الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )
أخرجه الثلاثة ، وصححه أحمد .
الشرح :
من فوائد هذا الحديث :
أن هذه الجملة واردة على سبب ،وهو ما يسمى بحديث ( بئر بضاعة ) إذ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه البئر وما يلقى فيها من لحوم الكلام والحيَّض والنتن ؟ فذكر الحديث .
ومن الفوائد :
لو قال قائل : كيف يلقى فيها لحوم الكلام والحيض والنتن ، يمكن أن يتورع عن ذلك الكفار ، فكيف يلقى من قبل الصحابة رضي الله عنهم ؟! لماذا لم يترفعوا عن ذلك ؟
الجواب عن ذلك : قال بعض العلماء : إن هناك بعضا من المنافقين يصنع هذا الصنيع .
وقال بعض العلماء : هي بئر بمهبط الأرض ، فتأتي السيول وتأخذ ما على وجه الأرض من هذه الأشياء ثم تلقيها في هذا البئر .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله : من أن الماء قلَّ أم كثر لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه إلا إذا غيرته ، فإذا وقعت النجاسة في ماء ، سواء كان هذا الماء قليلا أو كثيرا ، فإنه لا ينجس إلا إذا غيرت هذه النجاسة أوصافه ، وهو الصواب .
ومن الفوائد :
أن الأصل في الماء الطهورية ، فلو كان عندك إناء فيه ماء ، فذهبت ثم عدت إليه وشككت فيه ، فتحكم بطهوريته .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث اقتصر على قسمين من أقسام المياه [ الطهور والنجس ] ومن ثمَّ فإنه لا دليل على أنه هناك قسما ثالث يسمى بالطاهر ، كما ذهبت إلى ذلك الحنابلة ، فالنصوص لم تأت إلا بذكر الطهور وبذكر النجس .
ومن الفوائد :
أن النجاسة بأي نوع من أنواعها كثرت أم قلَّت ، جامدة أم سائلة ، من آدمي أو من ذوات الأربع ، لا تغير حكم الماء من الطهورية إلى النجاسة إلا إذا غيرت أوصافه .
ومن الفوائد :
أن النجاسة لو وقعت في ماء ولم تؤثر فيه ، يجوز استعماله ولو كانت فيه ، ولو كنا نراها ، لأن وجودها كعدمها ، لعدم تأثيرها .
ومن الفوائد :
أن على الموسوسين أن يربوا أنفسهم على منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذه بئر تلقى فيها لحوم الكلاب والحيض والنتن ، ومع ذلك حكم بهذا الحكم ، فعليهم أن يربوا أنفسهم على الالتزام بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن الحكم هنا مؤكد ، لأن كلمة ( إنَّ ) من أدوات التوكيد ، كما ذكر أهل البلاغة .
ومن الفوائد :
أن النكرة في سياق النفي تعم ، فكلمة ( شيء ) نكرة في سياق النفي ( لا ينجسه ) فيعم أي شيء ، فمتى ما وقع أي شيء في الماء ، فلا يؤثر في حكم هذا الماء إلا إذا أثر في أوصاف هذا الماء .
ومن الفوائد :
أن الماء لا يمكن أن يحكم عليه بأقل أوصاف النجاسة ما لم تؤثر فيه تلك النجاسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا ينجسه ) و( لا ) نافية [ والفعل المنفي يدل على العموم ] كما هي القاعدة في الأصول .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث لا ينظر إلى مَنْ أعله ، فإن الإمام أحمد صححه ، وصححه غيره من العلماء المحققين .
ومن فوائد ما قاله رحمه الله :
أنه قال ( أخرجه الثلاثة ) والمراد : أهل السنن ما عدا ابن ماجة ، لكن لما مر معنا في الحديث السابق ، قال ( أخرجه الأربعة ) فالمراد أهل السنن.