شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 46 حديث ( 49 ـ 51 )
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنهما قال : قال :رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )
أخرجه : أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه بإسناد ضعيف .
وللترمذي : عن سعيد بن زيد ، وأبي سعيد نحوه .
قال أحمد : لا يثبت فيه شيء .
( من الفوائد )
أن هذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته :
فانقسم العلماء في الحكم على هذا الحديث على قسمين :
قسم يرى أنه ضعيف ، وهذا ما أشار إليه ابن حجر رحمه الله بالحكم على الحديث ، وذكر تأييد الإمام أحمد رحمه الله من أنه :
( لا يثبت حديث في البسملة )
وبعض العلماء : يرى أنه ثابت ، وذلك كابن القيم وابن كثير والألباني رحمهم ، وغيرهم من أهل العلم يرون أن هذا الحديث حديث حسن ، لما له من الشواهد .
(و من الفوائد )
أنه صلى الله عليه وسلم قال :
( لا وضوء )
( لا ) هنا ” نافية للجنس ، تنفي الوضوء ، لكن أتنفي كماله أم تنفي صحته ؟
لأن النفي كما مر معنا على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : نفي الوجود .
النوع الثاني : نفي الصحة .
النوع الثالث : نفي الكمال .
نفي الوجود لا يمكن أن يكون منفيا هنا ، لأن الوضوء موجود ، فبقينا في أمرين ، هل هو نفي للصحة أو نفي للكمال ؟
بعض العلماء يرى : أنه نفي للصحة ، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة في المشهور عنهم ، من أن :
” التسمية في الوضوء واجب من واجبات الوضوء “
ولتعلموا أن هناك فرقا بين فروض الوضوء وبين واجبات الوضوء .
ففروض الوضوء : [ غسل الوجه – غسل اليدين – مسح الرأس – غسل القدمين – الترتيب – الموالاة ] إذاً فروض الوضوء ” ستة “
أما بالنسبة إلى واجبات الوضوء : فعند الأئمة الثلاثة ليس هناك واجب للوضوء .
لكن عند الحنابلة هناك واجب من واجبات الوضوء عند الذكر ، ما هو هذا الواجب ؟
قول ” بسم الله “
وعلى قولهم هذا : من ترك البسملة متعمدا ، فإن وضوءه يبطل ، لأنه ترك واجبا من واجبات الوضوء.
لو أنه نسي قول ” بسم الله ” عند الوضوء ؟
هنا ينظر إن كان النسيان بعد الفراغ من الوضوء عند الحنابلة فما هو الحكم ؟ صحة الوضوء .
لكن إن كان في ثنايا الوضوء فذكر أو ذُكِّر فما هو الحكم عند الحنابلة ، هل يبني ؟
بمعنى أنه لما وصل إلى غسل اليدين يقول ” بسم الله ” ويمسح رأسه ويغسل قدميه ؟
أم أننا نقول : تقول ” بسم الله ” وتستأنف ؟
اختلف الحنابلة في هذا ، وقد جاء حديث :
( من قال بسم الله عند وضوئه كفرت ذنوب بدنه ، وإن قال بسم الله في وضوئه كفرت ذنوب أعضاء وضوئه )
وهذا الحديث لو صح نحكم على الوضوء بأنه صحيح وأنه لا يستأنف ، وإنما يبني ، لكن هذا الحديث لا يصح .
ويرى بعض العلماء : أنه لو ترك قول ” بسم الله ” في أول الوضوء فإن وضوءه صحيح ، لم ؟
لأنه الحديث عندهم ضعيف .
لكن لو قال قائل :
هناك حديث نصه ( إذا توضأت فقل بسم الله )
لو صح هذا الحديث لكان مؤيدا لما ذهبت إليه الحنابلة ، لكنه ضعيف ، لم ؟ لأنه أمر يقتضي الوجوب
كيف نسعف الحنابلة ؟
يمكن أن يقول شخص : النبي صلى الله عليه وسلم ( لما نبع الماء من بين أصابعه قال ” توضئوا بسم الله ” )
فهل هذا دليل على ما ذهبت إليه الحنابلة ؟
ليس هذا دليلا لهم ، لأنه ليس بصريح ، وإنما أراد بذلك أن يتبركوا باسم الله عز وجل ، كما تبركوا بهذا الماء الذي نبع ببركة أصابعه صلى الله عليه وسلم .
خلاصة القول : أن الحنابلة ترى وجوب التسمية قبل الوضوء مع الذكر ، فإن نسي الإنسان فوضوؤه صحيح ، فإن كان في ثنايا الوضوء فذكر أو ذُكِّر يبني أو يستأنف على قولين .
بينما الأئمة الثلاثة يرون : أن البسملة سنة ، لم ؟ لتضعيف هذا الحديث .
لو قال قائل : هم قالوا سنة بناء على ماذا ؟
بناء على ما جاء من حديث – وقد مر معنا كثيرا –
( كل شيء لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع ) وفي رواية ( أجذم )
وهذا الحديث أيضا فيه خلاف ، لكن من حيث الجملة يقال : قول ” بسم الله ” سنة ، وعلى المسلم أن يحتاط في مثل هذا الأمر ، فلا يدع البسملة ، لكن كوننا نقول لمن تركها متعمدا أعد وضوءك ، فهذا يحتاج إلى دليل صحيح صريح .
(و من الفوائد )
أيقول ” بسم الله ” أم الكمال له أن يقول ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ؟
الفقهاء يقولون : إن قال ” بسم الله ” أتى بالواجب ، وإن أتى بالبسملة كاملة ” بسم الله الرحمن الرحيم ” كان أتم وأكمل .
ونحن لو أخذنا بصحة هذا الحديث: فإننا نقول نقتصر على الوارد ، ما هو الوارد ؟ ” بسم الله “
ولتعلموا أنهم حذروا من أن يقال عند ذبح الذبيحة ” بسم الله الرحمن الرحيم “
يقولون ” لتقل ” بسم الله ” فقط .
لأن هذا هو الوارد :
{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ }الأنعام118 .
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل )
لكن هم يقولون إن اسما ” الرحمن والرحيم ” لا يتناسبان مع هذا المقام ، لأن هذا المقام ليس مقام رحمة .
ولذلك عند الطبراني :
( قال رجل يا ر سول الله : الشاة أذبحها وأرحمها ، قال رحمك الله إن رحمتها )
بما أن الرحمة بلغت في قلبك هذا المبلغ لهذا الحيوان مع أنك ستذبحه ، فإن رحمة الله عز وجل كذلك .
( ومن الفوائد )
لو قال قيل بصحة هذا الحديث فكان الإنسان في مكان قضاء الحاجة أيقول بسم الله بلسانه متلفظا بها أم أنه يقولها بقلبه ؟
الجواب /
يحتمل هذا ويحتمل هذا ، يحتمل أنه يقولها بقلبه ويحسب له أجرها ، ويكون له أجر من يقولها بلسانه ، لم ؟ لتعذر قولها باللسان تلفظا في هذا المكان الذي لا يذكر الله عز وجل فيه .
والدليل على ذلك : حديث أبي أيوب رضي الله عنه كما في الصحيحين :
قال ( قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تستقبلوا القبلة ببول ولا بغائط ، ولكن شرقوا أو غربوا ” قال : فقدما الشام فوجدنا مراحيض بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله )
هنا تأتي فائدة اللغة العربية ، قوله ( ونستغفر الله )
قد تكون هذه الواو عاطفة ، فبالتالي يكون الاستغفار بعد الخروج من هذا المكان ، ولا يكون دليلا لهذه الفائدة .
لكن يمكن أن تكون الواو ” حالية ” ننحرف وفي حالة الانحراف نستغفر الله ، ويكون هذا الاستغفار كما قال بعض العلماء يكون استغفارا قلبيا .
ويحتمل أن يكون استغفارا لفظيا ، لأنه هو الأصل ، وبالتالي له أن يقول ” بسم الله ” داخل الخلاء ، ويؤيد هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم عنه في الأحاديث في الصحاح وفي السنن ( أنه كان يلبس خاتما ، وكان هذا الخاتم منقوشا عليه ” محمد رسول الله )
ولم يكن عليه الصلاة والسلام ينزعه إذا دخل بيت الخلاء ، بل كان يدخل به ، فدل على أن هذا الأمر يتسامح فيه ، مع أن لفظ الجلالة موجود في الخاتم .
ولذلك فرَّع بعض العلماء من هذه المسألة مسألة أخرى وهي ” لو عطس الإنسان في بيت الخلاء أيحمد الله بقلبه ، أم يحمد الله بلسانه ؟
ما ذكر سابقا في قول ” بسم الله ” يذكر هنا .
كذلك لو أنه سمع المؤذن أيجب بقلبه أم بلسانه ؟ كذلك نفس المسألة .
( ومن الفوائد )
أن هناك رواية :
( لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه )
لكنها ضعيفة ، ولو ثبتت لأفادت حتى عند من يقول بثبوت الحديث لأفادت أن التسمية سنة عند الوضوء ، وليست بواجبة .
( ومن الفوائد )
عند من يقول بثبوت هذه الحديث يكون هناك ذكر قبل الوضوء ، وذكر بعد الوضوء كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى .
ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله : ” أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في ثنايا الوضوء ،وإنما الوارد إما قبل الوضوء وهو قول ” بسم الله ” وإما بعد الوضوء وهو قول ) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )
وأما ما ورد من حديث ( من أنه تقرأ سورة القدر عند الوضوء ) فلا يصح .
وما ورد / أنه هناك ذكرا عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء ، فكذلك لا يصح .
وقد ذكر ذلك ابن القيم والنووي رحمهما الله وغيرهما من أئمة الإسلام ، من أنه لا يثبت حديث أتى باستحباب ذكر عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء .
( ومن الفوائد )
هل يتكلم بكلام مباح – لأن الكلام المحرم محرم في كل وقت وفي كل مكان – لكن هل يتكلم بكلام مباح أثناء الوضوء ؟
الجواب /
قال بعض العلماء : يكره أن يتكلم أثناء الوضوء إلا بما كان فيه ذكرٌ لله عز وجل ، أما إذا لم يكن هناك ذكر لله عز وجل فإنه يكون مكروها وليس بمحرم .
وبعضهم قال : بالجواز مطلقا ، وهذا هو الصواب ، ما هو الدليل ؟
النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين – لما كان معه المغيرة رضي الله عنه في غزوة تبوك ، فتوضأ فأراد المغيرة أن ينزع خفيه ، فقال صلى الله عليه وسلم ” دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ” ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد