شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 62 حديث 70
( باب نواقض الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عائشة رضي الله عنها :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )
أخرجه : أحمد ، وضعفه البخاري .
هذا الحديث ذكر ابن حجر رحمه الله هنا ” أن البخاري ضعفه ”
وقد ذكر ابن حجر في التلخيص أن هذا الحديث ” حديث معلول ” وذكر رحمه الله أن البيهقي ذكر أنه ورد من عشرة طرق ، وحكم كثير من الأئمة على هذا الحديث بأنه ضعيف .
بينما رأى بعض العلماء باعتبار تكاثر طرقه أنه حديث حسن ، كالزيلعي ، وأحمد شاكر ، والألباني ، فهؤلاء اعتبروا أن الحديث ثابت باعتبار طرقه .
وعلى احتمال ما أثبته هؤلاء العلماء من ثبوت هذا الحديث فإن هذا الحديث يستفاد منه فوائد
( من الفوائد )
أن قوله :
( بعض نسائه ) المبهم هنا المراد بها ” عائشة رضي الله عنها ” راوية الحديث ، وكنَّت وأخفت اسمها من باب أن هذا مما يستحيى منه ، اللهم إلا إذا كان في إيضاح هذا الأمر فائدة ومصلحة شرعية فيذكر ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سئل عن القبلة للصائم ؟ قال سلْ هذه )
فإذا وجدت المصلحة فإنها تذكر ، وإلا فالأصل عدم ذكر مثل هذه الأشياء .
(و من الفوائد )
” التقبيل مظنة الشهوة ولاسيما إذا وقع على الزوجة “
وإذا كان كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قبَّل وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، فاستفاد بعض العلماء من هذا الحديث أن مباشرة المرأة من لمس أو تقبيل أنه لا ينقض الوضوء .
واستدلوا على هذا بقوله تعالى :
{ِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء }المائدة6
فإن الله عز وجل بيَّن أن لمس النساء هنا ليس هو اللمس الحسي المعروف المعهود ، وإنما هو ” الجماع ” كما فسَّر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما .
بدليل أن الله عز وجل لما ذكر الغائط ، والغائط سبب من أسباب الحدث الأصغر ، فكان من المناسب أن يذكر الملامسة التي هي سبب للحدث الأكبر ، ولو كان المقصود من الملامسة هنا ” اللمس المعروف ” لكان في ذلك تكرار ، ولم يحصل المقصود من أن الحدث الأصغر يحصل بالغائط ، وأن الحدث الأكبر يحصل بالجماع .
وقال بعض العلماء : إن هذا الحديث ضعيف ، ويقول ” إن لمس المرأة يعد ناقضا للوضوء “
لم ؟
لأن هذا الحديث ضعيف ، ويفسرون قوله تعالى :
{ِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء }المائدة6
باللمس المعهود .
وقال بعض العلماء / بمجرد لمس المرأة ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة فإنه يكون ناقضا للوضوء ،إلا إذا لمس محارمه لأنه من المتعارف عليه أن من يلمس محارمه كأمه وأخته لا يريد بذلك شهوة .
وقال بعض العلماء / إن كان هناك حائل من ثوب ونحوه ، فإنه لا ينقض الوضوء ،وإن كان اللمس مباشرة بأن يلمس اللحم اللحم ، كتقبيل أو لمس بالكف على يد أو ساق من غير حائل فإنه ينقض الوضوء .
هذه أقوال أهل العلم في هذه المسألة .
والصواب / أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة إلا إذا خرج منه شيء ، فإن خرج منه مذي فهنا يجب عليه الوضوء لا لأنه حصل منه لمس – لا – وإنما من أجل خروج هذا المذي ، وإلا فإنه لو لمس زوجته أو لمس أجنبية – مع أنه محرم – فلو فعل فهو آثم لكن وضوءه لا ينتقض .
والدليل / أن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح :
( كانت تعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل ، فكانت تمد رجلها فإذا أراد أن يسجد غمزها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزاحت قدمها )
قد يقول قائل : إن هذا الغمز منه صلى الله عليه وسلم ليس بشهوة ، وإنما مجرد لمس .
نقول : يسلم لكم هذا ، لكن هذا يرد به على من قال ” إن مجرد لمس المرأة ينقض الوضوء “
الدليل الثاني / ما ورد هنا – على افتراض ثبوته .
الدليل الثالث / البراءة الأصلية ، ما معنى البراءة الأصلية ؟
أن وضوء المسلم ثابت بيقين فلا نرفعه ولا نبطله إلا بيقين ، وأين اليقين من حيث الدليل على أنه ينتقض وضوؤه إذا لمس المرأة ؟
وبالتالي فإن صح هذا الحديث فهو العمدة ، وإن لم يثبت – وهو رأي كثير من أهل العلم – فإن البراءة الأصلية تجعل المسلم في حلٍّ من أمره ، اللهم إلا إذا خرج منه شيء ، فإنه في مثل هذه الحال يجب عليه الوضوء من أجل خروج هذا الشيء ، لا من أجل أنه لمس المرأة .
( ومن الفوائد )
” بيان فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم “
إذ نقلن للأمة ما يخفى عليها مما يجري في بيته صلى الله عليه وسلم ، وهذه الفائدة لا تؤخذ من هذا الحديث فحسب ، بل من أحاديث كثيرة .