شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 82 ) حديث 97 ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 82 ) حديث 97 ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول … )

مشاهدات: 452

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ حديث 97

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وَلِلسَّبْعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه

{ لَا تَسْتَقْبِلُوا اَلْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ, وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا }  

 ( من الفوائد )

أن قول ابن حجر رحمه الله ( وللسبعة ) يقصد منها :

” الإمام أحمد والبخاري ومسلم مع أهل السنن “

 

 

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث دليل لمن قال :

” إن استقبال القبلة واستدبارها محرم في جميع الأحوال سواء كان في بنيان أو كان في صحراء “

والمسألة مرت معنا مفصلة في حديث سلمان السابق ، وذكرنا القول الراجح من تلك الأقوال .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث له تتمة ، قال أبو أيوب رضي الله عنه :

( فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله )

هذه التتمة تؤكد ما قرره شيخ الإسلام رحمه الله من أن النهي عام في جميع الأحوال في صحراء أو بنيان ، لأن قدومهم إلى الشام وبها تلك المراحيض التي توجد في البنيان مع ذلك كانوا ينحرفون عنها .

( ومن الفوائد )

أن من شاء أن يأخذ بالاحتياط فلا يستقبل ولا يستدبر القبلة حال قضاء الحاجة في البنيان آخذا بهذا الحديث فعليه أن ينحرف حال قضاء الحاجة إذا كان في بنيان في مكان به مراحيض بنيت نحو الكعبة .

لكن ما هو ضابط هذا الانحراف ؟

قال العلماء : هو الانحراف الذي يجعل الإنسان غير متوجه إلى الكعبة ، أما الانحراف اليسير فإنه لا تأثير فيه .

( ومن الفوائد )

أن قول أبي أيوب رضي الله عنه :

( فوجدنا مراحيض )

يدل على أن تلك المراحيض لم تغير بأمرهم وإنما بقيت على ما هي عليه ، ولو كان النهي في البنيان كالنهي في الصحراء لبينوا ذلك وطلبوا إزالتها ، لكن الإنسان فيما يخص نفسه له أن يحتاط ، أما مع الناس فلا ، ولذا فعلى طالب العلم أن يأخذ إن شاء بالأحوط لكن لا يحرم على الناس هذا الأمر .

لو قال قائل : لماذا الاستغفار مع أنهم انحرفوا ؟

نقول : ربما أن انحرافهم لم يصل إلى الحد المطلوب وهو الانحراف التام عن القبلة .

( ومن الفوائد )

 أن قول أبي أيوب رضي الله عنه :

( ونستغفر الله )

إما أن يكون هذا الاستغفار استغفارا لفظيا ويمكن أن يكون استغفارا قلبيا ، فإن كان الاستغفار في الخلاء فيكون بقلوبهم دون أن تتحرك ألسنتهم ، هذا إذا كانت ” الواو ” حالية .

وقال بعض العلماء : إنه استغفار لفظي وإن كان في بيت الخلاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك .

والقول الأول هو الأقرب .

وإذا كانت الواو استئنافية أو عاطفة تكون هذه الجملة :

( ونستغفر الله ) تكون خارج بيت الخلاء .

(  ومن الفوائد )

أن في هذا الحديث ردا لقول بعض الفقهاء الذين يقولون ” يكره استقبال النيرين “

ما هو النيران ؟ ” الشمس والقمر “

فيقولون ” يكره للإنسان حال قضاء الحاجة أن يستقبل أو أن يستدبر الشمس والقمر “

لكن هذا الحديث يرد عليهم ، لأنه قال :

وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا  .  

ومعلوم أنه إذا شرقوا استقبلوا الشمس وإذا غربوا استقبلوا الشمس .

 

 

 

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث موجه إلى أهل المدينة ، لأن قبلتهم هي ” الجنوب ” وبالتالي فإنهم لا يستقبلون حال قضاء الحاجة لا جهة الجنوب ولا جهة الشمال ، لكن نحن في ” الرياض ” قبلتنا ” الغرب ” فلا نشرق ولا نغرب ، لو شرقنا أو غربنا وقعنا في النهي .

وهذا كحديث السنن ( ما بين المشرق والمغرب قبلة )

هذا فيما يخص أهل المدينة ومن تكون قبلتهم كقبلتهم ، أما نحن ” ما بين الشمال والجنوب قبلة “

( ومن الفوائد )

أن على العالم إذا نهى عن شيء فعليه أن يفتح للناس أشياء أخرى ، وهذه هي طريقة الشرع ، ولذلك لما نهى الله عز وجل في قوله :

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا }البقرة104

أتى بفتح باب أخرى ، فنهي المسلمون أن يقولوا ( راعنا ) مأخوذ من الرعونة ، فكان هذا اللفظ ليس بلائق أن يقولوه ، وإنما كان اللفظ إذا أرادوا أن يستمهلوه أن يقولوا ” انظرنا ”

وهذا الحديث الذي معنا يؤكد ما جاء في القرآن ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن استقبال القبلة ببول أو غائط وجه إلى فتح طريق آخر وهو ( شرقوا أو غربوا )

ونحن نحتاج هذا في مثل هذا الزمن ، لأن الأهواء قد كثرت والنفوس تغيرت والإقبال على المحرمات قد كثر ، فإذا نهي عن شيء يفتح باب آخر ، لأن الناس في مثل هذا الزمن إذا منعت الشيء قالوا ” كل شيء حرام ؟ ” وهذه الكلمة نسمعها كثيرا  ، ولذا على طالب العلم أو على العالم أو على من تنصَّب لإفادة الناس أنه متى ما نهي عن شيء فعليه أن يفتح بابا آخر مباحا ، ولاسيما مع عموم الناس ، أما طلاب العلم فإنهم يعلمون أن هذا حرام ، ففتح الأبواب المباحة للناس طريقة شرعية جاء بها القرآن وجاءت بها السنة المطهرة .