وهل له أن يتوضأ فيها أو يغتسل ؟

لأنه في السابق لم تكن هناك دورات مياه ملتصقة بالمساجد كما هو الحال ؟

بعض العلماء : كره ذلك .

وبعضا العلماء : لم يكره .

والصواب /

لأن هناك بعض البلدان يمكن أن يتحقق فيها وصف المساجد القديمة ، فإذا لم يكن هناك أذية على المسجد ولا على الآخرين ، فلا بأس بذلك .

( ومن الفوائد  )

بيان فضل الخُلطة ، فإن الخلطة أفضل من العزلة ، لأن الذي يخالط الناس يستفيد منهم ، فهذا الأعرابي وقع منه هذا الذنب العظيم ، لأنه كان بعيدا عن مصادر العلم والتعلم .

والعزلة لا تحمد إلا إذا خشي الإنسان على دينه ، إذا كثرت الفتن ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري :

( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن )

( ومن الفوائد  )

أن الصحابة رضي الله عنهم زجروه ،و حُق لهم أن يزجروه ، فإن ما فعله منكر ، ولذا لم ينكر عليهم عليه الصلاة والسلام في إنكارهم ، وإنما أنكر  عليهم أسلوبهم في الإنكار .

( ومن الفوائد  )

أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي حسن القول والفعل والتصرف ، فواجب على الأمة ولاسيما الدعاة أن يتأسوا به – صلوات ربي وسلامه عليه – فلا يهولنهم عظم المنكر ، لأن المنكر إذا استعظموه واستهالهم حُرموا حسن التصرف ، لأن المنكر قد وقع بقدر الله عز وجل ، فلا نرضى به من حيث فعل هذا الإنسان ، لكن علينا أن نعرف الطريقة المناسبة في إنكاره ، بقطع النظر على زوال هذا المنكر من عدمه ، فقد لا يزول ، لكن الواجب عليكم أن تقوم بالواجب ، قال تعالى :

{ وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164

لكي تُعذروا أمام رب العالمين أو لعل هؤلاء ينفع فيهم النصح في المستقبل فيتقون الله عز وجل .

 

( ومن الفوائد  )

أن المنكر إذا أنكر فترتب عليه منكر أكبر فإن هذا الإنكار محرم ، لأن الشريعة جاءت بتقليل المفاسد ، ولذلك لو أن هذا الرجل انتُهر فقام انعدم بوله في المسجد ، لكن يترتب عليه مفاسد ومنكرات من بينها :

بُعد هذا الإنسان عن الدين – ولا شك أن تأليف الناس وتحبيبهم إلى دين الله عز وجل من أعظم الواجبات –

فكونه يقع في منكر  أفضل من أن ينسلخ من الدين البتة  .

ومن المفاسد :

أن هذا الرجل لو انتهر عند بوله ، لقام فلوث المسجد وانتشر البول في أكثر من موضع ، فإنه لما كان في موضع واحد سيكون في مواضع متعددة .

ومن المفاسد :

أن تتلوث ثياب وسراويل هذا الرجل .

ومن المفاسد :

أنه قد يصاب بمرض في المسالك البولية .

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحديث وأمثاله قد استوحى منه العلماء قواعد ، منها :

قاعدة : [ يختار أهون الشرين ]

وقاعدة [ ترتكب أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما ]

وقاعدة [ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ]

وقاعدة  [ سدُّ الذرائع ]

( ومن الفوائد  )

أن صنيع هذا الرجل يدل على جهله العميق ، لأنه لما أتى – كما في بعض الروايات –  ( أتى فصلى ثم قال ” اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فقال صلى الله عليه وسلم :

” لقد تحجرت واسعا ” )

ثم حصل منه البول .

مع أن بعض العلماء : يرى أن هذا الدعاء جرى بعد بوله في المسجد .

لكن ما أعرفه مما أطلعت عليه في السنن أنه ( دخل المسجد فصلى ثم وقع منه البول )

 

 

( ومن الفوائد  )

أنه كلمة ( قضى ) لها معاني متعددة ، من بينها :

( الفراغ من الشيء ) كما هنا  :

( فلما قضى بوله )

يعني فرغ منه .

( ومن الفوائد  )

أن الأرض إذا وقعت عليها النجاسة يُصب عليها الماء ، فتطهير النجاسة سواء كانت هذه النجاسة نجاسة مغلظة وهي ” نجاسة الكلب ” أو نجاسة مخففة وهي ” بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام “

أو نجاسة متوسطة وهي ” ما عدا هذين النوعين “

فإن تطهير الأرض وما يلتصق بها مما يتبعها من أحجار وصخور يكون بصب الماء .

مع أن بعض العلماء : ” أخرج الصخور ، بل أخرج الأرض الصلبة “

قال : إن الأرض الصلبة لا ينفع فيها صب الماء” فلابد أن تحفر ، فيكو ن أرض مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا رخوة تشرب الماء .

والصواب / العموم ، فلا فرق بين الصلبة وبين ما لم تكن كذلك ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ” لم يفرق ” .

هذا إذا كانت النجاسة ليست ذات جرم ، أما إذا كانت ذات جرم فلابد أن يزال الجرم ، فلو كان غائطا فلابد من إزالة هذا الغائط ثم صب الماء عليها .

( ومن الفوائد  )

أن هناك رواية في السنن :

( أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تحفر الأرض فيؤخذ ما عليها من التراب ويلقى ثم يصب الماء )

ولكنها رواية ضعيفة “

ولو صحت لوجب المصير إليها ، لكنها ضعيفة من حيث السند ومن حيث المتن ، لأن فيها نكارة ، ما وجه النكارة ؟

” أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أمر بحفر الأرض وإلقاء ما بيل عليها لما كان في صب الماء فائدة “

 

 

 

( ومن الفوائد  )

أن بعض العلماء : يرى أن بول الآدمي لو تُرك فجف وزال أثر النجاسة بريح أو شمس فإن الموضع يطهر .

واستدلوا على ذلك :

بحديث ابن عمر رضي الله عنهما كما عند البخاري :

( أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية عند غير البخاري :

( تبول ) كما في السنن .

( ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك )

وهذا هو الصحيح .

وقد استدل بعض هؤلاء العلماء : بحديث :

( زكاة الأرض يُبْسُها )

لكنه حديث موقوف ، ليس مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فنخص من هذا :

أن الأرض تُطهر بوسيلتين :

$إما بجفافها حتى يزول أثرها بالشمس أو بالريح .

$وإما بصب الماء عليها .

وإنما صبَّ النبي صلى الله عليه وسلم الماء عليها لأنه أبلغ وأسرع في التطهير من غيره .

ولذا يرى علماء آخرون : الأخذ بهذا الحديث فقط ، وأن النجاسة لا تطهر إلا بالغسل “

 

( ومن الفوائد  )

أن ( الذَنوب ) هو الدلو المملوء بالماء .

فإذا لم يكن فيه ماء فلا يسمى ( ذَنُوبا )

فإن كان خاليا من الماء يقال ( هذا دلوٌ )

( ومن الفوائد  )

أن بعض الروايات أتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم

( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )

من باب حثهم على التلطف في دعوة الناس .

( ومن الفوائد  )

أن قوله عليه الصلاة و السلام

( لا تزرموه )

أي لا تقطعوا عليه بوله .

( ومن الفوائد  )

أن غُسالة النجاسة طاهرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بصب الماء ، فإن الماء سيختلط بهذه النجاسة .

ومن ثمَّ فلو أن الإنسان غسل ثوبه الذي وقعت عليه النجاسة وطهر وبقي الماء يتقاطر فإن هذه النجاسة لا تدخل ضمن النجاسة .

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحديث ( متفق عليه )

والمقصود اتفق عليه الشيخان ” البخاري ومسلم “

ولو قال قائل : ما الفرق بين ( رواه الشيخان ) أو  ( رواه البخاري ومسلم  )

وبين حديث ( متفق عليه ) ؟

بعض العلماء : لا يُفَرِق .

ولكن الأدق في التعريف أن يقال :

إذا قيل حديث ( متفق عليه ) بمعنى أن الشيخين اتفقا عليه من حديث صحابي واحد ، فلم يخرجه البخاري ، ومسلم عن صحابي آخر  ، اتفقا رحمهما الله على إخراج الحديث من طريق صحابي واحد ، كما هنا ، فيكون البخاري أخرجه من حديث أنس ومسلم كذلك .

__________