شرح كتاب ( بلوغ المرام )حديث 124 وحديث 125
( باب الغسل وحكم الجنب )
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
{ إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً, فَاغْسِلُوا اَلشَّعْرَ, وَأَنْقُوا اَلْبَشَرَ }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاه ُ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ, وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُول ٌ ..
( من الفوائد )
أن هذا الحديث ضعيف، ومع ضعفه أخذ بعض العلماء بمعناه باعتبار ما ورد عن علي رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من ترك موضع شعرة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا ) فقال علي رضي الله عنه ” فمن بعدها عاديت شعري )
فكان رضي الله عنه يحلق شعره .
وحديث علي رضي الله عنه قال عنه ابن حجر رحمه الله في التخليص ” إسناده صحيح ”
وبعض العلماء : لا يرى صحته .
ومدار التصحيح والتضعيف في حديث علي لأنه من رواية ” عطاء بن السائب ”
وعطاء بن السائب في آخر حياته ساء حفظه واختلط عليه الأمر ، فمن روى عن عطاء قبل كِبر سنه وقبل اختلاطه قبلت روايته ، وإلا فلا تقبل .
ولعل تصحيح ابن حجر رحمه الله لحديث علي باعتبار أنه من رواية عطاء بن السائب قبل اختلاطه .
ويرى بعض الأئمة أن حديث علي رضي الله عنه موقوف عليه ، وليس من قوله صلى الله عليه وسلم .
فإذا ضُم حديث علي – حتى مع وقفه – مع حديث الباب تحصلنا على أمر وهو :
أن الواجب على المسلم أن يبالغ في غسل الشعر أكثر من غيره ، ويقويه ما مرَّ معنا ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل شعر رأسه )
( ومن الفوائد )
قال ( أنقوا البشر )
يعني البشرة ، فيكون هذا الحديث دليلا لمن أوجب المضمضة والاستنشاق في الغسل ، لأن الفم والأنف من البشرة ، وهذا هو الصحيح ، وليس العمدة هو حديث الباب ، وإنما العمدة هو حديث أبي ذر – كما في السنن :
( كانت تصيبه الجنابة ، فقال صلى الله عليه وسلم الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )
ومن البشرة الفم والأنف .
( ومن الفوائد )
ما معنى قوله ( إن تحت كل شعرة جنابة )
معناه / أن الجنابة تصيب الجزء الباطن من الشعر ، وبالتالي فإن عليه أن يغسل الشعر ويبالغ فيه .
أو / أنه من باب المبالغة ، يعني لتحرص على أن تبالغ في غسل شعرك أثناء الغسل من الجنابة .
وعلى كل حال / مر معنا حديث عائشة وحديث ميمونة في صفة غسله صلى الله عليه وسلم وهما الحديثان المعول عليهما ( ومن الفوائد )
أن الجنابة في اللغة ” البعد “
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( اجتنبوا السبع الموبقات ) يعني ابتعدوا .
وسمي الجنب بهذا الاسم :
إما لأنه يجتنب بعض العبادات وجوبا .
أو لأن الماء يبتعد عن مكانه ، فإن المني في الصلب فإذا خرج بعد هذا الماء عن مكانه .