شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 14 ) حديث ( 16 ) ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 14 ) حديث ( 16 ) ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة)

مشاهدات: 461

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 14 حديث ( 16 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن حذيفة بن اليمان  – رضي الله عنهما – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة  ) .

متفق عليه .

 

+ابن حجر رحمه الله ذكر هذا الحديث تحت ” باب الآنية   “  لما ذكر رحمه الله الماء وما يتعلق به ، ومعلوم أن الماء سيَّال بطبعه يحتاج إلى ما يحويه وهي الأواني ، ذكر هذا الحديث .

 ( من الفوائد )

%أن قوله : ( لا تشربوا )

وقوله ( لا تأكلوا )

[ نهي ]  وكما هي القاعدة الأصولية  :

[ أن النهي يفيد التحريم ما لم يصرفه صارف ]

ولم يصرف هذا النهي صارف آخر .

( ومن الفوائد )

*أن الرسول صلى الله عليه وسلم نصَّ على ” الشرب والأكل ” في هذا النهي ، + فهل يحلق بهما غيرهما من وجوه الاستعمالات؟

كأن يغترف بآنية فضة أو ذهب ؟

أو أن يكتب بقلم فضة أو ذهب ؟

بعض العلماء :

يرى أن النهي شامل للأكل والشرب وباقي الاستعمالات ، لأن الحديث جاء في سياق ذكر الغالب ، فالغالب أن الأواني تستخدم في الأكل والشرب  :

[ وإذا جاء النص لبيان الغالب فلا مفهوم له ]

يعني لا يفهم منه أن ما عدا الأكل والشرب يجوز .

وهذا هو رأي ” الجمهور “

ويرى بعض العلماءويختاره شيخ الإسلام رحمه الله – أن النهي يخص الأكل والشرب ولا يلحق بهما ما سواهما ، لأن الحديث نصَّ على الأكل والشرب .

ومما يؤكد ما ذهبوا إليه ” قول أنس رضي الله عنه رضي الله عنه كما عند البخاري :

( انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة )

بل يرى شيخ الإسلام رحمه الله :

أن الأصل في الفضة الجواز “

ليس جواز الأكل والشرب في آنيتهما وإنما يرى أن الأصل هو الجواز ويستثني منه ما استثناه الشرع ، وهو ” النهي عن الأكل والشرب في أواني الفضة “

لقوله صلى الله عليه وسلم في الفضة :

( العبوا بها لعباً )

ونحن نقول : إن حديث ( العبوا بها لعبا ) له صدرٌ وهو : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :

( من أحب أن يلبس حبيبه سوارا من نار فليلبسه سوارا من ذهب )

والمقصود بـ  ( الحبيب ) هو ( الأنثى )

وذكر أشياء أخرى من التحلق ، إلى أن قال :

( وأما الفضة فالعبوا بها لعبا )

فقوله صلى الله عليه وسلم :

( العبوا بها لعبا ) المقصود ” النساء “

لأن الذهب كان محرما عليهن ، فأباح لهن الفضة فيما سبق ، ثم في نهاية الأمر :

( رفع الحرير والذهب وقال هذا حِلٌّ لإناث أمتي حرام على ذكورها )

والصواب / ما ذهب إليه الجمهور – والعلم عند الله .

( ومن الفوائد )

$أن النهي في مثل هذا الحديث لا يخص الرجال بل يدخل في ذلك النساء ، وأين الدليل ؟

الدليل أنه أتى ” بواو الجماعة “

( لا تشربوا ) ( لا تأكلوا )

و [ واو الجماعة يدخل فيها الذكور والإناث ] عند كثير من الأصوليين .

ولو سلمنا بعدم دخول الإناث فإن القاعدة الأخرى تقول :

[ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء إلا إذا دل دليل يستثني النساء]

فلا يجوز للمرأة أن تشرب وأن تأكل في آنية الفضة أو في صحافهما .

أما لباس الذهب والفضة فحلال لهن كما هو معلوم .

( ومن الفوائد )

*أن قوله صلى الله عليه وسلم

( فإنها لهم في الدنيا )

لا يدل على أنه مباحة لهم ، فلا يفهم منها هذا الأمر ، لم ؟

لأن القاعدة في الأصول تقول :

[ إذا جاء النص لبيان الواقع فلا مفهوم له]

كما قال تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً }آل عمران130 .

هل يجوز أن يؤكل الربا دون أن يضاعف فيه ؟

الجواب : لا  .

لو قال قائل : الآية تدل على الجواز ؟

فنقول : إن الآية جاءت لبيان واقع ما كانوا يفعلونه .

ومعلوم – كما هو مرجح في الأصول – أن [ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما هم مخاطبون بأصولها ]

فأكلهم وشربهم في هذه الأواني يزيد من عذابهم في النار  .

( ومن الفوائد )

&أن الحديث أطلق عمَّم وأطلق ، فلو أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضة خالصة أو مطلية أو مموهة ، فإنه يدخل في التحريم ، بل جاءت رواية :

( أو في شيء منهما )

إلا ما استثناه الشرع وهو الإناء إذا انكسر ، فيجوز أن يضبَّب بضبَّة يسيرة من الفضة ، كما ذكرت لكم حديث أنس عند البخاري

( انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة )

 

( ومن الفوائد )

_أن العلماء اختلفوا في حكمة النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة :

فقال بعض العلماء :

إن هذا الفعل يكسر قلوب الفقراء .

وهي علة تُرَدُ بقولنا :

” إن هناك أشياء مباحة لو استعملها الأغنياء كسرت قلوب الفقراء “

وهذا يدعونا إلى مسألة وهي :

” أن ما عدا الذهب والفضة من الأواني فيجوز استعماله واتخاذه ولو كان ثمينا ”

وقال بعض العلماء : إن الحكمة من النهي:

” أن الذهب والفضة تستخدمان في التجارة لكونهما عملتين “

فإذا استعملتا في هذا الأمر قلَّ الكسب والسعي في الأرض للبحث عن الربح .

وهذه العلة تُرَد : لأنه ليس كل إنسان يستطيع أن يأكل أو أن يشرب في أواني الذهب والفضة ، فلو فعل هذا الفعل لكان على طائفة معينة لا تقل فيها الاستفادة من هذين المعدنين .

وقال بعض العلماء :

إن العلة هي “

” التشبه بالكفار “

لقوله صلى الله عليه وسلم :

( فإنها لهم في الدنيا )

فقد وقعوا في هذا ، فلا يفعل هذا الفعل حتى لا يتشبه بهم  .

ويجاب عن هذه العلة :

من أن التشبه بالكفار لا شك أن الأصل فيه هو التحريم ، لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وغيره :

( ومن تشبه بقوم فهو منهم )

ولكن قد يأتي دليل يجيز التشبه بهم .

مثل : قوله صلى الله عليه وسلم :

( صلوا في نعالكم فإن اليهود لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم )

ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم

( صلى حافيا )

وقال بعض العلماء – وهو أحسنها وأوجهها – وهو قول ابن القيم رحمه الله :

إن الأكل والشرب فيهما يُضعف التقرب إلى الله عز وجل ، ويقلل من العبودية التي تكون في القلب لله عز وجل ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :

( فإنها لهم في الدنيا )

لم ؟

لأنهم خرجوا عن مقتضى العبودية ، فهي داعية صاحبها إلى أن تضعف معه العبادة .

( ومن الفوائد )

&أن الواجب على المسلم أن يعلق قلبه بالآخرة ، لم ؟

لأنها هي دار البقاء ، بينما دار الدنيا دار فناء ، لو استمتع بها وتلذذ بما فيها فإنها زائلة ،ولذلك بيَّن عليه الصلاة والسلام فضل من ترك الأكل والشرب فيهما ، قال :

( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )

________