شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 48 ) حديث ( 55 ) (رأى النبي رجلا وفي قدمه مثل الظفر)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 48 ) حديث ( 55 ) (رأى النبي رجلا وفي قدمه مثل الظفر)

مشاهدات: 563

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )  ـ الدرس 48 حديث 55

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

” عن أنس رضي الله عنه  قال :

( رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء ، فقال : ” ارجع فأحسن وضوءك ” )

أخرجه : أبو داود والنسائي  .

 

( من الفوائد )

أن هذا الحديث أعله بعض العلماء  “

وتعليل بعض العلماء لهذا الحديث لأمرين :

الأمر الأول : ” الطعن في بقية بن الوليد عند أئمة الحديث “

الأمر الثاني : ” أن هذا الرجل المجهول لم يصرح به ، فيكون مجهولا “

وهذا ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله من أن الحديث لا يصح لهاتين العلتين .

فرد عليه ابن القيم رحمه الله فقال :

إن الجواب عن العلة الأولى مردودة ، لم ؟

قال : لأن بقية ” رجل ثقة صدوق ” وإنما نقم عليه لأنه كان يدلس ، ومعلوم أن المدلس لا يقبل حديثه إلا إذا صرَّح به كأن يقول ” حدثنا ” وبالتالي فإنه صرَّح هنا ، فتنتفي هذه العلة .

وأما الجواب عن العلة الثانية : وهي كون هذا الرجل مجهولا  : فإنه صحابي ، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تضر ، لم ؟

لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول ، فلا يمكن أن يقدم أحدهم على أن يقول شيئا لم يره أو لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، لم ؟ لأن الله سبحانه وتعالى زكَّاهم  ، وبالتالي يكون هذا الحديث ثابتا ، ولذا لما سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله  ؟

قال ” هذا إسناده جيد .

ومما يقوي ذلك : أنه جاء عند مسلم من حديث عمر رضي الله عنه  ،لكن في صحيح مسلم ليس بمرفوع وإنما هو موقوف على عمر رضي الله عنه ، وعلى كل حال فإن هذا الحديث ثابت .

( ومن الفوائد )

أن الظُفْر  : مفرد .

والجمع  : أظفار  .

وجمع الجمع ” أظافير .

( ومن الفوائد )

بيان أن العضو المأمور بغسله يجب أن يغسل كله ، وألا يبقى منه شيء ولو قلَّ .

وفي هذا الحديث ردٌّ على روايات حكيت عن أبي حنيفة رحمه الله من أنه قال : يجزئ في غسل العضو الربع  أو الثلث “

وهذه روايات حكيت عنه ، ولا شك أن أبا حنيفة رحمه الله من أئمة الإسلام وأنه من التابعين الذين أدركوا بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وله قدره ومكانته في الإسلام ، وهو رحمه الله أول الأئمة وكان في العراق في الكوفة ، والعلم وقتها لم ينتشر انتشارا واسعا كانتشاره عند الأئمة الذين أتوا بعده كالإمام مالك والشافعي وأحمد ، بل إن الإمام مالك وهو من أهل الحديث تأتي له بعض المسائل ينكرها ، لأنه كما كان يجيب عنه أهل الإسلام من أنه لم يبلغه الحديث ، فيختلف حال زمن الإمام أحمد عن حال زمن أبي حنيفة  ومالك ، وبالتالي فإن أبا حنيفة رحمه الله باعتبار أن الدليل لم يصل إليه يذكر آراءً ، فقد يقرأ بعضهم أن أبا حنيفة يخالف نصاً صريحا برئي  من عنده ، ليس لأنه يقدم رأيه – لا – لأن ما ينقل عنه رحمه الله من تقديم النصوص الشرعية على رأيه

واضحة ومشهورة ، لكنه رحمه الله لم يبلغه النص ، ثم إنه ابتلي بأصحاب وتلاميذ أتوا بعده كانوا على درجة من التعصب ، فكان بعضهم يطرح الأحاديث مع بلوغها إليه ، لأنني سمعت أن بعضا من الناس في هذا الزمن يقدح في أبي حنيفة ، وهذا – وللأسف – لم يطلع على كلام أهل العلم من المتقدمين ومن المتأخرين في فضل هؤلاء الأئمة ، حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول ” إن الأئمة الأربعة من أهل الجنة “

وهذا رأيه رحمه الله وهناك من يخالفه ،  لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( أنتم شهداء الله في أرضه )

وقد انطبق الثناء من الأئمة على هؤلاء .

فكيف يقال في أبي حنيفة رحمه الله هذا القول ، وللأسف هذا لا يصدر من شخص لم يدخل في العلم الشرعي المدخل الصحيح ، بعض الناس يسعى ويجتهد في العلم الشرعي ولكنه يغتر بما يطلع عليه ثم إذا به يقدح في فلان وفي فلان ، ولذلك منهج أهل السنة أنهم يعتذرون للأئمة إذا أخطأوا وإذا زلَّوا ، ولذلك يسميهم العلماء أهل الرأي ، لأن العراق بها مدينتان ” البصرة والكوفة ” هي أشهر مدن العراق ، ومن الغرائب أن من يسكن البصرة اهتموا بالعبادة والزهد ، ولذلك الزهاد معظمهم منهم يقال له ” زاهد البصرة ”

بينما الكوفة  ” أهل الرأي ”  أهل العلم ، ولكنهم يدخلون آراءهم ، ولذلك على المسلم أن يكون منصفا ، ويعرف لكل إمام قدره ، حتى يسلم قلبه من أن تكون به ضغينة أو حقد على أخيه المسلم فكيف بعالم ؟

( ومن الفوائد )

فيه الرد على الرافضة إذ إنهم إذا توضئوا مسحوا على أعلى أقدامهم وهي مكشوفة “

ففي هذا الحديث ردٌّ عليهم ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز عن مثل هذا القدر الذي مثل الظفر .

 

( ومن الفوائد )

فيه ردٌ على من قال : إنه يجوز أن يمسح على النعال ، فلو كان المسح على النعال مع أنها تظهر أكثر من الظفر – لو كان المسح على النعال جائزا لما كلَّف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يحسن وضوءه .

وما جاء من أحاديث :

( أنه صلى الله عليه وسلم مسح على النعال )

فعلى افتراض صحتها ، لأن بعضا من العلماء يضعفها ، فهي محمولة على نعال بها خفاف ، فيكون صلى الله عليه وسلم مسح على النعال مع الخفاف التي تستر القدم  .

( ومن الفوائد )

أنه صلى الله عليه وسلم أمره ( أن يحسن الوضوء )

ما المقصود من إحسان الوضوء ؟ هل المقصود أنه يغسل المتبقي من هذا العضو ؟

بمعنى أنه يغسل ما فاته من القدم الذي هو بمثابة الظفر ، أم أن المقصود أنه يستأنف ويعيد الوضوء من جديد ؟

محتمل أنه أراد أن يغسل هذا القدر ، ومحتمل أنه أمره بالإعادة ، لكن ما هو الفاصل الزمني بين أمره صلى الله عليه وسلم وبين ترك هذا الرجل لهذا الموضع ؟

إن قلنا إنه أمره بأن يعيد غسل ما فاته من هذا العضو ، فإنه فيه دليلا لمن قال إن الموالاة سنة ، وليست فرضا ، ولذلك يقولون لو أنه غسل إحدى قدميه ثم ظل نصف ساعة ولم يحدث وغسل الأخرى صح وضوؤه ، لأن الموالاة سنة .

ولكن الصواب / أن الموالاة فرض من فروض الوضوء ،ويدل له هذا الحديث .

ما وجه الدلالة ؟

وجه الدلالة أنه قال : ( ارجع فأحسن وضوءك )

ولم يقل ” فأحسن غسل قدمك ” فلما قال ( فأحسن وضوءك ) دل على أنه بتركه لهذا العضو أن وضوءه لم يكن حسنا ، والوضوء الشرعي لا يمكن أن يكون وضوءا شرعيا إلا بغسل الأعضاء من جديد .

ويقويه ما جاء عند أبي داود :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرا رجلا ترك من قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة ) وهذا دليل على أنه ترك الموالاة وبتركه للموالاة بين أعضاء الوضوء تكون صلاته باطلة لبطلان الوضوء .

وعلى افتراض أن قوله صلى الله عليه وسلم :

( أحسن وضوءك )

المراد منه غسل العضو الذي لم يصبه الماء ، فإننا نقول إن هذا الزمن قصير ، بينما أمره بالعادة للوضوء والصلاة لأن الزمن طويل .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث دليل لما قاله الفقهاء : أن من شروط صحة الوضوء ” إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة “

فهذا دليل لهم  ، وأنا لم أرَ  أنهم ذكروا ذلك ، لكن مما استوحيته الآن ، ما وجه الدلالة ؟

وجه الدلالة : أن مقصود الشرع الحقيقي أن يصل الماء إلى العضو ، فإن ترك جزءا من هذا العضو لم يصل إليه الماء ، فحاله كحال من وضع طبقة تمنع وصول الماء ، فكلاهما في الحكم سواء ، فهذا بالترك ، وهذا بوضع مادة تمنع وصول الماء إلى البشرة .

ولذلك البوية تمنع وصول الماء إلى البشرة .

المناكير التي تضعها النساء تمنع وصول الماء إلى البشرة .

وليس المقصود هو اللون – لا – ولذلك لو وضعت المرأة حناء ، فإنها لا تمنع وصول الماء إلى البشرة ، فلا إشكال في ذلك .

لو أن الإنسان كتب على يديه بقلم له لون ، فلا يؤثر ، فلا يمنع وصول الماء إلى البشرة .

لكن يغتفر في هذا الباب ما كان يسيرا ، فلو كان هناك شيء يسير يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يؤثر ، مع أن الأكمل أن يزال ، لكن لو كان قليلا فلا بأس به ، مثل قطعة من البوية ، أو قطعة من العجين فلا حرج ، وهناك دليلان على ذلك :

الدليل الأول : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم ) ولم يثبت عنه أنه كان يحركه في الوضوء ، ومعلوم أن الخاتم يمنع وصول الماء إلى البشرة ، فاغتفر في مثل هذا الجانب .

الدليل الثاني : ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله من أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يشتغلون بأيديهم وأرجلهم ، وكانت الخفاف والنعال عندهم قليلة ، وكانت هناك أوساخ تجتمع تحت أظافرهم من الأقدام ومن الأيدي ، ومع ذلك ما كانوا يتعاهدونها بالإزالة ، فدل على أن الشرع تجاوز في مثل هذا .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .