شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ حديث 113
( باب الغسل )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
فقد قال الحافظ بن حجر رحمنا الله وإياه
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ, عِنْدَمَا أَسْلَم – وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يَغْتَسِلَ.
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَأَصْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قصة ثمامة رضي الله عنه
أصلها في الصحيحين ، وهذا الرجل هو من كبار بني حنيفة في اليمامة وهذا الرجل عاهد نفسه إن تمكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتله فقدّر الله عز وجل وإذا بثمامة يقع أسيرا في يد سرية من سرايا المسلمين كانت تحمي حدود المدينة
وكانت وجهته إلى مكة لأداء العمرة على طريقة الشرك وأهله ، فأخذه الصحابة رضي الله عنهم وربطوه في سارية من سواري المسجد فلما دخل رآه صلى الله عليه وآله وسلم فقال { ما عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير ، إن تقتُل تقتُل ذا دم وإن تُنعم تُنعم على شاكر ، وإن أرادت المال فسل منه ما تشاء }
{ إن تقتل تقتُل ذا دم } يعني أن دمه شريف ليس كدماء أحد من الناس
أو { إن تقتل تقتُل ذا دم } يعني أن دمه عظيم لن يسكت عنه من قبل قومه
وإما وهو الاحتمال الآخر { إن تقتُل تقتُل ذا دم } يعني من هو مستحق للقتل لأن ثمامة أراد أن يقتله فقال صلى الله عليه وآله وسلم { أطلقوا سراحه }
فذهب واغتسل في حائط قريب من المسجد ثم أتى
وشهد{أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}
فقال : { يا رسولَ الله والله ما كان أحدٌ أبغَضَ إلى من وجهِك حتي صار وجهكُ أحب الوجوه إلىّ ، وما كان دين أبغض من دينِك حتى صار دينكُ أحب الأديان إلىّ ، وما كان هناك من أرضٍ أبغض إلىّ من أرضك حتي أصبحت أحب الأرضين إلىّ ، وإنّي أردت العمرة فأذن لي }
فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا دخل مكة لبّى بتلبية الإسلام على غير المعتاد فاجتمعوا عليه لأنه كسر كبرياء قريش وهم لا يعلمون من هو فاجتمعوا إليه ليضربوه فعرفه بعضهم
فقال: أتدرون من هذا هذا ثمامة شريف بني حنيفة والله إن أصبتموه بسوء ليمنعنَّ قومه عنّا المؤونة وكانت الحبوب تأتي من اليمامة
فقالوا له : أصبوتَ يا ثمامة ؟
قال: لا بل شهدتُ شهادة الحق
ثم قال: والله إن عدتُ إلى اليمامة والله لن يصل إليكم منها حبةُ قمح حتى تُسلموا أو يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فلما رجع ضرب عليهم الحصار ولم تصل إليهم حبة قمح حتى تعبوا وأنهكوا
فشكوا الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكّروه بصلة الرحم فأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث ثمامة بالحبوب إلى قريش
وهذا إن دل يدل على عظيم خلقه وسيرته صلى الله عليه وآله وسلم فلا تحصر الدعوة بالقول وإنّما أبلغ ما يكون من الدعوة دعوة الغير أن تكون بالفعل وبحسن خلق ، ولذلك الصحابة رضي الله عنهم لمّا فُتحت البلاد نشروا فيها الدين وهم والتابعون ومن بعدهم لم يذهبوا لنشر العلم فقط
لا
بل بعضهم ذهب للتجارة لكنّه حمل في تجارته ليست البضاعة وحدها وإنّما حملوا معها حسن التعامل حسن الرفق بالأخرين فهم أعطوا في تصرفاتهم وفي أقوالهم الصورة الحسنة الجميلة عن الإسلام التي تكفي عن مئات بل ملايين الكلمات .
ولو أن المسلمين في هذا العصر حرصوا على هذا الجانب غنموا مغنما عظيما
كيف ؟
هناك من الكفار في بلاد المسلمين ما هو عظيم العدد لا نحتاج فيه إلى أن نسافر ، ولله الحمد هناك طائفة من الناس يحسنون التعامل مع هؤلاء ونرى أعدادا كبيرة ممن يسلموا
فهو صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة في قصة ثمامة وفي غيره مع أنه سيد ، ثم ليست شريعته شريعة انتقام وإلا فمثل هذا لو أنّه كان بين يدي ملك من ملوك الدنيا لضرب عنقه
ومع ذلك أطلق سراحه ليختار بنفسه ما يريد
فذهب رضي الله عنه واغتسل
والشاهد من إيراد هذه أن فعل ثمامة وهو الغُسل يدُلُ على فضيلة الاغتسال بعد الدخول في الإسلام
لكن
أهو واجب أم أنّه مسنون ؟
خلافٌ بين أهل العلم
ومكمنُ الخلاف
أمره صلى الله عليه وآله وسلم لقيس بن عاصم
أمره لمّا أسلم أن يغتسل وبالتالي
أهو صلى الله عليه وآله وسلم أمر غيره من المشركين لمّا أسلموا بأعداد كبيرة أأمرهم بالاغتسال كما أمر قيسا ؟
هنا نشأ الخلاف
بعض العلماء يقول يجب الغُسلُ على من أسلم مطلقا فبمجرد إسلامه يلزمه الغُسل
بعض العلماء يقول يلزمه غُسل إذا أتى بموجب من موجبات الغسل في حال كفره فربما يكون في حال كفر جنبا ولا يسلم هؤلاء من الجنابة فيقول إن أتى بموجب من موجبات الغسل فإنّه يغتسل وإلاّ فلا .
وقال بعض العلماء لا يغتسل مطلقا سواء وجد في حال كفره ما يوجب الغسل أم لم يوجد ،
والدليل قالوا إنّ الإسلام يجبُّ ما قبله
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } الأنفال 38
لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر من أسلم أن يغتسل ويقولون إن حديث قيس بن عاصم ضعيف ولو قيل بصحته فإنه يُحملُ على الاستحباب .
بينما من يقول إنه يلزمه الغسل إذا أتى بموجب من موجبات الغسل حال الكفر
يقولون هذا القول منكم ضعيف
كيف ؟
لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أسلمت تلك الأعداد لم يسأل أحدا منهم هل أتيت بموجب من موجبات الغسل ؟ لم يسأل
والأقرب في هذه المسألة
أنّه يلزمه الغسل لأمره صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قيس ابن عاصم ،
وأمّا كونه صلى الله عليه وآله وسلم لا يأمر تلك الأعداد الأخرى لا يعني سقوط هذا الحكم عنهم
لأن هذا الأمر المتوجّه إلى واحد يتوجّه إلى الجميع ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم { قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة }
يعني لمّا يكون موجّها لامرأة فهو موجّه للجميع
لكن
ليكن المسلم حكيماً
تصور لو أنّه رفض الغسل فلا يلزم حتى لا نضيع علينا حسنة إسلامه ولذلك هذا الشأن ينسحب على الاختتان
تصور لو أنه لم يرض أن يختتن هو هو لا يُلزم فيُترك
إن هداه الله عز وجل لهذا الأمر فبها ونعمت وإلا فبقاؤه على الإسلام خير من أن نخسره
ولذلك ما يفعله بعض الناس من المتسرعين أنّه إذا أسلم شخص ألزمه مباشرة بالاختتان بل ينفر وبالتالي فإن على المسلم أن يكون حكيماً وأن يراعي المصالح والمفاسد
الشرع مبني في قواعده كما قال شيخ الإسلام رحمه الله على تكثير المصالح وتقليل المفاسد
بعض الناس لمّا يرى شخصا على منكر يقول لابد أن أنكر عليه ولا ينظر إلى ما يترتب عليه من المصالح أو المفاسد
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين يقول رحمه الله
{ من شروط إنكار المنكر ألا يترتب على إنكاره منكرٌ أكبر فإن ترتب على إنكاره المنكر منكرٌ أكبر فلا ينكر } يقول { وهذا نظير من ينكر على الزعماء والرؤساء والملوك فلا يستجيبوا له ثم يخرج عليهم}
يقول { كم وقعت من المفاسد } يقول { لو سبرت حال الأمة الإسلامية في جميع أحوالها } يقول { لرأيت أنّ أعظم ما أصيبت به الأمة من شرور من هذا الباب أنّه طُلب إزالة منكر فترتب على إزالته منكر أكبر }
ولذلك عبارة بعض السلف { ليكن أمرك بالمعروف معروفا ونهيك عن المنكرِ غير منكَر}
ولهذا قواعد وأمثلة كثيرة جداً لا تحصى يعني قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة { لولا أنّ قومك حديثو عهدا بكفر لنقضتُ الكعبة وجعلت لها بابين } يريد أن يعيدها لما فتح مكة يريد أن يعيدها على أسس وقواعد إبراهيم عليه السلام
خشي لو أعادها أن من أسلم يرتد
تركها على ما هي عليه مفسدة فكونها تعاد على أسس إبراهيم عليه السلام مصلحة مع هذا ترك هذه الأمر خيفة من أن يترتب على إزالة هذه المفسدة مفسدة أكبر
والشواهد في هذا كثيرة
ولذلك ليكن المسلم حكيماً { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } النحل 125
غير هذا
هناك مسألة ليست مسألة وفاق
الصحيح من قولي العلماء أنه يصح إسلام على الشرط الفاسد
تصور لو أتانا إنسان وقال أنا اسلم لكن لا تأمرونّي بصلاة الفجر أسقطوها عنّي لا يمكن أن أقوم للفجر فنقول أسلم ولك شرطك فإن أسلم فإن شرطه فاسد ويُلزم بعد دخوله الإسلام بصلاة الفجر
ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في قصة ثقيف لمّا أتوا كما في المسند قالوا له : { لا تُلزمنا بصدقة وبجهاد قال لكم ذلك ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : سيصّدّقون وسيجاهدون }
وأتى رجل فقال { يا محمد أسلم ولكني أنا كاره ، قال : أسلم ولو كنت كارها }
وجاء أخر وقال : { أسلم ولكن لا أصلي إلا صلاتين قال : أسلم }
{ ولمّا أسلم حكيم ابن حزام أسلم على أنّه لا يخر إلا قائماً } بمعنى أنه يقول أنا أسجد دون أن أركع سأسلم وأصلي ولكن لا تلزمني بالركوع .
فهذه أمثلة تدل على عظم هذا الدين ، لأن أهم ما لديك وأهم ما تتطلع إليه نفوس الدعاة الحقيقيين أن يدخل الناس في دين الله كونك تخرجهم من الشرك أو كونك تدخلهم في دين الله هذه من أعظم الأمور.
ولذلك العقيدة يجب أن يطرق بابها ويجب أن توضح وتُبيّن للناس فهي أعظم من أي أمر أخر ، لأن التوحيد إذا هلك هلك الدين وبالتالي فلتحرص على أنّك تحقق بأي طريقة كانت إدخال هؤلاء الكفار في الدين .
ولو أردنا أن ندخل في فوائد قصة ثمامة أخذنا أشياء كثيرة لكن المقصود هنا هو الغسل
ولذلك المصنف رحمه الله ذكر ما يخص الغُسل بعد الإسلام
ثم أيضا غير الاختتان الشعر
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال { ألق عنك شعر الكفر واختتن }
مما يستحب لمن أسلم أن يزيل كل ما علق في بدنه من شعور مما يجوز أخذه مثل الرأس مثل الإبط العانة لأنّها شعور نبتت على الكفر ولذلك أضافها إلى الكفر قال
{ ألق عنك شعر الكفر }
فخلاصة القول أن الحكمة مطلوبة في الدعوة إلى الله عز وجل .